رياحٌ عاصفةٌ في نيفيس

يقع منزل مارلين على قمة تلٍّ يُطِلُّ على ميناء قديم في جزيرة نيفيس في البحر الكاريبي. شيَّد هذا المنزل طبيب متقاعد في أواخر الخمسينيات بحثًا عن ملاذٍ هادئ في ذلك الجزء من الجزيرة، وكان يستمتع بإقامة الحفلات فيه. اعتاد كاتبٌ أمريكي مشهور، كان يأتي إلى فيلته الفاخرة الواقعة على مسافة كبيرة من منزل مارلين على طول الساحل، حضورَ هذه الحفلات، هو وأشخاص آخرون مشهورون ولامعون كانوا يزورون الجزيرة. عُرِف الطبيب بكرمه، وبتحضيره لمشروب الروم الرائع.

وعندما توفي الطبيب، لم يعتنِ ابنه بالمنزل، فأصبح المنزل مُهمَلًا. كان من المفترض أن يسيطر بُستانيٌّ على زحف النباتات الكثيفة، التي تشبه الغابة التي تغطي التل، إلى المنزل، ولكن نظر هذا البُستاني كان ضعيفًا، وازداد ضَعفًا بمرور الوقت. فإما أنه لم يرَ النباتات الزاحفة التي بدأت تُغطي الشُّرفة، أو أنه تجنَّب خوض معركة غير متكافئة بالتأكيد. فالنباتات تنمو بسرعة هناك. ثم هبَّت الرياح العاصفة — «النسيم» كما يطلِق عليها السكان المحليون — التي تقتلع الأشجار والأغصان، وهطلت الأمطار الغزيرة الدافئة التي تتسبب في انسداد مصارف المياه.

وعندما عُرِض المنزل للبيع في النهاية، لفت انتباه زوجين كانا يقودان سيارة فولكس فاجن قديمة على طول الطريق الساحلي. كان الرجل هولنديًّا ضئيلَ الجسم وعادي المظهر إلى حدٍّ ما. أما المرأة، التي كانت أكثرَ منه طولًا وأقوى منه بنيةً، فقد كانت من ترينيداد ومن أصل مختلَط.

كانا قد التقيا في نادٍ في ميامي، «ذا بلو كوكتيل»، وقرَّرا أن يرتبطا ويعيشا معًا. ماركوس، الهولندي، قضى عشر سنوات يعمل مُعلمًا في جزيرة كوراساو، وأراد العيش في الكاريبي. أما جورجينا، التي جاءت من ترينيداد، فكانت غير متأكدة من أنها تريد العودة، لكنها أرادت السفر مع ماركوس. والآن، ورغمًا عنها إلى حدٍّ ما، كانت تقع في الحب مرة أخرى مع عالَم تركته بكل حماس منذ فترة ليست ببعيدة.

كانا قد رأيا منزل الطبيب المتقاعد من الطريق أدناه؛ حيث كانا يستطيعان بصعوبةٍ رؤية قمة سقفه فقط. فقامت جورجينا، التي كانت تقود الفولكس فاجن القديمة، بالانعطاف بدون سابق تفكير إلى الطريق الضيق المليء بالحُفر الذي يؤدي إلى قمة التل.

قالت: «مَن يدري. قد نرى لافتة «للبيع» عندما نصل إلى القمة.»

سأل ماركوس: «وبعد ذلك؟»

فقالت جورجينا فجأة: «ثم نشتريه ونحوِّله إلى فندق. ما الخيار الآخر أمامنا؟»

كان لجورجينا أسلوب تصادُمي إلى حدٍّ ما، كما لو كانت تستحث الشخص الذي تتحدث معه أن يجادلها. لقد أدرك ماركوس أن هذا السلوك لا يُخفي شخصية لطيفة؛ في الواقع، كانت بطبيعتها سريعة الغضب. ومع ذلك، كان مفتونًا بها بشدة وكان يرفض قبول أي انتقاد لها. قال لها: «جورجينا حبيبتي سريعة الغضب.» فردَّت جورجينا بسرعة: «ماذا تقصد بذلك تحديدًا؟»

كان عليهما قيادة السيارة ببطء على الطريق، وفي نقطةٍ ما كان على ماركوس أن يخرج من السيارة ويحاول نقل فرع شجرة سقط وسدَّ الطريق. بقيت جورجينا في السيارة، تطرق على عجلة القيادة بأصابعها وهي تشاهد جهود زوجها غير المجدية. وفي النهاية، بعد عدة دقائق بلا جدوى، خرجت من السيارة ورفعت الفرع وأزاحته إلى جانب الطريق.

