مشكلات خاصة بالنساء
إن الفروق بين الجنسين مهمة للغاية خلف القضبان، حيث تعاني السيدات من صدمات تختلف عن تلك التي يعانيها الرجال قبل دخول السجن. فتتم إدانتهن في جرائم لأسباب تختلف عن الأسباب التي يتم بها إدانة الرجال، كما يختلفن عن الرجال في احتياجاتهن وفي نوعية المشكلات التي يواجهنها في محاولتهن التكيف مع الحياة داخل السجن، وكذلك في ردود أفعالهن الانفعالية. وإذا أردنا فهم المشكلات الانفعالية التي تعاني منها الكثيرات من هؤلاء السجينات، فإن علينا أن نضع في الاعتبار خلفياتهن الحياتية، والعقبات التي تواجههن كأمهات في السجن، والحاجات الأخرى الخاصة بهن كنساء، وقواعد الانضباط الصارمة والظروف القاسية التي يضطررن إلى تحملها، والتحرش الجنسي الذي يرتبط بكونهن نساءً داخل السجن.
تتشابه سجون الرجال والنساء في عدة أوجه. فتمثل العنصرية مشكلة كبيرة في سجون النساء، شأنها شأن سجون الرجال بالضبط؛ إذ إن ما يزيد عن ٥٠ بالمائة من السجينات في السجون الموجودة في الولايات الأمريكية وتلك التي تخضع لإدارة الحكومة الفيدرالية من ذوات البشرة الملونة، وتسع عشرة سيدة من بين الثلاث والأربعين المحكوم عليهن بالإعدام عام ١٩٩٣ كنَّ من أصل أفريقي أو لاتيني. هذا فضلًا عن أن وحدات العزل العقابي والحبس الانفرادي تتسبب في نفس الآلام والمعاناة لكلا الجنسين، ويتسبب نقص برامج التثقيف وإعادة التأهيل في صعوبة نجاح السجناء في المجتمع بعد إطلاق سراحهم.
إحدى وخمسون بالمائة من إدانات النساء بجرائم القتل تتضمن قتلهن زوجًا أو حبيبًا، ويكون ذلك عادةً بعد تعرضهن للضرب أو الاغتصاب من جانب هذا الشخص. ونصف النساء اللاتي حُكِم عليهن بالإعدام على مستوى الدولة في الولايات المتحدة عام ١٩٩٣، وصلن إلى هذا الحال بسبب قتلهن زوجًا أو حبيبًا أساء معاملتهن. ونحو ٨٠ بالمائة من النساء خلف القضبان كن ضحايا لجرائم عنف أسري واعتداء بدني أو جنسي في مرحلة ما من حياتهن قبل إدانتهن. ومعظم النساء اللائي سُجنَّ بسبب قتلهن زوجًا أو حبيبًا معتديًا لم يرتكبن أية جرائم سابقة. ويقل احتمال تكرار النساء المدانات بجرائم عنف لهذه الجرائم بعد إطلاق سراحهن مقارنةً بالرجال المدانين بجرائم مماثلة.
(١) الفروق بين الجنسين
في كثير من الأحيان تصبح الفروق الموجودة بين الجنسين خارج أسوار السجن أكثر وضوحًا بعد دخول السجن. على سبيل المثال، نسبة كبيرة من المُدانات في جرائم يكنَّ أمهات معيلات ويتكفلن برعاية أسرهن وحدهن. وعند دخولهن السجن، يؤدي انفصالهن عن أطفالهن إلى مكابدتهن آلامًا هائلة.
ومن المشكلات الأخرى التي تواجه السجينات عدم الاهتمام بهن فيما يتعلق باحتياجاتهن الخاصة، بل وإساءة معاملتهن أيضًا في هذا الشأن. فلا يمكنهن ارتداء ما يشأن من ملابس، أو التمتع بالخصوصية التي اعتدن عليها. ولا يمكنهن أيضًا التواصل على نحو جيد مع أقرب الناس إليهن. وتستنزف هذه الأمور وغيرها من مظاهر الحرمان قواهن بمرور الوقت؛ فيشعرن بالوحدة، ويُصَبْنَ بالحزن أو الغضب أو يتخلين عن مشاعرهن ويقعن فريسة الاكتئاب.
ونظرًا لأن لوائح السجن ونظم التصنيف به قد وضِعت للرجال في المقام الأول، فإن تطبيقها على سجون النساء قد يكون له نتائج عكسية وخيمة. فهناك لوائح وإجراءات في السجن لكل شيء تقريبًا، بما في ذلك الأماكن التي يمكن للسجينات السير فيها ومقدار الوقت الذي يمكنهن البقاء فيه وحدهن. هذا فضلًا عن العدد المتنامي بسرعة من اللوائح المتعلقة بطول شعر السجينات، والثقوب والوشوم المسموح بها، والحدود المفروضة على أغراضهن التي يمكنهن الاحتفاظ بها. وكلما ارتفع مستوى التصنيف الأمني للسجينة، زادت القيود المفروضة عليها. لكن عند تطبيق اللوائح ونظام التصنيف الموضوع للرجال في الأساس على السيدات، الأمر الذي يتسبب في تجاهل احتياجاتهن الخاصة واستخدام القوة المفرطة للتحكم فيهن؛ فإنهن يعانين من مشقة شديدة لا داعي لها. وإذا كانت المرأة عرضة لاضطراب انفعالي من أي نوع، تؤدي الظروف عادةً إلى تفاقم حالتها.
(١-١) النساء والأطفال
ثمانون بالمائة من السجينات لديهن أطفال. وسبعون بالمائة من السجينات اللائي لديهن أطفال هن أمهات معيلات، و٨٥ بالمائة حظين بحضانة أطفالهن قبل دخولهن السجن. وقد قيل لي إنه من الصعب والمؤلم للغاية أن تكون الأم في السجن. بالنسبة إليَّ كرجل، لا يمكنني معرفة هذا الأمر إلا من خلال الاستماع إلى قصص السيدات، أو تصوُّر الجحيم الذي يمثله السجن لأي أم. فكيف يمكن لهن البقاء على اتصال بأبنائهن وهن محبوسات؟ كيف يمكنهن حماية هؤلاء الأطفال من أي مكروه قد يحيق بهم؟ ولذا، فإن مزايا الزيارات يكون لها معنًى خاص عندما تكون هي الوقتَ الوحيد الذي يمكن للأم رؤية أبنائها فيه. ويعتمد الاستقرار النفسي للأم على معرفتها بأن أبناءها يتلقون رعاية جيدة.
ستة بالمائة من المدانات يدخلن السجن وهن حوامل، ويضعن أبناءهن داخل السجن. وتعاني رعاية الأمهات الحوامل في معظم سجون النساء من قصور شديد. فقد توصل استطلاع حديث لسجون النساء بالولايات الأمريكية إلى أن ٥٨ بالمائة من هذه السجون تقدم للسيدات الحوامل نفس الطعام الذي يُقدَّم لجميع السجينات، وهو الطعام الذي يمثل نظامًا غذائيًّا غير صحي على الإطلاق للأمهات. هذا فضلًا عن النقص الشديد في توافر العلاج النفسي للسيدات اللاتي فقدن أطفالهن أو أُجهِضن داخل السجن.
