برنامج النظرية الاجتماعية
السؤال الأساسي الذي تطرحه النظرية الاجتماعية عند هابرماس هو: كيف يكون النظام الاجتماعي مُمكنًا؟ ويجيب هابرماس بأنه في المجتمعات الحديثة العلمانية يرتكز النظام الاجتماعي في المقام الأول على الفعل التواصلي (الفعل الذي يتم تنسيقه بواسطة ادعاءات الصحة) وعلى الخطاب اللذين يساعدان معًا في تأسيس الاندماج الاجتماعي والحفاظ عليه؛ أي إنهما يوفران المادة اللاصقة التي تجمع بين أجزاء المجتمع. ويفعل هابرماس ذلك عن طريق نظرية تتألف من جزأين يدعم كلٌّ منهما الآخر، يقعان تقريبًا في المجلد الأول والمجلد الثاني من «نظرية الفعل التواصلي». الجزء الأول مفاهيمي في المقام الأول. يقدم هابرماس تمييزًا قاطعًا بين الفعل التواصلي والفعل الأداتي أو الاستراتيجي، ثم يحاول أن يبرهن على أن الثاني يعوِّل على الأول. أما الجزء الثاني فهو عبارة عن علم وجود اجتماعي؛ وهي نظرية للهيئة التي عليها المجتمع ومكوناته المتشكل منها. يذهب هابرماس إلى أن المجتمعات الحديثة تتكون من نطاقين أساسيين من النشاط الاجتماعي، العالم المَعيش والنظام، وهما نظيران ومحلان للفعل التواصلي والأداتي على الترتيب.
(١) الحجة المفاهيمية
يميز هابرماس بين الفعل التواصلي من ناحية والفعل الأداتي والاستراتيجي من ناحية أخرى. (إنني أضع الفعل الأداتي والاستراتيجي في السلة نفسها. ولكنْ هناك في الواقع فارق مهم بين الفعل الأداتي والاستراتيجي؛ فبحسب هابرماس، يكون الفعل أداتيًّا عندما يُقْدِم الفاعل على فعل كوسيلة لتحقيق غاية مرجوة؛ أما الفعل الاستراتيجي فهو ضرب من الفعل الأداتي ينطوي على حَمْل الآخرين على القيام بأفعال كوسيلة لتحقيق المرء غايتَه. والنقطة المحورية هي أن كليهما يختلف عن الفعل التواصلي.)
الفعل الأداتي هو النتيجة العملية للمنطق الأداتي؛ أي تقدير أفضل السبل للوصول إلى غاية بعينها. يقول هابرماس بأن هناك معيارين للفعل الأداتي: الأول أن غاية الفعل تتحدد مُسبقًا وباستقلالية عن وسيلة تحقيقها، والثاني أن الغاية تتحقق بتدخل سببي في العالم الموضوعي. ولا يفي الفعل التواصلي بالمعيارين السابقين؛ وذلك لأن هدفه المتأصل — وهو إقرار ادعاء بالصحة وقبوله — يستحيل أن يتحدد بمعزل عن وسيلة تحققه، وهي الكلام، وهو ليس بالشيء الذي يمكن إنجازه سببيًّا.
ولندركَ العلة، يجب أن نرجع إلى مثال سابق؛ لكي تمنعني من التدخين، يمكنك ببساطة أن توجه مِطفأة الحريق ناحيتي وتقول لي: «إذا أشعلت سيجارتك، فسأطفئها بهذه مِطفأة.» لنفترض أن لديَّ من الأسباب ما يجعلني أتعامل مع تهديدك بجدية، وأريد أن أتجنب رذاذ مِطفأة الكاسح. في هذه الحالة أنت نجحت في جعلي أُذعن لك. ولكن، لن يكون فعل الإذعان طوعيًّا من جانبي بالمعنى المعتاد للكلمة؛ وذلك لأن خيار الرفض ليس بالخيار الذي يمكنني أن أستقر عليه جديًّا؛ ولذا، فقد قمت أنت بحملي أو إرغامي على الإذعان لطلبك. في السيناريو البديل الموضح في الفصل السابق، ستجد أنك تنجح في إقناعي (بإذعاني لطلبك) على أساس قبولي لأسبابك التي سُقتها. وهذا القبول أو تحقيق الإجماع ليس بالشيء الذي تسببت فيه، بل هو نتيجة عملية ثنائية دعوتني فيها، إذا جاز التعبير، إلى المشاركة.
لا يكتفي هابرماس بالدفع بأن الفعل التواصلي والفعل الأداتي نوعان متمايزان من الأفعال، بل يزعم أنهما أساسيان ولا يمكن اختزالهما إلى أنواع أخرى. وهذا التمايز مفاهيمي وواقعي في الوقت نفسه. وهناك طريقتان يمكن من خلالهما فهم الفعل، وطريقتان مختلفتان يستطيع من خلالهما الفاعلون الحقيقيون التواصل في العالم الاجتماعي.
