أقحوان ناماكوالاند
الفصل الأول
كان يُطلَق عليه «الكابتن»، على الرغم من أنه لم يكن يحب اللقب، وكان قد طلب من الناس عدم استخدام هذه الرُّتبة التي حصل عليها لفترة وجيزة بسبب خدمته في هونج كونج. كان ذلك في الصين، وكان في وقتٍ سابق. أما الآن فهو في أفريقيا، وفي عام ١٩٥٦، وكان مجرد ضابط مقاطعة في باسوتولاند؛ لا شيء مميز. مجرد السيد أندروز. لكنَّ شخصًا ما رأى الرسالة الموجَّهة إليه بصفته كابتن، وانتشر الخبر أن هذا هو ما كان عليه. في المجتمع الاستعماري، وخاصة ذلك المجتمع المختبئ في مملكةٍ جبلية، كان أي شيء يشير إلى رُتبة أو لقب مُرحَّبًا به. كانت هذه الأماكن مليئةً بالضباط الذين خدموا أثناء الحرب وأمثالهم، الذين يتمسَّكون بما تبقى لهم من سلطة وأهمية. كان الكابتن صغيرَ السن جدًّا لهذه الرتبة؛ فقد كان لا يتجاوز الخامسة والثلاثين تقريبًا، وكانت زوجته أصغر منه. وضحكت عندما سمعت أنه يخاطَب برتبة الكابتن.
قالت: «يجعلُك تبدو وكأنك أحد هؤلاء البحَّارة العجائز. إنه يجعلك تبدو سخيفًا.»
قال الكابتن: «أنا لم أطلب من أحد أن يناديني بهذا. إنه مثل اللقب، كما تعرفين. لا يمكنك منع الناس من أن ينادوكِ بلقبٍ ما. لا يمكنك ذلك فحسب.»
الفصل الثاني
لم تكن زوجة الكابتن تحب هذا البلد. حاولت إنشاء حديقة في أرض منزلهم في ماسيرو، لكنها لم تنجح في هذا. كان النمل الأبيض يأكل أشجار الفاكهة التي تزرعها؛ ولم يكن هناك مطرٌ كافٍ؛ وكانت الشمس حارقة.
كتبت لصديقة: «لا أعرف إن كنتُ سأتحمُّل هذا أم لا، هذا المكان بعيد جدًّا عن كل شيء. جنوب أفريقيا عبر الحدود، لكنك تحتاجين إلى السفر أميالًا وأميالًا قبل أن تصادفي أي شخص يتحدث الإنجليزية. جميعهم منغلقون. جميعهم ضيقو الأُفق.»
ردَّت صديقتها: «عزيزتي، يبدو وضعك فظيعًا. ما يجب أن تسألي نفسك عنه هو هذا: هل أنت مستعدة بإهدار حياتك من أجل هيو؟ أعرف أنه وسيم للغاية و… حسنًا، أستطيع أن أفهم هذا الجانب من الأشياء، ولكن هل أنت متأكدة؟ هل أنت حقًّا متأكدة؟»
بالطبع، بمجرد أن سألت نفسها ما إذا كانت متأكدة، أدركت أنها ليست كذلك. كانت تشعر بالملل من حياتهما. كانت تشعر بالملل من هذه الحياة؛ حيث كانت تعرف كل وجه من المحتمل أن تلتقي به، وحيث لم يكن هناك أحدٌ لديه شيء جديد ليقوله.
نظرت إلى الكابتن وفكَّرت: «لا أريد أن أجرحه. إنه رجل طيب. ولكني لا أستطيع تحمُّل هذا بعد الآن.»
حدَّق الكابتن في زوجته — تلك الزوجة التي كان يخشى أنه لا يكاد يعرفها على الإطلاق — وفهِم ما كانت تفكر فيه، وأدرك آنذاك أنه فقد زوجته.
