تقارير ومفاجآت!
صيحة دهشة أطلقها الشياطين معًا لما رأوه.
فقد رأوا وجهًا كاملًا واضحًا برق على الشاشة في سرعة خاطفة … ثم غشته عشرات المربعات الملونة … فانتظروا في شوق وتوتُّر أن يروه مرَّة أخرى … فلم يحدث وبحلق رقم «صفر» قائلًا: لن تروا أكثر من هذا.
وتداخلت أصوات الشياطين … ما بين مُطالب بإزاحة هذه المربعات وما بين راجٍ أن يظهر الوجه مرة أخرى ولو لبرقة.
وقطع هزيجهم صوت رقم «صفر» يقول: هل تذكرون ملامحي؟
حاول كلٌّ من الشياطين تذكُّر أحد تفاصيل وجهه أو لون عينَيه … فلم يجتمع اثنان على رأي واحد … وعاد رقم «صفر» يسألهم ولكن بصيغة أخرى قائلًا: هل يمكنكم معًا رسم صورة لي؟
وهنا قال «أحمد»: لو كنت طلبتَ منا هذا الطلب أولًا … لتمكَّنا كلنا من رسم صورة تقريبية لك ولكن الآن وبعد المناقشة التي جرَت بيننا فقد أضاع الشك ما بقي في أذهاننا من ملامح.
وفي إصرار قال الزعيم: ألم يثبت لديكم ملمح واحد لي؟
ولأن الأنثى هي أجدَر الكائنات على فَهم العالم بعواطفها أجابت «إلهام» قائلة: لقد ثبتت كل ملامحك يا زعيم … ولكن في قلوبنا … إنها ملامح عاطفية لا مادية … فأنت وسيم جذَّاب.
واستيقظ الحاضرون كلهم … وفطنوا لما تقصده «إلهام» … وهي على حق … فإن كانوا في شك فيما يذكرونه من ملامح … فهم على يقين مما تركه ذلك الوجه في قلوبهم من تعاطف وانجذاب وأُلفة واحترام وتقدير وانبهار … إنه شخصية متكاملة.
وعند ذلك استطاعوا أن يروه جيدًا خلف المربعات الملونة التي تكسو وجهه وشعروا بالرضا يملأ قلوبهم … وصاحوا في طرب قائلين: أنت رائع يا زعيم!
وفي وقار قال لهم: أشكركم … وها هو العلم يدخل علاقتنا في مرحلة جديدة … تمكننا من مواجهة القضايا العلمية الخطيرة.
وكأنما حانت اللحظة التي كان ينتظرها «عثمان» فقد علَّق قائلًا: لقد كنا نناقش إحدى هذه القضايا اليوم.
تحرَّك الوجه المقسم إلى مربعات على الشاشة … وشعر «عثمان» به وكأنما ينظر إليه ولم ينتهِ إلا عندما قال له رقم «صفر»: أية قضية؟
فحملق جيدًا في الشاشة ثم قال: هل ما فعلناه في مختبرات «سوبتك» كان صوابًا أم لا؟
أطرق الوجه على الشاشة وكأنه ينظر لأسفل للحظات … ثم عاد واستوى ناظرًا للكاميرا أو كأنه كذلك … ثم قال: ما قاله «عثمان» … مدخل جيد لمهمتنا الحالية … والتي استدعت عقد هذا الاجتماع العاجل فمن نتائج هذه العملية … أن رجالنا وبعد أن قمتم بتدمير المختبر ورحلتم … قاموا بأَسْر مجموعة من الماكينات القاتلة … وأقصد بالطبع هؤلاء الشباب المعدَّلين وراثيًّا، وكانوا في طريقهم للهرب من أحد الأنفاق السرية … والتي تصل ما بين المدينة العلمية المدمِّرة ومطار سري مجاور لها.
ولم يتمالك الشياطين أنفسهم … إنه خبر قنبلة … ألدينا في «مصر» هؤلاء الرجال ذوات الصفات السوبر؟
وتقافزت «ريما» على جمر فضولها … وألقت سؤالها على الزعيم قائلة: هل هذا الملف الذي أمسكه بيدي يخص هؤلاء الرجال؟
تحرَّك الوجه على الشاشة … ورأوه بعقولهم ينظر إليهم وسمعوه يقول في ثقة: نعم يا «ريما» … هذا الملف يخص هؤلاء الرجال … ألم تقرئيه بعد؟
أخذت «ريما» المفاجأة، وشعرتْ وكأنها تمسك بالرجال لا بالملف … فلم تُجِب سؤال رقم «صفر» إلى أن نبَّهها «أحمد» قائلًا: لم تجيبي على سؤال رقم «صفر» يا «ريما»؟
وانتبهت «ريما» إلا أن الاقتضاب لم يفارق وجهها وهي تقول ﻟ «أحمد»: تعرفون أني لم أقرأ بعد يا «أحمد».