الخطوة الثانية في الحجة أصعب في إدراكها وفهمها؛ فالنتيجة التي يريد هابرماس أن يصل إليها واضحة، لكن الحجة التي يسوقها غامضة. يريد هابرماس أن يثبت أولًا: أن التفسير الوافي للمجتمع يجب أن يعطي أعلى مرتبة لمفهوم الفعل التواصلي، وثانيًا: أن كل الأفعال الناجحة في العالم الواقعي تعتمد على القدرة على الوصول إلى إجماع. وتحقيقًا لهذه الغاية، يُجري هابرماس تحليلًا لنظرية فعل الكلام، وخاصة للفارق بين أثرَيِ «الإنطاق» و«الاستنطاق». أول مَن تحدث عن هذا الفارق كان فيلسوف أكسفورد جيه إل أوستن (١٩١١–١٩٦٠)، وهو أحد مؤسسي فلسفة اللغة العادية. وكالعادة يهيئ هابرماس الفارق لخدمة أغراضه الخاصة. بحسب هابرماس، فإن أثر الإنطاق لفعل الكلام هو توليد الإجماع المدفوع بالعقلانية، أو الحصول على غاية بعينها (على سبيل المثال، إقناعي بألا أدخن) عن طريق الوصول إلى إجماع. يوضح المثال السابق ببراعةٍ هذه النقطة؛ فهدف الإنطاق لما لفظتَه من كلام ليس حملي وحسب على ألا أدخن، بل إقناعي بقبول طلبك باعتباره صحيحًا أو معقولًا، وإذعاني له طواعية. وفي المقابل، فإن أثر الاستنطاق هو الأثر الذي يتمتع به فعل الكلام بخلاف تحقيق الفهم. بتحذيري لك، قد أثير ذعرك أو ربما أدفعك للضحك. أما آثار الاستنطاق فهي خفية، لكنها ربما تكون محمودة أو مذمومة، أو ربما لا تكون محمودة ولا مذمومة.
يقول هابرماس إن أفعال الكلام ذاتية التفسير. فعندما أرى شخصًا يجري على الطريق من أمامي، فربما أنه يفر أو أنه في عجلة من أمره أو أنه يتريض. عادةً ما سأفسر أفعاله بأن أنسب مواقف افتراضية معينة له على أساس سلوكه أو مظهره الخارجي، كما فعلنا بالضبط في حالة الحطَّاب في الفصل الثاني. لست بحاجة لأن أفعل ذلك في وجود أفعال الكلام؛ وذلك لأن هدفها الإنطاقيَّ معروف للجميع. فإذا طلبت من طالب يجلس إلى جوار نافذة ما في إحدى الندوات أن يفتح النافذة، فسيعرف غايتي، وربما سيكون لديه فكرة جيدة عن دوافعي. يوضح فعل الكلام الخاص بي نيَّاتي وغاياتي. والآن، من الممكن استخدام الكلام أيضًا استراتيجيًّا لتحقيق غايات خفية أو آثار استنطاق؛ فقد أحاول أن أُخْلي المكتبة بأن أصرخ «حريق!» بطريقة مثيرة للذعر وتنمُّ عن ذعري بشكل ملائم للموقف. ولن تُكلَّل محاولتي هذه بالنجاح إلا إذا حسب الناس الذين يسمعونني أنني أحذرهم حقًّا من اندلاع حريق. إنهم يستطيعون فهم «قولي»، لكنهم لا يدرون ما «أفعله» حقًّا بكلامي الملفوظ ما دامت غاية الاستنطاق لما لفظتُه ليست واضحة للعيان. ولمعرفة المعنى الحقيقي لكلامي الملفوظ، يجب على المستمع بطريقة ما أن يصل إلى غايتي الاستراتيجية الكامنة أو الخفية. ولكن وصوله هذا لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق فعل الكلام الإنطاقي. إن الهدف من تحليل هابرماس لأفعال الكلام هو إثبات أن غاياتِ الإنطاق، لأنها واضحة للعيان في الأساس، أبسطُ نظريًّا وبراجماتيًّا من غايات الاستنطاق. ويتوسع هابرماس في هذه النقطة إلى الأفعال الأداتية والاستراتيجية عمومًا، ويستنبط أنها تعوِّل على الفعل التواصلي، في حين أن الفعل التواصلي أساسي ومستقل. واستنادًا إلى رأي هابرماس، فإن تهديدك باستخدام مِطفأة الحريق في وجهي قد يحقق الأثر المرجوَّ، لكنني لن أستوعب أفعالك بالكامل حتى أفهم الأسباب الداعية لها وأَقْبَلها.