وتتعرض غالبًا السيدات اللاتي يضعن أطفالهن داخل السجن لضغوط من أجل التخلي عن هؤلاء الأطفال للتبني. ويُجبَرن على التخلي عنهم بمجرد ولادتهم، فيما عدا عدد قليل نسبيًّا من السجون التي يُسمَح فيها للسيدات بالإبقاء على مواليدهن. وإذا لم يحالفهن الحظ بالعثور على أحد أقاربهن ممن يمكنهم تربية الطفل، يضطررن للتخلي عن الطفل ليتبناه أشخاص لا علم لهن بهم. ربما لا تكون هناك سياسة مكتوبة تفرض على السجينات التخلي عن حقوقهن كأمهات، لكن عندما يضغط موظفو السجن على أية سيدة حامل للتخلي عن حضانة طفلها عن طريق الادعاء أن الطفل سيكون أفضل حالًا بكثير مع عائلة أخرى، بينما تعاني السجينة الحامل في الوقت نفسه شعورًا بالخزي وتأنيب الضمير وعدم احترام الذات، تشعر بأنها مُجبرة على الإذعان لهذه الضغوط والتخلي عن حضانة طفلها.
لكن هناك بعض الاختلافات بين الولايات الأمريكية فيما يتعلق بالسجينات اللاتي يضعن أبناءهن داخل المؤسسات العقابية. على سبيل المثال، تحتوي مؤسسة بيدفورد هيلز العقابية في نيويورك على برنامج لحضانة الأطفال يقدم لبعض السيدات اللاتي يلدن في السجن الفرصة للاحتفاظ بأطفالهن في السجن مدة عام واحد للسماح بنشوء رابطة بين الأم والطفل. لكن في معظم الولايات، حتى تلك التي يوجد بها حضانة للطفل وبرنامج يسمح للأمهات بقدر كبير من التواصل مع أطفالهن الصغار، يستحيل لنسبة كبيرة من الأمهات الحصول على هذه الميزة نظرًا للنقص في الأماكن وشروط القبول بالبرنامج. على سبيل المثال، في كاليفورنيا هناك ما يقل عن اثني عشر مكانًا مخصصًا للسجينات الأمهات في وحدات إقامة خاصة، حيث يمكنهن الإبقاء على أطفالهن الصغار معهن وتلقي تدريب على الأمومة، وأية سجينة ليست مُصنَّفة في فئة المخاطر الأمنية المنخفضة للغاية تُحرَم من المشاركة في هذا البرنامج.
أما فيما يتعلق بالسيدات اللاتي يكون لديهن أطفال بالفعل عند دخولهن السجن، فإن أكبر مشكلة يواجهنها هي إيجاد وسيلة للحفاظ على سلامة وتماسك أسرهن في أثناء وجودهن خلف القضبان. وفي حال وجود أب لهؤلاء الأطفال، تشعر الأم بالقلق بشأن استمرارية علاقتهما الزوجية. وقد تقلق أيضًا من انحرافه أو شربه للخمر وإساءته معاملة الأطفال. أما الأمهات المعيلات، فيواجهن مشكلة فقدان أطفالهن تمامًا. فقد يأخذهم أحد الأقرباء أثناء وجود الأم في السجن، أو قد يخضعون لوصاية المحكمة. هل سيكونون على ما يرام؟ هل سيعودون إلى أمهاتهم؟ تؤرق هذه الأسئلة الأمهات طوال فترة عقوبتهن. وإذا كانت الإجابات كئيبة، فسيصبن على الأرجح بالخزي والاكتئاب والنزوع لتدمير الذات.
من ناحية أخرى، يقل احتمال تلقي الأمهات السجينات لزيارات من أطفالهن مقارنةً بالرجال؛ وذلك لأن الأم، عندما تكون غير سجينة، تجلب الأطفال عادةً لرؤية آبائهم المسجونين. لكن عندما تدخل الأم نفسها السجن، تفقد حضانتها للأطفال، وقد لا يكون هناك مَن يُحضِر الأطفال لرؤيتها. وثمة مشكلات هيكلية أيضًا تجعل من الصعب على السيدات البقاء على اتصال مع أطفالهن. فعدد سجون السيدات أقل من سجون الرجال؛ ولذلك تبعد هذه السجون عادةً عن مسكن السجينة. وتنقل أيضًا بعض الولايات والنظام الفيدرالي السيدات إلى خارج الولاية بسبب نقص الأسرَّة الخاصة بهن. وقد «تستأجر» إحدى الولايات مكانًا في سجون ولاية أخرى. ويُصعِّب ذلك، بلا شك، من بقائهن على اتصال بأحبائهن.
على الرغم من أنني كنت بحال جيدة في السجن، كنت أصير كل ستة أو تسعة أشهر في حالة نفسية سيئة للغاية. كنت أتعرض لاكتئاب شديد بسبب عدم رؤيتي لطفلي وأسرتي، وكانت حاجتي الشديدة إلى الحرية سببًا في كآبتي. بعد قضاء فترة في السجن، لا تستطيع تحمل الحبس. فأنت معزول تمامًا عن كل شيء. لكنني كنت محظوظة؛ إذ جاءت أسرتي لزيارتي ثلاث أو أربع مرات في العام. وتولت شقيقتي الكبرى وزوجها تربية طفلي منذ كان في الثانية من عمره، ومن النِّعم التي تمتعت بها أنهما سمحا لي دائمًا بأن أكون جزءًا من حياته. لقد رأيت سيدات يكسرن سماعات الهاتف لرفض المتحدث معهن السماح لهن بالتحدث لأطفالهن؛ إذ كانوا يقولون لهن إنهم لا يرغبون في وجودهن بحياة الطفل مرة أخرى.
لكن ثمة قصورًا هائلًا في علاج هذا النوع من الاكتئاب داخل السجون. فكما هو الحال في سجون الرجال، قد تُعطَى السيدات اللاتي يعانين الاكتئاب أدوية ذات تأثير نفساني، لكنهن لا يحصلن إلا على قدر ضئيل للغاية من الإرشاد النفسي أو العلاج الجيد. وفي أي مؤسسة أو مركز للعلاج السريري خارج السجون، كالمستشفيات النفسية أو برامج الإقامة، يمثل التواصل مع اختصاصي اجتماعي جزءًا محوريًّا من علاج الأمراض العقلية لدى السيدات المكتئبات. فمن المفترض أن اكتئاب المرأة يتعلق كثيرًا بدورها كأم، وإذا كانت غير قادرة على التواصل كثيرًا مع أطفالها، يمكن على الأقل للاختصاصي الاجتماعي التواصل مع هؤلاء الأطفال وإعلام الأم دائمًا بأحوالهم. لكن في السجن، يكون التواصل مع الاختصاصيين الاجتماعيين أمرًا نادرًا للغاية. وحتى في الحالات التي من المحتمل أن تتعرض فيها المرأة للإجهاض أو فقدان طفلها، وتكون في أمس الحاجة لنوع من التفاعل الكلامي مع متخصص كفء، لا يتوافر لها سوى قدر ضئيل من المساعدة.
(١-٢) المظهر والخصوصية الفردية وتقدير الذات
أوضحت لي تجربة خضتها مؤخرًا بوصفي شاهدًا خبيرًا في إحدى الدعاوى القضائية المتعلقة بالسجون بعض الأمور بشأن الحاجات الخاصة للسجينات ومشكلاتهن. فقد تقدمت بشهادتي بوصفي خبيرًا نفسيًّا بشأن الآثار السيئة المحتملة على صحة السجناء العقلية لأمر توجيهي بسياسة جديدة مُقترَحة يفرض على السجناء في ميشيجان ارتداء زي موحد والتخلي عن كل أغراضهم. وقد استمرت قضية كين ضد إدارة المؤسسات العقابية بميشيجان — وهي دعوى قضائية جماعية تقدم بها ٤١ ألف سجين و٢٠٠٠ سجينة في سجون الولاية — عشر سنوات. وكانت نتيجةُ هذا الإجراء القانوني حتى الآن منعَ الولاية من تطبيق هذا الأمر التوجيهي الخاص بالسياسة الجديدة تطبيقًا تامًّا. زعم السجناء أن الزي الموحد المفروض من الولاية غير ملائم على الإطلاق لمناخ ميشيجان. وإذا طُبِّق هذا الأمر التوجيهي الجديد، فسوف يُجبَر السجناء كذلك على التخلي عن كل أغراضهم التي لا تتسع لها حقيبة رياضية كبيرة (للسجناء المحبوسين في سجون ذات إجراءات أمنية مشددة أو فائقة التشديد) أو حقيبة رياضية كبيرة وصندوق أحذية صغير (للسجناء المحبوسين في سجون ذات إجراءات أمنية منخفضة أو متوسطة).
