سري للغاية!
كانت «ريما» تقرأ ملفًّا على الشياطين اﻟ «١٣» فقالت: الملف الذي بيدي مكتوب عليه «سري للغاية» وهو يحوي معلومات غاية في الخطورة وتمس أمن المنطقة كلها … وبصراحة … فقد قال القائد الأعلى للمنظمة بأنه لولا ما حدث … ولولا حاجتهم الشديدة لتدخُّلنا … لَمَا عرفنا شيئًا عن هذا الملف … لذلك … فالمطلوب منا أن نلزم الحرص الشديد في الحفاظ على سرية هذا الموضوع.
قال «عثمان»: جرعة التحذير هذه زائدة … من فضلك نريد معرفة التفاصيل.
نظرت له «ريما» في قلق … فهي تشعر أنها بداية لتعليقاته … فتدخَّل «أحمد» قائلًا: لا بأس يا «ريما» … فهو متوتِّر بعض الشيء … من فضلكِ أكملي.
عادت «ريما» لهدوئها واستطردت قائلة: تذكرون بالطبع عملية «شبكة الموت» … وتذكرون أنه تم تدمير مدينة علمية كاملة كانت تتم فيها عمليات انتخاب وراثي وتعديل جيني.
وهنا تدخَّل «أحمد» قائلًا: لقد كانت هذه العمليات غير أخلاقية وغير قانونية، لذلك قُمنا بتدمير المعامل والمدينة كلها.
أكَّدَت «ريما» على كلامه قائلة: نعم كانت عمليات غير أخلاقية تهدف إلى انتخاب صفات معيَّنة لجيل جديد من المحاربين حسب مواصفاتٍ حدَّدَها رجال «سوبتك»، أقصد عصابة «سوبر تك».
وهنا تدخَّل «عثمان» مُعلِّقًا بقوله: لقد كنتُ أتمنَّى أن نقبض على رجال «سوبتك» فقط … وأن نقطع خط الاتصال بين قادتهم وبين هؤلاء العلماء … على أن نحتفظ بالمعامل … وبهؤلاء العلماء … فأنا لا أرى أيَّ ذنب لهم فيما حدث.
أثار «إلهام» ما قاله «عثمان» … فقالت في حِدَّة: إن للعلماء ضميرًا … فأين كان ضمير هؤلاء العلماء وهم يطوِّعون أعظم إنجازات البشر … لخدمة أغراض شريرة لعصابة دينية.
وفهم «أحمد» ما تقصده فعلَّق قائلًا: تقصدين الخريطة الجينية؟
فأجابت في «حماس»: نعم.
وهنا خرج «خالد» عن صمته … فقد أثاره الحوار، وهو يريد الانتقال إلى محتوى الملف فرفع يده اليمنى وهو يقول: لا أحد يشك في نُبل أهدافنا، وفي أننا نُراعي كل معايير الأخلاق في قراراتنا.
وتوقَّف للحظات عن الكلام وهو ينظر إليهم بتمعُّن … ثم استطرد قائلًا: لقد استطاع هؤلاء العلماء الوصول إلى نتائج مُذهِلة ولكنها غير أخلاقية … وليس لها مبرِّر علمي … فبدلًا من أن يتحكَّموا في جينات الرقيِّ والتحضُّر والأخلاق، تعاملوا مع جينات التشوُّه الجسدية والتبعية المُطلقة والجمود العاطفي.
وحرَّك كلام «خالد» مشاعر «هدى» فأخذت منه طرف الحديث وأكملت قائلة: نعم … لقد كان هدفهم إنتاج فريق من الماكينات القاتلة … وكان يجب أن ينتهي مشروعهم.
شعَرَ «عثمان» بالضِّيق فانتفض واقفًا وصاح بصوت عالٍ قائلًا: لِصالح مَن كانوا يقومون بفعل ذلك؟ ألم يكن لصالح جماعة «سوبتك»؟! أي إنهم فعلوه مُجبَرين.
وفي القاعة صوت ضجَّة تهكُّم أثارته أكثر … فالتفتَ إلى «ريما» وهو يقول لها: أعرف أنها ضحكتكِ.
اختلطت أصوات ضحكات خافتة في القاعة … فحرَّك «عثمان» عينَيه يمينًا ويسارًا وهو يقول: أنا لم أقُل نكتة لكي تضحكوا … فأنا أعيش الآن لحظة تأمُّل منطقية صادقة.