ثمة خلاف على تحليل هابرماس، وطريقة استدلاله صعبة التتبع، لكننا نستطيع أن نرى النتيجة التي يسعى إليها؛ وهي أن معاني أفعال الكلام والأفعال عمومًا لا يمكن فهمهما بشكل أداتي. وهذا جزء محوري من حجة هابرماس التي يسوقها ضد الروايات الفردية والأداتية للنظام الاجتماعي. ولا يمكن للتصورات الذرية والأداتية للمجتمع أن تفسر ظاهرة التواصل بين الفاعلين؛ ومن ثم فهي لا تميز أثرها التكاملي على المجتمع. يمكننا الآن إدراك السبب وراء ظن هابرماس أن الإجابة التقليدية على مسألة فهم معاني الأفعال تمزج بين نظرية المعنى الخاطئة وتصور زائف عن العقلانية. بناءً على التصور التقليدي، يعتمد معنى الأفعال على شروط صحة المواقف الافتراضية المنسوبة إلى الأفراد على أساس سلوكهم الخارجي، والاستنباطات المنطقية التي تجري في رأس كلٍّ منهم. والنتيجة تصور زائف للمجتمع باعتباره مجموعَ مفكريه المفردين، يُقَدِّر كل واحد منهم الطريقة المثلى للسعي وراء غاياته الخاصة. ويتفق هذا التصور مع وجهة نظر أنثروبولوجية واسعة الانتشار، مفادها أن البشر يهتمون بالمصلحة الذاتية أصلًا، وهي وجهة النظر الممتدة من اليونانيين القدماء ومنهم إلى الفلسفة الحديثة المبكرة وصولًا إلى العصر الحالي. إن النظرية الاجتماعية الحديثة، في ظل تأثير هوبز أو نظرية الاختيار العقلاني، تنظر إلى المجتمع بمعطيات شبيهة. في رأي هابرماس، تتجاهل هذه السبل الدور المحوري للتواصل والخطاب في تشكيل الروابط الاجتماعية بين الفاعلين؛ ومن ثم فهي تشتمل على تصور قاصر للارتباط البشري.
(٢) علم الوجود الاجتماعي
علم الوجود الاجتماعي عند هابرماس هو نظرية تتناول تكوين المجتمع في أواخر القرن العشرين. وفي قلب هذه النظرية يكمن الفارق بين العالم المَعيش والنظام؛ وهما نطاقان متمايزان للحياة الاجتماعية؛ لكلٍّ منهما ما يميزه من قواعد ومؤسسات وأنماط سلوكية، إلخ. إن العالم المَعيش والنظام هما محلا الفعل التواصلي والفعل الأداتي على الترتيب، وهنا أيضًا يزعم هابرماس أن النظام يعتمد على العالم المَعيش. وقبل أن نصرح بأي شيء عن علاقتهما، نحن بحاجة إلى دراسة هذين الاصطلاحين عن كَثَب.
(٢-١) العالم المَعيش
العالم المَعيش مفهوم يشير إلى الحياة اليومية التي نُشاطرها الآخرين. استخدم الفيلسوف الألماني إدموند هوسرل (١٨٥٩–١٩٣٨) — الذي أسَّس علم الظواهر وتتلمذ على يده مارتن هايدجر — هذا المصطلح لأول مرة من أجل المقارنة بين الموقف الطبيعي ما قبل النظري لعامة الناس من العالم بالمنظور النظري، والتشييئي، والحسابي للعالم. يفعل هابرماس شيئًا شبيهًا؛ فالعالم المَعيش هو الاسم الذي يستخدمه للنطاقات غير الرسمية وغير المُسَوَّق لها من الحياة الاجتماعية: كالعائلة والأسرة، والثقافة، والحياة السياسية خارج إطار الأحزاب المُنَظَّمَة، ووسائل الإعلام الجماهيرية، ومنظمات العمل الطوعي، وما إلى ذلك.
هذه النطاقات غير المنظمة للنشاط الاجتماعي توفر مخزونًا من المعاني والتفاهمات، وأفقًا اجتماعيًّا للِّقاءات اليومية بالآخرين. وهذا الأفق هو الخلفية التي يحدث في إطارها الفعل التواصلي. إن استخدام استعارة «الأفق» من علم الظواهر له هدف توجيهي؛ فالأفق يرسم حدود مجال رؤية البشر تحت الظروف الطبيعية. ومجال الرؤية موحد، لكنه ليس كلًّا كاملًا ما دام يستحيل استيعابه كله مرة واحدة. ولا يسعنا استيعاب الأفق بالكامل في مجال رؤيتنا؛ لأننا لا نستطيع أن نرى إلا في اتجاه واحد في كل مرة. والأفق أيضًا منظوري؛ فالحدود تتبدل، ولو ببطء، عندما نتحرك. وفي المقابل، فإن حدود أي شكل هندسي أو قطعة أرض تكون ثابتة وقابلة للقياس.
