نجاح محقَّق
(١) الاختبار الأول
قضى جود جزءًا كبيرًا من تلك الليلة في الإعداد لجلسة اليوم التالي مع ليندسي وفريق العمل في المستشفى. وعندما وصل إلى قاعة الاجتماعات في المستشفى، كان واثقًا من أنه يقف على أرضٍ صلبة، وأن نظريته أصبحت مترابطة ومدروسة بدرجةٍ أكبر كثيرًا من ذي قبل. ولكن كان يقابل هذه الثقة خوفٌ من أن التعامل مع مجموعة جديدة من المسئولين التنفيذيين قد يغير كلَّ شيء خطط له.
وبمجرد جلوس الفريق التنفيذي الذي يتكوَّن من ثمانية أعضاء إلى مائدة الاجتماعات، قامت ليندسي بتقديم جود وشرحت بإيجاز سببَ وجوده في هذه الجلسة. وقالت: «إننا بحاجة إلى أن نبدأ العمل هنا على أساسِ أننا نعمل في كيان متكامل من جميع الجوانب هو المستشفى، وليس كأننا أقسام متفرقة تَصَادَف أن تتشارك المبنى نفسه.»
بدا الجميع وكأنهم يوافقون على رأيها ويشاركونها الرغبة في تحقيق هذا الهدف.
اتَّجه جود بعد ذلك إلى مقدِّمة الغرفة وطرح على المسئولين التنفيذيين مجموعةً من الأسئلة عن سلوكهم معًا كفريق عمل واحد. ما مقدار الراحة التي يشعرون بها عند التعامل بصدق وانفتاح بعضهم مع بعض؟ وكم عدد المرات التي يشتركون فيها معًا في مناقشات أمينة وهادفة؟ وعددًا آخر من الأسئلة المشابهة.
وبعد مرور دقائقَ قليلة من الحَيرة، بدأ الفريق التنفيذي يتحدَّث إلى جود. وبعد وقت قصير، أدرك جود — كما توقَّعت ليندسي — أنه لا توجد صدامات أو خلافات شخصية بين العاملين في المستشفى، وأن سبب مشكلة العزلة والصراعات الداخلية غالبًا ما يرتبط بالهيكل المؤسسي وبنظام العمل الذي يُدار به المستشفى، وليس بسبب خلافات شخصية. لذا انتقل جود على الفور إلى تنفيذ خُطته الخاصة.
في البداية، طلب منهم جود أمثلةً على مواقفَ صعبة وأزمات تعرَّضوا لها، وقضى الدقائق العشر التالية يساعدهم على إدراكِ أن مجموعات العمل تنجح في التعاون بروح الفريق، وتعمل بطريقة رائعة عند التعرُّض لأزمات أو مواقف صعبة.
كما أخبرهم أيضًا عن تجربته وزوجته في قسم الطوارئ بالمستشفى، وقد ساعدهم هذا المثال ليس فقط على إدراك صحة المنطق الذي يحاول إقناعهم به، ولكن أيضًا في التعرُّف إليه بصفته إنسانًا وليس مستشارًا فقط.
وبمجرد أن بدأ جود يسيطر على الجلسة ويقودها إلى الطريق الذي يريد، طرح عليهم سؤالًا ذا مغزًى كان قد قرَّر أن يجعله المفتاح الرئيسي لجميع جلسات العمل التي سيقيمها في المستقبل: «لماذا ننتظر التعرُّض لأزمة حتى نتحرك؟»
كان هذا السؤال مباغتًا لهم وغريبًا عليهم.
واصل جود الحديثَ بحماس شديد أكثرَ مما فعل من قبلُ مع أي مجموعة من العملاء. وقال: «لماذا لا نخلق لأنفسنا الدافع والإحساس بالعمل من أجل هدف واحد، كما كنا سنفعل إذا ما تعرَّض عملنا للخطر؟»
أدَّى هذا السؤال إلى موجة من الإيماءات، في حين ارتفع حاجبا مَن فاجأهم هذا السؤال. وبعد أن شعر جود أنه أوصلهم إلى حيث يريد، ووصل إلى التأثير الذي يسعى وراءه، قرَّر أن يسأل السؤال الأكثر أهميةً الذي كان يتركه للنهاية وهو: «ما أهم وأبرز إنجاز يسعى هذا الفريق لتحقيقه خلال الشهور الستة أو التسعة القادمة؟»
أجابه كبير الأطباء والمسئول عن الإشراف على الفريق الطبي بالمستشفى أولًا. وقال: «هذا يعتمد على الجهة التي توجِّه لها السؤال، فقسم التمريض، على سبيل المثال، ستختلف إجابته عن الإدارة أو عن قسم التسويق.»
فنظرت ليندسي إلى جود وكأنها تقول له وهذه هي بالضبط المشكلة التي نعانيها.
شعر جود بالسعادة لأنه استطاع أن يضع يدَه على المشكلة بالضبط بهذه السرعة. فقال: «بالطبع أنا أفهم أن لكل قسم مجالَ اهتمام وخبراتٍ خاصة به. وهذا شيء جيد. ولكن ما أسأل عنه هو ما الشيء الذي تحتاجون إلى التركيز عليه من أجل الصالح العام للمستشفى ككل؟ بغضِّ النظر عن انتمائكم إلى أقسام مختلفة واختلاف الدور الذي تلعبه هذه الأقسام.»
لم يُجِب أحدٌ منهم. ولم يبدُ أنهم قد استوعبوا السؤالَ، وكأنه طرحه بلغة غريبة لا يفهمها أحد.
فقرَّر جود تجربةَ وسيلة أخرى: «حسنًا، فلنطرحِ السؤال بصيغة مختلفة. ما رأيكم لو تخلى كلٌّ منكم عن انتمائه إلى الوظيفة التي يعمل بها وعن القسم الذي يرأسه، ونظرتم إلى أنفسكم على أنكم مجرد إداريين عاملين في المستشفى. فكِّروا إذا جئت لزيارة المستشفى في العام القادم، فما الشيء الأساسي الذي تتمنَّون أن يكون قد اختلف عما هو عليه الآن؟»
كان من الواضح أن هذا السؤال قد فجَّر الكثير من الأفكار في أذهان المسئولين التنفيذيين.
وكانت رئيسة هيئة التمريض أوَّل مَن أجاب. قالت: «أتمنى أن أرى الحالةَ المعنوية مرتفعة. لأنه إذا لم يتحرَّك فريق العمل بالكامل بموجب إيمان وقوة مِن داخله فلن نتمكن من توفير مستويات الرعاية التي نحتاج إليها. كما أننا لا نريد أيَّ مشكلات مع النقابات، مثل تلك التي يواجهها مستشفى ستوكتون.»
لم يعارض أحدٌ من الحضور هذه الرغبةَ، فيما عدا كبيرَ الأطباء الذي قال: «لا تسيئي فهْمي. أنا أيضًا أودُّ رفْع الحالة المعنوية والقدرة على العمل لدى العاملين هنا.» ولم يكن أحد متأكدًا من أنه يريد هذا حقًّا. ثم واصل: «ولكن في الحقيقة، أنا أفضِّل العمل على تطوير التكنولوجيا الطبية التي نستخدمها. لأننا إذا تخلَّفنا عن ركْب التقدم الطبي في هذا الجزء، فلن يفيد تطوير أيٍّ من الجوانب الأخرى.»
أدارت رئيسة هيئة التمريض عينيها بعيدًا، في حين بدأ مسئول العمليات التشغيلية بالمستشفى — وهو رجلٌ قصير القامة يرتدي رباط عنق على شكل فراشة — يتحدَّث لأول مرة منذ بداية الجلسة. فقال: «إذا لم ننجح في علاج مشكلات البنية التحتية لنظام العمل في المستشفى فسنخسر نصف الموظفين. فكلُّ شيء بدءًا من فواتير المرضى وتنظيم جداول الدخول إلى المستشفى وعمليات المراسلة بالبريد الإلكتروني تَعمُّه فوضى عارمة. وفي المقابل، في كل مرة يطلب فيها أحدُ الأطباء جهازًا جديدًا يسعى المستشفى بكل طاقته لتوفير هذا الجهاز له؛ لأنه يخشى أن ينقل عمله ومرضاه إلى مستشفًى آخر.»
الآن وبعد أن اتضح أن كل شخص يدافع وبضراوة عن القِسم الذي يخصُّه من المستشفى، بدأت ليندسي تشعر بالإحباط.
فقالت بمرارة وحدَّة: «أما زال أيٌّ منكم يرى أننا لا نعاني مشكلةً بسبب السياسات الداخلية المختلفة في كل قسم؟»
فأجابها كبير الأطباء: «الأمر لا يتعلَّق بالسياسات الداخلية للأقسام. إنه يتعلَّق بمحاولة القيام بما هو أفضلُ لمصلحة المرضى.»