ستفرض السياسة الجديدة كذلك قيودًا على أغراض السجناء بطرق أخرى. على سبيل المثال، سيلزم على السجناء شراء أغراض جديدة بالكامل يختارونها من كتالوج للشراء عبر البريد الخاص بالشركة الوحيدة التي توافق عليها إدارة المؤسسات العقابية لتوريد مستلزمات السجناء. ولن يتمكن السجناء بعد ذلك من جعل أسرهم يرسلون إليهم الملابس أو أي أغراض أخرى، ولن يتمكنوا كذلك من شراء ملابس مستعملة أو جعل أسرهم يتسوقون من أجلهم لشراء أشياء أرخص ثمنًا. علاوةً على ذلك، إذا نُقِل السجين إلى جهة ذات مستوًى أعلى من التصنيف الأمني، مثل وحدات الحبس المشدد، وكان الحكم الجديد في صالحه عند استئنافه على الحكم الصادر ضده وأُرسِل مجددًا إلى مؤسسة ذات مستوًى أمنيٍّ أقل، فسيفقد كل أغراضه ويجب عليه شراء أشياء جديدة. ولا شك أن هذه السياسة ستشكل مشقة هائلة على السجناء ذوي الموارد المادية المحدودة.
في إطار إعدادي لشهادتي في قضية كين ضد إدارة المؤسسات العقابية بميشيجان، طلبت من السجناء الثمانية ممن يتولون الدفاع عن أنفسهم (بالتعاون مع المحامين المكلفين بالقضية) إرسال استطلاع للآراء لعدد من السجناء كي أتمكن من تحديد ما يعتقد السجناء أنهم سيُضطرون إلى التخلي عنه من أغراض عند تفعيل السياسة الجديدة، وكيف سيؤثر عليهم ذلك. وأُرسِل الاستطلاع بالفعل إلى سبعين سجينًا في أربع وعشرين مؤسسة عقابية وعشرين سجينة في ثلاث مؤسسات. وقد تحمس السجناء للغاية بشأن إمكانية رواية ما لديهم من قصص، فتلقيت ردودًا من ٤٦١ رجلًا و٢٦٠ امرأة، حيث اختلس سجناء كثيرون النظر إلى النسخ التي كانت مع زملائهم، وكتبوا إجاباتهم المُرقَّمة على ورق أبيض. يا له من دليل على رغبة الأفواه المُكمَّمة في استماع الآخرين إليها!
تعطي إجابات السجناء عن الاستفتاء فرصة لفهم بعض مخاوفهم، بالإضافة إلى إدراك تأثير السياسة الجديدة على صحة السجناء العقلية. فتوقع كلٌّ من الرجال والنساء أنهم سيضطرون إلى التخلي تقريبًا عن نفس الأغراض، مثل الأوراق القانونية، وإطارات الصور والألبومات، والشرائط والتسجيلات الموسيقية والتثقيفية، والمعدات الرياضية مثل كرات اليد وأحزمة رفع الأثقال، والآلات الموسيقية، وأدوات الرسم والأدوات الخاصة بممارسة الهوايات، والمصنوعات والكتب الدينية، والصابون ومستلزمات الحمام، والكثير من الملابس مثل معاطف الحماية من الأمطار وملابس الحمام والأحذية والملابس الرياضية والأشياء التي لها قيمة عاطفية بالنسبة إليهم.
لكن كان هناك اختلافات جوهرية بين الجنسين تجلَّت في ردود السجناء على الأسئلة المتعلقة بما سيشعرون به عند فقدانهم معظم أغراضهم واضطرارهم ارتداء زي موحد. فتضمَّنت معظم إجابات الرجال مشاعر الغضب والرغبة في الانتقام والافتراض أن السجن سيكون أقل أمانًا بكثير؛ لأن كل الرجال سيشعرون بنفس هذه المشاعر السلبية. أما النساء، فتضمنت أغلب إجاباتهن تراجع الشعور بقيمة الذات وفقدان الهوية والاكتئاب والخزي والانعزال والشعور بالتعرض للانتهاك. وهذه الاختلافات بين الجنسين ليست بالأمر الغريب؛ فمن المعروف أن الرجال يستجيبون عادةً للصدمات بالتصرف على نحو عدواني، بينما تميل النساء إلى كبت مشاعرهن السلبية والإصابة بالاكتئاب.
قد يذهب البعض إلى أن تقدير الذات والهوية لا يعتمدان على الملبس والمظهر. لكنني أختلف قطعًا مع هذا الرأي. فارتفاع تقديري الحالي لذاتي، الذي ناضلت من أجله، يرتبط ارتباطًا وثيقًا باهتمامي بمظهري، فيما يتعلق باختياري لملابسي ومستحضرات التجميل التي أستخدمها وموقفي تجاه نفسي بوجه عام. وفقدان القدرة على الاهتمام بنفسي ورعايتها في هذه الجوانب الأساسية من شأنه تدمير الذات.
ثمة سيدة أخرى، تبلغ من العمر خمسة وأربعين عامًا وتقضي عقوبة مدتها ثمانية وعشرين عامًا — ولا يجوز لها أن تطلب إطلاق سراح مشروط إلا بعد مرور ستة أعوام — في سجن ذي إجراءات أمنية منخفضة، كتبت فيما يتعلق بشعورها تجاه الاضطرار إلى التخلي عن أغراضها أن هذا سيجعلها تشعر: «بالغضب، والمعاملة غير الإنسانية، والاكتئاب، والعزلة، وعدم الحب، والإهمال، وفقدان الأنوثة، وفقدان الخصوصية الشخصية.» وفي ردها على السؤال المتعلق بالتخلي عن ملابسها الشخصية واضطرارها إلى ارتداء الزي الموحد، قالت: «سيصدمني ذلك ويزعجني كثيرًا؛ فلم يتبقَّ لي شيء في حياتي يخصني سوى هذه الأغراض. كل شيء أحببته فقدته، أسرتي ومنزلي وحريتي. والأشياء الوحيدة التي أملكها في حياتي الآن ولسنوات عدة قادمة هي القليل من الملابس البالية التي أشعر بالارتياح في ارتدائها. إنها حقًّا الرابط الوحيد الذي يربطني بالإنسانية ويحول دون قهر هذه البيئة القاسية لي!»
في أثناء زواجي الذي دام سبعة عشر عامًا، صارت حالتي النفسية أشبه بحالة أسرى الحروب. فقد مررت بأمور عدة أفقدتني تقديري لذاتي، بما في ذلك إخباري بما ينبغي عليَّ ارتداؤه وأين أرتديه وكيف. لكن في أثناء وجودي بالسجن، حققت أمورًا كثيرة من بينها شعوري بقدر من الاستقلالية بشأن قدرتي على اتخاذ قراراتي الشخصية، مثل ما أرتديه كل يوم. وإذا أُخِذت مني ملابسي، أخشى أن أعود إلى ما كنت عليه من التدهور العاطفي والعقلي والنفسي، وأن أعيش من جديد تلك المشاعر السيئة التي عشتها طوال كل تلك السنوات التي استمر فيها زواجي والتي تعرضت فيها للاعتداء من جانب زوجي. إذا حدث هذا التدهور بداخلي، فأظن أنني قد ألحق الضرر من جديد بشخص ما مستقبلًا ربما أعتقد أنه يعتدي عليَّ.