الفصل الثالث
بعد رحيل زوجته، شعر العديد من الناس بالشفقة على الكابتن. كانت هناك أرملة تاجر الماشية الاسكتلندي، وهي امرأة عاشت في هذا البلد منذ ثلاثين عامًا، وكانت تتحدث السيسوتو بطَلاقة. وكانت هناك زوجة القاضي، امرأة تسير في سحابة من العطر وتزرع أحواضًا كبيرة من أقحوان ناماكوالاند في حديقتها. هاتان المرأتان، وخاصة أرملة تاجر الماشية، كانتا تدعوان الكابتن لتناول العشاء مرة أو مرتين في الأسبوع.
قالت زوجة القاضي: «يا له من رجل مسكين. تلك الشابة الصغيرة لم تكن لتتمكن بالتأكيد من التأقلُم مع الحياة هنا. النساء من أمثالها لا ينبغي أن يتزوجن من رجال مثل الكابتن. كان ينبغي أن تبقى في سافك، أو أينما كان مسقط رأسها.»
قالت أرملة تاجر الماشية: «كانت عيناها زائغتين.»
بدت الدهشة على وجه زوجة القاضي. وقالت: «أوه؟ كيف عرفتِ هذا؟»
فردَّت أرملة تاجر الماشية: «عرفته فحسب. أنا أستطيع دائمًا أن أكتشف مثل هذه الأشياء. ونادرًا جدًّا ما أكون مخطئة في هذه الأمور.»
دعَوَا الكابتن للعب البريدج مرتين في الأسبوع. كان عادةً يشارك أرملةَ تاجر الماشية، وكانت زوجة القاضي تلعب مقابل زوجها، وهو رجل قليل الكلام، دائمًا ما يبدو أنه يحدق في الأُفق، حتى عندما تكون أوراق اللعب في يده. قال الناس إن هذا بسبب أنه كان تعيسًا في وظيفته، وأنه كان يفكر في الرجال الذين كان مضطرًّا إلى الحكم عليهم بالسَّجن.
قالت أرملة تاجر الماشية: «إنه حسَّاس للغاية، لدرجةٍ تجعله لا يستطيع التأقلم مع العمل الذي يقوم به. والإمبراطورية قاسية كما تعرفين. أتذكَّر أن زوجي كان يقول هذا. إنها قاسية.»
الفصل الرابع
تلقَّى الكابتن زيارةً من صبي، كان ابن عم زوجته. كان هذا الصبي في الثامنة عشرة من عمره، وكان يتجول في الأنحاء قبل أن يذهب إلى الجامعة. فكتب إلى الكابتن وسأله عمَّا إذا كان يمكنه البقاء عنده بضعة أسابيع. كان من المقرَّر أن تصل سفينته إلى كيب تاون، وسيأتي من هناك مباشرةً إلى باسوتولاند.
كان الكابتن سعيدًا لاكتشاف أن الصبي كان لاعبَ كريكيت جيدًا. كان فريق الكريكيت الذي يلعب فيه الكابتن بحاجة إلى رامٍ، وكان الصبي يناسب هذا المركز تمامًا. خلال النهار، كان الصبي يذهب إلى مدرسة محلية ويُعلِّم الكريكيت هناك. وقد فعل ذلك بناءً على اقتراح من الكابتن، الذي كان يعتقد أنه من الأفضل للصبي أن يفعل شيئًا بدلًا من الجلوس في المنزل طوال اليوم.
أخذ الكابتن الصبي معه في رحلة إلى جنوب البلاد عندما كان عليه زيارة مديريه المباشرين. ساروا في الجبال على صهوات خيول باسوتو، وعسكروا بالقرب من نهر صغير، ينساب من الجبل. من هذا المعسكر، كان الليل دثارًا مظلمًا تحت سماء مليئة بتجمُّعات النجوم اللامعة. كان الاستلقاء والنظر إلى السماء يصيب المرء بالدُّوار. وقال الكابتن: «المحيط الهندي هنا في هذا الاتجاه.»
قال الصبي: «أعرف هذا.»