وقياسًا على ذلك، تشكِّل المعاني والتفاهمات المشتركة للعالم المَعيش وحدةً واحدة وليس مجموعًا كليًّا. وأي جزء من هذه الشبكة يمكن صياغته على هيئة فكرة، لكن يستحيل صياغته كله في آن واحد. إن محتويات العالم المَعيش قابلة للمراجعة والتغير، ولكن التغير الذي يحدث في العالم المَعيش يكون تدريجيًّا بالضرورة. لاحظ أن التغير، مع أنه تدريجي، قد يكون مع ذلك راديكاليًّا وكاملًا. لا يوجد أي سبب يعلل أن كل جزء من العالم المَعيش لا ينبغي مراجعته أو استبداله في نهاية المطاف. وهذه خاصية يشترك فيها العالم المَعيش مع اللغة؛ وهذا الاشتراك لم يكن وليد المصادفة؛ لأن التواصل هو الوسط الذي يوجد فيه العالم المَعيش. وضع الفيلسوف أوتو نويرات (١٨٨٢–١٩٤٥)، الفيلسوف اللغوي المنتمي إلى مدرسة فيينا، تصورًا واضحًا لموقفنا اللغوي. إننا على متن قارب في عرض البحر، ولا يمكننا أن نرسو بالقارب في حوض السفن الجاف لنفحصه من الخارج، لكننا نستطيع استبدال أي لوح خشبي معطوب بالقارب مع الإبقاء على القارب في حالة طفو دائم. والشيء نفسه ينطبق على العالم المَعيش. استنادًا إلى تصور هابرماس، تُوكَل مهمة تنفيذ إصلاحات طفيفة بالعالم المَعيش إلى الفعل التواصلي والخطاب.
للعالم المَعيش العديد من الوظائف. فهو يوفر السياق للفعل؛ أي إنه يشمل مخزونًا من الفرضيات المشتركة والمعارف المسبقة، ومن الأسباب المشتركة التي على أساسها قد يتوصل الفاعلون إلى إجماع. وما دام هذا السياق المشترك في الخلفية أو، على حد قول هابرماس، دون أن يصاغ في شكل فكرة محددة، فسيظل أثره خفيًّا، لكنه سيؤدي وظيفته؛ ألا وهي جعْل التوصل إلى إجماع ممكنًا ومعتادًا حقًّا؛ ولذا، من ناحية، فهو قوة للإدماج الاجتماعي. وفي الوقت نفسه، فإن منظومة الاتفاق التي يكفلها العالم المَعيش هي شرط إمكانية التفكير النقدي والاختلاف الممكن.
إجمالًا، إن العالم المَعيش حفيظ على المعنى الاجتماعي، بمعنى أنه يَحُد من إمكانية حدوث الشقاق والخلاف وسوء الفهم الذي يصاحب أي حدث من أحداث التواصل والخطاب. كلما وقع فعل تواصلي ناجح، تم التوصل إلى إجماع يصب مرة أخرى في العالم المَعيش ويجدده؛ ولذا، فالعالم المَعيش يدعم الفعل التواصلي، والفعل التواصلي بدوره يُغَذي العالم المَعيش عن طريق إثراء مخزون المعرفة المشتركة؛ ولذا، فالعالم المَعيش قادر على أن يعمل عمل حائط الصد ضد التفكك الاجتماعي؛ إذ يقاوم تشظِّي المعاني، ويحُول دون نشوء تضارب في الأفعال.
وأخيرًا، العالم المَعيش هو الوسط الذي يحدث فيه الاستنساخ الرمزي والثقافي للمجتمع، وهو الوسيلة التي يتم من خلالها توريث التقاليد، مع أنها تمر عبر العدسات الناقدة للتواصل والخطاب. في الظروف الطبيعية؛ أي في ظل غياب الاضطرابات الاجتماعية الهائلة، يعمل العالَم المَعيش عمل الوسط في نقل كل أشكال المعرفة وتطويرها؛ المعرفة الفنية والعملية والعلمية والأخلاقية.
(٢-٢) النظام
يشير النظام إلى البِنى الرسوبية والأنماط الراسخة للفعل الأداتي. ويمكن تقسيمه إلى نظامين فرعيين مختلفين هما المال والسلطة، وفقًا للغايات الخارجية التي تفرضها على الفاعلين. يشكل المال والسلطة «الإعلام الموجه» الخاص بهما (أي آليات التوجيه والتنسيق المتأصلة) للاقتصاد الرأسمالي من ناحية، وإدارة الدولة والمؤسسات ذات الصلة كالخدمة العامة والأحزاب السياسية التي تقرها الدولة من ناحية أخرى. وفقًا لهابرماس، تشق أنظمة المال والسلطة لنفسها قنوات عميقة في الحياة الاجتماعية؛ مما يترتب عليه أن الفاعلين يقعون بطبيعة الحال في أنماط راسخة مسبقًا من السلوك الأداتي. على سبيل المثال، أي شخص يعمل لدى شركة، سواء أكان من كبار التنفيذيين أو موظفًا بسيطًا، سيقوده الدور الذي يتقلده إلى أنماط أفعال بعينها سعيًا لتحقيق أهداف مالية. وما دامت أهداف الفعل الأداتي تتحدد سلفًا وبمعزل عن التوصل إلى الإجماع، فإن أغلب الأهداف النهائية الموجهة إليها أفعال المنتمين إلى النظام محددةٌ مُسبقًا، وليست مختارة من قِبلهم. علاوة على ذلك، فهي لن تكون دومًا ظاهرة للفاعلين الذين يعملون على تحقيقها. وسواء أكان مشجعي فريق مانشستر يونايتيد لكرة القدم على دراية بذلك أم لا، فإن أفعالهم تخدم هدف تحقيق مكاسب للشركة المالكة للفريق تكون كافية لتوزيع الأرباح على حَمَلة الأسهم بها.