لا أستطيع الحصول على مقاسي من حمَّالات الصدر، وإن حصلت عليها، فإنها لا تمنحني الدعم الكافي الذي أحتاجه. تحصل سيدات أخريات على حمَّالات مستعملة [سيتضمن الزي الموحد الذي سيصرفه السجن للسجناء ملابس داخلية، على أن يستبدل السجناء بملابسهم المتسخة ملابس أخرى نظيفة، لكن ليس ملابس شخصية خاصة بهم من المغسلة]، ويجعلني ذلك أدرك أن إدارة المؤسسة العقابية لا يمكنها منح السيدات ملابس مناسبة لهن. والملابس زرقاء اللون التي يقدمها السجن إلينا مليئة بالثقوب والتمزقات، وقد صُمِّمت للرجال؛ ويعني ذلك أنها لا تتناسب مع السيدات.
تسمح السياسة الجديدة بحذاء واحد فقط … عدم ارتدائي أية فساتين أو تنورات يسبب لي أزمة أخرى في حياتي. فعندما أذهب إلى الكنيسة، أُضطر إلى ارتداء البنطال لعدم امتلاكي الحذاء الذي يمكنني ارتداؤه مع الفستان. وقد تعلمت منذ صغري أن السيدات يرتدين الفساتين عند ذهابهن إلى الكنيسة. أشعر بقدر هائل من الإحراج والذنب لذهابي إلى الكنيسة بالبنطال.
تتمزق هويتي عند إجباري على ارتداء ملابس الرجال؛ فأنا امرأة، وأرغب في ارتداء ملابس النساء. والقمصان والبنطلونات التي تقدمها الولاية لنا خاصة بالرجال. والسياسة الجديدة لا تسمح لي إلا بامتلاك تي شيرت رجالي أبيض. وعندما ترتدي السيدات هذا التي شيرت، تظهر بوضوح حمَّالات الصدر من تحته. والسجن يديره في الغالب رجال؛ ما يجعلني أشعر بالاغتصاب البصري في كل مرة أرتدي فيها هذا التي شيرت الأبيض. ونظرًا أيضًا لأن ثديي كبير الحجم، أشعر بالإحراج لعلمي بأن حمَّالات الصدر التي أرتديها ظاهرة للعيان. فقد تعلمت أنا وأخواتي في أسرتي أن من المهين للمرأة الكشف عن ملابسها الداخلية.
عندما أدليت بشهادتي في قضية كين ضد إدارة المؤسسات العقابية بميشيجان، قرأت بعضًا من ردود السجناء على استطلاع الرأي وأوضحت كيف أن تعليقاتهم السردية تعكس ما توضحه لنا الأبحاث السريرية. على سبيل المثال، عند تجاهل احتياجات النساء باستمرار، فإنهن يشعرن عادةً بالانتهاك والقهر؛ وتكون النتيجة هي تعرضهن للانهيار الانفعالي.
أثناء تأليفي لهذا الكتاب، كان القضاء لا يزال ينظر في قضية كين. وعلى الرغم من أن القاضي قد سمح للولاية بتنفيذ بعض الأجزاء من هذه السياسة القاسية، فقد منح السجناء في الوقت نفسه بعض التسهيلات بشأن أمور معينة. على سبيل المثال، أصدر هذا القاضي أمرًا للولاية بالسماح للسجناء بالاحتفاظ بمعاطفهم وقفازاتهم. لكن لا يزال السجناء في العديد من الولايات الأخرى مجبرين على شراء كل ملابسهم من كتالوجات معتمدة، وقص شعورهم قصات قصيرة، والتخلي عن الهدايا التي تُرسَل إليهم من منازلهم، بالإضافة إلى إجبار النساء على ارتداء ملابس الرجال وحمَّالات الصدر المستعملة.
(١-٣) التصنيف والانضباط
صُمِّمت سجون النساء بناءً على تصميم سجون الرجال؛ أو بالأحرى يمكن القول إن سجون النساء جاءت كإضافة لسجون الرجال. فحتى فترة مبكرة من القرن العشرين، كانت سجون النساء لا تزال مجرد أقسام منفصلة في سجون الرجال. وفُرِضت على النساء القواعد نفسها التي طُبِّقت على الرجال؛ الأمر الذي لا يزال مُتبعًا حتى الآن. على سبيل المثال، على الرغم من أن مستوى العنف أقل بكثير في سجون النساء، وعلى الرغم من انعدام محاولات الهرب تقريبًا فيها، تودَع النساء اللاتي يخرقن اللوائح في وحدات حبس مشدد صُمِّمت في الأساس من أجل الرجال شديدي العنف. ولا أؤيد هنا استخدام القوة المفرطة والعزل مع الرجال. لكن مما لا شك فيه أن استخدام نفس القدر من القوة مع النساء يعد خطأً فادحًا.
يتم حفظ النظام في السجون عن طريق نظام تصنيف معين وإجراءات تأديبية واضحة. و«النقاط» التي تحدد التصنيف الأمني للرجال هي نفسها التي تُطبَّق عادةً على السجينات. على سبيل المثال، تصدر حاليًّا أحكام طويلة جدًّا في مدتها في جرائم لا يترتب عليها ضحايا مثل حيازة المخدرات. ويعني ذلك أن المرأة، التي لديها سجل إجرامي سابق — يتمثل في حالة الكثير من النساء في جنح بسيطة مثل تزوير الشيكات أو سرقة المتاجر أو التشرُّد — ويصدر ضدها حكم طويل في قضية مخدرات، تُرسَل إلى سجن ذي إجراءات أمنية مشددة، حتى لو لم تكن قد أُدينت من قبل بأية جريمة عنف، ولم تخرق أية قواعد في المؤسسات العقابية، ولا تمثل بأي شكل من الأشكال خطرًا فيما يتعلق بالهروب من السجن. وعند إرسالها إلى سجن ذي إجراءات أمنية مشددة حيث الظروف الأكثر قسوة، تبتعد أكثر عن منزلها وأبنائها، وتُجبَر على أن تكون أكثر كسلًا وانعزالًا مما يمكن أن تكون عليه في مستوًى أمني أقل. وقسوة الظروف، والنقص النسبي في الأنشطة الهادفة، وزيادة العزلة، كل ذلك له آثار نفسية مدمرة.
يمكن كذلك لأنظمة التصنيف أن تؤثر سلبًا على النساء بطرق أخرى عديدة. فالنطاق المحدود لأنظمة سجون النساء معناه توافر خدمات وبرامج أقل، بما في ذلك خدمات الصحة العقلية؛ ومن ثم، يستلزم الأمر نقل النساء من مكان إلى آخر أكثر مما يحدث مع الرجال عند تغيير المستوى الأمني أو البرنامج المفروض عليهن. على سبيل المثال، تتوافر خدمات الصحة العقلية في سجون ولاية ميشيجان للرجال بجميع مستويات التصنيف الأمني، بينما لا تتوافر سوى خدمات الصحة العقلية المهمة فقط للسجينات المحبوسات في سجون من المستوى الأمني المشدد الرابع والخامس. ويعني ذلك أن السجينة الموجودة في سجن ذي إجراءات أمنية منخفضة، وتعاني من انهيار انفعالي، لا بد من نقلها إلى مستوًى أمني أعلى بكثير في حال خضوعها للعلاج النفسي؛ وبذلك، ستفقد وظيفتها في السجن بالإضافة إلى ميزات أخرى كثيرة، مع أنها لم تقترف أي ذنب.