قال ماركوس: «أنتِ حقًّا رائعة.»

قالت جورجينا وهي تعود إلى السيارة: «وأنت حقًّا ضعيف.»

واصلا القيادة. وهناك، على البوابة الحديدية الصدِئة عند مدخل الطريق المُؤدي إلى منزل مارلين، كانت هناك لافتة مكتوب عليها «للبيع». فأوقفا السيارة وسارا على الطريق. حلَّق زوج من الطيور الجارحة فوقهما في تيارات الهواء القادمة من فوق التل؛ وسعف نخيل جوز الهند الكبير يتحرك مثل المراوح في السماء.

قالت جورجينا: «فندقنا.»

•••

افتتح الفندق أبوابه بعد ثلاثة أشهر. خضع المنزل، الذي أُنقِذ من الخراب في الوقت المناسب، لعمليات تجديد من الأرض إلى السقف. وأشرفت جورجينا على جميع عمليات التجديد، كانت تنتقد النجَّارين، وتُوبِّخ مُنجِّدي الأثاث، وتصرخ في وجه الكهربائي. وكان ماركوس يعتني بشئون المطبخ: يشتري الأواني والمقالي وأفران الطهي، ويخطِّط للوصفات، ويتواصل مع مُورِّدي البيض والخضراوات.

شكا أحد النجارين لصديقه قائلًا: «تلك المرأة المتسلطة. إنها كثيرة المشكلات يا رجل. يومًا ما ستسقط جوزة الهند على رأسها!»

وقال آخر: «الجميع يخاف منها. الناس يأتون للإقامة في ذلك المكان، فيرونها وإذا بهم يركضون بسرعة، ويقفزون في البحر.»

عندما كان كل شيء جاهزًا، أو قبل ذلك بقليل، بدأ ضيوف الفندق في الوصول. كانوا مبهورين عمومًا بالغُرَف. وحبَس أنفاسَهم المنظرُ الرائع من الشرفة التي تقع فوق قِمَم الأشجار وتُطل على بحرٍ ذي لون أزرق ليس له مثيل. كان الضيوف يجلسون هناك، أقدامهم على حاجز الشرفة، النسيم الدافئ يداعب شعرهم، ويشربون كوكتيل الروم الذي يحضره النادل على صينية فِضية. وكانوا ينزلون إلى الشاطئ ويَسبحون وسط الأمواج؛ ويشاهدون قواربَ الصيد ذات الألوان الكثيرة الزاهية، تتجه نحو الأمواج، وبعد ذلك، في الأمسيات، كانت وجبة العشاء الشهية التي يخطِّط لها ماركوس بعناية تختم اليوم ختامًا رائعًا. كان كل شيء يبدو مثاليًّا، من وجهة نظر الضيوف، باستثناء الإدارة.

تتلقى إدارة الفندق بالضرورة طلباتٍ من الضيوف. لا شيء يكون مناسبًا تمامًا للجميع: سيريد أحد الضيوف مِنشَفة أكبر؛ ويتساءل آخر لماذا لا توجد ثلاجة في الغرفة؛ وهكذا. عادةً ما يستمع أصحاب الفنادق العاديين لهذه الشكاوى ويبذلون جهدًا للتعامل مع المشكلة. قد يقدِّمون مناشفَ أكبر، أو على الأقل يَعِدون الضيوف بها. ويمكن مناقشة إمكانية إضافة الثلاجات، حتى لو لم يكن ذلك ممكنًا بالفعل. المهم في الأمر، كما يؤكد أيُّ صاحب فندق، هو أن الضيف يشعر أن طلبه معقول، وأنه ستُتخذ إجراءات لتلبية هذا الطلب.

لكن في منزل مارلين كان الوضع مختلفًا. فقد كانت ردة فعل جورجينا على ضيفٍ أراد ثلاجة في غرفته هي: «لماذا تحتاج إلى ثلاجة؟»

«لأن الحليب يتخثَّر بسرعة في هذا الحر. وأنا أحب تحضيرَ فنجان من الشاي في الغرفة.»

