براعة النساء

الفصل الأول

كان الوقت يمر ببُطء في وكالة التحرِّيات النسائية الأولى؛ وكالة التحرِّيات الوحيدة في بوتسوانا. سيكون من الخطأ القول إنه لم يكن يَحدث شيء؛ إذ كانت السيدة راموتسوي، التي أسَّست الوكالة للتعامل مع مشكلات النساء (وغيرهن)، تعلم أن ثمة شيئًا يحدث دائمًا. فالناس دائمًا ما يوقِعون أنفسهم في مواقفَ مُؤسِفة؛ كانوا يفعلون دائمًا، ولم تتغيَّر طبيعتهم البشرية على مرِّ السنين. لا، إن السبب في هذا الهدوء هو أنه لم يأتِ أحد إلى وكالة التحرِّيات الصغيرة الموجودة خلف مَرأب «تلوكوينج رود سبيدي موتورز» ليعرض مشكلته ويطلب المساعدة.

كان المَرأب مِلكًا لزوج السيدة راموتسوي، السيد جيه إل بي ميتكوني، الذي اتفق الجميع على أنه أفضل ميكانيكي في بوتسوانا. استمرت خِطبة السيدة راموتسوي على السيد جيه إل بي ميتكوني فترةً طويلة جدًّا، وفي النهاية تمَّت الزِّيجة. ولكن بعض الناس يقول إن هذا لم يكن سوى نتيجة مؤامرة ذكية دبَّرتها المشرفة الحاذقة في مزرعة تلوكوينج للأيتام، السيدة بوتوكواني.

ولكن كانت هذه النظرة قاسية. فقد كان السيد جيه إل بي ميتكوني في بعض الأحيان غير حاسم بعض الشيء، ومسألة إتمام زواجه لم تكن سوى واحدة من الأمور التي لم يكن حاسمًا بشأنها. والمهم في الأمر هو أنه تزوَّج السيدة راموتسوي في نهاية المطاف، وقد انتقل الآن إلى منزلها في منطقة زيبرا درايف، وهو منزل رائع به شُرفة ظليلة وحديقة خضراوات جيدة في الخلف.

كان الزوجان محظوظَين جدًّا، ولم يمرَّ يوم من دون أن تُذَكِّر السيدة راموتسوي نفسها بهذا الحظ الجيد. وعندما كان الوقت يمر ببطء في المكتب، كما هو الحال الآن، كانت تُذَكِّر نفسها بحظها الجيد أكثر. فقد كانت هذه طريقة جيدة جدًّا لحماية نفسها من مشاعر الإحباط، وبخاصة عندما لم يكن هناك ما يمكن القيام به سوى مراقبة الوَزَغ الأبيض الصغير الذي كان يجري صاعدًا على الحائط في المكتب ثم، مُتحدِّيًا الجاذبية، يعبر ألواح السقف. ولكن مشكلة التفكير في حظك الجيد هي أنك، بعد فترة، تبدأ في الرغبة في أن تفعل شيئًا آخر، وهذا، بالطبع، يعتمد على دخول عميل إلى المكتب.

«سيدة راموتسوي؟» كان الصوت الذي قاطع تفكيرها هو صوت مساعدتها، السيدة ماكوتسي. فقد كانت السيدة ماكوتسي تشغَل وقتها بترتيب الملفَّات، والآن كانت تنظر باهتمام إلى ربَّة عملها. وأردفت: «تبدين مُستغرقةً في أحلام اليقظة.»

أومأت السيدة راموتسوي بالإيجاب. وقالت: «هذا صحيح، على ما أظن.» فقالت السيدة ماكوتسي: «لا بأس في ذلك. عندما لا يكون لديكِ شيء أفضل للقيام به.»

أجابت السيدة راموتسوي: «هذا صحيح. ليس لديَّ شيء.»

فقالت السيدة ماكوتسي: «ولكن لديكِ الآن. هناك شخص قادمٌ يا سيدتي. أراه بالخارج. إنه آتٍ ناحية الباب.»

فأمسكت السيدة راموتسوي بإحدى الأوراق وبدأت في تفحُّصها من كَثَب. فلا ضرر في أن يعتقد العُملاء أنها مشغولة، حتى عندما لا تكون كذلك. فإذا اعتقد العميل أنه ليس لديكَ ما تفعله، فقد تتزعزع ثقته في الوكالة، وهذا، على المدى البعيد، سيضر بوكالة التحرِّيات. فعند إسداء النصائح إلى الأشخاص الآخرين — وهو ما تنطوي عليه عادةً مهنةُ المحقق الخاص — من المهم أن يؤمن العميل بالمحقق. لذا لم تشعر السيدة راموتسوي أن هناك شيئًا خاطئًا في الإمساك بورقة والتظاهر بأنها مُنهمِكة في قراءتها. حتى لو كانت الورقة مجرد رسالة من أحد مورِّدي السيد جيه إل بي ميتكوني، يقول فيها إن مجموعة من شمعات الإشعال التي طلبها السيد جيه إل بي ميتكوني للمرأب وصلت الآن وفي انتظار التسلُّم.