أما فيما يتعلق بالإجراءات التأديبية، فاللوائح المُطبَّقة على النساء تكون عادةً أكثر عددًا من تلك المطبقة على الرجال، وتتعلق بأمور أبسط بكثير. على سبيل المثال، هناك لوائح تتعلق بالحفاظ على نظافة الزنزانة أو التصرف على نحو لائق على مائدة الطعام. ويبدو الأمر كما لو كانت النساء يخضعن لمراقبة أكثر إحكامًا فيما يتعلق بالانحراف عن السلوك الأنثوي المقبول. وتشير النساء، كذلك، إلى أن الحرَّاس يتعاملون معهن كما لو كن أطفالًا صغارًا، فيطلقون عليهن «الفتيات السيئات» أو «الفتيات» فحسب. وتتلقى السجينات استدعاءات تأديبية أكثر من الرجال. لكن استدعاءات النساء تتعلق في الغالب بانتهاكات ثانوية للوائح، وهي الأمور التي لا تصدر ضد الرجال استدعاءات من أجلها. أما الرجال، فتصدر ضدهم هذه الاستدعاءات لانتهاكات أكثر خطورة بكثير مما ترتكبه النساء. وعلى النقيض من الرجال، الذين يغضبون من هذا النوع من المراقبة الشديدة والاهتمام بأمور تافهة، تصاب غالبًا النساء اللاتي يتعرضن لهذا النوع من الإجراءات التأديبية بمشاعر حادة من الخزي والتوتر والاكتئاب.
وعلى الرغم من أن معظم النساء في السجون ذات الإجراءات الأمنية القوية خرقن العديد من اللوائح الثانوية ولم تصدر ضدهن أية إنذارات بشأن أعمال عنف أو انتهاكات خطيرة، توجد وحدات حراسة مشددة للنساء في كثير من الولايات. وكما هو الحال في سجون الرجال، ما إن تُقام هذه الوحدات حتى يكون مآل السجينات المضطربات عقليًّا إليها بشكل أو بآخر، ويسفر العمل والتكاسل عن مزيد من التدهور في حالتهن الصحية.
بل إن إدارات المؤسسات العقابية في بعض الولايات تجري عمليات إخراج قسري للسيدات من الزنزانات في وحدات الحراسة ذات المستوى الأمني القوي والمشدد. ولك أن تتخيل اقتحام خمسة حرَّاس ضخام البنية زنزانة ما خلف دروع من البلاستيك المقوَّى لإخضاع امرأة! مجرد التفكير في هذا النوع من الوحشية يجعل السيدات يشعرن بالخوف على حياتهن. وعلى الرغم من أن القلق واضطراب الهلع لا تتضمنهما لائحة «الاضطرابات العقلية الخطيرة»، فقد التقيت بعدد كبير من السيدات اللائي يعانين من قلق مُعمَّم ونوبات هلع حادة في وحدات الحراسة ذات المستوى الأمني القوي والمشدد. ولا شك أن الوحشية البدنية ليست الاعتداء الوحيد الذي تخشاه النساء في السجن.
(٢) التحرش الجنسي
عندما يتولى موظفون رجال مسئولية سجينات سيدات، وتسمح البنية الهندسية والسياسات الخاصة بالسجن لهؤلاء الموظفين بمراقبة الأنشطة اليومية للسجينات في عنابر السجن والتدخل دائمًا فيها — أو تتطلب فعل ذلك — تكون هناك حوادث يومية من التحرش الجنسي. وفي السجون التي يكون فيها التحرش الجنسي سافرًا، يقل أو ينعدم الملاذ الذي يمكن للضحايا اللجوء إليه.
ونظرًا لأن الكثير من النساء لديهن تاريخ سابق من التعرض للاعتداء البدني والجنسي في أثناء طفولتهن ولدرجة من العنف الأسري أو الاغتصاب وهن بالغات، تسفر الحوادث المروِّعة التي يتعرضن لها أثناء مدة عقوبتهن بالسجن عن إحياء الصدمات السابقة داخلهن وإثارة ردود فعل انفعالية قوية لديهن. والنساء المعرضات للإصابة بالذهان يمكن أن يتمثل رد فعلهن في الإصابة بانهيار كامل. ومَن يعانين من اضطراب توتر ما بعد الصدمة، يكون رد فعلهن عادةً في صورة توارد للتجارب القاسية السابقة على أذهانهن، فضلًا عن الكوابيس. وتشير السيدات اللاتي لديهن استعداد للإصابة بالاكتئاب إلى أن تجاربهن الصادمة في السجن تؤدي إلى إصابتهن بحالات اكتئاب خطيرة.
(٢-١) المراقبة الشاملة في المؤسسات العقابية للنساء
من العوامل الخطيرة الأخرى في سجون النساء وجود حرَّاس من الرجال. حتى الستينيات من القرن العشرين، كان الرجال يمثلون أقليةً بين الموظفين في معظم سجون النساء، ولم يكن يُسمَح لهم بالتواصل مع السجينات إلا في ظل وجود إشراف. لكن في أعقاب صدور قانون الحقوق المدنية الأمريكي لعام ١٩٦٤، وغيره من التشريعات المتعلقة بالمساواة في التوظيف، بدأت نسبة الموظفين الرجال بالسجون في الارتفاع. وصارت الآن نسبة الرجال إلى النساء بين ضباط السجون في سجون النساء اثنين إلى واحد على الأقل.
وقد اكتشفتُ وجود الكثير من السجناء المصابين بجنون الارتياب في وحدات الرجال المُصمَّمة للمراقبة المباشرة والكاملة، وأخبرني هؤلاء السجناء بأن تدهور حالتهم الصحية بدأ بشعورهم بالانزعاج بسبب مراقبتهم طوال الوقت. أما في سجون النساء، فإن المراقبة الشاملة تعني أن الحرَّاس الرجال يمكنهم في أغلب الأحيان رؤية السيدات وهن عاريات أو على المرحاض أو أثناء الاستحمام. وفي حالة كون الحرَّاس يبيتون شرًّا للسجينات، يكون هذا الوضع مناسبًا لتحرشهم الجنسي بهن. لكن حتى لو لم يكن الحرَّاس يبيتون شرًّا للسجينات، ولا سيما إذا كُنَّ قد تعرضن في السابق في حياتهن لاعتداء من جانب الرجال تم التعدي خلاله على خصوصيتهن على نحوٍ سبَّب لهن الصدمات، فإن الافتقار إلى الخصوصية في هذه الحالة يمكن أن يكون مهينًا ومخزيًا.
على الجانب الآخر، يشكو السجناء الرجال عادةً من وجود ضابطات أمن في الطوابق التي توجد بها زنزاناتهم. ويذكرون في بعض الأحيان أن وجود هؤلاء السيدات يتسبب لهم في بعض الإحراج عند استخدام المرحاض، لكنهم لا يذكرون قط تحديق الضابطات فيهم وهم عراة. ولقد رأيت، في الواقع، سجناء يستحمون أثناء وجود ضابطات في الخدمة، لكن في هذه الحالة يُعيَّن ضباط رجال لمراقبة الحمامات، أو يُطلَب من السجناء ارتداء أردية الحمام عند سيرهم من وإلى مكان الاستحمام. وينزع السجناء الرجال أيضًا ملابسهم في بعض الأحيان عن قصد أمام الموظفات من النساء. وسمعت كذلك عن حالات يمارس فيها السجين — عادةً يكون سجينًا يعاني اضطرابًا عقليًّا خطيرًا — الاستمناءَ في أثناء مرور إحدى الضابطات أمام زنزانته. لكن في معظم السجون، يُقابَل التعري والسلوك الفاحش من جانب السجناء الذكور بعقوبات قاسية.