«هناك الكثير من الحليب في المطبخ. اذهب واطلبه من هناك.»

«حسنًا، هل يمكننا على الأقل الحصول على بعض البسكويت في الغرفة؟ لتناوله كوجبة خفيفة؟»

«الطعام في الغرف يجلب الصراصير.»

كانت سيرة جورجينا بوصفها امرأةً فظَّة الطباع تزداد. كتب أحد المعلِّقين المهتمين بالسفر «إنه مكان رائع، يستحق الزيارة إذا كنت في ذلك الجزء من الكاريبي. الغرف مُريحة والمأكولات المُعدَّة على الطراز الكاريبي لذيذة. لكن لا تحاول التعامل مع الإدارة في أي مسألة.»

لم تتسبَّب هذه التعليقات إلا في إثارة فضول الناس، وبدأ الناس في اختيار الفندق لتجربة تعامُل جورجينا الفريد من نوعه بأنفسهم. ولم يشعروا قط بخيبة الأمل. في الواقع، كانوا يجدون مُتعة في الإحراج الناجم عن أي طلب أو اقتراح غير مناسب. واكتسب الفندق شهرةً أسطورية.

كان من الممكن محاكاة تعبير وجه جورجينا الشهير بالاستياء على مائدة العشاء، لكن لم يتمكن أحدٌ من الوصول إلى تعبير مكافئ على الإطلاق. وكانت تعبيراتها العاصفة، عندما كانت نزيلة متهوِّرة بما فيه الكفاية تطلب من ماركوس أن يُراقصها في وسط حفلة، موضوعًا للنقاش عدةَ أشهر.

في نهاية السنوات الخمس الأولى لهما في الفندق، قرَّر ماركوس وجورجينا إقامة حفل رأس السنة للاحتفال بنجاح الفندق والاحتفال ببداية السنة الجديدة. انتشر الخبر، ولم يمضِ وقت طويل قبل أن تُحجز جميع الغرف لعُطلة السنة الجديدة. وأثناء مراجعة الحجوزات، ابتسم ماركوس بسرور عند التفكير فيما سيفعله هذا بوضع الفندق المالي، لكن جورجينا تجهَّمت. ومع أنها لم تعترف لماركوس بهذا، كان النزلاء يُزعجونها. فقد كانوا اعتماديِّين جدًّا، وعاجزين للغاية. كانوا يطلبون طلباتٍ غبية. ولم يبدوا البتة راضين عما يُقدَّم لهم. كان حديثهم مُملًّا، وبدت أسئلتهم طفولية تمامًا.

قالت ذات يوم: «إذا سُئلتُ مرة أخرى عن تلك الطيور الطنَّانة، فسأصرخ.» وعندما سألها النزيل التالي: «ما هذه الطيور الصغيرة الجميلة ذات الذيول الطويلة؟ تلك التي تحوم أمام الزهور؟ انظري، هناك واحد الآن!» فأجابت: «إنها نسور صغيرة» ونكصت على عقبيها.

قال ماركوس، الذي كان شاهدًا على الموقف: «لقد كنتِ فظَّة بعض الشيء.»

قالت جورجينا، بوجهها غير المشجِّع الذي كان يمثل جزءًا كبيرًا من شخصيتها: «لا تتحدث معي عن ذلك. لا تفعل.»

لم يحضُر حفل رأس السنة نزلاء الفندق فحسب، بل أيضًا سكان المنطقة. وتذكَّر بعض الضيوف الطبيب المتقاعد وحفلاته، والكاتب الأمريكي الذي كان يحضُر هذه الحفلات. وقالوا: «كان سيُحب هذا. لقد كان يحب الحفلات.»

فقالت جورجينا: «كان رجلًا بغيضًا.»

«أوه، هل قابلتِه من قبل؟»

«بالتأكيد لا.»