أدخلت السيدة ماكوتسي العميل وأشارت إلى كرسي الزوَّار. وقالت للرجل الأنيق الذي بدا في منتصف العمر: «هذا هو المكان الذي يجب أن تجلس فيه يا سيدي.» كان قد أخبرها باسمه، لكنها لم تسمعه جيدًا ولم ترغب في سؤاله مرةً أخرى. كان هناك ما يوحي بالسُّلطة في هيئة هذا الرجل. فعندما عرَّف نفسه، كانت لديه نظرة توحي أنها لا بد أن تعرف بالضبط مَن هو في كل الأحوال. بدا شكله مألوفًا للسيدة ماكوتسي. هل كان رجل سياسة؟ فهُم عادةً ما كانوا يتمتعون بمثل هذه الثقة بسبب ممارستهم للسلطة، وعادةً ما يتوقَّعون من الناس أن يعرفوا مَن هم.

نظرت السيدة راموتسوي إلى زائرها. هي أيضًا كانت تجد صعوبةً في تحديد هويته. ولاحظت بعين المحقِّقة، التي كانت دائمًا مستعدة لالتقاط الأدلة البصرية، الحذاء الباهظ الثمن والإبزيم الذهبي في حزامه. لا يمكن شراء هذه المقتنَيات محليًّا؛ فهي مُستورَدة من خارج البلاد؛ من جوهانسبرج، على أقل تقدير، أو ربما من مكان أكثرَ بُعدًا، مثل لندن أو نيويورك. هل هو رجل أعمال؟ كان هناك عدد من رجال الأعمال الأثرياء في جابورون في هذه الأيام، ولكن معظمهم كان، نوعًا ما، معروفًا لأن صورهم كانت تُنشر في الصحف من وقت لآخر وهم يقومون بأنشطة، مثل حضور الحفلات الخيرية أو تقديم الجوائز. ولم تتذكَّر أنها رأت هذا الرجل من قبلُ في أيٍّ من هذه الصور، ومع ذلك …

قال الزائر: «تتساءلين مَن أنا يا سيدتي. تسألين نفسك مَن يكون هذا الرجل؟ هذا ما تفكِّرين فيه، أليس كذلك؟»

تعجَّبت السيدة راموتسوي لحظة. وألقت نظرةً خاطفة على السيدة ماكوتسي، التي كانت مشغولة بالغلَّاية. فابتسمت السيدة ماكوتسي.

أجابت السيدة راموتسوي: «بلى يا سيدي. أشعر أنني أعرفك، لكنني لا أعرف مَن تكون، إن كنت تفهم ما أعني. فوجهك هو أحد هذه الوجوه …»

قاطعها الرجل: «المألوفة جدًّا. نعم، هذا صحيح. لديَّ وجهٌ عادي جدًّا.»

قالت السيدة راموتسوي بسُرعة: «هذا ليس ما كنتُ سأقوله يا سيدي. بل أنت رجل أنيق جدًّا.»

استقبل الزائر الإطراء بإيماءةٍ من رأسه. وقال: «اسمي موتالهودي جيفيلي.» وتوقَّف، كأنه ينتظر ردَّ فعل. لكن الاسم لم يعنِ شيئًا للسيدة راموتسوي، التي ابتسمت له بأدب.

فتابع: «من فريق جابورون كوميتس.»

عند هذا، ضربت السيدة راموتسوي يديها معًا. وقالت: «أعرفك يا سيدي! بالطبع أعرفك!»

فابتسم السيد جيفيلي. وقال: «أنا سعيد بمعرفة أنكِ مهتمَّة بتشجيع فِرَق كرة القدم يا سيدتي. فبعض النساء …» وهزَّ كتفيه، كأنه يُعلِّق على عجز النساء عن فهْم أحد ألغاز الرجال.

قالت السيدة راموتسوي: «أوه، أنا لست مهتمَّة بتشجيع فِرق كرة القدم. في الواقع أنا لا أعرف شيئًا عن كرة القدم يا سيدي. لا أعرف شيئًا على الإطلاق!»

رفع السيد جيفيلي حاجبه. وقال: «ولكنكِ تعرفينني؟»

كانت السيدة ماكوتسي قد أعدَّت إبريقًا من شاي الأعشاب، وحينئذٍ أحضرت فنجانين على صينية الشاي وقدَّمت فنجانًا للسيد جيفيلي. وقالت له: «أنا أعرفك يا سيدي. لقد قرأتُ كلَّ ما كُتِب عنك في الصحف. أنت الرجل الذي اشترى فريق كوميتس، ومن يومها وأنت تحاول تعزيزه وتقويته بكل السُّبل.»

أخذ السيد جيفيلي فنجان الشاي. وقال: «إنه لطفٌ منكِ أن تقولي هذا يا سيدتي. نعم، أنا الرجل الذي اشترى الكوميتس. أنا ذلك الرجل.»

قدَّمت السيدة ماكوتسي فنجان الشاي الآخر للسيدة راموتسوي. وأردفت قائلة: «نعم، والجميع سعيد بما فعلت؛ لأن الكوميتس مُتألِّقون الآن. لديك ذلك الحارس الماهر، أليس كذلك؟»

فألقت السيدة راموتسوي نظرةً خاطفة على السيدة ماكوتسي. كان هذا غريبًا. فلم تُبدِ السيدة ماكوتسي من قبل أيَّ اهتمام بكرة القدم، وها هي ذي تتحدَّث عن أحد حراس المرمى مع السيد موتالهودي جيفيلي صاحب فريق جابورون كوميتس. كانت قد قالت للسيدة ماكوتسي من قبلُ إنه ينبغي للمحقق الماهر أن يكون قادرًا على الاندماج مع مُحيطه، وهذا يتضمن القدرةَ على الحديث عن الأشياء التي يتحدَّث عنها الآخرون. أليس من المؤكد أن النتيجة المعاكسة ستتحقَّق إذا تحدَّثت امرأة عن كرة القدم؟ فالنساء ببساطة لا يتحدَّثن في مثل هذه الموضوعات، قالت السيدة راموتسوي هذا في نفسها. ولكن بعد ذلك خطر ببالها فكرة: هل تفكيري لا يُساير العصر؟

فقالت فجأة: «لم أكن أعلم أنكِ مهتمة بكرة القدم يا سيدة ماكوتسي. هذه مفاجأةٌ لي.»