والإجراءات التي تُتخَذ لاحترام حياء السجينات في ظل وجود حرَّاس من الرجال في الخدمة أقل بكثير من تلك التي تُتخَذ في سجون الرجال. هذا فضلًا عن زيادة النزعة لدى الحرَّاس الرجال لاستغلال سلطتهم والتحرش بالسجينات. وقد أخبرتني إحدى النساء في سجن ذي إجراءات أمنية مشددة أن هناك حارسًا واحدًا يتولى عادةً خدمة الحراسة في الطابق الموجودة به زنزانتها في نوبة العمل المسائية. وتدخل السجينات إلى زنزاناتهن في المساء، بينما يتجوَّل هذا الحارس في الممر الموجود أمامهن. وتضيف هذه السجينة: «يبدو أنه في كل مرة تستخدم فيها سجينة المرحاض أو تبدأ في خلع ملابسها للنوم، يقف هذا الحارس أمام الزنزانة للتحديق فيها. ويقوم في بعض الأحيان بحركات بذيئة ويتلفظ بتعليقات جنسية فجَّة. الأمر مقزز للغاية، وليس بيدك شيء تفعله حياله؛ لأن السلطة كلها في يد هذا الحارس.»
ليس كل موظفي السجون من الرجال يتحرشون بالسجينات. فيشير الكثير من النساء إلى أن دماثة خلق حرَّاس رجال بأعينهم كانت من العوامل الرئيسية الداعمة لهن أثناء مدة عقوبتهن في السجن. لكن هناك جوانب هيكلية معينة في البرنامج المعمول به في سجون النساء تجعل من التحرش الجنسي حادثًا يوميًّا، حتى عندما لا يقصد الرجال التعدي على النساء. فإلى جانب التوجه لإخضاع السجينات للمراقبة الشاملة، هناك أيضًا إجراءات التفتيش المهينة. ولا شك أنه عندما يستغل أي حارس سلطته للتحرش الجنسي بإحدى السجينات، يكون هناك تعمد غير مُبرَّر للأذى؛ وهذا أمر شائع الحدوث للغاية وفقًا لما أسمعه من السجينات. وسياسات تفتيش السجينات (من التعسف في التفتيش، وسهولة استخدام الموظفين لهذا الإجراء كوسيلة للعقاب والتحرش بالسجينات اللاتي يعتبرونهن مثيرات للمشكلات، وعدم توافر ملاذ للسجينات اللاتي يشعرن بأنهن يتعرضن لمعاملة غير عادلة) تخلق بيئة مواتية لحدوث حالات تحرش جنسي واغتصاب دون اكتشافها.
ويتعين على السجينات أن يخضعن لعمليات التفتيش البدني في أي وقت من اليوم نهارًا أو ليلًا. ويمكن للضباط أن يطلبوا من السجينة خلع ملابسها والخضوع لفحص المواضع الحساسة من جسدها في الحال. ولا شك أنه عندما تجثو أية سجينة على الأرض لتفتيش المواضع الحساسة من جسدها، يكون هناك احتمال كبير لتعرضها للاعتداء. وإذا تحرش الحارس بثدي المرأة في أثناء ذلك، أو قضى فترة طويلة في فحص جسدها، فلا يكون أمام هذه السجينة الكثير لتفعله دون أن تتعرض لخطر إصدار إنذار ضدها لرفضها تنفيذ أمر ما أو لازدرائها ضابطًا.
والتفتيش البدني بتعرية الجسم وفحص المواضع الحساسة من الجسد في سجون النساء، ولا سيما في وجود رجال أو مشاركتهم في الإجراء، يؤدي إلى سيادة حالة من الترهيب والازدراء تشير ضمنًا إلى التساهل الرسمي مع التحرش الجنسي والاغتصاب. هناك تدابير أمنية معينة ضرورية في السجون، لكنني سمعت من عدد كبير من الموظفين والسجينات على حدٍّ سواء أن معظم حالات التفتيش بتعرية الجسم وفحص المواضع الحساسة منه يمكن التوقف عنها دون تعريض أمن المؤسسة العقابية لأي خطر.
ولما كانت نسبة كبيرة من السجينات قد تعرضن في الماضي لانتهاك بدني وجنسي، فإن المعاملة المسيئة والمتسلطة والمهينة التي يتعرضن لها كسجينات تصبح مألوفة إلى حدٍّ بعيد لديهن. فهن يتعلمن من التجارب القاسية التي مررن بها أن المقاومة تؤدي في كثير من الأحيان إلى مزيد من الاعتداء. لذا، فإن النساء اللاتي تعرضن لصدمات متكررة في حياتهن لا يدافعن عادةً عن حقوقهن؛ لأنهن يحاولن جاهدات التأقلم مع الحياة في السجن ويشعرن بضرورة التغير من جانبهن. لكن ثمن هذا الشعور بالتأقلم يتمثل في كثير من الأحيان في حالة مستمرة من الشعور بالخزي وكراهية الذات والاكتئاب.
لكنهم في السجن يتبعون كافة السبل لمعاملتك كما لو كنت طفلًا صغيرًا، وإهانتك، والتعامل معك كما لو كنت شخصًا سيئ الخلق، إلى أن تفقد كل رغبتك في مجابهتهم وتنسى أن لك تفكيرك المستقل، وتقول لهم في النهاية: «حسنًا، أعتقد أن ما تقولونه عني صحيح بالفعل.» وبعد ذلك، ونظرًا لأنك تعتمد عليهم كليةً — حتى في جلب فوطة نسائية في أثناء الدورة الشهرية — تأمل، بعد اعترافك لهم بأنك شخص سيئ ولديك الاستعداد للخضوع لهم، أنهم على الأقل سيهتمون بك ولا يتركونك تموت جراء الإهمال.
(٣) مشكلات الصحة العقلية
على الرغم من أن انتشار الاضطرابات العقلية الخطيرة متماثل تقريبًا بين الرجال والنساء، فهناك بعض الاختلافات في هذا الصدد بين الجنسين. على سبيل المثال، تشير أبحاث الأوبئة إلى أن النساء في المجتمع العادي تزيد معدلات معاناتهن من حالات اكتئاب تصل في خطورتها إلى درجة تستوجب تدخلًا متخصصًا مقارنةً بالرجال، بالإضافة إلى معاناة نسبة أكبر من النساء من أعراض نفسية مترتبة على الاعتداء الجنسي والبدني. ومن الصعب الوصول إلى معدلات انتشار دقيقة في هذا الشأن؛ نظرًا لأن النساء أكثر سعيًا للحصول على مساعدة متخصصة مقارنةً بالرجال. وفي السجن، تنطبق نفس الفروق بين الجنسين، لكنها تكون أكثر وضوحًا. ويكون من الأصعب أيضًا تحديد معدلات الانتشار بين النساء نظرًا للقصور الشديد في عملية التشخيص.
(٣-١) الاكتئاب
من الواضح أن النساء في السجن أكثر عرضة للاكتئاب، بينما يزيد ميل الرجال للانفعالات الغاضبة التي تؤدي بهم إلى الحبس المشدد. ولا شك أن هناك استثناءات في كلتا الحالتين. فقد ذكرتُ في الفصل الثاني من هذا الكتاب أن عددًا كبيرًا من الرجال يتراجعون إلى زنزاناتهم التماسًا للحماية، ثم يعانون الاكتئاب. وبعض السيدات يغضبن ويلجأن إلى العنف. لكن نظرًا لأن السيدات يتعلمن منذ مرحلة مبكرة من حياتهن كبت سخطهن واستيائهن والابتعاد عن المشكلات، يقل عدد من يلجأ منهن في السجن إلى العنف مقارنةً بالرجال، بينما يزيد احتمال معاناتهن في صمت مقارنةً بالرجال، بل إنهن لا يطلبن علاجًا للأمراض العقلية التي يعانين منها.