فأضافت رئيسة هيئة التمريض بسخرية: «ولا تنسَ ما هو أفضلُ لمصلحة الأطباء أيضًا.»
فردَّ عليها الرجل بأدب: «نعم، والأطباء أيضًا. فبدونهم بالطبع لن يكون المرضى سعداء.»
فسألته بهدوء: «ألا ترى أن الممرضات يلعبن دورًا حيويًّا في هذا الأمر؟»
«بالطبع، ولكن حتى في حالة الاستعانة بأفضل ممرضة في العالم فإنها لن تستطيع مساعدةَ مريض دون أن تتوافر لها الأدوات والمعدَّات اللازمة.»
عند هذه النقطة تنهَّدت رئيسة الموارد البشرية في ضجرٍ ثم تحدَّثت. وقالت: «لقد سئمت حقًّا سماعَ هذا الجدال عن أيهما أكثرُ أهميةً: الأطباء أم الممرِّضات؟ مَن يهتم بمثل هذا النقاش؟ فنحن نحتاج إلى الاثنين معًا. ونحتاج أيضًا إلى محاسبين وعمال في الكافتيريا وبوابين، بالإضافة إلى موظفين في إدارة الموارد البشرية.»
وفي لحظةٍ نادرة من الاتفاق بين رئيسة هيئة التمريض وكبير الأطباء، نظر كلٌّ منهما إلى الآخر وكأنهما يقولان: «هل نحتاج حقًّا إلى إدارة مواردَ بشرية؟»
بدأت رئيسة الموارد البشرية تنفعل الآن. وقالت موجِّهة حديثها إلى كليهما تحديدًا: «استمعوا إليَّ جيدًا. في كل مرة يذهب فيها أحد الموظفين من إدارتي إلى أحد الموظفين لديكما ويطلب منه أن يفعل شيئًا ما لا يتعلَّق بالمرضى مباشرةً، يعاملونه كما لو كان طفلًا. فيعود هذا الموظف إليَّ وهو يشعر بإهانة شديدة، وهذا في الواقع أمرٌ سخيف للغاية؛ لأن هؤلاء الناس يقومون بعملهم أيضًا. فإذا كان أيٌّ منكم يرى أننا لا نقوم بعملنا بالطريقة المناسبة في الموارد البشرية، فليخبرني وأنا سأبحث الأمر للوصول إلى أفضل أداء. أما إذا كنتم ترون أن عملنا ليست له أهمية أو قيمة من الأساس، فلتفصلوني من عملي وترحموني من هذا العناء رجاءً؛ لكي أذهب إلى مكان آخر حيث أجد أناسًا يدركون جيدًا أهميةَ الإدارة بكفاءة.»
ثم توقَّفت فجأةً عن الحديث، فاعتقد الجميع أنها قد انتهت. إلا أنها عادت مرةً أخرى للحديث، وكأن فكرة جديدة قد خطرت لها أو تذكَّرت شيئًا آخر، فتحدَّثت بانفعال أكبر. «هناك شيء آخر، ليس معنى أن الموظفين في إدارتي لم يدرسوا الطب، أو أنهم لا يكسبون عيشَهم من إجراء عمليات جراحية للمرضى أنهم لا يهتمون بهم. بل يهتمون بهم بالطبع، ولكن الفَرق فقط يكمُن في طريقة الاهتمام؛ فهم يهتمون بأمرِ مَن يعتنون بالمرضى أنفسهم. ولن يضيرنا كثيرًا أن نضع هذا الأمر في الحُسبان ونتعامل على هذا الأساس من حين لآخر.»
أصابت العبارة الأخيرة قلبَ الهدف الذي كانت تسعى رئيسة الموارد البشرية إليه. فلم ينطِق أيٌّ منهم بكلمة واحدة مدة خمس ثوانٍ كاملة.
وقبل أن يبدأ أيٌّ منهم في الحديث وخوض معركة مع غريمه من أحد الأقسام الأخرى، أمسك جود بدفة الحوار لإعادة توجيه مسار النقاش مرةً أخرى. فقال: «حسنًا أريد من كلٍّ منكم الآن أن يخلع ثوبَ مهنته ويتوقَّف عن التفكير في القسم الذي يديره» ثم أضاف وهو يتنقل بينهم ويشير إلى كلٍّ منهم: «وهذا يعني أنك لست طبيبًا، وأنتِ لست ممرضة، وأنتَ لست إداريًّا، وأنتِ لستِ متخصِّصة في مجال الموارد البشرية، وأنتَ لستَ متخصصًا في مجال العلاقات الخارجية، أو الاتصالات أو أيًّا كان المجال الذي تعمل فيه.»
ضحِك الجميع على عدم قدرة جود على تذكُّر لقب المدير المسئول عن الشئون الخارجية.
في حين استكمل هو: «أنتم الآن المسئولون التنفيذيون لمستشفى الأطفال في ساكرامنتو. فقط لا غير، فكِّروا وتصرَّفوا على هذا الأساس.»
توقَّف جود عن الحديث قليلًا لكي يمنحهم فرصةً ليستوعبوا هذا الأمر ويتقمَّصوا أدوارهم الجديدة جيدًا، ثم أعاد صياغة السؤال الذي طرحه عليهم من قبل. «أيٌّ من الأشياء التي تحدثتم عنها الآن أو التي لم تتحدثوا عنها يجب القيام به؛ لكي نمنح المستشفى أفضلَ فرصة ممكنة لتحقيق أهدافه على المدى البعيد؟» ونظر إلى ورقة على مائدة الاجتماعات أمامه. وقال: «ما أراه أمامي هنا هو أن الهدف الرئيسي الذي تسعون لتحقيقه في السنوات الخمس القادمة هو أن يصبح المستشفى أفضل مستشفًى في ساكرامنتو، وواحدًا من أفضل عشرة مستشفيات في الولايات المتحدة. هل هذا صحيح؟»
أومأ الجميع برءوسهم دون تردُّد، مما جعل جود يتيقن من أنهم جميعًا متَّفقون على هذا الهدف، ومستعدون للسعي وراء تحقيقه.
فقال بارتياح: «حسنًا، هذا رائع.» وقد كان يشعر بالارتياح بالفعل لأنهم يتفقون على شيءٍ ما. ثم سألهم: «ما العائق الذي يمنع تحقيق هذا الهدف خلال العام القادم مثلًا؟»
أخذ الجميع يفكِّر في السؤال، بينما بادر مسئول العمليات التشغيلية بالمستشفى بالحديث. وقال: «أعتقد أنها الخدمات الموجَّهة للمرضى. هذه هي نقطة الضعف الأخطر في نظامنا. أعتقد أن أداءنا قوي فيما يخص التكنولوجيا الطبية وكفاءة الأطباء والممرضات، ولكن فيما يتعلَّق بخدمة العملاء والاتصالات، فإننا نتَّبع نظامًا قديمًا للغاية. وهو نظام مربك للغاية ومفكَّك بالنسبة للمرضى.»
ولدهشة جود، أومأ الجميع مؤيدين رأيَ زميلهم.
وقد افتتحت رئيسة هيئة التمريض التعليقات. وقالت: «في الواقع، أنا أوافقك الرأي تمامًا. فبإمكاننا دائمًا تحسين مستوى أدائنا فيما يخص الأشياء المتعلِّقة بالكفاءة الطبية للمستشفى. ولكن المشكلة الأساسية تكمُن في كيفية متابعة الأمور وتسليمها من قسمٍ لآخر حسب الاختصاصات. كما أننا جميعًا قد رأينا التقاريرَ التقييمية التي وضعها المرضى. هذا أكثرُ ما يتذكَّره المرضى في تجربتهم هنا، بغضِّ النظر عن سبب وجودهم في المستشفى، سواء أكان لإجراء عملية جراحية أم للولادة أم حتى لإجراء اختبارات وتحاليل عادية.»
عاد كبير الأطباء للمعارضة. وقال: «أنا لا أشعر بالارتياح على الإطلاق لفكرة التغاضي عن الحاجة إلى أجهزة طبية حديثة.»
فردَّ عليه مدير الشئون الخارجية بسرعة. وقال: «هل تتحدَّث الآن بصفتك طبيبًا أم مديرًا تنفيذيًّا في المستشفى؟»
فاعترف الطبيب على مضض: «حسنًا، أنا أتحدَّث بصفتي طبيبًا. ولكن هذا الأمر لا يزال …»
قاطعته ليندسي هذه المرة. «استمع إليَّ جيدًا، إن المستشفى لن يتجاهل أهمية تحسين الرعاية الطبية. ولكننا بحاجة إلى اتخاذ بعض القرارات الصعبة، وفي بعض الأحيان علينا أن نؤجل التفكيرَ في بعض الأمور لبعض الوقت. وأنا أفضِّل أن نقوم معًا بتحديد الأشياء التي نحتاج إلى التغاضي عنها مؤقتًا.»