تردَّدت السيدة ماكوتسي لحظة؛ ثم ابتسمت ابتسامةً خجلى، كما رأتها السيدة راموتسوي. ثم قالت: «أنا لا أعرف الكثير عن كرة القدم. ولكن هناك بعض الناس الذين لديهم معلومات أقل مني عنها.» كان من الجليِّ أن هذا التعليق الأخير تُقصَد به السيدة راموتسوي، التي تقبَّلته بسعة صدر. فقد كانت تعرف أنه في بعض الأحيان يكون الأمر صعبًا على السيدة ماكوتسي كونها مجرد مساعِدة لمحقِّقة، في حين أنها حصلت على درجاتٍ عالية جدًّا من كلية بوتسوانا للسكرتارية. حقَّقت السيدة ماكوتسي الدرجة التي لم يُسمَع بها من قبل، وهي ٩٧ في المائة في الامتحانات النهائية في الكلية، ولم تتردَّد قط في تذكير الناس بهذا الإنجاز. ولكن يجب أن يُسمح لها — وهو ما تستحقه — بقليل من التفاخُر.

ترى السيدة راموتسوي أننا جميعًا فخورون بشيءٍ ما. فالسيدة ماكوتسي فخورة بدرجاتها. والسيد جيه إل بي ميتكوني فخور بأنه قد وقع الاختيار عليه لصيانة السيارة الرسمية البيضاء للمُفوِّض البريطاني العالي. والسيدة بوتوكواني، مشرفة مزرعة الأيتام، فخورة بأن العديد من الأطفال الذين عاشوا في دار الأيتام نجحوا في دراستهم المدرسية، وعثروا على وظائفَ جيدة، وعادوا لزيارتها بصحبة أطفالهم. أما المُتدرِّبان الاثنان في المرأب، فلا بد أنهما فخوران بشيءٍ ما، مع أن السيدة راموتسوي وجدت صعوبة، نوعًا ما، في التوصُّل لما يمكن أن يكون هذان المتدربان فخورَيْن به بالضبط.

كان السيد جيفيلي ينظر إلى السيدة ماكوتسي بتقدير. وقال: «أجل، هذا صحيح جدًّا يا سيدتي. لدينا حارس مرمًى رائع. يُدعى جيمس بيكاني، وهو ماهر جدًّا في حراسة المرمى. إنه مثل الأسد!» وتوقَّف لحظة، كأنه يستمتع بالصورة. وأردف: «نعم، هو مثل الأسد الذي يحرس عرينه.»

فكَّرت السيدة راموتسوي في هذا التشبيه، مثل الأسد. وتذكَّرت قصةً مُخيفة بعض الشيء، كانت قد سمعتها في مكانٍ ما — واحدة من تلك القصص الشعبية التي كانت الجَدَّات ترويها لأحفادهن — عن فتاة تزوجت من أسد. ما الذي حدَث بالضبط؟ كان إخوة الفتاة يشتبهون في أن الرجل الذي تزوَّج أختهم كان في الحقيقة أسدًا، وقد أعدُّوا اختبارًا للتأكد من حقيقة الأمر. كانوا على حق، بالطبع، وقد واجهوا زوج أختهم المخادع، الذي اضطُر إلى الهرب تاركًا آثارَ أقدامِ أسدٍ في الرمال. والآن ها هو ذا ذلك الحارس، جيمس بيكاني، الذي قد يكون في الحقيقة أسدًا مُتنكِّرًا في ثوب آدمي …

التقطت السيدة راموتسوي فنجان الشاي واحتست السائل الأحمر الساخن. ليس كل الناس يحبون شاي الأعشاب، لكنها كانت بالتأكيد تحبه، ومن الطريقة التي يشرب بها السيد جيفيلي الآن — برشفات كبيرة متعطِّشة — بدا أنه مستمتعٌ به هو الآخر. أشارت السيدة راموتسوي إلى السيدة ماكوتسي بإعادة ملء فنجان الزائر.

قال السيد جيفيلي: «هذا الشاي جيد جدًّا.» وتوقَّف لحظة، ومسح فمه بمنديل أبيض أخرجه من جيب بذلته العلوي. كانت حركة غريبة بعض الشيء بالنسبة لرجل في بِنيته. ولم يكن هذا ما كان متوقَّعًا من صاحب فريق كبير لكرة القدم.

قرَّرت السيدة راموتسوي حينها أنه قد مرَّ وقتٌ كافٍ في الدردشة. بالطبع، لم يكن من الذوق التحدُّث في شئون العمل فور وصول العميل، لكنه ليس أيضًا من الذوق أن تجعل شخصًا ينتظر.

فسألته: «هل هناك شيء تود إخبارنا به يا سيدي؟ هل هناك شيء يمكننا القيام به لمساعدتك؟»

أعاد السيد جيفيلي منديله في جيبه. وبدأ في الحديث قائلًا: «حسنا يا سيدتي، هناك شيء تستطيعان القيام به. فكما تريان، فريقي يخسر مباريات كرة القدم.»

