عملاء سوبتك داخل المنظمة!
ما قاله «أحمد» كان مفاجأة للجميع عندما أعادته «ريما» على أسماعهم وطلبوا كلهم تفسيرًا لهذا الكلام … فهل يقوله عن استنتاج أم أن لديه وقائع محدَّدة؟ وأول مَن تثيره هذه الأفكار بالطبع هو «عثمان» الذي قال له: كيف وصل عملاء «سوبتك» إلى داخل المقر ليغيروا الأسطوانة؟ كيف اخترقوا كل الاحتياطات الأمنية … ومتى حدث هذا؟!
وفي ثبات قال «أحمد»: لو فكرتَ قليلًا لعرفت مَن هم عملاء «سوبتك»!
ابتسم «مصباح» وهو يقول: هل هم بيننا مثلًا؟
وفي إجابة خاطفة قال «أحمد»: نعم!
بُهت الجميع وتبادلوا النظرات في تساؤل … وبادرت «إلهام» بسؤاله قائلة: هل سنبدأ الشك في بعضنا؟
سارع «أحمد» بتصحيح ما دار في أذهانهم بقوله: لا … لا … أنا لا أقصد بيننا هنا في القاعة … أنا أقصد في المنظمة.
صاح «رشيد» في استنكار قائلًا: أنت تشير لحدوث خيانة يا «أحمد»!
سارع «أحمد» بنفي ذلك قائلًا: أنا لم أقُل ذلك أيضًا … ولو تأنَّيتم قليلًا لاكتشفتم مَن هم.
وبهدوء وثقة قالت «إلهام»: موجودون بيننا وليسوا منا وعملاء ﻟ «سوبتك» إذَن فأنت تقصد الماكينات البشرية.
قال «أحمد» موافقًا: ألا ترين أنه استنتاج معقول؟
وقبل أن تجيب «إلهام» … كانوا كلهم يعلنون استحسانهم للفكرة.
غير أن هذه النتيجة كان لها نتائج أكثر خطورة منها … وهي كما قال «عثمان»: إن هؤلاء الرجال المعدَّلين وراثيًّا قد هربوا من المستعمرة … ولكنهم لم يغادروا مباني المنظمة، وإنهم بهذا يمارسون نَفْس الدور الذي يُمارسه قنَّاصة الإنترنت الذين يتسرَّبون إلى ملفات نظام تشغيل أجهزتنا … فيتجوَّلون كما يحلو لهم بين ملفاتنا ويطَّلِعون على أسرارنا … ويقومون بعمليات تخريب وقتما أرادوا ذلك، وصاحت هدى في دهشة وقلق قائلة: تقصد أنهم قد تسرَّبوا الآن إلى إدارات المقار الفرعية ويقومون بنفس الشيء ولكن على الأرض لا على الشبكة؟!
نظر لها «عثمان» وهو يهز رأسه موافقًا ويقول: والقضية الآن لم تعُد اطِّلاع على أسرار فقط … القضية الآن هي قدرتهم على القتل … والتخريب، إنهم بلا قلب.
وتدخَّل «أحمد» حاسمًا الموقف بحل الموقف بحل عملي سريع عندما قال: يجب أن يزور فريق منا المستعمرة فورًا.
نظر له الجميع في ترقُّب انتظارًا لمعرفة مَن سيختارهم لهذه المهمة … غير أنه فاجأهم بقوله: سأترك لكم تحديد أربعة أسماء غيري … وعليهم أن يلحقوا بي في الجراج … وعلى الباقين العمل على استكمال التقرير.
وقبل أن يتوجَّه إلى الجراج … أخرج الأسطوانة المدمجة من وحدة القراءة بعناية وعندما لحق به زملاؤه، وجدوه داخل سيارته «الجراند شيروكي» الذهبية … ذات الزجاج الفيميه الغامق، وقد أدار الأسطوانة في كمبيوتر السيارة … وأعاد مشاهدة التقرير على شاشته.
وعندما تنبَّه لهم كانت أبواب السيارة قد أُغلقت على كلٍّ من «إلهام» و«عثمان» و«قيس» و«باسم» وبالطبع «أحمد» الذي ابتسم كلٌّ منهم على حِدَة ثم ضغط على بدَّال السرعة فانطلقت السيارة مغادرة الجراج إلى الممر … ومنه إلى بوابة المقر … وعند ميدان «الرماية» اتصل «أحمد» برقم «صفر» … وأبلغه أنهم في الطريق إلى المستعمرة … فطلب منه رقم «صفر» العودة مرَّة أخرى … وتأجيل هذه المهمة لوقت آخَر … فسأله قائلًا: لماذا ليس الآن يا زعيم؟!
