ثياب الكائنات
حدثني «إبليس» قال: الإنسان حيوانٌ جليل، قيل إنه يمتاز عن غيره من الحيوانات بالضحك، ولكن الباحثين قد وجدوا أن من الحيوانات ما يضحك. وقد أخبرني صديقٌ لا أثق بحديثه أنه رأى بقرة تبسم له، وتغمزه بطرفها، وقيل إن الإنسان يفضل الحيوانات بشرب الخمر، ولكنهم وجدوا أن الخيل تشرب النبيذ وتستلذُّه، وقيل إن الإنسان يفضل الحيوانات بلبس الثياب، ولكنا نجد القرود يصنع لها أصحابها الثياب فتأنس بها، وتعجب بها كما يعجب المرء بثيابه، وتَزْهَى بها كما يزهى بلباسه.
على أن المرء لم يلبس الثياب إلا بعد أن أتقن النفاق، فلبس الثياب وادعى أنه لبسها كي تقيه من الحر والبرد. والصواب أنه لبسها كي تخفي قبح جسمه. ومن أجل ذلك ترى المرء إذا عظم جمالُه خفَّف من ثيابه، والدليلُ على ذلك ثياب النساء الرقيقة التي إنما صُنعت لتُظهر رقة أجسامهن، ودليل على ذلك أيضًا ما كان يفعله «إسكندر المقدوني»، فإنه كان يتعرى أمام أصحابه، كي يريهم جسمه الجميل، ويوهمهم أنه من أبناء الآلهة.
إذا بحثت وجدت أن أكثر الناس ولعًا بحمامات البحر هم الذين رزقهم الله شيئًا من الجمال، وقد تمر بالمرء ساعات يتذكر فيها أيام العُرْيِ في أول الخليقة، أيام كان المرء عاريًا من حلل الحياء الحميد، كما كان عاريًا من حلل النفاق الذميم.
ويقال إن سبب اتخاذ الناس الثياب أن الحيوانات في أول الخليقة لَمَّا رأت نعومة النساء صارت تتعشقها، وتنظم فيها الغزل والنسيب، فلما رأى الإنسانُ ذلك لبس الثياب كي يُخْفِيَ عن الحيوانات جسمه، ألم يَجُلْ بخاطرك أننا أيضًا ثياب للعوامل والخواطر والآراء التي تتنازعنا؟ وهذه الآراء أليست لباس الحق والباطل؟ وهذه العوامل أليست لباس الخير والشر؟ فهل الحق والخير والباطل والشر من قماش واحد ينسجه الزمن على منسج الأيام والليالي؟ أم هي أقمشة شتى؟ وما هو الزمن؟ هل هو لباس أيضًا؟ والمادة أهي لباس القوة؟ والقوة أهي لباس أيضًا؟ أم ما هي؟ أهذا الوجود كله ثياب تحتها ثياب وفوقها ثياب؟ ومن الذي جعل المرء قادرًا على الرغبة في رؤيةِ الحقيقة التي في ثياب الكائنات؟ وما هي القوة التي يحاول بها معرفة حقيقة الحقائق التي تضمرها ثياب الكائنات؟ هل هناك حقيقة تحت هذه الثياب؟ أم الكائنات ثياب ليس وراءها حقيقةٌ كالثياب التي يضعها الغلام بعضها فوق بعض كي يخيف بها أخاه الصغير؟ فإذا كان الأمر كذلك، ما الذي يَلِجُ إلى رُوح المرء، ويجعله قادرًا على تخيُّل حقيقة ثياب الكائنات؟ أليست الحقيقة التي ينشدها هي التي تغريه بتلمُّس تلك الحقيقة؟