الوظيفة الأساسية للأنظمة الفرعية للمال والسلطة هي الاستنساخ المادي للمجتمع؛ أي إنتاج السلع والخدمات وتوزيعها. لكنها تلبي وظيفة أخرى مهمة جدًّا شبيهة بوظيفة العالم المَعيش؛ وذلك لأنها تنسق بين الأفعال، ولها أثر تكاملي خاص بها. ويطلق هابرماس على هذا الأثر اسم «تكامل النظام»؛ تمييزًا له عن «التكامل الاجتماعي»، وهو الأثر الذي يحققه العالم المَعيش. وبينما أمست المجتمعات أكبر حجمًا وأكثر تعقيدًا في فجر التصنيع والتحديث، وإذ أصبح الناس أكثر حركة، أضحى التكامل الاجتماعي أكثر صعوبة يومًا بعد يوم. وفي ظل هذه الظروف، خففت أنظمة كالاقتصاد وإدارة الدولة العبءَ الواقع على التواصل والخطاب؛ فهي تساعد على الحفاظ على تماسك المجتمع.
يمكننا أن نرى هنا كيف يختلف هابرماس عن أدورنو وهوركهايمر اللذين يتبنَّيانِ وجهة نظرٍ تكاد تكون سلبية بالكامل تجاه العقلانية الأداتية عامةً والاقتصاد الرأسمالي خاصةً. هابرماس ليس عدائيًّا تجاه العقلانية الأداتية في حد ذاتها، ولا تجاه المؤسسات التي تجسد منطقها الأداتي، وهي الدولة واقتصاد السوق؛ فهو يدرك أنهما يؤديان وظائف اجتماعية ضرورية ومهمة، وأن إلغاءهما أو الاستغناء عنهما ليس خيارًا متاحًا.
(٢-٣) بعض الاختلافات بين العالم المَعيش والنظام
يقر هابرماس بإسهامات النظام في الحياة الاجتماعية، لكنه حريص كل الحرص على بيان الأخطار الكامنة في تكامل النظام. أولًا: أنظمة المال والسلطة توجه الفاعلين باتجاه غايات لا ترتبط بالفهم أو الإجماع. وتترتب على ذلك تبعتان؛ الأولى: أننا قد نغفل المعنى الكامل أو الأهمية الكاملة لأفعالنا الاقتصادية والإدارية، وهو ما يحدث كثيرًا؛ فالأنظمة تُرسِّخ وتدعم أنماطًا من الفعل يُخفي فيها الفاعلون أهدافهم، ولا يتأملون غايات فعلهم؛ ولذا، فإن لدى الأنظمة نوعًا من اللانفاذية المدمجة بها، تمييزًا لها عن العالم المَعيش (موطن الفعل التواصلي) الذي تميل فيه معاني الأفعال والكلمات وغايات الفعل إلى أن تكون جلية للجميع ومفهومة. ثانيًا: الغايات النهائية للفاعلين في الأنظمة (على العكس من الفاعلين في العالم المَعيش) لا تَئُول إليهم حقًّا. فمن الممكن أن يختاروا السبل لا الغايات النهائية لأفعالهم. ومن ثمَّ، يمكن القول بأن العالم المَعيش يُفضي عامةً إلى الاستقلال الذي يُفهم باعتباره سعيًا لتحقيق غايات مختارة شخصيًّا، بطريقة لا يفضي إليها النظام.
ويستشعر الفاعلون هذا الفارق على النحو التالي: يُنَسِّق الفاعلون في العالم المَعيش أفعالهم عبر ادعاءات الصحة. والقيود التي تحكم أفعالهم وتنتج عن هذه العملية مفروضة طواعيةً وداخلية المنشأ بقدر ما تنشأ من الإقرار المتبادل بادعاءات الصحة. وفي المقابل، تفرض أنظمة المال والسلطة قيودًا خارجية على الفعل، ليس للفاعلين سلطان عليها بأي حال من الأحوال؛ ولذا، فإن النظام يتخذ هيئة يطلق عليها هابرماس «كتلة الواقع شبه الطبيعي»، وهو واقع مستقل ذو منطق داخلي استقلالي يستعصي على سيطرة البشر، ولا يمكن لهم تحمل مسئوليته، ولا ينبغي لهم تحمل تلك المسئولية.