وبعد مرور دقيقة من التفكير الصامت، أعلنت ليندسي إجابةً مؤقتة للسؤال الذي طرحه جود. فقالت موجِّهة سؤالها إليه: «حسنًا، سنعتبر أن الجزء المتعلق بالخدمات الموجَّهة للمرضى هو نقطة القصور التي يعانيها نظامنا. فماذا يمكننا أن نفعل حيالها؟»
كتب جود على لوحة العرض في قاعة الاجتماعات: «تحسين الخدمات الموجَّهة للمرضى» ثم قال: «فليدوِّن كلٌّ منكم ثلاثة أشياء أو أربعة نحتاج إلى القيام بها لإصلاح هذا القصور.»
رفع رئيس قسم التسويق يدَه. وقال: «ماذا تطلق على ما كتبته على لوحة العرض؟»
لم يفهم جود السؤالَ جيدًا، وبدت الحَيرة واضحة على وجهه. فأضاف الآخر موضحًا: «هل هو غاية أم هدف أم ماذا؟»
نظر جود مرةً أخرى إلى لوحة العرض وكأنه يبحث عن إجابةٍ عن السؤال هناك في مكانٍ ما. وقال: «لا أدري بالضبط. أعتقد أننا من الممكن أن نطلق عليه …» وتوقَّف قليلًا ليفكر ثم استطرد: «محور. أو ربما هدفٌ مرحلي.»
دوَّن ثلاثة منهم الإجابةَ التي قالها جود، الذي اعتقد في قرارة نفسه أنه ربما يكون هذا هو الاسم المناسب الذي يمكن أن يطلقه على ما كان يشير إليه فيما مضى على أنه الشِّعار.
ثم استأنف الحديث. «فليكتب كلٌّ منكم الأشياء التي يرى أننا نحتاج إلى فِعلها من أجل تحقيق هدفنا المرحلي المتمثل في تحسين الخدمات الموجَّهة للمرضى.»
رفع رئيس الإدارة المالية يدَه. وسأله: «هل تريد الإجابة بالأرقام؟»
فأجابه جود: «لا. بالطبع لا. كلُّ ما أريده هو فئات رئيسية للعناصر التي يجب تحقيقها. ومن الأفضل أن تكون هذه الفئات عامة وشاملة قدْر الإمكان لكي ندرجَ تحتها العناصرَ الأكثر تحديدًا. وسوف نرى موضوع الأرقام هذا فيما بعدُ.»
بدأ جميع التنفيذيين يفعلون ما طلبه منهم جود بتركيزٍ شديد. فأدرك جود أن أيًّا منهم لا يفكر في تقييمه أو فيما يفعله؛ إنهم جميعًا منهمِكون بشدة فيما يفعلون. وكان هذا هو كلَّ ما يريده في تلك اللحظة.
-
تحسين تجربة المرضى وتقليل إجراءات الخروج
-
استخدام نُظُم معلومات طبية متكاملة
-
تحسين القدرة على التعامل مع الحالات
-
المزيد من التخطيط المشترَك
وبينما كان الجميع ينظرون إلى ما كتبه جود على لوحة العرض ويدرسونه، طرح عليهم السؤال التالي: «هل تعتقدون أننا قد أغفلنا شيئًا ما؟ أعني أننا إذا نجحنا في معالجة هذه الأشياء، ما الشيء الآخر الذي قد يؤدي إلى فشلنا في إرضاء المرضى؟»
صرخ رئيس الإدارة المالية فجأة: «يا إلهي! لقد نسينا شيئًا في غاية الأهمية. ماذا عن عملية تنظيم التعامل مع المرضى الخارجيِّين غير المقيمين في المستشفى وعملية الاتصال بهم. أليس هذا الأمر مصدرًا دائمًا للمشكلات والإزعاج ولغضب المرضى أيضًا؟»
وكان من الواضح أنه قد لمس وترًا حساسًا يسبِّب مشكلة كبيرة بالفعل.
فقد وافقه الجميع، وأضاف كبير الأطباء: «نعم إنه أمرٌ خطير سيهدم سُمعة المستشفى إذا لم ننجح في التعامل معه» وقد سعد الجميع بهذه الإضافة التي تشير إلى أنه قد خلع ثوب الأطباء أخيرًا وارتدى ثوب المسئولين التنفيذيين في المستشفى.
دوَّن جود هذه الملاحظة أيضًا على لوحة العرض، وتراجع للخلف قليلًا حتى يمنحهم فرصةً لاستيعاب هذه الأمور.
ثم قرَّر أن يأخذ زمام المبادرة هذه المرة ولا يدَع لأي منهم الفرصة لأن يطرح عليه السؤال المتوقَّع. فقال: «أنا متأكد الآن أن البعض منكم يفكر في طرح السؤال التالي: وماذا عن الأعمال التي نؤديها كلَّ يوم؟ اطمئنوا … إنني أتفهم جيدًا أنكم يجب أن تستمروا في أداء أعمالكم اليومية دون توقُّف، وأن تستمروا في إجراء العمليات للمرضى وعلاجهم وتسديد الفواتير وتحصيل التأمين وهكذا.»
وقد أكَّدتْ له نظراتهم والابتسامات على وجوه بعضهم أن هذا ما كانوا يفكرون فيه بالفعل.
فاستكمل جود: «إن هذه المهامَّ ستظل أشياءَ خطيرة وأساسية في عملكم. ولكن إذا ما اقتصر تفكيركم عليها فقط، فإن هذا المستشفى لن يتحرك خطوة للأمام بمرور الشهور أو حتى مرور السنوات.» قالها جود وهو يدوِّن لنفسه ملحوظةً بأن يشكر كارتر لأنه استوحى بعض الأفكار منه واستخدم بعض مصطلحاته.
جاء ردُّ الفعل الأول من كبير الأطباء الذي قال في حماس: «هذا منطقي للغاية. ويتفق في الوقت نفسه مع الهدف الذي نسعى لتحقيقه.»
نظر جود إلى باقي أعضاء الفريق التنفيذي فوجد نظرةَ دهشة شديدة تصل إلى حد الصدمة تعلو وجوهَهم. وعرف سبب ذلك فيما بعدُ وهو أن كبير الأطباء من الشخصيات التي نادرًا ما تؤيد فكرةَ شخص آخر أو تعترف أنها جيدة. ولم يصدِّقوا أنه قد أبدى إعجابه بأفكارِ جود بهذا الحماس الشديد أيضًا.
(٢) نحو الأعمق
«ما الخطوة التالية؟» كان هذا هو السؤال الذي افتتحت به ليندسي ما يمكن أن نطلِق عليه المرحلة الثانية من الاجتماع بعد تحديد الخطوط العريضة للأهداف التي يسعون إليها. وأضافت: «وبالطبع أنت محقٌّ في هذه النقطة، ولكن أعتقد أن الأمر يحتاج إلى المزيد من التوضيح.»
كان جود سعيدًا من أن ليندسي نفسَها هي التي كانت تدفع حلقةَ النقاش إلى الأمام وليس فريقها. لم يكن يريد أن يظن أحدُهم أنها تحاول تأييده دون مناقشة وتطلب منهم أن يحذوا حذوَها.
«الخطوة التالية هي خطوةٌ مزدوجة تسير في اتجاهين.» وأشار إلى لوحة العرض البيضاء. «الاتجاه الأول هو اكتشاف كيف يمكننا قياسُ التقدم الذي نحرزه في كل نقطة من هذه النقاط. ثم نتوصَّل إلى وضع قائمة قصيرة بالأهداف التشغيلية المستمرة لمتابعتها بالإضافة إلى هذه الأشياء.»
فسأله مسئولُ العمليات التشغيلية: «وكيف يمكننا متابعةُ التقدم المحرَز فيها؟ هل نحتاج إلى استخدام أداة على شبكة الإنترنت أو شيء من هذا القبيل؟»
هزَّ جود رأسه. وقال: «لا أعتقد هذا. فالسرُّ يكمُن في مراجعة هذه الأشياء في اجتماعات الفريق التنفيذي للمستشفى، ويجب أن يحتل هذا الأمر المرتبةَ الأولى في جدول أعمال اجتماعاتكم، أو أن يكون الأداةَ التي تستخدمونها في كل جلسة.»
قطَّبتْ ليندسي ما بين حاجبيها علامةً على عدم الإلمام التام بالفكرة. وقد رأى جود هذا وفهِم ما تعنيه هذه النظرة فاستمر في الشرح.