تنهَّدت السيدة راموتسوي. فلم تكن رياضية — فقد كانت بنيتها الجسدية دائمًا ما تجعل من ذلك أمرًا غير مُرجَّح — لكنها كانت تعرف ما يكفي عن الرياضة لتدرك أنه لا بد أن يفوز فريق ويخسر الفريق الآخر. فلم تكن هناك رياضة، على حد علمها، يفوز فيها الجميع. فإذا كان هذا هو الحال، فلماذا يشتكي الناس إذا خسروا أحيانًا؟

فقالت بصوتٍ هادئ: «يجب أن يخسر أحدُ الفريقين يا سيدي. ولا يمكن أن يكون هناك فائزان. فدائمًا سيفوز فريق ويخسر الآخر.»

هزَّ السيد جيفيلي رأسه باستياء. وقال: «نعم، نعم، بالطبع أفهم ذلك. لكن عندما يخسر فريق، فثمة سببٌ وراء ذلك. لا يخسر أحد من دون سبب على الإطلاق. قد يوجد لاعب في الفريق لم يؤدِّ دوره جيدًا كما يفعل عادةً. وسوف تلاحظين ذلك، ويمكنك التحدث إليه وإخباره بأخطائه. وإذا لم يتحسَّن مستواه، يمكنك حينها إبعاده من الفريق. هذا ما يحدث في مثل هذه الحالات.»

فكَّرت السيدة راموتسوي في هذا لحظة. وسألت: «إذن، مَن هو هذا اللاعب؟ مَن هو هذا اللاعب الذي يتسبَّب في خسارة فريقك؟»

للحظة، لم ينبِس السيد جيفيلي ببِنت شَفَة. كان ينظر إلى يديه اللتين كانتا مطويَّتَين فوق حِجره. ثم تمتم: «جيمس، جيمس بيكاني، حارس مرمى الفريق.»

قطَّبت السيدة راموتسوي جبينها. وقالت: «إذن، فهو ليس بالمهارة التي ظننتها من الأساس.»

فتحمَّس السيد جيفيلي. وقال: «بل هو ماهرٌ. لكن كلُّ ما في الأمر هو أنه …» وتوقَّف عن الكلام ونظر إلى يديه مرةً أخرى.

قالت السيدة راموتسوي: «ماذا؟».

فأردف السيد جيفيلي: «يترك الكرة تدخل في الشِّباك. لا يحدث هذا طوال الوقت. فهو حارس مرمًى عبقري معظم الوقت، لكنه في بعض المباريات، ينهار. أنا متأكد أنه يفعل ذلك عمدًا.»

سحبت السيدة راموتسوي نفَسًا عميقًا. فحتى مع معرفتها القليلة بالرياضة، كانت تعرف أن هذا أسوأ شيء يمكن أن يفعله لاعب. كانت ترى أنه نوع من الخيانة؛ فقد كان اللاعب يخذل الفريق بأكمله. وبالطبع، يكون السبب في ذلك عادةً هو المال.

وقالت: «يوجد بالتأكيد مَن يدفع له الأموال نظيرَ فعل ذلك. ألا تعتقد أن هذا هو السبب الأكثر احتمالًا يا سيدي؟»

فأومأ السيد جيفيلي برأسه. وقال: «نعم، أعتقد أن هناك شخصًا يدفع له المال يا سيدتي. لكن كيف يمكنني أن أتأكد؟ كيف يمكنني أن أثبت ذلك؟»

ازدادت ثقةُ السيدة راموتسوي فجأة. فالأمر لا يتعلَّق بالرياضة؛ بل يتعلق، ببساطة، بالجشع البشري، وهذا ما شهدته كثيرًا. الآن هي في موقف مألوف لها، والآن جاء دور المحقِّق الخاص.

فقالت: «هل تريد مني أن أستطلع الأمر، يا سيدي؟» وأردفت: «هل تريد مني أن أكتشف إذا ما كان يحصل على المال؟ لقد فعلتُ هذا من قبل. فهناك طرق لمعرفة ذلك.» بالفعل كانت هناك طرقٌ، معظمها مباشر. فالأشخاص الذين يُرشَون بمبالغ كبيرة عادةً ما يكشفون عن أنفسهم بإنفاق تلك المبالغ الكبيرة. هؤلاء الأشخاص كانوا، بطبيعتهم، منفقين وليسوا مُدَّخِرين. كان إنفاقهم غالبًا ما يكون واضحًا؛ بشراء السيارات الفارهة، على سبيل المثال.

أجاب السيد جيفيلي: «نعم. أود أن تبحثي لي في تلك المسألة يا سيدتي. فبمجرد أن أحصل على الدليل، يمكنني أن أتصرف بناءً عليه. ولكن، قبل أن يحدث ذلك، لا أستطيع فعل شيء، فهو يتمتع بشعبية واسعة.»

أومأت السيدة راموتسوي برأسها. وسألته: «هل لديه سيارة؟»

بدا السيد جيفيلي مندهشًا من السؤال. وأجاب: «نعم. لديه سيارة بالطبع.»

سألت السيدة راموتسوي: «وما نوع تلك السيارة التي يملكها؟»

أجاب السيد جيفيلي: «إنها سيارة قديمة، ليست مميَّزة في شيء.»

بدا الإحباط على السيدة راموتسوي. ربما لن يكون الأمر بسيطًا كما كانت تعتقد.