(٣) استعمار العالم المَعيش
يثبت هابرماس أن المجتمعات الحديثة تتألف من توازن هش بين النظام والعالم المَعيش. علاوة على ذلك، لأن النظام مدمج في العالم المَعيش ويعتمد عليه حقًّا، فالأولوية للعالم المَعيش. وفقًا لهابرماس، العالم المَعيش وسطٌ مستقل وذاتي التجدد، في حين أن النظام ليس كذلك. النظام يستحيل أن يعمل إلا على أساس موارد المعنى المستخلصة من العالم المَعيش. هذه الأطروحة تجريبية في جزء منها، لكن هابرماس يبنيها أيضًا على الحجة المفاهيمية المؤيدة لأولوية الفعل التواصلي. فلأن العالم المَعيش يجسد أنماط الفعل التواصلي، ولأن النظام يجسد أنماط الفعل الأداتي، ولأن الفعل التواصلي سابق للفعل الأداتي؛ يجب أن يكون العالم المَعيش له أسبقية على النظام.
المشكلة هي أنه رغم أن النظام مدمج في العالم المَعيش ويعتمد عليه، يميل النظام إلى تخطي العالم المَعيش، وإحلال نفسه محله، بل وتدميره. إن نزوع النظام إلى «استعمار» العالم المَعيش يفضي إلى قدر أكبر من الهشاشة، والمزيد من إخلال التوازن أو عدم الاستقرار. وفكرة استعمار العالم المَعيش تشير إلى مجموعة مركبة من العمليات التاريخية والاجتماعية المؤذية في نهاية المطاف. بدايةً، تنفصل وسائل إعلام المال والسلطة الموجهة عن العالم المَعيش، ويصبح الاقتصاد الرأسمالي والنظام الإداري منفصمينِ تدريجيًّا عن نطاقَيِ الأسرة والثقافة ومؤسسات الفضاء العام كوسائل الإعلام الجماهيرية. ومع ازدياد شبكات الفعل الأداتي من حيث كثافتها وتعقيدها، فإنها تتدخَّل تدريجيًّا في العالم المَعيش وتستوعب وظائفه. وتُترك القرارات الاستراتيجية للأسواق، أو تُوكَل إلى المديرين الخبراء. وشيئًا فشيئًا تختفي شفافية العالم المَعيش، وتُحجب أسس الفعل والقرار عن المراجعة العامة والرقابة الديمقراطية الممكنة. وبينما يتضاءل نطاق العالم المَعيش، تنشأ مجموعة كاملة مما يطلق عليها هابرماس «الآفات الاجتماعية»، تتضمن — على سبيل المثال لا الحصر — الآثار السلبية للأسواق على النطاقات اللاسوقية التي تستعمرها.
الآفات الناتجة عن استعمار العالم المَعيش
(١) نقص المعاني المشتركة والفهم المتبادل (اللامعيارية).
(٢) تآكل الروابط الاجتماعية (التفكك).
(٣) تفاقم شعور الأفراد باليأس وعدم الانتماء (التغريب).
(٤) إعراض تبعيٌّ عن تحمل الأفراد مسئولية أفعالهم والظواهر الاجتماعية (تثبيط الهمم).
(٥) إخلال الاتزان وانهيار النظام الاجتماعي (عدم الاستقرار الاجتماعي).
وأخيرًا، بما أن النظام يعتمد حقًّا على العالم المَعيش، فإن العملية برمتها تترتب عليها حالات من عدم الاستقرار وأزمات في النظام. وبينما يوصف هابرماس بأنه ليس مناوئًا للسوق أو النظام، فهو أيضًا على دراية كاملة بالآثار الضارة المحتملة التي يمكن أن تكون للأنظمة (كالاقتصاد الرأسمالي والدولة وغير ذلك من المؤسسات الإدارية) على الحياة الاجتماعية وأفراد المجتمع.
(٤) هل نظرية هابرماس الاجتماعية نقدية؟
من بين أهداف هابرماس الأساسية في «نظرية الفعل التواصلي» تقديم بديل أكثر نفعًا، وسليم تجريبيًّا، ومتسق منهجيًّا للنظرية النقدية لكلٍّ من أدورنو وهوركهايمر؛ ولذا، فإن نظريته الاجتماعية مصمَّمة بحيث تكون نظرية نقدية. ولكن من أي جانب؟ ينكر بعض المعلِّقين أن نظرية هابرماس الاجتماعية نقدية من الأساس؛ فهم يرون تحليله قد أسهب في التبرير لنظام الاقتصاد المختلط ودولة الرَّفاه المؤسسية، واعتذارًا لديمقراطية وسط اليسار الاجتماعية الألمانية. ووجهة النظر هذه ليست متشددة وحسب، بل خاطئة أيضًا. فنظرية هابرماس عن استعمار العالم المَعيش تقدم لنا أجوبة أصيلة ومتعمقة ودقيقة عن السؤال التشخيصي: «ما الذي يعيب المجتمع الحديث؟ ولماذا؟» وتسلط الضوء على قضايا اللامعيارية والتغريب والتشظِّي الاجتماعي التي أصابت المجتمع الحديث.
