الاقتراب من الهدف!
كان «داندي» مفتولَ العضلات، قويَّ البُنيان، رشيقَ الحركة، ويُجيد ألعاب الكاراتيه والتايكوندو. وعندما قفز في الهواء فاتحًا ساقَيه … توقَّع الجميع الحركة التي سيؤديها؛ ولذلك فقد تحفزوا جميعًا. وبحركة مفاجئة لم يتوقعها الشياطين دار حول نفسه في الهواء وهو يُسدِّد ضربة قوية ﻟ «أحمد»، وضربة أخرى إلى «فهد»، وكأن الاثنَين كانَا في انتظار ضربته، فقد تعلَّق الاثنان بقدمَيه … في نفس الوقت الذي تعلَّق فيه «عثمان» بوسط «أحمد» … وتعلق «رشيد» الذي كان قد أفاق في وسط «فهد»، وهكذا كان من الصعب مهما كانت قوة «داندي» أن يُصيب «أحمد» أو «فهد» بأذًى … وكانت النتيجة أن «داندي» تأرجح بشدة، ثم سقط بين الأربعة. كان الاثنان الباقيان قد اشتركَا في الهجوم، وكان هذا ما توقَّعه «رشيد» و«عثمان»؛ فقد تركَا «أحمد» و«فهد» بمجرد سقوط «داندي»، واتجهَا للرجلين. وفي لمح البصر كان الرجلان يرقدان على الأرض بلا حَراك … في نفس الوقت الذي سقط فيه «داندي» تحت سيطرة «أحمد» و«فهد». وفي سرعةٍ وجَّه «أحمد» ضربةً إلى «داندي» جعلَته يصطدم بالأرض … نظر الشياطين إلى بعضهم وتحدَّثوا بلغتهم … قال «أحمد»: ينبغي أن نتحفَّظَ عليهم حتى ندعوَ الشرطة.
قال «عثمان»: إن ذلك يختصر الوقت … ولو أنه يفتح علينا بابًا جديدًا.
ردَّ «رشيد»: إن الباب قد فُتح فعلًا، وعلينا أن نختفيَ سريعًا، فلا يظهر لنا أثرٌ … حتى نستطيعَ أن ننتهيَ من مهمتنا.
سأل «فهد»: هل أتصل بأمن الفندق؟
مرَّت لحظةٌ فكَّر فيها «أحمد» قبل أن يقول: لا … مَن يدري … فقد يكون أمن الفندق من رجال المنظمة، إنَّ علينا أن ندعوَ شرطة المدينة عن طريق عميل رقم «صفر».
ثم أضاف: يجب أن نُوثقَهم بملاءات السرير، وأن نختفيَ قبل أن تصلَ الشرطة. إنني أشك في أيِّ شيء.
بينما كان الشياطين يوثقون الرجال … كان «أحمد» لا يزال يُمسك ﺑ «داندي» بطريقة تمنعه من الحركة. وعندما انتهوا ترك لهم «داندي»، وأسرع إلى غرفته … وعندما دخلها أرسل رسالة إلى عميل رقم «صفر» يشرح له فيها كل شيء … ثم قال في نهايتها: سوف نغادر الفندق … فأين يمكن أن نذهب؟ انتظر لحظة … فجاءه الرد: سوف يكون اللقاء عند النقطة «ح»؛ فكل شيء جاهز …
رفع «أحمد» سماعة التليفون واتصل ﺑ «عثمان»، وقال بلغة الشياطين: انضموا سريعًا حتى نغادر المكان.
ألقى نظرةً سريعة على غرفته، واسترجع أشياءَه فعرف أنه لم ينسَ شيئًا، خلال دقائق كان «فهد» يدُقُّ الباب. فتح «أحمد» وانصرف الشياطين، وفي مكان انتظار السيارات كانت سيارتهم هناك … استقلوها بسرعة، وقال «أحمد» وهو يجلس بجوار «فهد» الذي كان يقود السيارة: لقد كانت معركة جيدة.
ردَّ «عثمان»: لكنها سوف تفتح علينا معارك أخرى.
سأل «فهد»: إلى أين سوف نتجه؟
قال «أحمد» وهو يضبط بوصلة السيارة: إلى النقطة «ح».
كانت بوصلة السيارة هي التي تحدِّد ﻟ «فهد» الاتجاه، وقال «أحمد» يُجيب على «عثمان»: إن مهمَّتَنا كلَّها معارك، ومتى كانت لنا مغامرة بلا معركة؟
قال «عثمان»: إن منظمة «أوروبا» أولًا سوف تضع كلَّ إمكانياتها الآن في سبيل القضاء علينا.