«في كل مرة تعقدون فيها اجتماعًا، يجب أن تبدءوا هذا الاجتماع بسؤال أنفسكم كيف يسير أداؤكم فيما يخص هذه النقاط التي توصَّلنا إليها هنا.»
فسألته ليندسي مرةً أخرى: «هل تعني محاولةَ قياسِ ما حققناه في كل نقطة من هذه النقاط كميًّا؟»
كانت هذه النقطة جديدةً بالنسبة لجود؛ لذا فقد كان عليه أن يجيبَ عن هذا السؤال وفقًا لحَدْسه. «لا، أعتقد أنكم ينبغي أن تقيِّموا ما حققتموه نوعيًّا أكثرَ من كميًّا. فالأمر يبدو كما لو كان الناس يفقدون انتباههم عندما تبدأ ببيانات رقمية.»
وافقه رئيس قسم التسويق. وقال: «هذا صحيح، إما أن يحدُث هذا وإما أنهم ينشغلون بالتفاصيل أكثرَ من اللازم، بدرجةٍ تجعلهم يفقدون القدرةَ على رؤية الصورة الكبرى في إطارها العام؛ أي تأثير هذا النجاح على المستشفى.»
لم تقتنع ليندسي بهذا الحديث النظري وأرادت دليلًا عمليًّا. فقالت: «دعنا نطبِّق هذا الأمر الآن، بدون بيانات، ونرى هل سينجح.»
ابتسم جود والتفت إلى لوحة العرض البيضاء. وقال: «ولِمَ لا؟ دعونا نستخدم طريقةً بسيطة لتقييم هذه النقاط. ما رأيكم أن نقيِّم كلًّا منها على مقياس من واحد إلى خمسة؟»
هزَّت ليندسي رأسها. وقالت: «كلا. فحتى هذا قد يسبب بعض الارتباك. إذا أردنا أن يكون الأمر بسيطًا، فلنجعله بسيطًا حقًّا. ما رأيكم في استخدام الألوان الأخضر والأصفر والأحمر؟ الأخضر للتعبير عن أن هذا العنصر يسير على السبيل الصحيح ويحقِّق النتائجَ المرجوَّة، والأصفر للتعبير عن العناصر التي ترون أنها ليست على المستوى المطلوب أو لستم على يقينٍ من أنها تحقِّق التقدم المطلوب، والأحمر للتعبير عن الأشياء التي ترون بالتأكيد أنها لم تحقِّق التقدم المطلوب.»
أعجَبت هذه الفكرة جود كثيرًا. وشعر برغبة قوية في تطبيقها فقال: «حسنًا، دعونا نبدأ بالنقطة الأولى. ما تقييمكم للموقف الحالي فيما يتعلَّق بترتيبات تسجيل دخول المرضى في المستشفى وخروجهم منه؟»
-
تحسين تجربة المرضى وتقليل إجراءات الخروج (أصفر)
-
استخدام نُظم معلومات طبية متكاملة (أحمر)
-
تحسين القدرة على التعامل مع الحالات (أصفر)
-
التخطيط المشترك (أصفر)
-
تنظيم التعامل مع المرضى الخارجيِّين (أحمر)
سأل رئيس الإدارة المالية: «أليس من المفروض أن تُقيَّم إحدى هذه النقاط على الأقل باللون الأخضر؟»
فهزَّ جود كتفيه. وقال: «إذا كان هناك ما ترى أنه يسير بطريقةٍ جيدة وفقًا للخطة التي وضعناها لتحقيق الهدف أو حتى يسبقها، فإنه يستحق إذًا أن يقيَّم باللون الأخضر. وغالبًا ما سيكون هذا هو الوضعَ في بعض المواقف. ولكن نظرًا لأننا قد بدأنا هذا الأمر الآن، فليس من الغريب أن تحظى جميع النقاط إما باللون الأحمر أو الأصفر.»
وبينما كان الفريق التنفيذي يدرُس النقاط والتقييم الذي حصلت عليه كلٌّ منها، وجد جود أنهم قد أغفلوا شيئًا مهمًّا. فقال: «دعونا نضيف أيضًا مجموعةً من الأشياء التي ترون أنها تمثِّل الفئات الأساسية لتحقيق الهدف المرحلي حتى تكون الصورة كاملة أمامنا.»
فسألته ليندسي: «وهل حدَّدنا هذه الفئات؟»
«لا، ولكن هذا ما سنقوم به الآن. ويجب ألا تتجاوز هذه الفئات أربع أو خمس فئات.»
-
معدَّل إشغال الأسِرَّة
-
النتائج الطبية
-
دخل التشغيل
-
عدد فريق العمل بالمستشفى مقارنةً بعدد المرضى
-
الفواتير عند مغادرة المستشفى
دوَّن جود هذه العناصرَ على لوحة العرض ونظر مرةً أخرى إلى الفئات الخمس الأصلية. وقال: «حسنًا، دعونا نفكِّر في الأمر. ماذا يمكننا أن نطلِق على هذه العناصر التي تحدِّد الهدف المرحلي؟» ونظر إلى أعضاء المجلس منتظرًا اقتراحاتهم.
فأجابته رئيسة هيئة التمريض: «أنا أؤيد الاسم الذي اخترته لها من قبل. هل كان الفئات الرئيسية أو الأساسية لتحقيق الهدف المرحلي؟»
ضحِك جود. وقال: «ربما نحتاج إلى اسمٍ آخرَ يكون وصفيًّا بدرجة أكبرَ بحيث يوضِّح ما نعنيه بها.»
رأى كبير الأطباء في هذا السؤال فرصةً ليخرج بفكرة من ابتكاره. فقال: «لماذا لا نسميها عوامل تحقيق الهدف المرحلي؟ فهذه هي وظيفتها، فهي تساعدنا على تحقيق الهدف المرحلي.»
لم يعترض أحدٌ على هذا الرأي، كما وجده جود ملائمًا بقدرِ أي فكرة أخرى كان سيفكر فيها. فقال وهو ينظر إلى لوحة العرض: «حسنًا، لقد أصبح لدينا الآن هدفٌ مرحلي، وعوامل تحقيق هذا الهدف، بالطبع إلى جانب الأهداف التشغيلية الثابتة التي يسعى المستشفى إلى تحقيقها.» ثم التفت إلى الفريق التنفيذي.
وسألهم بصوتٍ تشوبه نبرةُ تحدٍّ. فقال: «ليخبرني أحدُكم ما الذي يمنع أن تشكِّل هذه العناصر الإطارَ الخارجي لجميع اجتماعاتكم؟»
لم يُجِبه أحدهم مباشرةً، ولكن بعد لحظة من الصمت بدأ كلٌّ منهم يهز رأسه وكأنه يقول لا يوجد ما يمنع هذا.
ثم تحدَّثت ليندسي بعد ذلك. وقالت مخاطِبة جود: «هلَّا توضِّح لنا مرةً أخرى كيف يمكن أن يحُلَّ هذا مشكلةَ العزلة والصراعات الداخلية بين الأقسام.»
وقبل أن يجيب جود عن سؤالها، تدخَّل رئيس الإدارة المالية. وقال وهو يشير إلى لوحة العرض: «لأنه إذا اتجه أحدٌ منا لمناقشة شيءٍ ما يجِده مناسبًا لطبيعة عمله وفي مصلحة القسم الذي يعمل به، دون أن يكون له تأثيرٌ واضح على الأهداف التي اتفقنا عليها؛ فسيكون بإمكاننا أن نوضِّح له لماذا لن يشكل هذا الأمر أولويةً في عملنا.»
وأضافت رئيسة هيئة التمريض: «ولكي أكون أمينةً وصادقة معكم، بما أننا وضحنا هذا الأمر الآن، فسيكون من الصعب عليَّ التفكير في الانحياز إلى جانب الممرضات في قسمي على حسابِ ما نحاول أن نقوم به لصالح المستشفى بالكامل.»
«لا أعتقد أن الأمر سيكون بهذه البساطة التي تتحدثون بها.» قال مسئول العمليات التشغيلية هذه العبارةَ في لهجة تحدٍّ لا تشوبها مرارة. واستكمل موضحًا: «فعندما يعود كلٌّ منا إلى القسم الذي يعمل فيه ويمارس عليه موظفوه ضغطًا لتلبية مطالبَ محدَّدة يرون أنها ضرورية للقيام بمهامِّ عملهم، فسيكون من الصعب أن نحافظ على هذا النظام الجديد، وألا يعود الوضع إلى ما كان عليه من قبل.»