وعلى النقيض من نموذج نقد الأيديولوجية، لا تستخدم نظرية هابرماس الاجتماعية الاستراتيجيةَ الانهزامية التي تنسب الأخطاء المتفشية واللاعقلانية إلى الفاعلين كتفسير مفترض لعلة قبولهم مؤسساتٍ وممارسات اجتماعية غاشمة وتأييدهم إياها. بدلًا من ذلك، ينسب إليهم هابرماس غايات استراتيجية وأداتية كامنة أو خفية متأصلة في النظام. وتصمد الأنظمة الاجتماعية الغاشمة، ليس لأن الأفراد تلتبس عليهم مصالحهم الشخصية، ولكن لأن أفعالهم تتسم بأنماط راسخة مسبقًا ومعقدة من الاستدلال الأداتي. ونظرًا لانعدام الشفافية المتأصل في الأنظمة الاجتماعية، تتجاوز أهمية الأفعال قدرة الفاعلين على فهمها وتحمُّل مسئوليتها.
هل نظرية هابرماس الاجتماعية نقدية انطلاقًا من كونها تستطيع تقديم علاجٍ؟ ربما يكون هذا السؤال خاطئًا. فهابرماس يقدم نظرية اجتماعية، والنظريات لا تصف علاجاتٍ. بالطبع إذا صحت النظرية، فمن الرائع أن تقي العالم المَعيش من الاستعمار عن طريق احتواءِ نظامَي المال والسلطة، لضمان وجود نطاقات كافية للحياة الاجتماعية حرة وغير مُسَوَّق لها لإحداث التكامل الاجتماعي وطَمْر نظامَيِ المال والسلطة. الإجابة ليست إلغاء الأسواق والإدارة (ممثَّلة في الاقتصاد والدولة)، بل احتواؤهما. ولكن، من غير الواضح كيف يمكن، إذا صح ذلك مطلقًا، تحقيق ذلك عمليًّا؟ ومن غير الواضح هُوية أو ماهية الملزم بتحقيقه. (من اللافت للنظر أن هابرماس يرى المهمة سياسية أكثر من كونها اجتماعية، وما خلص إليه لا يختلف عن «التحول البنيوي»؛ حيث عقد آماله على التحرر في ضوء إعادة إحياء الفضاء العام.) في «نظرية الفعل التواصلي»، يتحرى هابرماس الصراحة في تقييمه بأنه ما من فاعل، سواء بصفة جمعية أو فردية، يستطيع أن يضطلع بالمهمة. فالدولة، بقدر ما هي ليست جامدة بفعل الاقتصاد، جزءٌ من النظام؛ ومن ثم فهي واحدة من مصادر المشكلة لا الحل. ويطرح هابرماس ما يأمل أن يمتلكه من إصلاح في نظام دولة رَفَاه ديمقراطية، بقدر ما يمكن أن يتأثر بالمعتقدات الأخلاقية للأفراد، وجماعات الاحتجاج السلمية الموجهة سياسيًّا.
وتكمن المشكلة في أن مثل هذه الجماعات — التي يطلق عليها أحيانًا «الحركات الاجتماعية الجديدة» — لا سلطة بيديها فعليًّا. وإذا اكتسبت سلطة سياسية، بانتخابها لتتولى مقاليد الحكم، فقد يستحوذ عليها ببساطة النظام الإداري والسياسي. الوسيلة الوحيدة للإصلاح الاجتماعي التي تحددها نظرية هابرماس واهيةٌ، ومن المستبعد أن تُوقِف عملية الاستعمار، ناهيك عن إلغائها. ومن بين الاختلافات الكثيرة، يستطيع المرء أن يستشفَّ هنا صدًى للتشاؤم الذي يلازم النقد الاجتماعي لهوركهايمر وأدورنو.
