المقدمة

«العزلة». لقد بدأ مصطلح العزلة والصراعات الداخلية بين الأقسام المختلفة في عالم الشركات والأعمال يتردَّد على مسامعي منذ أكثرَ من عشرين عامًا، وقد كان يُستخدم دائمًا لوصف الصراعات بين الأقسام المختلفة داخل المؤسسة الواحدة. وقد اعتقدت وقتها أنه أحدُ مصطلحات عالم الإدارة والأعمال التي ستختفي قريبًا مثل غيرها، ولكن هذا لم يحدث.

في الواقع، ما زال هذا المصطلح يثير القدْر نفسَه من الإحباط الذي كان يسبِّبه للكثيرين في ذلك الوقت، إن لم يكن أكثرَ. وعندما أفصحت لبعض عملائي عن رغبتي في تأليف كتاب عن العزلة والصراعات الداخلية بين الأقسام المختلفة، وجدتُ منهم جميعًا ترحيبًا شديدًا بالفكرة، بل ورجاءً بألا أتراجعَ عن هذه الخطوة. كما أبدى البعض منهم سخطه الشديد على الصراعات الداخلية بين بعض أقسام الشركة التي يعمل بها.

ومع أن فكرة إيجاد حل لمشكلة يتوق الناس إلى حلها شيءٌ رائع، فقد لا تكون وجهة نظري حيالَ هذا الأمر هي ما يتوقَّع بعض قادة المؤسَّسات سماعه.

ويرجع هذا إلى أن كثيرًا من المسئولين التنفيذيِّين الذين عمِلت معهم والذين يعانون بشدةٍ هذه المشكلةَ ينظرون إلى المؤسسات التي يعملون بها ويتعجَّبون قائلين: «لماذا لا يتعلَّم الموظفون التعاونَ مع زملائهم العاملين في الأقسام الأخرى؟ ألا يعلمون أننا جميعًا أعضاءٌ في الفريق نفسِه.» ويؤدي هذا غالبًا وبدرجة كبيرة إلى سلسلة من الأعمال التي تحرِّكها النوايا الحسنة ولكنها تفتقر إلى الحكمة اللازمة، مثل: برامج التدريب والمذكِّرات والملصقات التي صُممت لتلهم الناس التعاون والعمل معًا بطريقةٍ أفضل.

ولكن مثل هذه المبادرات لا تثير في الموظفين إلا السخرية والتشاؤم؛ فمَن لا يريد التخلُّص من الحروب والصراعات الداخلية بين الأقسام في المؤسَّسة الواحدة، التي تجعل حياتَهم العملية بائسة؟ ولكن المشكلة تكمُن في أنه ليس بإمكانهم القيامُ بشيء. ليس بإمكانهم القيام بشيء دون مساعدة رؤسائهم.

وبينما تتمثَّل الخطوة الأولى التي يحتاج رؤساء الأقسام إلى اتخاذها في معالجة المشكلات السلوكية التي قد تكون هي العائق الذي يقف أمام عمل أعضاء الفريق التنفيذي مع أحدهم الآخر بروح طيبة — ولقد كان هذا هو الحافز الذي دفعني إلى تأليف كتاب «العوامل الخمسة لخلل العمل الجماعي» — فحتى فِرَق العمل المترابطة سلوكيًّا يمكن أن تعانيَ العزلةَ والصراعات الداخلية. (وهذا الأمر بالذات محبِط ومأسوي؛ لأنه يدفع أعضاءَ الفريق الواحد، أصحابَ النوايا الحسنة، الذين قد يعملون بتناسق معًا في حالة عدم وجود هذه الصراعات، إلى الشك في ثقة بعضهم ببعض ومدى التزامهم بروح الفريق.)

وللتخلُّص من هذه العزلة والصراعات الداخلية، يحتاج الرؤساء إلى أن يتخطَّوا حدودَ المشكلات السلوكية، وأن يتعاملوا مع الموضوعات التي تمثِّل السبب الجوهري لعزلة الأقسام والصراعات بينها. ويهدُف هذا الكتاب إلى تقديم أداة بسيطة وفعَّالة للتعامل مع تلك الموضوعات، وتخفيف المعاناة التي تسبِّبها عزلة الأقسام والصراعات بينها. ولا ينبغي الاستهانة بهذه المعاناة بأي حال من الأحوال.

تؤدي هذه العزلة وما تثيره من صراعاتٍ إلى تدمير المؤسسات. كما أنها تؤدي إلى إهدار الموارد وقتل الإنتاجية وتعريض إمكانية تحقيق أهداف المؤسسة للخطر.

وبعد كل هذا، فإنها أيضًا تؤثِّر سلبًا على العناصر البشرية بدرجةٍ لا يُستهان بها. حيث إنها تثير مشاعرَ الإحباط، وخيبة الأمل والضغط النفسي، بإجبار الموظفين على خوضِ معاركَ داميةٍ لا يمكن الفوز فيها مع مَن يُفترض أن يكونوا زملاءهم في فريق العمل نفسه. وقد لا يكون هناك عاملٌ يبعث على السخط والقلق المهني — فضلًا عن ارتفاع معدلات ترْك العمل — أكثر من اضطرار الموظفين إلى الصراع مع أناسٍ يُفترض أنهم زملاؤهم. وإنه لأمرٌ محتوم ومفهوم أن مثل هذه الصراعات تؤثِّر على الحياة الشخصية للموظفين وعلى أسرهم وأصدقائهم تأثيرًا عميقًا.

ومما يبعث على التفاؤل أن هذه المشكلة يمكن تجنُّبها ومنْع حدوثها من الأساس. وفي الحقيقة، لم أستخدم حلًّا في حياتي العملية لقي مثل هذا القبول العام والنجاح كهذا الحل.

وعلى غرار مؤلَّفاتي الأخرى، يطرح هذا الكتاب الأفكارَ التي يدور حولها في قصة من نسج الخيال، ولكنها قريبة من أرض الواقع. ولكنه يختلف عن الكتب الأخرى في أنه لا يتحدَّث عن شركة واحدة فقط بل عن عدد من المؤسسات التي تعمل جاهدةً للتخلص من العزلة والصراعات الداخلية بين أقسامها، وتعمل على بثِّ روح الوفاق والسلام النفسي.

وأتمنى من كل قلبي أن يساعدك هذا الكتاب على تنفيذ هذه المهمة داخل مؤسستك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