الفصل الثاني

قال السيد جيه إل بي ميتكوني، زوج السيدة راموتسوي، في ذلك المساء: «حسنًا يا سيدة راموتسوي. لقد كان لديكِ زائر مهم جدًّا هذا الصباح، أليس كذلك؟»

لم يكن من عادة السيدة راموتسوي أن تتحدَّث عن شئون عُملائها. ولكن الأمر كان مختلفًا مع السيد جيه إل بي ميتكوني. فعلى الرغم من أنه لم يكن من موظفي الوكالة، فقد كان يمتلك «تلوكوينج رود سبيدي موتورز»، التي يقع مقر «وكالة التحريات النسائية الأولى» في إحدى غُرفها الفارغة. وهذا يعني أنه كان دائمًا على دراية بما يحدث في الوكالة، حتى لو لم يخبره أحد بشيء. لذا فقد استمع الآن السيد جيه إل بي ميتكوني بعناية إلى زوجته وهي تحكي له عن مشكلة حارس مرمى فريق الكوميتس، جيمس بيكاني، الذي تسبَّب أداؤه ذو المستوى المتأرجح إلى خسارة فريقه في عدة مباريات.

سأل السيد جيه إل بي ميتكوني، وهو يهزُّ رأسه في استنكار: «هل يترك الكرة تدخل الشِّباك؟ هذا سيئ للغاية.»

فاتفقت السيدة راموتسوي مع ما قاله. وقالت: «المال يفسد بشدة. فالبشر على استعداد لفعل أي شيء من أجل المال. لا أتحدَّث عن جميع الناس، بالطبع، ولكن بعضٌ منَّا يفعل ذلك.» وبينما كانت تتحدَّث، فكَّرت في الأشخاص الذين لن يقبلوا رشوة أبدًا، تحت أي ظرف، وعلى رأس تلك القائمة، بالطبع، كان السيد جيه إل بي ميتكوني.

فكَّرت السيدة راموتسوي في القضية في تلك الليلة، وهي مُستلقِية في فراشها، في انتظار أن تستغرق في النوم. إذا كان جيمس بيكاني يتلقى رشوةً للسماح بدخول الكرة في شِباك فريقه، فإن هناك طريقتين لتناول المشكلة. الأولى هي معرفة مَن يستفيد من الفوز المتحقَّق، ومحاولة القبض عليهم متلبِّسين، والطريقة الأخرى هي تتبُّع المال. ستكون الطريقة الأولى صعبة جدًّا. فالمشتَبَه به الواضح هو إدارة الفريق الفائز، ولكن ثمة أمور من شأنها أن تجعل القضية مُعقَّدة.

ففي مجرى حديثهما في وقت سابق من ذلك اليوم، أوضح السيد جيفيلي أن جيمس كان يترك الكرة تدخل شِباك فريقه في عدة مباريات، وفي كل مباراة منها كان فريق كوميتس يلعب ضد فريق مختلف. فلماذا يرغب شخص واحد في أن يخسر فريق الكوميتس سلسلة من المباريات، وليس فقط المباراة التي يواجه فيها الكوميتس الفريق الخاص بمن دفع الرشوة؟ أو هل سيصب في مصلحة شخصٍ ما أن يخسر فريق الكوميتس المباريات عمومًا؟

كلما فكَّرت السيدة راموتسوي في القضية ازداد الأمر تعقيدًا أمامها. وكلما ازداد الأمر تعقيدًا بدا لها العثور على جواب بسيط أقلَّ احتمالية. قد يستغرق هذا أسابيع، أو حتى أشهرًا، من التحقيق، وحتى بعد هذه الفترة قد لا تتوصَّل إلى حل.

ازدادت ثقة السيدة راموتسوي في نفسها في اليوم التالي عندما جلست في شُرفتها بعد وقت قصير من الشروق، تشرب فنجانها الأول من شاي الأعشاب في الصباح. كانت هذه هي اللحظات المفضَّلة لها في اليوم، اللحظات التي يتجدَّد فيها العالم، عندما يكون الهواء منعِشًا ونقيًّا، لا يشوبُه سوى رائحةٍ خفيفة لاحتراق الحطَب في مِدفأة أحدهم. لقد قرَّرت أن أفضل طريقة للتعامُل مع هذه القضية هي الطريقة التي تتعامل بها مع كل قضاياها؛ مباشرةً.

شعرت أنه من الصعب جدًّا أن تعرف مَن يرشو الحارس. لذا بدلًا من محاولة معرفة ذلك ستتعرف على جيمس بيكاني نفسه؛ هذا ما ستفعله اليوم. فستذهب لمقابلته. ستفكِّر في سببٍ لزيارتها، وبمجرد أن تجده ستعتمد على أقوى سلاح لديها — الحَدْس — لمعرفةِ ما يجب القيام به بعد ذلك. سيكون عليها أن تتعامل بحذَر، بالطبع؛ فلا يمكن أن تسأله مباشرةً إن كان يتلقى رشوة أم لا. ولكن هناك طرقٌ أخرى لمعرفة هذه الأمور. يمكنك معرفةُ ما إذا كان شخصٌ ما صادقًا أم لا من خلال مراقبة عينيه. فالأمر ليس صعبًا.

في المكتب ذلك الصباح، بينما كانت هي والسيدة ماكوتسي تفحصان بريد اليوم، سألت السيدة راموتسوي مساعدتها عمَّا تعرفه عن جيمس. بدأت حديثها قائلة: «أنتِ الوحيدة التي تبدين كأنها تعرف كلَّ شيء عن كرة القدم. أو على الأقل تعرفين كل شيء عن جيمس بيكاني هذا. أو هكذا قلتِ.»