شعرت «ريما» بكثير من التعاطف مع ما يقوله «عثمان» … فأعلنَت ذلك قائلة: أفهم ما يقصده «عثمان» … فهو يرى أن هؤلاء العلماء يحتاجون للمال لتمويل أبحاثهم لذلك فهم يضطرون للتعاون مع «سوبتك».
لم يصدِّق «عثمان» ما يسمعه ونظر بريبة ﻟ «ريما» وهو يقول: أتعنين ما تقولين؟!
ولم تتغيَّر ملامح «ريما» … بل ازدادت حماسًا وهي تقول: بالطبع … وأرى أيضًا نوعًا آخَر من الضغوط قد يكون السبب في قبولهم القيام بهذا ولكي يُنهي «أحمد» النقاش تدخَّل قائلًا: نعم … أن يكونوا فعلوه تحت التهديد … أليس كذلك؟
ولأول مرَّة يجتمع «عثمان» و«ريما» على إجابة واحدة قائلين: نعم!
وهنا قالت «إلهام» مُدافِعة عن أسلوب تنفيذهم للعملية: هذه أفضل نتيجة كان من الممكن الوصول إليها وأنت على أرضهم … ووسط رجالهم.
ورأى «أحمد» أنه حان الوقت لاستكمال التقرير … فطلب منهم إنهاء المناقشة والعودة مرَّة أخرى لقراءة الملف … غير أن الشاشة العملاقة أُضيئَت تلقائيًّا … وظهر في منتصفها شعار المنظمة … الذي أخذ ينمو وينمو حتى ملأ كلَّ مساحة الشاشة ثم اختفى … وحلَّ محله فيلم تسجيلي عن المنظمة وتاريخها منذ نشأتها وحتى انضمام الشياطين اﻟ «١٣» لها وتكليف رقم «صفر» بالإشراف على إعدادهم وتدريبهم … ثم قيادتهم … ومجموع المهام الناجحة التي قاموا بها … ونسبة التميُّز العالية التي أظهروها في أدائهم لهذه المهام.
وأخيرًا تحدَّث القائد العام قائلًا: لا أحد يشك في مهارة الشياطين اﻟ «١٣» ولا في حُسن إداراتهم للأمور في وجود القائد وفي عدم وجوده ولا في حرصهم على عدم المساس بأرواح الأبرياء والحفاظ على ممتلكاتهم.
شعَرَ الشياطين بالامتنان الشديد للقائد العام وللمنظمة كلها بكل إدارتها … وأخيرًا بدأ العرض الذي كانوا ينتظرونه … فقد خلَت الشاشة تمامًا قبل أن تظهر عليها كلمة «مستعمرة» بخط عريض يملأ عرض الشاشة.
وانتبهت حواسهم جميعًا … وترقَّبوا ما بعد هذا العنوان المثير في صمت وسكون … غير أن صوت رقم «صفر» … والذي انطلق في هذه اللحظة من ميكروفونات القاعة.
صرف أذهانهم عن تقرير المستعمرة … فصاحوا مرحِّبين به … في سعادة غامرة قائلًا: أهلًا بكم … أعرف مدى سعادتكم لبدء مهمة جديدة.
ولاحظ الشياطين أن الخطوط البيانية التي تُعبِّر عن انفعالات رقم «صفر» لم تظهر على الشاشة فاندفع عنهم «عثمان» يسأله قائلًا: أين أنت على الشاشة يا زعيم؟
وفهم رقم «صفر» مقصده فقال له: تقصد الخطوط البيانية؟
عثمان: نعم!
رقم «صفر»: انظروا إلى الشاشة وابدءوا معي عدًّا تنازليًّا من رقم خمسة.
وتحرَّك فضول «ريما» … فاندفعت تسأله قائلة: هل سنراك يا زعيم؟
وفي صوت ملأه الابتسام قال الزعيم: تقريبًا.
علَت الهمهمات في القاعة … تُعبِّر عن دهشةٍ وعدم تصديق وترقُّب … وشوق قديم لرؤية وجه هذا الزعيم الغامض.
فقطع الزعيم كلَّ ذلك قائلًا: هل أنتم في شوق لرؤيتي؟!
وفي صوت واحد … أجاب الثلاثة عشر شابًّا وفتاة قائلين: نعم!
وبنفس الصوت المبتسم قال الزعيم: إذَن ابدءوا معي عدًّا تنازليًّا من رقم خمسة.
وبدأ الجميع في العد … ومعهم رقم «صفر».
خمسة … أربعة … ثلاثة … اثنان … واحد … صفر.