دولة البغال
حدثني «إبليس» قال: إن الله لَمَّا أراد أن يخلق الإنسان، جمع الملائكة وقال لهم: إني أُريد أن أخلقَ حيوانًا، وأن أَهَبَه من العقل والذكاء أكثر من نصيب غيره من أصناف الحيوانات؛ لكي أرى ما هو فاعل بعقله، وذكائه، ثم أسلبه ذلك الذكاء. وقد بلغني أن الله سيسلبكم عقلَكم وذكاءكم، ولا أظن أنكم تجدون فرقًا كبيرًا بين حالتكم الأولى وحالتكم الثانية، فماذا أنت فاعل في ذلك اليوم؟
قلت: هذه مسألة قد فكرت فيها قبل أن تلفتني إليها، فإني أرى أنه ليس من المستحيل أن نُفيق من النوم يومًا فنرى أن عقلنا وذكاءنا قد انتقل منا إلى الحيوانات، ولم يبق لنا من العقل والذكاء شيء، ولا غرابة في ذلك، فإن العلماء تقول: إن كل نوع من أنواع الجنس البشري هو مستودعٌ فيه مقاديرُ من القوى، فيعلو هذا النوع ويبسط حضارته على العالم، حتى إذا نفذت قواه سقطت دولته، وارتفع شأن غيره من أنواع الجنس البشري، وإذا نظرت في التاريخ وجدت ما يثبت ذلك.
ثم إن العلماء الآن في حيرة ويأس، فإنهم يقولون: ماذا يكون أمر هذا الكون بعد أن تنفد القوى التي في جميع أنواع الجنس البشري؟ كيف يتقدم الوجود، وكيف تنشر الحضارة؟ وإنما الحضارة رَهِينَةٌ بارتفاع دولة نوع من أنواع الناس بسبب ما هو مُودَعٌ فيه من القوى. والجواب على هذا السؤال بسيط، فبعد أن تنفد جميع القوى المودعة في الإنسان، ينقل الله العقل والذكاء إلى الحمير والبغال أو القرود، فتعظم دولة البغال حتى تصير الأرض مستعمرة من مستعمراتها، فتبني البِغَالُ الأساطيل، وتُعِدُّ الجيوش، وتنشر الحضارة والعلوم في أنحاء الأرض، حتى إذا نفدت القوى التي أودعها الله في البغال عظمتْ دولة الحمير، وإذا سقطت دولة الحمير عظمتْ دولة القرود، وهكذا غير ما ذكرنا من أصناف الحيوانات.
ولقد رأيت في الحُلم مرة أن دولة الناس قد ذهبت، وانتقل العقل والذكاء إلى البغال، وصارت البغال تستخدم الإنسان لحمل الأثقال، وجر العربات، ورأيتُ أن عددًا من أعيان الناس قد رُبِطُوا في مربط، وكان البغل الذي يملكهم قد وكل بهم أحد الخدم ليؤجرهم للزبائن، ويأخذ أجرة استخدامهم، ثم رأيت أن بغلًا من أعيان البغال جاء إلى المربط، وطلب أن يمتطي إنسانًا ليذهب إلى مكان عمله، فقال الخادم: أتريد أن تمتطي من الأكابر أم من الأصاغر؟ فقال: ويحك أنا لا أمتطي إلا الأعيان، فإن منزلتي العالية لا تسمح لي أن أمتطي أحقر منهم.
ورأيت في الحلم أيضًا أن إناث البغال الأغنياء كانت تشتري الغلمان الحسان لتلعب معهم، كما كانت نساء البشر تشتري القرود والكلاب لتلعب معها.