زيت الفضيلة ونار الرذيلة
حدثني «إبليس» قال: إنكم تحسبون أني لم آت خيرًا وأنتم واهمون، فإني قد عالجت من الخير قَدْرَ ما عالجت من الشر. أحيانًا تعملون العمل تريدون به الخير فأجعله شرًّا، وأحيانًا أُظهر لكم الشر في مظهر الخير، ولكني لا يغيظني شيء مثل الشر الذي أقدر أنه شر فيكون أثره الخير بالرغم مني. ولو فطنت إلى الخير والشر لرأيتهما ثعابين كل منهما آخذ بذَنَبِ أخيه يأكل منه، فثعبان الخير يأكل من ثعبان الشر، وثعبان الشر يأكل من ثعبان الخير، ومن أجل أنَّ طولهما واحد يأكل الواحد منهما بقدر ما يأكل منه أخوه. فيزيد بقدر ما ينقص.
ولقد اجتمعت الأبالسة يومًا وأرادت محو الفضيلة، وإلغاء الخير، فقمت بينهم وقلت: يا أبالستي أتريدون أن تقفلوا في أوجهنا منافذ الرزق، ألا تعلمون أنكم إن محوتم الفضيلة محوتم الرذيلة بمحو الفضيلة؟ وإذا نفيتم الخير نفيتم الشر أيضًا؟ قالوا: وكيف يكون ذلك؟ قلت: ألا تعلمون أن من فائدة المجرم أن يبقي الطهر وحب الخير في الناس؛ لأن حب الخير والحلم صفة إذا انتفت أسبابها ما ربح المجرم المعتدي شيئًا؛ لأنه لا يجد طاهرًا ساذجًا حليمًا يعتدي عليه.
ومن أجل ذلك ترى الوقح يكره أن يكون المظلوم وقحًا، والعادي يكره أن يكون الحليم عاديًا، وترى المرء يكره سوء الأدب في غيره؛ لأنه يريد أن ينتفع بسوء أدبه، ولكن سوء أدب الفريسة يحول بين العَادِي والْمَعدو عليه. فالوَقِحُ يَشْتُم الوقاحة، والكاذب يشتم الكذب، وكل امرئ يحض الناس على الفضيلة التي ليست فيه؛ لأن الفضيلة إذا انتفت أسبابُها انتفتْ أسبابُ الرذيلة أيضًا.
ومن أجل ذلك جعلنا أيامًا في السنة سميناها أيام رذيلة الفضيلة، نحض الناس فيها على الخير، وهذا الحض على الخير بمنزلة إراقة زيت الفضيلة على نار الرذيلة لإشعالها به. فلو كان كل الناس من أهل الرذيلة ابتذلت حرفة السارق والقاتل، ودخل في الحرفة من ليس من أهلها، وصار النصب والنهب مثل تجاذب الذرات الكيماوية، وصارت يدُ المسروق منه في ثياب السارق، وبطلت صنعةُ المحامي والقاضي بإبطال السنن والشرائع.