قالت السيدة ماكوتسي مُصحِّحة: «لم أقُل إنني أعرف كلَّ شيء. قلت فقط إنني أعرف أنه هو حارس الفريق. وأعرف فتاة كانت صديقته يومًا ما. ومن هنا عرفت معلوماتي.»

مالت السيدة راموتسوي إلى الأمام. كانت هذه الملاحظة من السيدة ماكوتسي، هذه الإشارة العرَضية إلى صديقةٍ، هي الذريعة التي كانت بحاجة إليها لمقابلة لاعب كرة القدم.

فسألت: «ومَن تكون هذه الصديقة؟»

قامت السيدة ماكوتسي بتعديل وضع نظاراتها ذات العدسات الكبيرة المستديرة التي كانت تضعها. لقد كانت تستمتع بنقل المعرفة، وكانت تفعل ذلك وكأنها معلِّمة تشرح أمورًا واضحة لفصلٍ من التلاميذ المحدودي الذكاء. وأجابت: «إنها تُدعى ألِيس. وهي تعمل في متجر للأحذية في المدينة. إنه متجر رائع، وقد أحضروا تلك الأحذية الجديدة قبل أيام. كان يجب أن تَرَيها يا سيدة راموتسوي، فقد كانت …»

فقاطعتها السيدة راموتسوي قائلة: «نعم، نعم.» كان ضَعف السيدة ماكوتسي أمام الأحذية الأنيقة معروفًا جدًّا، وكان بإمكانها التحدُّث لساعات عن هذا الموضوع. وأردفت السيدة راموتسوي: «ولكن ماذا قالت ألِيس هذه عن جيمس؟ هل أخبرتكِ الكثير عنه؟»

نظرت السيدة ماكوتسي من النافذة. وقالت: «لم تقُل سوى القليل.» وتوقَّفت عن الكلام. ثم أردفت: «في الواقع، القليل جدًّا. لقد قالت إنه من لوباتسي.» وتوقَّفت عن الكلام. ثم قالت: «قالت إنه لم يكن حبيبًا جيدًا، وإنها كانت سعيدة عندما تخلَّصت من هذه العلاقة. ربما كانت حزينة قليلًا. تعرفين كيف يكون الشعور عندما تنتهي علاقة. تشعرين بالحزن قليلًا، ثم تتحسَّن حالتك النفسية.»

أومأت السيدة راموتسوي برأسها. وقالت: «هل هذا كلُّ ما قالته عنه؟ إنه جاء من لوباتسي؟»

فكَّرت السيدة ماكوتسي لحظة. وقالت: «أعتقد ذلك.»

فسألت السيدة راموتسوي: «هل تعتقدين أنه بإمكانك معرفةُ أي معلومة أخرى يا سيدتي؟ هل يمكنك الاتصال بأليس وسؤالها؟»

أومأت السيدة ماكوتسي برأسها. وقالت: «إنها تحب الحديث. لا أعتقد أنها ستمانع في أن يتصل بها أحد في العمل.»

بينما كانت السيدة ماكوتسي تطلب رقم متجر الأحذية، كانت السيدة راموتسوي تُمسك بقلم وورقة. وفي أعلى الصفحة كتبت: جيمس بيكاني، وتحت الاسم كتبت: أتى من لوباتسي؛ كانت لديه حبيبة تُدعى أليس؛ يقود سيارة قديمة (حسب ما قاله السيد جيفيلي). هذا، فكَّرت، كلُّ ما نعرفه عنه، بجانب حقيقة أنه حارس مرمًى بارع جدًّا (أحيانًا).

حاولت السيدة راموتسوي فهْم ما قيل على التليفون بين السيدة ماكوتسي وأليس، لكنه كان من الصعب فهْم المحادثة بينما لم تكن تسمع سوى طرَف واحد منها. ظلَّت السيدة ماكوتسي تكرِّر قول «آه» و«أوه»، وكانت هناك لحظة من الشهيق الحاد، هذا كل شيء. كان واضحًا، على أي حال، أن الكثير من المعلومات كانت تُجمع.

سألت السيدة راموتسوي مساعِدتها عند انتهاء المكالمة: «حسنًا؟ ماذا قالت؟»

أجابت السيدة ماكوتسي بعدم اهتمام: «ليس الكثير. فمعظم الوقت كانت تتحدث عن أخيه؛ فهي معجبةٌ به. يبدو أنه زير نساء.»

سألت السيدة راموتسوي: «وجيمس؟ ماذا عن جيمس؟»

فهزت السيدة ماكوتسي كتفيها. وقالت: «كلُّ ما قالته هو أنه كان شديد الغرور. قالت إنه الرجل الأكثر غرورًا الذي قابلته على الإطلاق. كان دائم النظر إلى نفسه في المرآة. حتى إنه كان ينظر إلى نفسه في مرآة السيارة، فقط للتحقق من أنه لا يزال وسيمًا.»

تنهَّدت السيدة راموتسوي. لم تكن هذه معلوماتٍ يمكن الاعتماد عليها. فكَّرت أن الكثير من الرجال مغرورون هذه الأيام. كان الأمر له علاقة بحرية النساء في النظر إلى الرجال بالطريقة نفسها التي كان الرجال ينظرون بها إلى النساء دائمًا. لم تكن النساء قد أدركن ذلك، ولكن كل ما أدَّت إليه هذه الحرية الجديدة هو خلق الكثير من الرجال المغرورين.