وافقه جود قائلًا: «أنت على حق. ولهذا علينا دائمًا وضْع هذه الأهداف نُصب أعيننا، والرجوع إليها دائمًا قبل أن نحاول القيامَ بأي شيء.»
اندفعت ليندسي للمشاركة في هذا الحوار. وكان من الواضح أنها توجِّه حديثها لمسئول العمليات التشغيلية بالمستشفى على وجه الخصوص. وقالت: «دعني أوضِّح لكم جميعًا شيئًا مهمًّا في هذه النقطة. يجب أن يعود كلٌّ منكم إلى القسم الذي يعمل به ويخبر موظفيه بحقيقةِ ما نحاول التركيز عليه وما نحاول تحقيقه هنا. يجب أن نجعلهم يستوعبون جيدًا الأولويات التي نعمل من أجلها، ولماذا لا نستطيع أن نفيَ ببعض احتياجاتهم.»
ثم توقَّفت لحظةً لتفكر ثم استكملت: «نعم، لماذا لا نعلن هذا الأمر ليدركه الجميع في المستشفى؟»
فكَّر جود قليلًا بالأمر. ثم قال: «في هذه الحالة، سنحتاج إلى الإعلان عنه بطريقة معقولة ومقبولة.» وكان يحاول أن يجد تبريرًا يوضِّح به لماذا قد لا تبدو هذه الفكرة جيدةً ولكن باءت محاولته بالفشل. فاستطرد: «ولكني أعتقد أنه لا يوجد ما يمنعنا من إعلان ذلك. فهذا سيجعل الصورةَ واضحة أمام الجميع، ويوضح لهم الإطار الذي نعمل داخله، والهدفَ الذي نسعى لتحقيقه، مما سيدفعهم للقيام بعملهم وَفْقًا لذلك بطريقة مختلفة قليلًا.»
وافق كبير الأطباء على رأيها مضيفًا: «كما أن هذا سيجعلهم يعملون في دائرة عمل متكاملة مع باقي الأقسام والتخصصات المختلفة في المستشفى، ويُخرجهم من شرنقة الاهتمام بمهامِّ عملهم فقط.»
لم يكن لدى جود أدنى شكٍّ في أن ليندسي وفريقها التنفيذي كانوا يشعرون بالسعادة من النتيجة التي توصَّلوا إليها حتى الآن. وعند هذه النقطة، طلبت ليندسي التوقُّف لراحة قصيرة، وطلبت أن يبقى رئيس الإدارة المالية وجود فقط في غرفة الاجتماعات.
(٣) جني الثِّمار
عندما خرج الجميع من الغرفة، بدأت ليندسي الحديث قائلة: «لقد كان هذا العمل رائعًا حقًّا. ولكننا سنحتاج إلى بعض الوقت والجهد لكي نتمكَّن من توطيد الأمر والتأكيد على تنفيذِ ما توصلنا إليه.» ثم التفتت إلى رئيس الإدارة المالية. وقالت: «كم بإمكاننا أن ندفع لجود في الوقت الحالي مقابلَ خدماته الاستشارية؟»
تنحنح الرجل قليلًا. ثم أجاب: «في البداية، أوافقك الرأي على أنَّ ما قمنا به اليوم كان عظيمًا. وأنه يستحق بالفعل المبلغَ الذي يتكلَّفه، مهما كان هذا المبلغ.»
شعر جود بأنه على وشْك أن يسمع عبارةً استدراكية فانتظر سماعَ كلمة «ولكن».
وبالفعل استدرك رئيس الإدارة المالية قائلًا: «ولكن ما زال علينا الحصولُ على موافقةٍ على الميزانية، وفي الوقت الحالي، أخشى أننا لن نستطيع سوى توفير نصف المبلغ فقط.» ثم التفت إلى جود. وقال: «أنا آسف حقًّا لهذا، ولكنَّ هذا أقصى ما في وُسعنا في الوقت الحالي.»
شعر جود في هذه اللحظة أنَّ عليه أن يتقبل الأمر بسماحة وتفهُّم أكثر مما قد تسمح به ظروفه المالية. فقال بأسلوب مهذَّب ليطمئنه: «أنا أتفهَّم الوضع جيدًا. في بعض المواقف، يكون الوقت هو العاملَ الأساسي في كل شيء.»
تدخَّلت ليندسي في الحوار. وقالت بسرعة: «ولكنْ هناك شيء آخر أستطيع القيام به. سأتصل ببعض أصدقائي: الرئيس التنفيذي لمستشفى ستوكتون جنرال، والرئيس التنفيذي لمستشفى سانت ماري، وأُخبِرهما بما فعلتُ هنا. كما أني أعرف السيدة التي تولَّت المنصب الإداري في مصنع السيارات في فريمونت. وأعتقد أن لديها جزءًا أكبرَ من الميزانية مخصَّصًا لهذا النوع من الاستشارات.»
أومأ رئيس الإدارة المالية برأسه. وقال: «كما أن بعض الجهات التي نتعامل معها هنا في المستشفى قد ترغب في الاستعانة بك، إذا كانوا على استعدادٍ للاعتراف بالمشكلة التي يواجهونها. مثل شركة هايت لايننز التي تورِّد لنا الأزياء الموحَّدة والأغطية والملاءات التي نحتاج إليها. ويمكنني أن أرتِّب لكَ موعدًا لتلتقيَ معهم قريبًا.»
فكَّر جود أن ثمار هذه التجربة لم تتوقَّف فقط عند النقود ولكن تجاوزتها إلى شيء آخر أكثرَ منها قيمةً على المدى البعيد؛ لذا فقد شكرهما بحماس على ما عرضاه.
أما بالنسبة للجزء التالي من الاجتماع، فقد قضاه جود والفريق التنفيذي في العمل على توضيح النقاط التي أطلقوا عليها «عوامل تحقيق الهدف المرحلي»، ووضع تفاصيلها. فتمَّت مناقشة المواعيد التي من المفترَض أن ينتهوا فيها من القيام بكل عنصر من العناصر المذكورة، وسُبل قياس التقدم الذي أحرزوه فيها بالإضافة إلى المعايير الخاصة بكل عنصر.
وفي النهاية، شكرت ليندسي جود كثيرًا على جهده، وأعلنت لمسئوليها أن هذه لن تكون المرةَ الأخيرة التي يرون فيها جود. وقد رحَّب الجميع بهذا الأمر، مما جعل جود نفسَه يشعر بالمسئولية وبوجودِ ثقلٍ جديدٍ على كاهله. ولكنه قرَّر أن يتقبل هذه المسئولية الجديدة ويستفيد منها كمصدر للثقة بالنفس التي يحتاج إليها بشدة في الجولة الاستشارية التالية، والتي تتطلب منه كلَّ الدعم الذي يستطيع توفيره لنفسه.
(٤) مبكرًا … مرة أخرى
عندما وصل جود إلى منزله ذلك المساء، أخذ يقصُّ على تريزا أحداثَ يومه الزاخر ويخبرها عن النجاح الهائل الذي حقَّقه، بالإضافة إلى الضائقة المالية المؤقتة التي سيتسبَّب فيها تأخُر الأتعاب التي سيحصُل عليها من المستشفى. ولكنه كان مع كل هذا سعيدًا للغاية.
وعلى غيرِ عادتها، كان من الواضح أن تريزا لا تنتبه إلى زوجها وتمنحه التركيزَ الكامل الذي اعتاد عليه منها. وعندما سألها عمَّا بها، شرحت له السبب.
قالت: «إن الطفلتين تحقِّقان تقدمًا أسرعَ مما توقَّع الأطباء.» ثم رفعت صوتَها بالبكاء، ولم تكن هذه دموع الفرح.
قال جود: «هذا رائع، ما المشكلة إذًا؟»
«المشكلة أنهما ستعودان إلى المنزل قبل الميعاد المحدَّد بأكثرَ من أسبوع. أي بعد خمسة أيام.» وتوقَّفت قليلًا عن الحديث. ثم استأنفت: «ولا أدري في الواقع ما إذا كنت قادرة على التعامل مع هذا الأمر أم لا.»
ضمَّها جود إليه وحاول أن يبثَّ الطمأنينة في نفسها قائلًا: «هل تمزحين؟ بالطبع ستستطيعين. بل وستكونين أمًّا رائعة أيضًا؛ فالأمومة غريزة بداخلك وسرعان ما ستعتادين على الوضع الجديد.»
فردَّت برقَّة: «لقد اعتدت وجودَ هؤلاء الأطباء والممرضات الذين يعملون على رعايتهما طوال الوقت، وأنا خائفة أن تترك الطفلتان الرعاية الكاملة هناك وتأتيان إلى هنا. بل وأتمنى — لو كان ممكنًا — أن تبقيا هناك أسبوعًا آخر. هل أنا أمٌّ سيئة لأني أقول هذا؟»
ضحِك جود متعاطفًا معها. وقال: «كلا. أنتِ لستِ أمًّا سيئة على الإطلاق. فهذا طبيعي. ولا تقلقي. أنا موجود بجوارك لمساعدتك.»