فقال رقم «صفر» في حِدَّة: لأنكم لم تستشيروني!
فقال له «أحمد» في دهشة: ولكنك طلبت منا التحرِّي وإعداد تقرير عاجل.
وبنفس الحدَّة قال لهم: ليس الآن … وسأبلغكم بموعد لدخول المستعمرة.
انتهت مكالمة رقم «صفر» نهاية درامية … فقد استدار «أحمد» حول صينية الميدان بعنف … وصرخت فرامل السيارة تحذر من حولها … فصاح «عثمان» فيه قائلًا: سبقتنا يا «أحمد».
لم يكُن «عثمان» يقصد ما يقوله فهو يعرف مهارة «أحمد» في القيادة … ولكنه كان يقصد تهدئته … وفجأة … وعلى جانب الطريق … توقف «أحمد» … وضغط زرًّا بتليفونه المحمول … ثم قال لزملائه: لا يوجد رقم لمَن حادثني!
نظرت له «إلهام» مندهشة وقالت: ماذا تقصد بمَن حادثك … ألم يكُن رقم «صفر»؟!
فقال لها وهو يفكِّر: إنه صوت رقم «صفر» … ولكنه ليس أسلوبه.
صاح «عثمان» معترضًا: ماذا تقصد … هل وقع في أسرهم … ويحدثك تحت تهديد السلاح؟!
اعتدل «أحمد» في جلسته … وضغط بيده على عجلة القيادة وهو يقول له: يا «عثمان» … إنهم يستخدمون أجهزة تقليد ذبذبات الصوت.
فقالت «إلهام» وكانت تجلس بجواره: استدِر وعُد إلى طريق المستعمرة … فما تقوله صحيح.
وهنا قال «قيس»: إن «إلهام» على حق … فلماذا سيعترض رقم «صفر» على دخول المستعمرة؟!
غير أن «باسم» انتبه لأمر آخَر أكثر خطورة … فقال لهم: ولكنك يا «أحمد» أنت من اتصل وليس هو … فكيف استقبل عملاء «سوبتك» مكالمتك على نفس الرقم؟!
التفت الثلاثة إلى «باسم» ونظروا له وهم واجمون … غير أن «أحمد» عاد وقال لهم: ما داموا يعرفون الرقم … فإن بإمكانهم التقاط المكالمات الخاصة به عبر القمر الصناعي وحرمان تليفون رقم «صفر» منها.
وقبل أن ينتهي من كلامه … كان قد انطلق بالسيارة مغادرًا منطقة ميدان «الرماية» متوجهًا إلى أول طريق الواحات حيث توجد المستعمرة.
لاحظت «إلهام» أنه يفر من شيء ما … فما هو؟!
إن الطريق خلفهم خالٍ من السيارات!
فالتفتت إليه تسأل في دهشة قائلة: هل هناك مَن يطاردنا؟!
ابتسم «أحمد» لدهائها وقال لها: نعم … إنه مُطارِد ماهر!
صاحت «إلهام» متسائلة: الطريق خلفنا خالٍ من السيارات فأين هو؟
فقال لها وهو منشغل بشيء ما على شاشة الكمبيوتر: إنه أمامنا!
وكأن ما قاله «أحمد» يحمل مليون وحدة استفزاز ﻟ «عثمان» … الذي أخذ يتقافز في مكانه وهو يصيح قائلًا ﻟ «أحمد»: قل شيئًا مفهومًا يا «أحمد» … مَن الذي يطارد مَن؟! السائر في المقدمة أم الذي يجري خلفه؟!
انشغل عنه «أحمد» لبعض الوقت … قبل أن يجيبه قائلًا: سأشرح لك يا «عثمان» … السيارة التي كانت تطاردنا … يراقبنا قائدها عن طريق القمر الصناعي … وهو بعيد عنا عدة كيلومترات … ويرانا أينما ذهبنا ويعمل دائمًا على أن يكون قريبًا منا.
وهنا تدخل «باسم» ليسأله قائلًا: كيف عرفتَ بذلك؟!