كانوا قد أحضروا فرقة موسيقية من ثلاثة أفراد من البلدة، وعزف الموسيقيون في الشرفة بينما وقف الحاضرون على طول سور الشرفة يشاهدون أضواء البلدة من الأعلى والبحر الذي وراءها. كانت ليلة عاصفة، لكن الهواء كان دافئًا ومُعطَّرًا برائحة الزهور التي نمَت في القسم المواجه للرياح من الحديقة. وفي الظلام بالأسفل، كان أحد الأشخاص يُشعل، بين الفينة والفينة، صاروخًا من الألعاب النارية، ينفجر، فتتطاير شراراته في السماء مثل النجوم المتساقطة في شكل مخروطي، فيصفِّق الموجودون بالشرفة ويطلِقون الصَّفير إعجابًا بالمشهد.

بينما كان العام القديم يمضي ليحل محله العام الجديد، فُتحت زجاجات الشمبانيا وبدأ الضيوف في غناء نشيد الوداع «أولد لانج ساين»، يشبكون أياديهم ويتحركون للأمام والخلف على ألواح الشرفة التي تصدِر صريرًا. جلست جورجينا في أحد جوانب الشرفة. وبدت غاضبة لسببٍ ما، كأن نهاية العام القديم كانت إهانة شخصية لها أو خسارة خاصة.

ثم خرجت من الشرفة بمفردها، ممسكة بالكأس في يدها، ووقفت في الحديقة تحت واحد من نخيل جوز الهند المتأرجح. رآها ماركوس من الشرفة وناداها، لكنَّ هبَّة رياح قوية ابتلعت صوته. وكانت هي نفس هبة الرياح التي حرَّكت ثمرة جوز هند كبيرة، فسقطت مباشرةً على رأس جورجينا.

سُمعت صرخة من الشرفة. «جورجينا سقطت …» ثم هرول الضيوف متوجهين إلى الحديقة. كانت جورجينا هناك، فاقدةً الوعي. فانحنت ممرضة من بين الضيوف عليها وفحصت نبضها. وقالت «لقد فقدت الوعي. خذوها إلى الداخل.»

وضعوها في السرير واتصلوا بالإسعاف. ولكن لم يُجِب أحد في الطرف الآخر؛ لذا حاولوا الاتصال بطبيب محلي. لكنه قال: «لقد كنتُ في حفلة. ولست متأكدًا إذا كنت أستطيع قيادةَ السيارة …» لكنه وافق على القدوم، وعندما وصل بعد ساعتين، وفي وجهه جُرح سطحي لم يسأل أحد عن سببه، كانت جورجينا قد استعادت وعيها بالفعل.

قالت: «آمل أن يكون الجميع قد استمتعوا بوقتهم. لا أحب أن أكون سببًا في إفساد الحفلة.»

نظر إليها ماركوس بدهشة. واستمرت هذه الدهشة حتى الصباح التالي عندما استعادت جورجينا عافيتها وأخذت تتفقَّد الفندق وتتمنى للجميع سنة جديدة سعيدة، وتسألهم ما إذا كان هناك أي شيء يمكنها القيام به لأجلهم.

تمتم أحد الضيوف: «يبدو أن أحدهم اتخذ قرارًا للسنة الجديدة. لن تستمر هكذا.»

كان ماركوس مندهشًا من التغيير في شخصية جورجينا. وقال: «لقد أصبحت امرأة أخرى. كانت جورجينا امرأة قوية جدًّا، وشديدة اﻟ… حسنًا، الحزم. أما الآن فقد أصبحت … حسنًا، نوعًا ما … حسنًا، تعرف ما أعنيه.»

استمر الأمر على هذا النحو شهرًا على الأقل. ثم في صباح أحد الأيام، عادت جورجينا من نزهة قصيرة في حديقة جوز الهند المجاورة. فوبَّخت الطاهي، وبعد ذلك مباشرةً تكلَّمت بحدة مع أحد النزلاء، الذي أخبرها أن قهوته كانت باردة.

عند سماع هذا، شعر ماركوس بقلبه يقفز فرحًا. وفكَّر في نفسه، لقد عادت لسابق عهدها. عادت حبيبتي جورجينا سريعةَ الغضب!

نظر ماركوس من النافذة. كانت الرياح، تلك الرياح الدافئة الآتية من الغرب، قد بدأت مرةً أخرى، مما جعل نخيل جوز الهند يتمايل إلى الأمام وإلى الخلف في السماء؛ تمايل النخيل بلطف، ولكن كان هذا التمايل كافيًا لتحريك الثمار، لتسقط على الأرض.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