وأشفقَ رقم «صفر» عليها فقال لها: يجب أن نُعدَّ عقولنا ونكيِّف أفكارنا لتقبل ما يحدثه العلم من توارث في كل مجال يا «ريما» ورأوا على الشاشة رأسه تتحرَّك لأعلى ورأوه بعقولهم ينظر إليهم.
وسمعوه يقول لهم: سأترك لكم في مركز معلومات المقر أسطوانة مدمجة … عليها ملف كامل مصور لهؤلاء الرجال … ولكن أرجو عدم تداول أية معلومات عنه عَبْر الشبكة … وراعوا أن تفصلوا خط التليفون عن الكمبيوتر أثناء استعراض الملف … أتوقَّع منكم الحذر الشديد … لكم تحياتي … وسألقاكم قريبًا … مساء الخير!
اختفى رقم «صفر» من على الشاشة العملاقة … وعاد شعار المنظمة يملأ منتصفها … وكأنه أوحى ﻟ «عثمان» بفكرة مثيرة … وهي أن يتم عرض ملف الماكينات القاتلة عليها … وعندما عرض الفكرة على زملائه … رحَّبوا بها جدًّا وعلَّقت «ريما» قائلة: لقد كادوا أن يعرضوا لها هذا الملف … قبل أن نجتمع برقم «صفر».
في هذه الأثناء … كان «عثمان» يضع الأسطوانة في وحدة القراءة، ويعد البرنامج لعرض الملف، ولدهشتهم أن الملف بدأ بكلمة المُستعمرة التي قرءوها على الشاشة من قبل كما قالت «ريما».
وصاحبت الكلمة موسيقى ناعمة قبل أن يدخل معها عنصر ثالث … وهو صوت بشري علَّق قائلًا: المستعمرة!
وما أن نطقها حتى اختفت … وظهر بدلًا منها مساحة متسعة … مزروعة بالحشيش الأخضر وعلى أطرافها … تتناثر مجموعة من الأبنية السكنية مبنية على الطراز الأوروبي الساحلي … تتكوَّن من طابقين يعلوهما جمالون … وعلَّق الصوت قائلًا: في كل فيلَّا من هذه الفيلل … يعيش رجل من نتائج أبحاث الهندسة الوراثية، رجل يحمل صفات وراثية تم انتقاؤها بعناية لخدمة مصالح ممول هذه الأبحاث، إن هؤلاء الرجال أعمارهم الفسيولوجية لا تزيد على ستة وعشرين عامًا … مهما مرَّ عليهم من وقت وزمن … فخلايا جسدهم تتجدَّد على الدوام.
لقد تم استحضارهم من «سويسرا» في إحدى عمليات المنظمة … بعد أن أنهى فريق الشياطين عمليته هناك … غير أن برنامج معيشتهم وتغذيتهم … لم نتمكن من الوصول إليه … مما استدعى تدخُّل علماء ومراكز بحوث المنظمة … وبلا مجهود شاق شارك فيه معنا أهم خبراء المنظمة في تجنيد العملاء … وتنفيذ برامج الإخضاع والقيادة تمكننا من إخراجهم من عزلتهم … ودمجهم في أنشطة خاصة بالمنظمة.
وقد أعانونا كثيرًا … ولكن في أنشطة داخلية … وفي بعض الأنشطة الخارجية كنَّا نستعين بأحدهم لمعاونة أحد الضباط … وكنا نعتبره نوعًا من التدريب … تحسُّبًا ليوم يمكننا فيه الاعتماد عليهم في إتمام عملية خارجية كاملة … غير أنهم خرجوا ولم يعودوا … ولمزيد من المعلومات يمكنكم الاتصال بمركز معلومات المقر.
ما إن انتهى التقرير … حتى قفز «عثمان» مغادرًا مقعده … فلحقَته «ريما» قائلة: إلى أين يا «عثمان»؟
الْتفتَ «عثمان» لها نصف الْتفاتة وهو يقول: التقرير ناقص يا «ريما» … هذا ليس تقريرًا … أتصدِّقين أنه من إعداد مركز معلومات المقر كما قال رقم «صفر»؟
في هذه الأثناء كان «أحمد» قد لحقَ بهما وسمع سؤاله الأخير، فأجابه قائلًا: أنا مثلك مندهش لِمَا رأيته وسمعته … وهذه الأسطوانة لا تخص رقم «صفر».
ظن «عثمان» أن لدى «أحمد» علمًا بشيء ممَّا حدث … فسأله في لهفة قائلًا: إذَن أين الأسطوانة التي تركها لنا رقم «صفر»؟ وهذه الأسطوانة التي رأينا محتوياتها تخص مَن؟
نظرت «ريما» إلى «أحمد» في ترقُّب … تنتظر أن تسمع منه إجابة السؤالين … فقال دون أن يحوِّل عينيه عن «عثمان»: الأسطوانة التي رأينا محتواها … من إعداد «سوبتك»!