ردَّ «أحمد»: إنَّ أحدًا منها لا يعرف عنَّا شيئًا سوى «داندي»، و«داندي» الآن ملفوفٌ في ملاءة سرير ومنها إلى الشرطة.
قال «رشيد»: لا بد أن «داندي» قد أخبر المنظمة بشكِّه فينا منذ علاقتك بالدكتور «جوفير».
قال «أحمد» في إصرار: إنَّ ذلك لن يشغلَنا عن مهمتنا.
فجأة لمعَت لمبةٌ حمراء في بوصلة السيارة، فقال «أحمد»: إننا داخل النقطة «ح» الآن.
كانت النقطة «ح» هي منتصف الشارع رقم «٣٨» وهو أطول شوارع المدينة؛ لأنه يقطعها من بدايتها حتى نهايتها. فجأة دقَّ جرس التليفون، رفع «أحمد» السماعة فجاء صوت عميل رقم «صفر» يتردد: استمروا في الطريق حتى المبنى رقم «١١٦٢» في نهاية الشارع. إنه مجاور للحديقة العامة وهو مجهز لكم.
ثم انتهَت المكالمة، ضغط «فهد» قدمَ البنزين، ووضع «أحمد» السماعة، فقال «عثمان» مبتسمًا: إنه مكان جيد؛ فسوف نكون قريبين من الدكتور «جوفير» عندما يحين موعده.
ظلَّت السيارة في تقدُّمها، بينما كان الشارع قد بدأ يخلو من المارة، ظهرَت الحديقة العامة في نهاية الشارع بأشجارها العالية، فقال رشيد: إننا نقترب من المبنى «١١٦٢».
لم تمضِ دقائق حتى ظهر أمامهم الرقم، كان المكان بلا ملامح سوى الأشجار التي ترتفع إلى السماء. قال رشيد: إنه مكان جيد فعلًا.
اقتربَت السيارة من البوابة الحديدية التي كانت تختفي خلف النباتات المتسلقة، وعندما أصبحت أمامهما مواجهةً لهما، ضغط «أحمد» زرًّا في تابلوه السيارة، فانفتحت البوابة. وعندما تجاوزَتها انغلقَت البوابة مرة أخرى. نزلوا بسرعة يستطلعون المكان. كان عبارة عن مبنى صغير يغرق في الخضرة … وحديقة واسعة جميلة وأشجار عالية. تذكَّر «أحمد» قولَ د. «جوفير»: ليس هناك فرقٌ بين الطبيعة والفن … لأن الطبيعة لوحة نادرة. ابتسم عندما تذكَّر هذه الكلمات، وهمس لنفسه: إن د. «جوفير» مُحقٌّ تمامًا.
أخرج «أحمد» جهازَ الأشعة الدقيق، ثم وجَّهه إلى الباب …
وضغط زرًّا فيه. وفي هدوء فُتح الباب. دخل الشياطين بسرعة، ثم أُغلِق الباب … كانت هناك صالةٌ مستديرة تحوطها عدةُ أبواب … ولم يكن هناك شيءٌ غير ذلك … فالمبنى مكوَّنٌ من طابق واحد فقط.
أخذوا يكتشفون المكان. غُرفتَا نوم، وغرفة جلوس، وغرفة مكتب. كانت الغرفة لافتة للنظر. جلس «أحمد» أمام أحد الأجهزة … وقال: إننا نستطيع أن نتصلَ بالعالمِ كلِّه الآن … فهذه أحدث الأجهزة التي ظهرَت في مجال الاتصالات.
ثم أخذ يُشير إلى الأجهزة: هذا جهازُ المراقبة … إنه يكشف كلَّ المساحة حول المبنى … ولا يستطيع أحدٌ الآن أن يختبئَ في أيِّ جزء منه دون أن ينكشف لنا …
بعد لحظة قال: هذا جهازٌ لمراقبة الحديقة العامة.
ثم ضغط زرًّا، فظهرَت الحديقة العامة على شاشة كبيرة أمامه. وقف الشياطين يرقبون. كانت الحديقةُ خاليةً تمامًا من الزوار. قال «أحمد»: نستطيع أن نتحدث إلى رقم «صفر» مباشرة.
ثم ضغط زرًّا، فجاء صوت رقم «صفر» بعد لحظة يقول: إنكم تتقدمون بطريقة مرضية، وأعتقد أنكم يجب أن تنتهوا من مهمتكم سريعًا.