«ولكنك مستغرِق تمامًا في عملك ولديك الكثير من المهام.»
«كلا. عندما تصل الفتاتان سآخذ إجازةً كاملة من العمل مدة أسبوعين؛ لكي أكون بجوارك وأساعدك في هذه المرحلة الانتقالية. كما أن والدتك ستكون معنا. واسمعي أيضًا، لديَّ أخبارٌ جيدة، فلقد تمكَّنت الآن من الحصول على عميلين آخرين، وحتى لحظة وصول الطفلتين سأكون قد تأكَّدت من وضعهما في جدولي لضمان الاستقرار المالي في هذه الفترة.»
كان جود في داخله يتساءل كيف سيتمكَّن من القيام بهذا الأمر والنجاح فيه. وعندما نظر إلى زوجته وجد أنها قد استغرقت في نوم عميق. فأدرك كم تشعر بالإرهاق والتعب بعد فترة عصيبة من التوتر وعدم الاستقرار استمرت ثلاثةَ أسابيع. وقد أدرك أيضًا أنه هو نفسه على وشْك السقوط في دوامة الإرهاق والتعب هذه، ولكنه كان يعرف أن عليه الحفاظَ على نشاطه وقدرته على العمل خمسةَ أيام أخرى فحسب، قبل أن يتفرغ تمامًا لدوره الجديد في الحياة ويصبح أبًا لطفلتين.
وبالطبع لم يكن جود ليترك نفسه فريسةً لوهم أن هذا الدور الجديد أسهل، فقد كان مشتاقًا إلى الدخول في التحدي الجديد الذي ينتظره، ليرى كيف سينجح مع زوجته في رعاية طفلتين والاهتمام بهما طَوال أربع وعشرين ساعة يوميًّا. وعلى كل حال، كان خوض معركة جديدة، بغضِّ النظر عن مدى صعوبتها، أفضلَ بالنسبة له من العودة إلى معركة فندق ماديسون التي مُني فيها بهزيمة نكراء لن ينساها أبدًا، ولكنه مع هذا، كان يجب أن يعود إليها لاستعادة كرامته الجريحة، كما أن عَقده مع دانتي كان لا يزال ساريَ المفعول.
(٥) التنازل
تأكَّد جود من نبرة صوت دانتي عندما تحدَّث إليه عبر الهاتف أن مشاعر الأخير تجاهه قد تغيَّرت كثيرًا منذ ما حدث في الاجتماع الأخير. فلم يكن دانتي يتحدَّث معه ببرود أو وقاحة، ولكن كان من الواضح أنه لم يَعُد يولي الأمر الاهتمام السابق.
ومع هذا، فقد وافق على مقابلة جود في وقتٍ لاحق من ذلك اليوم. وقد فكَّر جود في أن هذه فرصةٌ لإقناع الرئيس التنفيذي بأن يمنحه فرصةً أخرى مع فريقه. ولكن الأمر لن يكون سهلًا.
فلم يكن دانتي مستعدًّا لأن يجعل جود يعود ويتحدَّث مع فريقه التنفيذي مرةً أخرى. فقال له: «اسمعني يا جود. أعتقد أنه سيكون من الأفضل أن تخبرني بما تريد القيام به، وأنا سأجد الطريقةَ المناسبة لتوصيله للفريق في الفندق.»
شعر جود بارتباك وحَيرة. فقد كان يعتقد أنه إذا حصل على الفرصة المناسبة فسيقنعهم بالأمر وسينتصر هذه المرة. ولكنه أراد في الوقت نفسه احترامَ رغبة دانتي. ففي النهاية لا يجب أن يكون المستشار سببًا في أن يخسر الرئيس التنفيذي مصداقيتَه أمام موظفيه ومعاونيه.
لذا فقد وافق جود على هذا الاقتراح، وذهب لمقابلة دانتي في الموعد المحدَّد.
في البداية، تحدَّث جود إلى دانتي عما يمثله التعرُّض لأزمات من قوة دافعة للعمل الجاد الذي يؤدي إلى النجاح، الأمر الذي وجده دانتي مستساغًا. ثم طرح عليه جود السؤال المعتاد: «لماذا ننتظر حتى نتعرض لأزمة حتى يتحسن الأداء؟» وتأكد عند هذه النقطة أنه قد نجح في الاستحواذ على اهتمامه وتشويقه لسماعِ ما جاء من أجله حتى النهاية.
طلب منه جود بعد ذلك أن يفكِّر في هدفٍ مرحلي يودُّ تنفيذه في الفترة القادمة. فطرح دانتي عدةَ أفكار. ومن بينها تحقيقُ الكفاءة في الأداء. وتوفير المزيد من الخدمات للنزلاء. والتسويق لفندقه بأسلوب أفضل. ولكن لم يبدُ أيٌّ منها فكرةً صائبة.
شجَّعه جود بعد ذلك على توسيع أفق تفكيره أكثرَ وأكثر. وسأله: «ما الشيء الذي تتمنَّى أن تراه حقيقةً في الفندق خلال الشهور التسعة القادمة؟»
وهنا تفتَّق ذهن دانتي عن أفكارٍ ما هي إلا رغباته الداخلية. فقال: «أريد أن يستعيدَ جميع العاملين في الفندق حبَّ العمل والحماس الذي كان لدينا من قبل. كما أريد أن نصل لدرجةٍ من الكفاءة تجعلنا لا نقلق من جهة منافسة الآخرين لنا. وأريد وضْع خُطة عمل يتقبلها الجميع ويعملون بحماس وَفْقًا لها. وأريد الاستمرار في هذا الأداء القوي في السوق للأبد.» كان دانتي مقتنعًا تمامًا بكل هذه الأشياء.
دفعه جود بعد ذلك أكثرَ للتفكير في عوامل تحقيق هذا الهدف المرحلي والأهداف التشغيلية الثابتة التي يريد أن يستمر في تحقيقها أثناء السعي وراء تحقيق الهدف المرحلي، ولكن دانتي كان قد بدأ يتعب ويشعر بأنه لا يستطيع التفكير أكثرَ من هذا. وفي النهاية، قال: «حسنًا، دعنا نؤجِّل هذا الأمر حتى تأتينا غدًا ونتحدَّث جميعًا عنه وتطرح أمامنا ما يدور في ذهنك من أفكار.»
كان من المفترض أن يشعر جود بالبهجة والسعادة. فسوف تتاح أمامه فرصةُ الثأر لكرامته أمام الفريق التنفيذي، ولإقناعهم بكفاءته. ولكنه كان قد شعر بالراحة بالفعل وتقبُّل الأمر بعد أن أخبره دانتي أنه لن يتحدَّث إليهم مباشرةً، وأن دانتي هو مَن سيتحمَّل هذا الأمر عنه. أما الآن، وقد عاد دانتي يطرح الفكرة مرةً أخرى وأن عليه الوقوف مرةً أخرى أمام الفريق التنفيذي للفندق، فلم يَعُد جود يرحِّب بالأمر على الإطلاق.
ولكنه، على كل حال، فكَّر في الأمر وأقنع نفسه بأنه لا يزال مستشارَ دانتي وهذه هي طبيعة عمله، ووافق على عقدِ الاجتماع معهم في اليوم التالي مباشرة.
(٦) عرين الأسد
بالإضافة إلى موافقته على عقدِ الجلسة التالية من الاجتماع مع الفريق التنفيذي للفندق، اقترح جود على دانتي ألَّا يخبر أحدًا منهم شيئًا عما تحدثوا عنه في الاجتماع السابق. حيث إنه لم يُرِد إثارةَ أي ردود أفعال عكسية لديهم، كما رأى أنه من الأفضل أن يستمعوا إلى النظرية كاملة منه أولًا.
وقد التزم دانتي بهذا الاتفاق ولم يخبر أحدًا منهم شيئًا عن هذا، وقد افتتح الاجتماع في اليوم التالي قائلًا: «لقد عاد جود مرةً أخرى للاجتماع معنا اليوم ولديه بعضُ الأفكار الشائقة المهمة التي يريد مشاركتنا فيها. ولقد كان جود عضوًا مؤثرًا في المجلس الاستشاري للفندق في السنوات القليلة الماضية، وأعتقد أنه سيكون من الجنون ألا نستفيدَ من عمله مستشارًا إلى أقصى حدٍّ ممكن.»
