الأهداف المرحلية والرؤية الطويلة المدى
عندما تتمكَّن المؤسَّسة من تحديد هدف مرحلي واتخاذ خطوات ناجحة في تنفيذه، يجب عليها ألا تتوقَّف عند هذا الحد، بل تبحث عن هدف آخر، وهكذا. وهذا يجعل السؤال الآتي يتبادر إلى الأذهان: أليس من المفروض أن تكون جميع هذه الأهداف جزءًا من استراتيجية عملٍ ورؤية بعيدة المدى عن اتجاه الشركة في المستقبل؟
الإجابة هي: نعم، ولكن مع توضيح بعض الأشياء.
-
ألَّا يكونَ لديهم خُطةُ عمل حقيقية طويلة المدى، ويتخذون القرارات بناءً على معطياتِ كل لحظة؛ أي رَدَّ فعلٍ فقط وَفْقًا لاحتياجاتهم على المدى القريب.
-
أن يكون لديهم خُطة مفصَّلة وجيدة من الناحية التحليلية، مدتُها ثلاثة أو خمسة أعوام صُمِّمت لكي تتطورَ إلى هدف كبير بعيد المدى يسعى إليه الجميع.
ومع أنه من الأفضل أن يتوفر الكثير من المعلومات والتفاصيل التي تحرِّك عملية اتخاذ القرارات وتحديد الأولويات بدلًا من وجود معلومات قليلة للغاية، فإن هذه الوفرة تمثل مشكلة قد تقود إلى الفشل نفسه الذي تعاني منه الشركات التي ليس لديها استراتيجية على الإطلاق.
لماذا؟ لأن المؤسسات الناجحة تتمكَّن من التوصل إلى توازن دقيق بين توقُّعِ ما سيحدث على المدى البعيد والاستجابة للظروف غير المتوقَّعة والتعامل معها على نحوٍ آني. ويتطلب هذا الأمر أسلوبًا تخطيطيًّا يقدِّم الحجمَ المناسب من سياق العمل دون القيود غير اللازمة.
يقدِّم الهدف المرحلي هذا السياق لأنه يوجد داخل إطار عملٍ يمتد من ستة أشهر إلى اثني عشر شهرًا، وهو المدى الزمني الذي تستطيع معظم الأعمال والشركات التعامل معه بدقة وفعالية. أما خلاف ذلك، فتجد الشركات أن خُطَطها قد أصبحت غير متفقة مع وضعها الحالي أو أصبحت عديمة القيمة. ومن ناحية أخرى، الأهداف القصيرة المدى — التي لا يتخطى الإطار الزمني لها أيامًا أو أسابيعَ قليلة — لا تقدِّم الإطار الزمني الذي يحتاج إليه المسئولون وموظفوهم للتعامل مع المواقف الصعبة التي تتطلب وقتًا أطول.
لكن هل يعني هذا أن نتوقف عن استخدام معايير التقييم الأسبوعية؟ بالطبع لا. ولكن يعني استخدامها في سياق الأهداف المرحلية الطويلة المدى.
إذًا ماذا عن الخُطط التي يضعها المسئولون لتحقيقها خلال ثلاث أو خمس سنوات؟ لا بأس بها أيضًا ما دام المسئولون لن يُصروا على الاحتفاظ بها عندما تصبح غيرَ متناسبة مع المعطيات الجديدة — وهو ما يحدُث غالبًا في الأسواق الديناميكية السريعة التغير — ما دامت لا تحلُّ محلَّ الهدف المرحلي.
أما بالنسبة للأهداف الكبيرة الدائمة، فستجد أن كل المؤسَّسات تقريبًا لديها هذه الأهداف. فهي بمنزلة الغرض الرئيسي من العمل، أو كما وصفها جيم كولينز وجيري بوراس في كتاب «عوامل نجاح المؤسَّسات واستمرارها» سابق الذكر، فهي السبب الذي يبرِّر خروجَ المسئولين والموظفين من منازلهم في الصباح وذهابهم إلى العمل. ولكنها لا تقدِّم الإرشاد اللازم لِما يجب أن يركِّزوا عليه بمجرد أن يصلوا إلى عملهم.
ولكنك مع هذا، قد تجد بعضَ المسئولين في مؤسسةٍ ما يتفقون بشدة على الهدف الكبير الذي يسعون من أجله ولكنهم يستمرون في العمل في اتجاهاتٍ متعارضة. فعلى سبيل المثال، قد يكون الهدف الرئيسي الكبير الذي يسعى إليه مستشفًى محليٌّ هو أن يصبح أفضلَ مستشفًى محلي صغير في العالم. وحتى إذا كان جميع المديرين في مجلس إدارة المستشفى يؤمن تمامًا بهذا الهدف ويسعى لتحقيقه، فلا يزال هناك احتمالٌ كبير أن يواجه المستشفى مشكلةَ العزلة والصراعات الداخلية بين الأقسام، حيث سيقود كل مدير قِسمه في اتجاه مخالف وَفْقًا للطريقة التي يفسِّر بها الأسلوب المناسب لتحقيق هذا الهدف والمسئوليات التي تقع ضمن اختصاصه.
وهنا تتضح بدرجة أكبر أهميةُ وجود هدف مرحلي يعمل على توحيد هذه الجهود في اتجاه واحد. أما في حالة غياب الهدف المرحلي، فستفقد الأهداف الأخرى الكبرى التي تسعى الشركة لتحقيقها صلتَها بالأنشطة اليومية في المؤسسة، كما ستصبح وسائلُ التقييم الأسبوعية عشوائيةً وأرقامًا غير مفيدة لا علاقة لها بالواقع على الإطلاق.
ثمَّة موضوعٌ آخر أودُّ أن أذكره هنا. عندما يُحدَّد الهدف المرحلي بوضوح ويستوعِبه الجميع، سيكون بإمكان الموظفين أن يقيِّموا عملَهم في أي وقت لكي يروا مدى إسهامهم في تحقيق نتيجة بعيدة بما يكفي لأن يتمكنوا من النجاح، ولكن في الوقت نفسه، ليست بعيدة للغاية بحيث لا يتخيلون تحقيقها على الإطلاق. يجب أن يتمتعوا برؤية ثاقبة ليدركوا كيف أن المستقبل والخطة الطويلة المدى للشركة ترتبط بالأهداف القصيرة المدى التي يعملون على تحقيقها في الوقت الحالي.