شرح له «أحمد» كلَّ ما حدث منذ قيام الطائرة وحتى الآن، فقال الزعيم: هذا يؤكد ضرورةَ الانتهاء من المغامرة بسرعة. إن ذلك سوف يُحدِث ارتباكًا في المنظمة؛ لأنَّها سوف تنتظر حتى يحين موعدكم مع د. «جوفير».
مرَّت لحظة قبل أن يُضيفَ: أتمنى لكم التوفيق!
ضغط «أحمد» زرًّا آخر، فتوقف الجهاز، وقال: لقد فكرتُ في ذلك تمامًا، ينبغي أن نُسرع بالمغامرة. ثم أضاف بعد لحظة: لعلنا نستطيع أن نصحب د. «جوفير» معنا بعد انتهائنا منها.
جلس الشياطين في حالة اجتماع لرسم خطة التحرك القادمة، وكانت الخريطة التي وصلَتهم من عميل رقم «صفر» توضح كلَّ شيء. مقر المنظمة، ومراكز الأبحاث … والمدينة السكنية التي يُقيم فيها العلماء. أمسك «أحمد» قلمًا وبدأ يرسم على ورقة أمامه … طريقة التحرك. وعندما انتهى الاجتماع … قال: نحن في حاجة إلى الراحة الليلة. علينا أن ننام جيدًا وسوف نتحرك في الصباح لنصلَ هناك قربَ الظهيرة … ولن يكون دخولنا إلى المدينة السكنية إلا في الليل؛ فالخطوة الأولى سوف تكون إنقاذ العلماء … لأنهم كنزٌ لا يُمكن تقديره بثمن. وعندما نتأكد من نجاح هذه الخطوة سوف ننفذ الثانية، وهي نسفُ مقرِّ المنظمة. أما مراكز الأبحاث فعلينا أن نفكر جيدًا قبل أن نتخذ قرارًا بشأنها.
مرَّت لحظةُ صمت قبل أن يقولَ «عثمان» وهو يبتسم ابتسامةً عريضة: هل أقول لكم شيئًا مضحكًا؟
نظروا إليه في دهشة، فقال: إنني أكاد أموت من الجوع.
انفجر الشياطين في الضحك، وقال «فهد»: لقد كدتُ أموت قبلك!
لقد كان الجميع يشعرون بالجوع فعلًا بعد المعركة الرهيبة التي خاضوها مع «داندي» والمجموعة التي كانت معه.
قال «عثمان»: عليكم بالانتقال إلى غُرفة الجلوس حتى أستطلع الموقف.
أخذ «عثمان» طريقَه إلى المطبخ، في حين ذهب الشياطين إلى غرفة الجلوس … كانت الغرفة مفروشة بطريقة رائعة … كانت بيضاء تمامًا … تُوحي بالراحة التامة. ألقوا أنفسَهم في المقاعد الضخمة الوثيرة.
قال «رشيد»: إنَّ قضاء إجازة عدة أيام هنا يكون شيئًا بديعًا.
ابتسم «أحمد»، وقال: نستطيع أن نحصل على هذه الإجازة ما لم تكن هناك مهمة جديدة.
فجأة … جاء صوتُ «عثمان» يُدندن بأغنية سودانية يحفظها الشياطين. ابتسم «فهد» وقال: لا بد أنه عثر على ما يحب.
فجأة دخلَت عربةٌ صغيرة مسرعة جعلَتهم يصيحون دهشة؛ كانت العربة محملة بكل أنواع الطعام والفاكهة. وعندما اقتربَت منهم توقَّفت مباشرة، وجاء صوت «عثمان» ضاحكًا: كلوا حتى آخر العمر.
ضحكوا جميعًا، وبدأ كلٌّ منهم يختار ما يريده. أخذ «أحمد» عدة ثمرات من الفاكهة … وفعل «فهد» نفسَ الشيء … أما «عثمان» و«رشيد» فقد جلسوا حول العربة الصغيرة وانهمكوا في الأكل.
قال «أحمد»: لا تنسَوا أنفسكم، إنَّ الطعام لن ينتهيَ، ولن تكون هذه هي آخرَ أكلة لكم.
بدأ «عثمان» يُدندن بنفس الأغنية السودانية، بينما يأكل في نفس اللحظة، وقال: المهم هو الرغبة في الأكل.
ضحك «أحمد» وهو يقول: وإنَّ شهيتك للطعام موجودة دائمًا.
ضحك الشياطين، لكن كان عليهم أن ينالوا قسطًا طيبًا من الراحة؛ فغدًا سوف تكون الخطوة النهائية في معركتهم الأخيرة.