هل هذه علامة على أن النظرية الاجتماعية لهابرماس ليست نقدية بالقدر الكافي، أم ببساطةٍ علامةٌ على أنه صادق وواقعي في تقييمه بأنه في العالم الرأسمالي المعاصر لن يقف الكثير في طريق التوسع الذي لا يتوقف للأسواق والإدارة؟ فيما يتعلق بالنقطة الأولى، ينكر هابرماس أن النظريات يمكن، أو حتى يُحتمل، أن تكون نقدية بالمعنى الماركسي لإشعال فتيل ثورة. لدى هابرماس مفهوم أبسط بكثير لما يمكن توقع تحقيقه من وراء النظرية الاجتماعية. فالنظريات الاجتماعية ليست هي نفسها محركات التغيير الاجتماعي، بل إنها تقدم ادعاءات بصحة الحقيقة. عمليًّا، النظريات الاجتماعية في أحسن الأحوال هي أدوات تشخيصية مفيدة تساعدنا في التمييز بين النزعات الضارة والتقدمية في المجتمع الحديث. وبالطبع يريد هابرماس أن يضع نهاية للاضطهاد الاجتماعي، ويمكن فهم حياته وأعماله في ضوء هذه الغاية. يظل هابرماس راديكاليًّا وإصلاحيًّا، لكنه واقعيٌّ ويعرف أن أغلب ما يمكن أن تحققه نظريته الاجتماعية مباشرة هو مساعدتنا في فهم أسباب الاضطهاد الاجتماعي.
يمكن اعتبار نظرية هابرماس الاجتماعية غير نقدية من منظور مختلف؛ وذلك لأنه يُعْرِض عمدًا عن توجيه أي انتقادات أخلاقية صراحةً للمجتمع الحديث. على سبيل المثال، يُحجم هابرماس عن القول بأنَّ توسُّع السوق يُحيل الناس إلى أفراد قساة القلب ينصبُّ اهتمامهم على أنفسهم وذواتهم، يرون الغير وسائلَ وحسبُ لتحقيق غاياتهم الشخصية. وثمة سبب وجيه لذلك. فنظرية هابرماس الاجتماعية، شأنها شأن النقد المتأصل لدى أدورنو وهوركهايمر، من المفترض أن تكون مختلفة عن النقد الأخلاقي. من المفترض أن تكون نظريته منفتحة فيما يتعلق بأسسها المعيارية، على ألا تعوِّل على نظرية أو مفهوم أخلاقي مسبق عن الخير. إن انتقادات هابرماس من هذا المنطلق للمجتمع الحديث وظيفية لا أخلاقية أو خلقية. الاستعمار مؤذٍ لأنه يعوق القدرة الوظيفية الخيِّرة للعالم المَعيش، ويحرِم المجتمع منافع التواصل والخطاب ممثلةً في المعاني والمواقف المشتركة، والنظام الاجتماعي، ومشاعر الانتماء، والاستقرار الاجتماعي، وما إلى ذلك.
وعلى ما تقدم، ولأن أفكار هابرماس عن التواصل والخطاب تتسم بالثراء البالغ معياريًّا، فإن تحليله يصطبغ دومًا بصبغة أخلاقية. يعتمد الفعل التواصلي على «الإدراك المتبادل» لادعاءات الصحة. وفي العالم المَعيش، نجد أن آلية الكلام المُنَسِّقة للفعل تُجبِر الأفراد على أن يضعوا في اعتبارهم غيرهم من المتكلمين والمستمعين والفاعلين وأسبابهم. ويتألف الخطاب من قواعد تضمن الاحترام المتساوي للآخرين جميعًا والتضامن الكلي بينهم. إن مُثُل المساواة والكلية والشمولية راسخة في الأنشطة التواصلية في العالم المَعيش، والفاعلون، بحكم تواصلهم وحسب، يلتزمون بها. ومن ثمَّ، فإن الإدماج الاجتماعي في العالم المَعيش نوع من التهذيب الأخلاقي؛ وهي عملية الاعتياد على التصرف بما يتفق مع هذه المُثُل. وفي المقابل، فإن الأنظمة تغرس العادات الأداتية لمعاملة الآخرين باعتبارها سبلًا لتحقيق غايات المرء، وتعزز اللامبالاة فيما يتعلق بغايات الآخرين. وهنا، لا يستطيع المرء أن يمنع نفسه من التفكير في ملاحظة أدورنو بأن عدمَ اكتراثِ الطبقاتِ المتوسطة ولامبالاتها كانا «المبدأ الذي من دونه لم تكن أحداث معسكر أوشفيتس ستقع قط.» الفارق الأساسي هو أنه، بحسب تقييم أدورنو، كان عدمُ اكتراث الناس ولامبالاتُهم اللذان أفضا في نهاية المطاف لقسوة بعضهم تجاه بعضٍ؛ كانا تبعةً غير مقصودة للجانب السلبي للتحكم الذاتي العقلاني والاستقلال الأخلاقي الكانطي. يرى هابرماس أن ظاهرة شبيهة تنتج عن الآثار المفسدة للأخلاق والناجمة عن استعمار النظام للعالم المَعيش، لا من داخل الخلقية نفسها. ومحصلة كل ذلك أن استعارة هابرماس الطبية «الآفات الاجتماعية» لها ميزة خلقية ضمنية وغير معلَنة. ظاهريًّا، تنص نظريته على أن استعمار العالم المَعيش يصيب المجتمع بخلل وظيفي. وباطنيًّا، فهي تشير إلى أن هذا الخلل الوظيفي سيُسْفر عن ظهور أشخاص فاسدين أخلاقيًّا.