كتبت السيدة راموتسوي كلمة «مغرور» على ورقتها ثم وضعتها جانبًا، في ملفٍ أسمته جيمس بيكاني. جلب البريد رسالة أو اثنتين تحتاجان إلى الرد عليهما، فقرَّرت أنها ستقوم بذلك الآن، وستُملي على السيدة ماكوتسي ردودَها. وفي وقت لاحق، ستعود إلى السؤال حول كيف يمكنها معرفة المزيد عن جيمس بيكاني قبل أن تذهب لمقابلته.

انتهت السيدة راموتسوي من الرد على الرسائل بحلول وقت استراحة الشاي في منتصف فترة الصباح. كان صباحًا بديعًا، ليس حارًّا جدًّا، وفكَّرت أن تشرب الشاي مع السيد جيه إل بي ميتكوني وصبيَّين يعملان تحت إمرته. فقد كانوا يحبون الجلوس على جانب المرأب وشرب الشاي هناك، وكان هذا مكانًا مثاليًّا في يوم مثل هذا.

أخذت السيدة راموتسوي فنجان الشاي في يدها، وتفحَّصت المشهد. كان السيد جيه إل بي ميتكوني جالسًا، رجلاه ممدودتان، على مقعد سيارة قديم كان قد سنده إلى جدار المرأب، بينما كان الصَّبيَّان يجلسان على برميلي نفط مقلوبين. وانضمت السيدة راموتسوي إليهم، وجلست على صندوقٍ كانت تستخدمه مقعدًا عندما تشرب الشاي مع الميكانيكيين.

نظرت إلى تشارلي، الصبي الأكبر سنًّا. كان ينظر إلى السماء، مبتسمًا لشيءٍ ما، وتساءلت عما كان هذا الشيء. تخيَّلت أنه ربما كان فوز أحد فِرق كرة القدم … ثم خطرت ببالها فكرة.

قالت: «تشارلي، هل سمعتَ عن حارس مرمًى يُدعى جيمس بيكاني؟»

فأفاق تشارلي من حُلم يقظته، ونظر إلى السيدة راموتسوي بدهشة. وقال: «بالطبع سمعت عنه. فالجميع يعرفون جيمس. إنه لاعب ماهر حقًّا. مع أنه مؤخرًا أصبح بلا فائدة. ربما قد تقدَّم في العمر. ربما فقد الشغف باللعبة.»

انضم الصبي الأصغر سنًّا إلى الحديث قائلًا: «لقد انتهى. والجماهير تغضب منه أحيانًا، كما تعرفين. ويصرخون بشتائمَ بذيئة. ويصيحون قائلين إنه أصبح رجلًا عجوزًا، وإنه بحاجة إلى ارتداء نظارة أو إنه نسي كيف يلعب كرة القدم. إنهم يجعلونه في موقف صعب.»

كانت السيدة راموتسوي تُولي انتباهًا جزئيًّا لِما كان الصبي الأصغر سنًّا يقوله. ثم وقفت، وسكبت بعض الشاي وهي ما زالت منتبهة لما يُقال.

سأل السيد جيه إل بي ميتكوني: «هل أنتِ ذاهبة إلى مكانٍ ما؟» وتابع: «فأنتِ لم تنتهي من شرب الشاي.»

أشارت السيدة راموتسوي إشارةً غامضة بيدها التي لا تُمسك بها الفنجان. وقالت: «يجب أن أخرج. هناك شخص يجب أن أتحدَّث إليه.»

داخل المكتب، وجدت السيدة ماكوتسي وهي لا تزال تشرب الشاي وتتصفَّح مجلة أزياء؛ كانت المجلة مفتوحة عند صفحةٍ معروضة فيها أحذية. فكَّرت السيدة راموتسوي في أن هذا تحديدًا هو ما تستمتع به السيدة ماكوتسي.

فقالت لها: «سيدة ماكوتسي. هل تَودِّين المجيء معي للتحدث مع جيمس بيكاني؟»

لم تحتَج السيدة ماكوتسي إلى الإقناع، وسرعان ما كانت هي والسيدة راموتسوي في طريقهما معًا في العربة البيضاء الصغيرة. وتوجَّهتا إلى العنوان الذي أعطاهما إياه السيد جيفيلي في اليوم السابق، إلى المنزل الذي يقطنه السيد جيمس بيكاني. لاحظت السيدة راموتسوي أن مَسكنه لم يكن أنيقًا. كان منزلًا صغيرًا على أطراف أولد ناليدي، منزلًا لا يبدو عليه أنه المنزل الخاص بلاعب كرة قدم شهير، فضلًا عن لاعب يتلقى رُشًا بمبالغَ كبيرة.

فتحت امرأة في منتصف العمر البابَ عندما طرقته السيدة راموتسوي. ونظرت إلى زائرتيها للحظة، ثم رحَّبت بهما بلطف بالطريقة التقليدية.

قالت السيدة راموتسوي: «أنا آسفة لإزعاجك يا سيدتي. أنتِ بالتأكيد والدة جيمس. وهو مَن نودُّ التحدُّث إليه.»

أومأت المرأة برأسها. وقالت: «هذا منزله، وأنا أمه.» وتوقَّفت، كأنها تتساءل في نفسها ما إذا كان يجب أن تدَع امرأتين غريبتين تدخلان لمقابلة ابنها. ثم أردفت: «إنه يستريح الآن. هل هو أمر مهم؟»

لم تتردَّد السيدة راموتسوي. وقالت: «إنه أمر مهم جدًّا.»

