ما هي السعادة
سألت «إبليس» ما السعادة؟ فقال: السعادة بمنزلة البرسيم الذي تليح به للنعجة العنيدة، فتجري وراءك وأنت كلما قاربتْك أبعدتَه عنها فلا تطعمها إياه.
والسعادة هي بمنزلة الأسفل من كعوب قصب السكر، فتمص أولًا زعزوعة الأيام طامعًا أن تؤدي بك الأيام إلى أحلى الكعوب، فإذا وصلتَ إليها وجدتَ السوس قد سلك فيها مسلكه، وأفسد حلاوتها.
والسعادة مثل الملح الذي نسي الطاهي أن يصلح به الطعام.
والسعادة هي الدرهم الذي وعدك أبوك به كي تقلل من جَلَبَتِكَ، ثم لم يفِ بوعده.
السعادة هي كل شيء قبل أن تصل يدك إليه.
والسعادة هي لفائف الطُّبَّاقِ التي يضع فيها المازح شيئًا من المفرقعات.
والسعادة هي الحلوى التي يضع لك المازحُ فيها قطعةً من الثوم أو الملح.
والسعادة هي اللقمةُ التي لن تمضغها.
والسعادة هي الماء الذي لا تجده عند الظمأ.
والسعادة هي الدرهم المزيف الذي ليس في صُرَّتِكَ غيره.
والسعادة هي الغرفة المحرمة في بيت الغُول.
والسعادة هي القطر الذي علم بمجيئك إلى المحطة، فهرب منك.
والسعادة هي الطعام الذي يسقط فيه الذباب قبل أن تذوقه.
قال «إبليس»: وهناك نوع آخر من السعادة خير من الذي ذكرته.
فالسعادة هي أن يخف ألم ضرسك، فبعد أن كنت تتمنى الموت من ألم الضرس، صرت تتمنى من أجل ذلك الألم للنوم فقط.
والسعادة أن يرمى من نافذة فوقك، وأنت بين المادة ماءٌ قذر، ورطل من حديد، فتلوث بالماء، وتنجو من الرطل الحديد.
والسعادة أن يسطو عليك لص فيسرق مالَك، وتنجو منه نفسك.
والسعادة أن تزلق قدمك فتقع فتهشم أنفك بدلًا أن تفقأ عينك.
والسعادة أن تجد بعد كل ألم لذة.
والسعادة أن تجد لذةً في ألم غيرك، فتلتذ أن الألم بغيرك لا بك.
والسعادة أن ينبحك كلب فيمزق ثيابك وإهابك، ولكن لا يصيبك بداء الكلب.
والسعادة أن تكون ذا نعل أمام اللانعليِّين، وذا كساء أمام اللاكسائيِّين (اللانعليون صيغة الفكاة، والصواب: الذين لا نعل لهم).
والسعادة أن تعوز البقلاوى فيسعدك خبز الذُّرَة. فالسعادة — كما ترى — ممزوجة بالشقاء، والشقاء ممزوج بالسعادة، ومن طلب سعادةً غير هذه كان كالْمُسْتَقِي من ماء السراب.