أحلام اليقظة
ذهبت مرة إلى مدينة من مدن القدماء لم يبق منها إلا أطلالٌ ونئي، فجعلت أنظر إلى تلك الأطلال، كأني أنظر إلى خيالات العصور الخالية.
غربت الشمس، ثم رأيت النجوم في السماء، كأنها أطلال الفردوس، فرأيت في السماء أطلالًا. وقد خُيل لي أن هذه الأرض قبر، والسماء غطاء ذلك القبر، والناس أموات، والنجوم أزهار وضعت على ذلك القبر، كما توضع الأزهار على قبور الأفراد. فاستلقيت على الأرض، وجعلت أنظر إلى النجوم نظرة هَوْجَاء، ثم رأيت في السماء جِنِّيَّيْن: جِنِّيٌّ تتطاير من عينيه النار، وجني ينبعث من عينيه النور. الأول له أذنان مثل أذنَي الحمار، والثاني له أذنان مثل أذني الإنسان. ثم رأيتهما قد وضعا أيديهما حَولِي، فوضع أحدهما يَدًا تحتي ووضع الآخر يَدًا فوقي، ورفعاني بين يديهما حتى وضعاني على سحابة تُشْرِفُ على الأرض.
ورأيت الأرض مثل كرة القدم في الحجم، ثم قال الجني الذي ينبعث من عينيه النور، وأشار إلى صاحبه: هذا «إبليس» لا يغرنك منه أن أذنيه مثل أذني الحمار، فإنه على ذلك كثير الدهاء، كثير الذكاء، ولكن لو لم يكن بينه وبين الحمار شبه ما فضل الشر على الخير. فضحك «إبليس» وقال: لا تضع الوقت في المزاح، ثم التفت إليَّ، وأشار إلى صاحبه وقال: هذا الذي أمامك هو صاحب الخير، وأنا صاحب الشر. وهذه الكرة التي أخرجناك منها هي كرةٌ نلعب بها، فإما غلبني وإما غلبتُه، قلت: ومَن الحكم بينكما؟ قال: الله يحكم بيننا.
ثم جعلا يلعبان بالكرة الأرضية، هذا يضربُها برجله من ناحية، وذاك يضربها بها من ناحية أُخرى، ثم نظرت إلى الجني صاحب الخير، فرأيتُه يكبر في حجم جسمه، ورأيت «إبليس» يكبر، فسأل صاحب الخير عن ذلك فقال: أنا أكبر؛ لأنه لا نهاية للخير، و«إبليس» يكبر فإنه لا نهاية للشر، ثم نظرت حولي، فرأيت أنى نائمٌ على الأرض، وكان الجنيان قد خفيا عن بصري. فقلت لنفسي: أكبر ظني أني كنت أحلم.