حتى دون الإشارة الصريحة إلى الفشل الذريع الذي انتهى إليه الاجتماع السابق منذ أسبوع، كان الجميع يعلم جيدًا ما يشير إليه دانتي. انتقل جود إلى مقدمة الغرفة وهو يشعر وكأنه مجرم يقف في قفص الاتهام أمام المجلس الذي قد يمنحه حريته. وبدأ الحوار قائلًا: «حسنًا، أنا هنا لنتحدَّث عن مشكلة العزلة والصراعات الداخلية بين الأقسام المختلفة ونحاول التوصُّل إلى حل لها.» ثم ازدرد لُعَابه بصعوبة. واستكمل: «وما زلت أرى أن مسئولية هذه المشكلة تقع على عاتق جميع الموجودين في هذه الغرفة.» ثم توقَّف قليلًا ليمنحهم فرصةً ليتقبلوا ما قاله. ثم قال: «ولكني توصَّلت إلى الطريقة المناسبة التي ستساعدنا في التعامل مع هذه المشكلة والتخلُّص منها.»
لم تشأ مديرة المكتب الأمامي أن تمنح جود فرصةً ليستمر أكثرَ من ذلك. فقالت: «إذًا فقد عُدت إلينا لتخبرنا مرةً أخرى ما الشيء الذي نقوم به وترى أنت أنه خطأ؟» وقد كانت تتحدَّث بالحدة اللاذعة نفسِها التي كانت تتحدَّث بها في المرة السابقة، وكأنه لم يفصل بين الجلستين وقتٌ على الإطلاق.
حاول جود أن يجيب عن السؤال دون أن يثير أحدًا منهم ضده. فقال: «كلا، ليس هذا ما أعنيه، وأنا لا أقول إنكم هنا ترتكبون خطأً فظيعًا لا يرتكبه غيرُكم. وأعترف أيضًا أنني أنا نفسي قد ارتكبت بعضَ الأخطاء في المرة السابقة، ولكنني تعلمت منها. وأنا هنا اليوم لكي أعرض عليكم شيئًا اكتشفته مؤخرًا، وأعتقد أن معظم المؤسسات تستطيع استخدامه في الحد من السياسات الداخلية المتضاربة للأقسام والصراعات التي تحدُث بينها.»
ولكنها لم تشأ حتى أن تقبل هذا الاعتذار. فعادت تجادله: «ولكنك تقول إننا نتعامل من منطلق هذه السياسات الداخلية المتناقضة. ما الذي يجعلك تعتقد …»
قاطعها دانتي هذه المرة. وقال: «انتظري قليلًا يا مايكي. فأنا بالفعل أرى أننا نتعامل من منطلق سياسات داخلية متناقضة. قد لا تكون هذه السياسات مراوغةً كما يُفترض بالسياسات عمومًا. ولكن دعينا نعترف أن لكلٍّ منا أجندةً مختلفة. لا أدري كيف كان الأمر بالنسبة لك عندما عمِلت في فندق هاي تك، ولكن كان لكل فندق أدرْتُه سياسته الخاصة. وأنا الآن أدرك أننا الوحيدون القادرون على إنهاء هذا الوضع هنا في الفندق.»
كان ردُّ فعل مايكي عنيفًا. وأجابته بحدَّة: «نعم، ولكن مجرد فكرة أن شخصًا غريبًا يأتي إلى هنا ويخبرني أنني أتعامل من منطلق سياسات داخلية متناقضة تجعلني لا …»
قوطعت مايكي مرةً أخرى. ولكن مَن قاطعها هذه المرة هو مسئول العمليات التشغيلية بالفندق. وقال: «تمهَّلي قليلًا، إنك أكثرُ شخص يتعامل من هذا المنطلق في هذا الفندق. فأنتِ تتعاملين مع كل الأمور من منظور القسم الخاص بك والموظفين الخاصين بك فقط. وعندما يحدُث شيءٌ ما خطأ، من المستحيل أن يكون بسببك أو بسبب أحد موظفيك. ولكنه دائمًا بسبب خطأ ارتكبه أحدُنا. كلُّ ما أطمح إليه أن أراك يومًا ما تعترفين أنكِ قد أخطأتِ أو أغفلتِ شيئًا ما.»
اجتاح جود في هذه اللحظة مزيجٌ غريب من المشاعر المختلفة. فقد كان يشعر ببعض الاستياء؛ لأن الجلسة اتخذت بالفعل مسارًا آخرَ غيرَ مخطَّط له. بيدَ أنه كان يشعر ببعض الراحة أيضًا لأنه ليس محورَ الخلاف في النزاع القائم، في الوقت الحالي على الأقل، وأن بعض آثارِ ما يتحدَّث عنه تسربت إلى الغرفة بالفعل لتثبت أنه على حق.
أما مايكي فقد احمر وجهها من الغيظ وكأنها على وشْك الانفجار، ثم توقَّفت تمامًا عن الحديث. لم تنبِس ببنت شَفة. وعقدت ساعديها أمام صدرها، والتفتت إلى جود مرةً أخرى وكأنها تخبره أن يعود ويستكمل ما كان يقول. وهو ما فعله جود بالفعل.
«حسنًا، أعتقد أنه من الممكن تجنُّب ما يواجهه هذا الفندق من اختلافات وتضارب، وأن هذه المشكلة لا ترجع أساسًا إلى اختلافات شخصية ولكن إلى غياب التوجه المشترك.»
ولكن النظرة التي ارتسمت على ملامح بعض زملاء مايكي كانت تشير إلى أن الاختلافات الشخصية لها دورٌ كبير بالتأكيد، ولكن جود كانت لديه فكرةٌ يريد أن يوصلها، ولم يكن يريد أن يسمح لمثل هذه المشاكل بأن تمنعه من توصيل فكرته. ولذا فقد استمر في حديثه المعدِّ سابقًا.
وحتى تلك اللحظة، كان جود راضيًا عن أدائه، وعن الطريقة التي سارت بها المحاضرة التي ألقاها عن كيفية علاج مشكلة العزلة والصراعات الداخلية بين الأقسام المختلفة. فبدأ يشرح لهم تأثير التعرُّض للأزمات على الأداء الجماعي المتناغم لمجموعات العمل المختلفة. ثم طرح عليهم سؤاله المعتاد عن سبب الانتظار حتى يدق ناقوس الخطر وتتعرَّض المؤسَّسة لأزمة بالفعل. واتجه بعد ذلك إلى تقديم المفاهيم التي توضح معالمَ خطته: الهدف المرحلي، وعوامل تحقيق هذا الهدف، والأهداف التشغيلية الثابتة.
ومن المفارقات العجيبة، أن كل شخص في الفريق التنفيذي قد راقت له فكرةٌ مختلفة عن الآخر. فعلى سبيل المثال، رئيس أقسام الخدمات راقت له فكرة التشبيه بالتعرُّض لأزمة. في حين أن معظم الأعضاء التنفيذيين الآخرين اقتنعوا للغاية بفكرةِ تحديد هدف مرحلي وعواملَ لتحقيق هذا الهدف. أما رئيس الإدارة المالية، فلم يكن مقتنعًا بالأمر تمامًا حتى بدأ جود يتحدَّث عن الأهداف التشغيلية الثابتة. وفي نهاية المحاضرة كان جود قد نجح بالفعل في جذب انتباه الجميع ونَيْل إعجابهم بالفكرة، فيما عدا مايكي بالطبع.
عندما انتهت الجلسة، تقبَّل جود بسعادة بعضَ التعليقات، مع أن بعضها كان لاذعًا، من فريق العمل في الفندق. فقد قال رئيس الإدارة المالية، على سبيل المثال: «أعتقد أن هذه الجلسة كانت أفضلَ قليلًا من تلك السابقة.» وقد أيقن جود أنه أصبح يقف على أرض صُلبة في الفندق، والأهم من ذلك شعورُه بأنه حتى إذا توقَّف دانتي عن الاستعانة بخدماته الاستشارية فإن خُطة عمله الجديدة قد أثبتت نجاحها، وأن ثمرة جهده قد تساعد دانتي على إحراز بعضِ التقدم في الفندق، بالإضافة إلى أنه تأكَّد من أن أسلوبه الجديد سينجح عند تطبيقه في مؤسساتٍ أخرى.
وللمرة الأولى منذ بدأ جود عملَه في مجال الاستشارات، تأكَّد من أنه سيظل يعمل مستشارًا حتى نهاية حياته.
(٧) عملاء وإنجازات
بعد عدة أيام، تحدَّث كارتر إلى جود هاتفيًّا وأخبره أن رحلته قد امتدت لتستغرق فترةً أطول، وأنه لن يستطيع مقابلته قبل أسبوعين آخرين. ولكنه أكَّد له أنه مهتم للغاية بالاستمرار في هذا العمل، حتى إنه ذكر الأهداف التي وضعوها بالضبط، مما جعل جود يثق أكثرَ في رغبته في الاستمرار في هذا العمل، وفي كفاءة خطة العمل التي توصَّل إليها للتعامل مع هذه المشكلة.