وإذا حاولنا استكشاف الأسباب التي تؤدي إلى إصابة أية سجينة بالاكتئاب أو القلق، يجب وضع الكثير من الأمور في الاعتبار: هل لا تزال السجينة تعاني من الآثار الناجمة عن اعتداء جنسي تعرضت له قبل أن تصل إلى مرحلة المراهقة؟ وهل تسببت المخدرات، التي لجأت إليها أملًا في النسيان، في تعرضها لتلف دماغي واضطراب عقلي دائمين؟ وهل تسببت كل حوادث الضرب التي تعرضت لها على يد زوجها في تعرضها لاضطراب مزمن لتوتر ما بعد الصدمة يبدو كما لو كان اكتئابًا؟ وهل يستحوذ عليها التفكير في الشخصية البغيضة التي صارت عليها بارتكابها الجريمة التي تُعاقَب عليها ودخولها السجن وانفصالها عن أطفالها؟ وهل تشعر بالقلق من أنها لن تتمكن أبدًا من مسامحة نفسها إذا حدث مكروه لأطفالها؟
لا ريب أن انتشار اضطراب توتر ما بعد الصدمة بين السجينات أعلى بالتأكيد من انتشاره في المجتمع. والحياة الزاخرة بالاعتداء الجنسي والبدني تؤدي إلى شعور حاد بالاغتمام. لكن مجموعة كبيرة من النساء، اللاتي يعانين من أعراض ما بعد الصدمة تُشخص حالتهن خطأً من قِبل موظفي رعاية الصحة العقلية على أن لديهن «شخصية هستيرية» أو يعانين «اضطراب الشخصية الحدية». وعندما تتخذ المرأة موقفًا وتعبر منفعلة عن انزعاجها واستيائها من سوء الخدمات التي تتلقاها، يستبعد موظفو رعاية الصحة العقلية حالتها باعتبارها «مجرد شخصية حدية أخرى تحاول التلاعب بهم للحصول على مزيد من الاهتمام». ونظرًا لأن موظفي رعاية الصحة العقلية المُثقَلين بالأعباء في المؤسسات العقابية يُنصَحون بتجنب تعريض وقتهم للهدر من جانب السجناء المتلاعبين الذين يعانون اضطرابات في الشخصية، والاكتفاء بعلاج مَن يعانون «أمراضًا عقلية خطيرة»، فإن تشخيص الشخصية الهستيرية أو اضطراب الشخصية الحدية يجعل من غير الوارد أن تحصل المرأة على أي خدمات جيدة فيما يتعلق بصحتها العقلية. بعبارة أخرى، هذا نوع من التشخيص الفضفاض تُدرج تحته النساء اللاتي يتعرضن للصدمات أو لا يحصلن على علاج كافٍ داخل السجن.
(٣-٢) الاضطراب المعقد لتوتر ما بعد الصدمة5
بعد علاج عدد كبير من النساء الناجيات من الاعتداء البدني والجنسي المتكرر، توصلت الطبيبة النفسية جوديث هيرمان إلى نتيجة مفادها أن هؤلاء السيدات تُشخَّص حالاتهن في أحيان كثيرة بأنها اضطراب في الشخصية، بينما يُغفَل السبب الحقيقي وهو اضطراب توتر ما بعد الصدمة. فسواء صُنفت حالة هؤلاء السيدات بأن لدى إحداهن شخصية «ماسوشية» أو «هستيرية» أو «انهزامية» أو «حدية» أو تعاني من «اضطراب الجسدنة»، يميل مقدمو الرعاية إلى لوم الضحية على تعرضها للاعتداء المتكرر، كما لو كانت شخصيتها الضعيفة أو المعيبة هي السبب وراء الصدمات التي أُجبِرت على التعرض لها. وتقترح هيرمان فئة تشخيصية جديدة للناجيات من الاعتداء المتكرر ممن تتضمن الأعراض المزمنة لديهن كلًّا من الاكتئاب الحاد والتقلقل الانفعالي والشكاوى الجسدية المتعددة والغضب الشديد. وهذه الفئة التشخيصية هي اضطراب توتر ما بعد الصدمة المُعقد. فبمجرد إدراك أن الصدمات المتراكمة من الماضي هي السبب وراء حالة الاغتمام الحالية التي تعاني منها المريضة، يمكن منحها فرصة لتحقيق قدر يسير من الأمان في حياتها والتحدث عن صدمات الماضي وهي في طريقها للتعافي.
تزداد عادةً اضطرابات توتر ما بعد الصدمة تعقيدًا بتعاطي المخدرات، وفي نسبة كبيرة من الحالات، يعتبر ممارسو رعاية الصحة العقلية تعاطي المخدرات المشكلة النفسية الوحيدة التي يعانيها المريض، ويهملون الصدمات السابقة والحالية التي يعانيها. وتلجأ الكثيرات من السجينات إلى المخدرات والكحوليات لمنع توارد التجارب القاسية السابقة على أذهانهن ولتخدير الألم في المقام الأول. وإذا لم تُكتشف الذكريات الصادمة الدفينة ولم يتم التعامل معها، فثمة احتمال كبير أن تعود هؤلاء السيدات إلى تعاطي المخدرات والكحوليات بعد إطلاق سراحهن من السجن.
وبالمثل، فإن المقابلات التي تُجرَى مع العاهرات والنساء اللاتي يتعرضن للضرب على نحو متكرر تكشف كثيرًا عن تعرضهن لاعتداء جنسي وبدني متكرر منذ الطفولة المبكرة. وإذا لم يُكشَف عن هذا التاريخ من الاعتداءات، فمن المرجح أن تعود هؤلاء السيدات بمجرد إطلاق سراحهن إلى العلاقات السيئة التي أدت بهن إلى خرق القانون ودخول السجن.
(٣-٣) غياب العلاج
تقتصر الكثير من خدمات الصحة العقلية في السجون على طبيب نفسي واحد يقوم بزيارات دورية للسجن لوصف أدوية ذات تأثير نفساني قوي. وقد يكون هناك أيضًا عدد قليل من اختصاصيي علم النفس ممن يقضون معظم وقتهم في إجراء الاختبارات النفسية من أجل المحاكمات ومجلس إطلاق السراح المشروط، وطاقم التمريض الذين ليس لديهم من الوقت الكثير لتقييم الحالات الطارئة وتقديم الأدوية للمرضى. لكن ليست هناك فرصة أمام أية امرأة تعرضت لقدر كبير من الصدمات وتشعر بالاكتئاب أو الغضب للتحدث والتعبير عن ذكرياتها الصادمة في سياق علاجي.
ونحن نعلم ما يحتاجه الأشخاص الذين يعانون آثارًا ناجمة عن الصدمات الحادة والمتكررة فيما يتعلق بالعلاج. وبصفة خاصة، تحتاج النساء اللاتي يتعرضن لصدمات إلى مكان آمن للتحدث فيه عما يعانينه. ويمكن أن تفيد الأدوية كعوامل مساعدة مع العلاج بالمحادثة — كما الحال في علاج الحالات الحادة من التوتر والاكتئاب وردود الفعل الذهانية — لكن وصف الأدوية للنساء اللاتي يعانين من اضطراب توتر ما بعد الصدمة يمكن أن يكون معقدًا قليلًا. فإذا وصِفت المهدئات للحيلولة مثلًا دون تعرض الشخص الناجي من الصدمة لقدر كبير من التوتر أو الغضب، فقد يبدأ هذا الشخص في الشعور بأن ردود أفعاله الانفعالية موضع شك؛ ما يؤدي إلى توقف حالة الحزن النشطة لدى هذا الشخص وانحصاره في حالة مزمنة من الخمول. ويؤدي هذا النموذج في كثير من الأحيان إلى اكتئاب مزمن واعتماد طويل المدى على الأدوية المهدئة لمنع الأعراض التسلطية.