الفصل الخامس
بعد أن بقي الصبي ثلاثة أشهر، قال له الكابتن إنه قد حان الوقت للتفكير في الرحيل. تبادل الصبي النظرات مع الكابتن بضع لحظات، ثم أشاح بنظره بعيدًا، في اتجاه الجبال. وقال: «لا أعتقد ذلك. ليس بعدُ. أنا أساعد فريق الكريكيت على التحسُّن. أودُّ البقاء مدةً أطول. وأعتقد أن هذا لا بأس به بالنسبة لك.»
لم يكن سؤالًا، بل كانت جملة خبرية. فتح الكابتن فمه ليقول شيئًا، لكنه توقَّف عندما رأى الصبي يحدق فيه. فأشاح بنظره في صمت.
بعد بضعة أيام، أقامت زوجة القاضي حفلًا. وصل الصبي متأخرًا؛ ولم يكن أحد متأكدًا إن كان دُعِي إلى الحفل أم لا. كان الويسكي مُتاحًا، وشرب الكثير من الضيوف أكثرَ مما ينبغي. في لحظةٍ ما في هذه الأمسية، رأى الناس الصبي يتحدث إلى أرملة تاجر الماشية. قال الصبي شيئًا ثم انحنى للأمام وهمس في أذنها. فنكصت المرأة بحدة ثم — رغم أن القليل من الناس رأوا هذا — صفعت الصبي على وجهه ومشَت بعيدًا. لم يشهد الكابتن هذا الحادث، ولا زوجة القاضي. رأى القاضي ذلك، وهو ينظر من فوق كأس الويسكي الخاصة به. وتجهَّم، ثم حوَّل نظره بعيدًا، وحدَّق في سقف الشرفة، كما كان يفعل غالبًا عندما يلعبون البريدج بسبب الحرارة.
لم تتحدث أرملة تاجر الماشية إلى الكابتن عما حدث في الحفل. لكنها كانت قلِقة؛ كانت تحب جدًّا رفقة الكابتن، وستُصاب بإحباط شديد إذا حدثت فضيحة واضطُرَّ الكابتن إلى الرحيل. فكَّرت أن هذه ستكون نهاية عالمها. لا مزيد من لعب البريدج. لا مزيد من حفلات العشاء. ستكون هذه نهاية كل شيء.
تحدَّثت زوجة القاضي مباشرة. وقالت: «هناك شيءٌ ما يحدث، ذلك الصبي يبتزُّ الكابتن. إن هذا واضح جدًّا، أليس كذلك؟»
قالت أرملة تاجر الماشية: «نحن بحاجة للتخلص منه.»
التفتت إليها زوجة القاضي، التي كانت تنظر من النافذة إلى أحواض زهور الأقحوان، بحدة. وقالت: «لكنه رفض الرحيل.»
الفصل السادس
في الخميس التالي لعبوا جميعًا البريدج. وصل الكابتن متأخرًا؛ إذ كانوا دائمًا يبدءون في الساعة السابعة والنصف بعد العَشاء، ولكنه لم يصل حتى الثامنة إلا الربع. رأوا أضواء سيارته تنعكس على الجدار عندما انعطف إلى الطريق.
قالت زوجة القاضي: «لا بد أنه الكابتن، عادةً ما يكون دقيقًا في مواعيده.»
بدأت لعبة البريدج. كان من الواضح أن لدى الكابتن وأرملة تاجر الماشية جميعَ الأوراق القوية، ولكن الكابتن كان هادئًا.
سألت زوجة القاضي عن الصبي. هل ما زال يُعلم الكريكيت في المدرسة؟ فقال الكابتن: «لا، لقد غادر.» رفع القاضي نظره من أوراق اللعب الخاصة به. وتمتم: «ربما قد حان الوقت لذلك. منذ متى وهو يقيم معك؟»
ألقت زوجة القاضي نظرةً على أرملة تاجر الماشية، التي كانت تحسب النقاط في يدها. لاحظت زوجة القاضي أن المرأة الأخرى لم تكن متفاجئة أن الكابتن تأخَّر. هل كانت تعرف؟
قالت أرملة تاجر الماشية: «قلبٌ واحد.»