أومأت المرأة برأسها. وقالت مشيرة لهما أن تتبعاها: «يمكنكما الدخول، تفضَّلا.» وتابعت: «يمكنكما الجلوس هنا، وسأستدعيه.»

جلست السيدتان في الصالة الصغيرة، التي كانت تُستخدَم غرفةَ طعام ومطبخًا أيضًا. نظرت السيدة راموتسوي حولها، كما كانت تفعل دائمًا عند دخولها غرفةً لأول مرة. لاحظت التقويم المعلَّق على الحائط، الذي كان به إعلانٌ لأحذية كرة قدم؛ ولاحظت الخزانة المتهالكة التي تعرض الكئوس الرياضية المدرسية مُرتَّبةً على الرفوف؛ ولاحظت الصورة القديمة لصبي في زي الكشافة وعلى صدره شارة. رأت بعض الأشياء الأخرى، وكل ما رأته أخبرها أن هذا ليس منزل رجل يتلقى رُشًا.

وبعد بضع دقائق، ظهر جيمس بيكاني. بدا كأنه كان نائمًا؛ فعيونه كانت منتفخة والقميص الذي كان يرتديه كان مُجعَّدًا. وقفت السيدة راموتسوي وحيَّته. ثم قدَّمته إلى السيدة ماكوتسي التي شعرت بالإثارة من رؤية شخص مشهور فلم تستطِع منع نفسها من الانحناء قليلًا تقديرًا له.

سأل جيمس بيكاني: «كيف يمكنني أن أخدمكما؟»

بدت السيدة راموتسوي محرَجة. وأجابت: «مجرد توقيعك يا سيدي. هذا سيكون كافيًا.»

فضحِك جيمس بيكاني. وقال: «أوه، هل هذا كل شيء؟ حسنًا، نحن بالطبع بحاجة لإرضاء المعجَبين!»

قالت السيدة راموتسوي: «هذا لطفٌ كبير منك يا سيدي. لقد أحضرت لك دفترًا صغيرًا لك لتُوقِّع فيه، وقلمَ رصاص أيضًا.»

مدَّت يدها بدفتر أسود صغير، فأخذه منها. ثم بحثت في الحقيبة التي كانت معها عن القلم الرصاص، وأخرجته.

قالت: «هاك يا سيدي. التقِطه.»

وألقت القلمَ الرصاص نحو جيمس بيكاني. فمدَّ اللاعب يده، لكن يده كانت بعيدة جدًّا عن القلم الرصاص، فسقط القلم على الأرض.

فقالت السيدة راموتسوي وهي تنحني لاستعادة القلم الرصاص: «أنا آسفة يا سيدي. ها هو ذا القلم.»

الفصل الثالث

اتصلت السيدة راموتسوي بالسيد جيفيلي في وقتٍ لاحق من ذلك اليوم ودَعته للمجيء إلى المكتب. وقالت له إن لديها أخبارًا مهمة له.

فسألها: «هل حللتِ القضية؟ أبهذه السرعة؟».

فأجابت السيدة راموتسوي: «نعم، تعالَ إلى المكتب وسأخبرك بكل شيء.»

وصل السيد جيفيلي بسرعة. وبينما كان يجلس وأمامه فنجان من شاي الأعشاب، أخبرته السيدة راموتسوي بالأخبار السعيدة.

قالت له: «إن حارس مرمى فريقك ليس فاسدًا.»

بدا السيد جيفيلي مُتَشككًا. وسألها: «هل أنتِ واثقة من ذلك يا سيدتي؟»

فابتسمت السيدة راموتسوي. وقالت: «أنا واثقة جدًّا. إنه ليس فاسدًا، إنه قصير النظر فحسب.»

بدا السيد جيفيلي مُتحيرًا. وقال: «لا أفهم.»

قالت السيدة راموتسوي: «الغرور الذكوري. هنا لدينا بطلٌ رياضي شديد الغرور. إنه يدرك أنه بحاجة إلى نظارة، لكن غروره الشديد يمنعه من ارتدائها. لذا لا يفعل شيئًا، على أملِ أن المشكلة ستزول من تلقاء نفسها. لكنها لم تزُل.» ثم توقَّفت السيدة راموتسوي عن الكلام لإعطاء الفرصة للسيد جيفيلي لاستيعابِ ما قالته. وتابعت: «لذا كلُّ ما عليك فِعله هو أن تتحدَّث معه. أقنِعْه بالذهاب إلى اختصاصي بَصَريات.»

حكَّ السيد جيفيلي رأسه. وقال: «هذه نتيجة شديدة الغرابة. لم يكن لديَّ أيُّ فكرة عن هذا الأمر.» ونظر إلى السيدة راموتسوي بتعجُّب. وقال لها: «من فضلك، أخبريني يا سيدتي. كيف اكتشفتِ ذلك؟»

فأجابت السيدة راموتسوي: «كان أمرًا بسيطًا. لقد استمعت، ونظرت. قال أحد هذين الصبيَّين شيئًا جعلني أُفكر. وبمجرد أن فكرتُ، تصرَّفت.»

سأل السيد جيفيلي: «ماذا فعلتِ؟»

أجابت السيدة راموتسوي: «ألقيت قلمَ رصاص عليه، ولم يتمكن من الإمساك به.»

ظل السيد جيفيلي بضع لحظاتٍ يفكِّر فيما حدث. ثم فهِم، وارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة.

وقال: «أنتِ امرأة بارعة جدًّا، يا سيدة راموتسوي.»

قالت السيدة راموتسوي: «شكرًا لك يا سيدي. والآن، هل تريد المزيد من الشاي؟»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