قضى جود الأسابيعَ القليلة التالية في المنزل مع زوجته وطفلتيه وجعل مشاعرَ الأبوة تسيطر عليه تمامًا واستغرق فيها بكل كيانه. صحيح أنه لم يستطِع أن يمنع نفسَه من تفقُّد البريد الإلكتروني الخاص به من حين لآخر ليلًا أثناء إطعام الفتاتين، ولكنه لم يكن يساوره قلقٌ حيال عمله. ولم يكن هذا يرجع لأنه قد تمكَّن من التعامل مع مشكلاته المالية. ولكن جود أصبح يؤمن أن عمله لم يَعُد يعتمد اعتمادًا أساسيًّا على إقناع عملائه الحاليِّين بتجديد العَقد معه مدةً أطول، بل على مدى كفاءة وفعالية أفكاره وقدرته على التعامل مع المشكلات التي يستعينون به لحلِّها.
وخلال شهر، أصبحت قائمةُ عملاء جود تتضمَّن: باتش تكنولوجي، ومستشفى الأطفال، وفندق ماديسون، ومصنع السيارات في فريمونت، ومستشفًى آخرَ في فريزنو. ولقد نجح جود في علاج مشكلة العزلة والصراعات الداخلية بين الأقسام المختلفة التي يعانيها كلٌّ من هؤلاء العملاء، مع اختلاف درجة هذا النجاح.
وقد كان النصيب الأكبر من هذا النجاح من حظ شركة باتش، مما ساعد المسئولين على اللَّحاق بركْبِ التقدم في مجال صناعة التكنولوجيا بعد أن تخلَّفت فيه عما كانت عليه فيما سبق. وقد نجح كارتر وفريقه في إلقاء عملية الدمج خلف ظهورهم، ثم استخدموا بعد ذلك المهارات التي اكتسبوها وطوَّروها في دمج شركتين إضافيتين إلى مؤسستهم. وكلما بدا لهم أن مشكلة العزلة والانقسامات ستعاود الظهور مرةً أخرى، عاد كارتر مرةً أخرى إلى خطة العمل التي وضع جود أساسَها، وحدَّد لفريقه هدفًا مرحليًّا والعوامل التي ستساعدهم على تحقيق هذا الهدف؛ لإعادة تركيز الأعضاء على المصالح العامة المشتركة للمؤسَّسة بالكامل.
وبالنسبة لمستشفى الأطفال، فقد ناضل الجميع في البداية لتقريب وجهات النظر والأفكار بين الأطباء والممرضات واتحاد العاملين في المستشفى والوصول إلى اتفاقٍ بينهم، وبفضل مثابرة ليندسي وسعيها المستميت في الوصول إلى ما تريد، نجحت في أن تجعل المستشفى واحدًا من أفضل عشرين مستشفًى للأطفال في الولايات المتحدة. وبالتدريج استطاعت ليندسي أن تحفر اسمَها في قائمة الإداريين الناجحين الذين نجحوا في تغيير مؤسَّساتهم تغييرًا جوهريًّا.
أما العميلة الجديدة، الرئيسة التنفيذية لمصنع السيارات في فريمونت فقد أصبحت العميلةَ المفضَّلة لدى جود. فهي سيدة أعمال مكافِحة ومجتهدة لا تنتمي إلى عائلة ثرية ذاتِ نفوذ كعادة العاملين في هذا المجال. وكانت تتمتَّع ببراعة شديدة في إرساء قواعد العمل الجماعي. وقد تعلَّم جود منها الكثير في هذا المجال مما سيساعده كثيرًا في التعامل مع عملائه فيما بعد، وكذلك في العمل داخل المؤسَّسة الاستشارية التي يسعى إلى إنشائها في النهاية.
وبالنسبة لفندق ماديسون، فقد نجح في التغلُّب على مشكلاته القصيرة الأمد بين موظفي المكتب الأمامي وأقسام الخدمات، ويُعزى جزءٌ من هذا النجاح إلى قيام دانتي بإقالة رئيس أقسام الخدمات الذي كان صعبَ المراس وتسبَّب في الجزء الأكبر من هذه المشكلات. ولكن عدم قدرته على التعامل مع التحديات اليومية في حل المشكلات التي تنشأ بين الموظفين دفعَته في النهاية إلى بيع الفندق إلى أحدِ منافسيه الذين يديرون سلاسل فنادق، وشراء سلسلة من النُّزُل الصغيرة في وادي نابا تقدِّم خدمةَ المبيت مع الإفطار.
أما العمل مع الأب رالف في كنيسة كوربس كريستي، فقد كان أعظمَ التحديات التي واجهت جود ومن أكثرِ التجارب التي استفاد منها؛ فقد تعلَّم هناك أن مشكلة العزلة والصراعات الداخلية في الكنائس يمكن أن تكون شديدةَ الصعوبة في الحل، ولكن وضوح المهمة كانت من أكثرِ الدوافع التي حفزت جود على الاستمرار فيها.
واستمر مصنع جيه إم جيه في نجاحاته في ظل إدارة براين بايلي الرشيدة. وقد كان جود من حين لآخر يتولَّى أمرَ مشروعات صغيرة هناك، ولكنه كان يشعر في الكثير من الأوقات أنه يتعلَّم ويستفيد منهم هناك أكثرَ مما يفيدهم هو. ومع هذا، فقد استمرت العلاقة بينه وبين عميله قويةً ووطيدة سنواتٍ عديدة.
(٨) التقدُّم السريع
في الاحتفال بمرور العام الأول على تأسيس شركة كازينز كونسلتينج، كان نشاط جود الاستشاري قد تنوَّع بشدة، مما منحه إمكانيةَ أن يكون الخبير العام الذي كان يأمُل أن يكونه. وكان كل عمل استشاري يقوم به لصالح عميل جديد يتطلَّب، بوجه أو بآخر، جمْعَ المسئولين التنفيذيين وموظفيهم حول تنفيذ هدف محدَّد، ومحاولة تدمير العزلة والصراعات الداخلية بينهم.
وقد نما عمل جود سريعًا واتَّسعت مجالاته وتعدَّد عملاؤه من خلال التزكيات التي كان يمنحها العملاء بعضهم لبعض للاستعانة به. وفي خلال الأعوام الثلاثة الأولى، كبُرت الشركة بسرعة وأصبحت تضمُّ سبعة مستشارين، واثنين من الموظفين الإداريِّين. واستأجر جود مكتبًا صغيرًا فوق بنكٍ على بُعد ثلاثة أميال من منزله، وكان يحرص على العودة لتناول الغداء مع تريزا وفتياته الثلاث كلما أمكن ذلك.
وفي العام الثامن من عمر الشركة، كبُرت شركة كازينز كونسلتينج، ليصلَ عدد موظفيها إلى أكثرَ من خمسة عشر مستشارًا، وخمسة موظفين إداريين يتولَّون شئون التسويق والمالية وخدمة العملاء. وقد اتَّسعت المجالات التي تتعامل معها الشركة؛ مثل الرعاية الصحية والتكنولوجيا والتعليم والأعمال غير الربحية.
ثم حدَثت المفاجأة غير المتوقَّعة ذات يوم. حيث بدأ الأمر في اجتماع لأعضاء الشركة.
كان جود يسأل عن البيانات التي سيقوم على أساسها بتخصيص أموال التسويق في العام القادم. فأجابه أحد المستشارين المتخصِّصين في مجال الرعاية الصحية على الفور. «إننا نرى أنه قد حان الوقت لكي يتلقى قِسمنا النصيبَ الذي يستحقه من الميزانية.»
قطَّب جود ما بين حاجبيه. وقال: «أستميحك عذرًا؟»
بدأ المستشار يعيد ما قاله. «إننا نرى أنه قد …»
قاطعه جود: «مَن أنتم؟»
«أنا وزميلي فريد. إننا نعتقد أن مجال الرعاية الصحية يستحق نصيبًا أكبرَ من الميزانية هذا العام.»
أدرك جود ماهيةَ ما يواجهه على الفور. فها هي ذي مشكلة الصراعات الداخلية بين الأقسام التي طالما حاربها تطرُق أبوابَ شركته وتهدِّد نجاحه. ورغم رغبته في التخلص منها على الفور، فإنه قرَّر أن ينتظر لبعض الوقت حتى يستطيع أن يلمَّ بأبعاد المشكلة كاملة عندما تكون في أوج قوَّتها المدمِّرة.
وبعد ذلك يسحقُها.