مقدِّمة إلى العزلة والصراعات الداخلية
ركَّز الكتاب السابق «العوامل الخمسة لخلل العمل الجماعي» على كيفية التعامل مع المشكلات الشخصية والسلوكية التي تمنع مجموعاتٍ من البشر من أن تكوِّن فِرقًا موحَّدة الجهود. وأنا أومن بشدة أن بناء فريق قيادي متماسك هو الخطوة الأولى التي يجب أن تتخذها أيُّ مؤسَّسة تسعى وراء النجاح.
ولكن، حتى عندما يصبح الفريق القيادي متماسكًا ومتلاحمًا من ناحية اتفاق سلوك أعضائه وأفكارهم، يظهر تحدٍّ آخر ليواجههم، ولكنه هذه المرة يرتبط بدرجةٍ أكبر بالبنية الهيكلية للعمل الجماعي نفسِه وليس بالعلاقات الداخلية بين أفراده. وهذا التحدي هو الحواجز التي تمنع مجموعات العمل المختلفة من العمل معًا.
تحُول مشكلة العزلة بين الأقسام المختلفة في المؤسسة دون أن يعمل أفراد الفريق الواحد مع بعضهم البعض. وسواء أطلقنا على هذه الظاهرة الخطيرة: السياسات الداخلية للأقسام، أو المنافسات الداخلية، أو حتى الحروب الداخلية، فإنها أيًّا كان اسمها واحدةٌ من أكبر المخاطر التي من الممكن أن تدمِّر المؤسَّسات الكبيرة وتقوِّض عملها تمامًا.
ومن الممكن أن تنشأ العزلة والصراعات الداخلية نتيجةَ وجود خلافات شخصية بين رؤساء الأقسام وكبار المسئولين في المؤسسة. ولكن من خلال خبرتي في التعامل مع هذه المشكلة، أستطيع أن أؤكد أنه في معظم الحالات لا يكون هذا هو السبب. ففي معظم المواقف، تنشأ العزلة والصراعات الداخلية بين الأقسام ليس بسببِ ما يقوم به المسئولون التنفيذيون عمدًا، ولكن بسببِ ما يفشلون في القيام به، وهو أن يمنحوا أنفسَهم وموظفيهم بيئةَ عمل نقية وإطارَ عمل جماعي يعملون بداخله.
ويُعَدُّ أمرًا مفهومًا أن بيئة العمل والإطار الجماعي له مهمان للغاية. فبدونهما يفقد الموظفون على جميع المستويات — حتى المسئولون التنفيذيون أنفسهم — الخطوطَ الإرشادية الأساسية التي تقودهم والاتجاهات التي يسيرون فيها، فتصبح الأهداف التي يسعون وراءها متعارضة.
حتى أكثرُ الإداريين براعةً وحرصًا على مصلحة العمل يتشتَّت انتباههم، ويصابون بالحَيرة وسط القوائم التي لا تنتهي من التفاصيل الإدارية والتخطيطية التي يقابلونها يوميًّا. ولأنهم يسيرون في اتجاهاتٍ عديدة دون اتباع دليل محدَّد أو وجود خطوط إرشادية تقودهم، فإنهم يسعون لتحقيقِ ما يبدو لهم كأجندةِ عملٍ هادفة وفعَّالة تستحق السعيَ لتنفيذها، معتقدين أن جهودهم هذه في صالح المؤسسة ككيان متكامل.
ولكن يلاحظ الموظفون أن زملاءهم في الأقسام أو الإدارات الأخرى يسيرون دائمًا في اتجاهاتٍ مختلفة، فيتعجَّبون مما يمنعهم من السعي معهم نحو تحقيق الهدف نفسِه. وبمرور الوقت، تتحوَّل الحَيرة التي يشعرون بها إلى خيبةِ أمل ثم استياء — وحتى عداء — تجاه مَن مِن المفترض أن يكونوا زملاءهم في العمل. ثم تتفاقم المشكلة بعد ذلك وتتَّخذ منحنًى أخطرَ حيث يبدأ كلٌّ منهم العملَ ضد زملائه في الأقسام الأخرى عن عمدٍ، وتتحول المشكلة إلى ما يشبه حروبَ العصابات!
توجد هذه المشكلة الخطيرة والمحيِّرة بدرجات مختلفة في معظم الشركات التي تعاملت معها. وفي العديد من هذه الشركات، يصاب رؤساء الشركة بالإحباط بسبب طريقة التفكير التي تغرسها وتوطِّدها هذه الخلافات، ويعزون الأمرَ — دون الاستناد على أي أساس صحيح بالطبع — إلى عدم نضج الموظفين الذين يصلون إلى مرحلةِ رفضِ مجرَّد تعامُل بعضهم مع بعض وعدم إحساسهم بالأمان.
ولكن في الواقع، معظمُ الموظفين في الأقسام المختلفة يشتركون في رغبتهم في العمل معًا بشكلٍ جيد. ذلك لأنهم يشعرون أكثرَ من أي شخص آخر بالمعاناة اليومية التي تسبِّبها الصراعات الداخلية بين الأقسام وهم الذين يخوضون معاركَ داخلية ضارية ضد زملائهم، مع أن أحدًا منهم لن ينتصر في هذه المعارك.
وإذا كنا سنلقي باللوم والمسئولية على عاتق أحدٍ لوجود هذه الخلافات فهم رؤساء الشركة وكبار الموظفين بها. فإذا تتبَّعت أثرَ أي مشكلة عزلة أو صراع داخلي في إحدى الشركات فستجد أنها تضرب بجذورها لدى رؤساء هذه الأقسام، الذين فشِلوا في استيعاب مبدأ أن عملهم يعتمد على تعاونهم معًا، أو فشلوا في توصيل هذا المبدأ للموظفين في أقسامهم المختلفة.
ولكن، ولحسن الحظ، هناك وسيلةٌ بسيطة وفعَّالة لهؤلاء الرؤساء لخلق إحساس بالمسئولية المتكاملة والمشتركة بين الأقسام المختلفة وسياق للعمل الجماعي القائم على التعاون الذي تكمِّل أجزاؤه المختلفة بعضها بعضًا: وتتمثل هذه الوسيلة في وضع هدف رئيسي، وتسعى الشركة بالكامل إلى تحقيقه، بما في ذلك الفريق التنفيذي أيضًا. ويُطلَق على هذا الهدف «الهدف المرحلي».