الفصل السابع
على مدى الأيام القليلة التالية، وجدت زوجة القاضي صعوبة في التفكير في أي شيء آخر غير التصريح الذي صرَّح به الكابتن بأن الصبي قد غادر. كان من المتوقع أن يغادر — في النهاية — لكنها لم تتصور أنه سيكون من السهل على الكابتن التخلص منه في هذه المرحلة. كانت قد سألت الكابتن عنه أثناء لعب البريدج، لكنها لم تحصل على إجابات شافية. نعم، لقد غادر، إلى لوساكا. لا، ليس لديه فكرة عما سيفعله هناك. كان يظن أن لديه عمًّا هناك، ولكنه لم يكن مُتأكدًا.
طرحت المسألة على أرملة تاجر الماشية، لكنها بدت غير راغبة في الحديث عنها، وغيَّرت الموضوع عمدًا. ثم، في إحدى أمسيات البريدج، أخرج الكابتن فجأة رسالةً قال إنها جاءت من الصبي. أخرجها من جيبه وقرأ بضعة أسطر. أرسل الصبي تحياته للجميع.
لاحظت زوجة القاضي طابع البريد، ورأت، كما ظنت، أنها أُرسلت من لوساكا. لكنها لم تكن متأكدة.
قالت: «أنا مرتاحة أنه يبدو سعيدًا جدًّا.» فأومأ الكابتن برأسه، ووضع الرسالة مرة أخرى في جيبه.
في اليوم التالي، كانت تسير بالقرب من منزل الكابتن، وقرَّرت أن تزوره فجأة. أعدَّ الشاي، وجلسا يحتسيانه في الشرفة.
قالت زوجة القاضي: «لا بد أن فريق الكريكيت سيفتقده. من الغريب أنه غادر قبل مباراتهم المهمة. كنت أعتقد أنه أمرٌ غريب جدًّا، ألا تعتقد ذلك؟»
رفع الكابتن فنجان الشاي. وقال: «في هذا السن، يفعل المرء هذا النوع من الأشياء. على الأقل، أنا كنت أفعل.»
قالت: «لكن هذا يبدو غريبًا جدًّا. أن يذهب بهذه الطريقة. هل كان كل شيء على ما يرام بينك وبينه؟ أحيانًا كنتُ أشعر أنه … حسنًا، كان وكأنه هو مَن يُسيِّر الأمور.»
لم يُجب الكابتن.
الفصل الثامن
اتصل القاضي بالكابتن في اليوم التالي وطلب منه أن يأتي إلى المنزل. كان مذهولًا، وذهب الكابتن إليه من فوره.
قال القاضي: «زوجتي غادرت. تركتني.»
قال الكابتن: «لكن …»
قال القاضي، وهو يلتقط ظرفًا ويُخرج منه ورقة واحدة: «تركت رسالة، انظر، ها هي ذي. تخبرني أنها قد سئمت من العيش هنا، وتحتاج إلى بدء حياة جديدة. وتطلب مني ألا أحاول الاتصال بها.»
قال الكابتن: «تمامًا مثلما فعلت زوجتي. أنا آسف جدًّا. لقد حدث هذا معي أيضًا.»
كان القاضي يحدق في الكابتن. ثم قال: «ومع ذلك، فهذا غريب جدًّا. هذه رسالة مكتوبة على الآلة الكاتبة. وزوجتي لم تكتب قط على الآلة الكاتبة. لا تستطيع.»
نظر الكابتن إلى الأرض، ثم إلى خارج النافذة، مرورًا بالأشجار في حديقة القاضي، وأحواض الأقحوان، إلى الجبال في الأفق. كانت زرقاء، زرقاء لدرجة لا تُصدق، مثل الجُزُر في البحر.