وكبديل عن ذلك، يمكن وصف الأدوية المضادة للاكتئاب على نحو ملائم لأية امرأة تشعر بفقدان الحس ويبدو عليها الاكتئاب. لكن وصف مضادات الاكتئاب في غياب جلسات العلاج يزيد من خطر استنهاض الشخص الناجي من الصدمة على نحو سريع للغاية من حالة الاكتئاب التي تسلبه الحس ليتعرض من جديد للذكريات وتوارد التجارب السابقة القاسية على ذهنه والكوابيس الرهيبة. هناك مستوًى مرتفع من خطر الانتحار في تلك اللحظات. ولنا أن نخمن فقط ارتباط الكثير من حالات الانتحار، التي تحدث بين السجينات اللاتي يأخذن مضادات الاكتئاب، بهذه الصورة المأساوية. لن أخوض هنا في المزيد من التفاصيل بشأن التحكم العلاجي في اضطراب توتر ما بعد الصدمة، وسأكتفي فقط بأن أقول إن هذا الأمر يمثل مسعًى مُعقَّدًا.
السؤال المهم هنا هو: هل توصَف الأدوية كعامل مساعد للمهمة العلاجية الأساسية المتمثلة في التحدث للتعبير عن الصدمة، أم كبديل لفرصة التحدث والتعامل مع الأزمة الانفعالية؟ في كثير من سجون النساء، ونظرًا للقصور الذي تشهده خدمات الصحة العقلية فيها وقيام موظفي الصحة العقلية المنهكين باستبعاد الكثير من الناجين من اعتداء مزمن باعتبارهم متلاعبين أو «شخصيات حدية»، يتم تجاهل عدد كبير من النساء ويُترَكن ليتصرفن كما يشأن، أو توصَف لهن الأدوية فقط عندما يشتكين من أعراض انفعالية لا تُحتمَل.
وفي معظم مؤسسات النساء العقابية — شأنها شأن مؤسسات الرجال — يكون العلاج الجماعي محدودًا أو معدومًا. وتقل للغاية كذلك المساعدة في مشكلات تعاطي المخدرات. ولا تتمكن النساء اللاتي يتعرضن للاغتصاب أو المعاملة الوحشية من مقابلة أي مُعالِج من أي نوع، إلا إذا تعرضن لانهيار كامل ولزم نقلهن إلى وحدة علاج نفسي داخلية. وحتى عند حدوث ذلك، قد يستمر بقاؤهن في هذه الوحدة فترة قصيرة فقط من الوقت، ولا تسنح لهن في الغالب الفرصة للتحدث مع مُعالِج يمكنه مساعدتهن في التعافي والشفاء.
ليست كل السجينات، أو حتى أغلبيتهن، يعانين من اضطرابات انفعالية. فيدهشني دائمًا عدد السجينات اللاتي يمكنهن التكيُّف مع واقع السجن، ويقمن بإعداد أنفسهن للحظة التي سيُطلَق فيها سراحهن ويعدن إلى أُسرهن. ولم تتعرض، كذلك، كل السجينات للاعتداء في طفولتهن أو الضرب في مرحلة المراهقة. ولا تجد كل النساء اللاتي تعرضن للاعتداء صعوبة في التكيُّف من الناحية الانفعالية. وتذهلني المرونة التي تظهر على الرجال والنساء الذين ينجون من صدمات هائلة ومتكررة في حياتهم، ومواصلتهم حياتهم برضًا لافت للنظر، حتى في السجن. لكن عددًا كبيرًا من السجينات أيضًا يعانين بالفعل من ردود فعل انفعالية تقلل من قدرتهن على التكيُّف، ويحتجن إلى علاج فيما يتعلق بصحتهن العقلية.
(٤) الاستعداد لحياة مستقيمة
يحزنني أن أشير إلى أنه في الكثير من سجون النساء هناك ميل إلى الاستهانة في تصميم برامج علاج الصحة العقلية وبرامج إعادة التأهيل غير السريرية. وبوجه عام، يُبذَل قدر أقل من الجهد والمال لتصميم برامج إعادة التأهيل الخاصة بالسيدات وتشغيلها مقارنةً ببرامج الرجال. وحتى عند وجود هذه البرامج، لا تكون بقدر الفاعلية اللازم لنجاح السيدات في حياتهن بعد إطلاق سراحهن. تُعطى للسجينات وظائف متدنية، وفي حال توافر تدريب في السجن، فإنه يستهدف عادةً الأعمال منخفضة الدخول، مثل إعداد الطعام والتنظيف وأعمال السكرتارية. والكثير من السجينات اللاتي يتمتعن بقدر عالٍ من الذكاء لا يُمنحن سوى فرصة بسيطة — هذا إن وُجدت فرصة من الأساس — للحصول على تعليم أو تدريب هادف وبه قدر من التحدي نوعًا ما. وعدد قليل للغاية من السيدات يحصلن على العلاج النفسي والعلاج من تعاطي المخدرات الذي يحتجن إليه للتعامل مع الصدمات المبكرة والمشكلات المستمرة في تقدير الذات.
وحتى النساء اللاتي يسعدهن الحظ بالحصول على وظيفة هادفة أو مكان للتدريب داخل السجن، سيُطلَق سراحهن ليواجهن قصورًا شديدًا في برامج الدعم التي تُوفَّر لهن بعدما يُطلق سراحهن. وتشير السجينات اللائي تم الإفراج عنهن إلى أنه من المستحيل فعليًّا العثور على وظيفة في المجتمع بعد إطلاق سراحهن، ولا يتوافر أي اختصاصيين اجتماعيين لمساعدتهن في العودة إلى أُسرهن ودعم هذه الأسر. ولا شك أن هذا النقص في دعم ما بعد إطلاق السراح يزيد كثيرًا من احتمال العودة إلى المخدرات والجريمة. ويفسر ذلك أيضًا السبب وراء معاناة الكثير من النساء اللاتي قضين فترة في السجن من اكتئاب مزمن.
•••
ثمة ثمن تدفعه النساء والمجتمع الذي يعدن إليه جراء أوجه القصور التي شهدنها في تجاربهن داخل السجن. صرَّحت لي سيدة تبلغ من العمر تسعة وأربعين عامًا تقضي الثلث الأخير من الحكم الصادر ضدها بالحبس خمسة عشر عامًا في جريمة قتل من الدرجة الثانية حيث قالت: «بدأت أفكر في مغادرتي لهذا المكان. وأشعر بالقلق من عودتي والانخراط في المجتمع من جديد، ومن عدم تمكني من الاختيار مرة أخرى، ومن فتح الأبواب لنفسي، ومن اختيار ما أريد تناوله للمرة الأولى منذ عشر سنوات.»
للأسف، في عدد كثير جدًّا من الحالات، ما يحدث للنساء خلف القضبان — من إهانة، وتحرش جنسي، وانفصال عن أحبائهن، ونقص في إعادة التأهيل الهادف، والسلوك المتسلط من جانب موظفي السجن — يجعل من تكيفهن بعد إطلاق سراحهن أمرًا صعبًا للغاية. لكنني لا أريد أن أقدم انطباعًا هنا بأن كل السجينات أو حتى أغلبهن ضحايا ويقعن فريسة السلبية والاكتئاب. فما يحدث للسجينات يؤدي عادةً إلى الاكتئاب وغيره من حالات الاضطراب الانفعالي الأخرى. لكن يذهلني دائمًا العدد الكبير من السيدات اللاتي يحافظن على استقرار حالتهن العقلية ويعملن على نحو جيد للغاية، كأمهات مثلًا، حتى في ظل تعرضهن لظروف قاسية وجائرة للغاية.
•••
يُعَد الاغتصاب أحد أكثر صور الاعتداء — التي تحدث دائمًا في سجون النساء والرجال على حدٍّ سواء — بشاعةً وترويعًا. وعندما تقع جريمة الاغتصاب في سجون النساء، يرتكبها غالبًا موظفو السجن من الرجال. والعواقب الانفعالية لهذه الجريمة على كلٍّ من النساء والرجال قد تكون مدمرة، وهذا هو الموضوع الذي سأتناوله في الفصل التالي.