المصيدة!
لم يكن سؤال «عثمان» عن جهل بما يدور … لا … ولكن ليتأكد من أن وحدة الرصد في كمبيوتر السيارة … قد رصدت بثًّا موجيًّا رداريًّا غير معلوم المصدر … وقد أكد له «أحمد» ذلك فما كان من «عثمان» إلا أن سأله قائلًا: وكيف ستستفيد من هذا الوضع؟
اعتدل «أحمد» على مقعده وقال في دهاء: سأتوقف عن الحركة، ثم أقوم برصدهم عن طريق قمرنا الصناعي.
فربت «عثمان» على كتفه من الخلف وهو يقول: إنك فخر لنا يا نائب الزعيم.
ابتسم «أحمد» لتعليقه وعلَّق قائلًا: هل فهمت ما أقصده؟
في طرب قال «عثمان»: وهل تشك في ذلك؟
نظر لهما «قيس» في دهشة وقال يؤنبهما: هل أصبح الحوار ثنائيًّا؟
اندفع «أحمد» ينفي بشدة قائلًا: لا يا «قيس» … لماذا تقول ذلك؟ كل ما في الأمر أن «عثمان» اكتشف السر وراء قراري بالتوقف عن السير.
ولأول مرة يداعب «باسم» «عثمان» بقوله: إنه لم يأتِ بعمل خارق … فكلنا عرفنا سر هذا القرار.
ابتسمت «إلهام» حين رأت رد الفعل اللذيذ على وجه «عثمان» وقالت تؤكد كلام «قيس»: إنك تقل هذا لتجذبهم إلى هنا … أليس كذلك يا «أحمد»؟
سعادة بالغة ملأت قلب «أحمد» لِمَا يتمتَّع به زملاؤه من دهاء وسرعة بديهة … لذا فقد آثر أن يستشيرهم في الخطوة التالية … فقال لهم: يجب أن نتوقف في مكان ذكي.
أسرع «باسم» بالرد قائلًا: هناك محطة توقف خاصة في نهاية مدخل مدينة السادس من أكتوبر … خلف مدينة الإنتاج الإعلامي.
نظر له «أحمد» في المرآة وقال له: لماذا هذه المحطة بالذات؟
أجاب «باسم» بحماس: ألا تريد اصطيادهم بعيدًا عن سيارتهم حتى لا يفروا مرة أخرى.
وفي اهتمام قال «أحمد»: نعم … ولكن هذه المحطة ليست مجهزة.
تتدخل «إلهام» مصححة بقولها: لا يا «أحمد» … لقد تم تجهيزها بالكامل … إنها صورة مصغرة للمقر … ويمكن الآن إدارة عملية كاملة منها.
وفي المرآة الأمامية أيضًا نظر إلى «عثمان» وقام يسأله: هاه … ما رأيك؟
نظر «عثمان» إلى «قيس» وترك له الإجابة عنه … فقال «قيس»: الفكرة جيدة … ونحن نوافق عليها.
وهنا فقط استدار «أحمد» بالسيارة إلى اليمين ثم اتخذ يساره بنعومة بالغة … حتى وصل إلى مدينة الإنتاج الإعلامي … وقبل أن يبلغها … انحرف يمينًا واتخذ طريقه إلى هذا الموقع الذكي الذي اتفقوا عليه.
وما إن بلغوه حتى توقف «أحمد» بالسيارة أمامه … ثم أطفأ نورها … وفتح الباب وهَّم بالنزول وهو يقول ﻟ «عثمان»: سترافقني إلى داخل المحطة.
ثم نظر ﻟ «إلهام» مفكرًا قبل أن يقول لها: وأنتِ ستبقين في السيارة ومعكِ «باسم» و«قيس» … على ألا يشعر أحد بكم … أريدهم أن يظنوا أننا جميعًا بالداخل.
وما إن غادر السيارة حتى قال ﻟ «إلهام»: انتقلي أنتِ للجلوس خلف عجلة القيادة.
قال لها ذلك وهو يضع يده على جراب مسدسه يطمئن على وجوده في مكانه كذلك مجموعة أسلحته السرية … ونفس الشيء فعل «عثمان» … وفي لَمْح البصر أو لِنَقُل في لحظات قطَعَا المسافة بين السيارة والمبنى … في خفة ورشاقة … وعلى الحائط المجاور للباب … كان يوجد زر مضيء … ضغطه «أحمد» فظهر على شاشة رقمية فوق علامة استفهام … فوضع إصبعه الإبهام عليها فاحمرَّ لونها، وانفتح الباب … وما إن عبراه حتى عاد كما كان مغلقًا.
جولة سريعة قاما بها … عرفا منها تفاصيل المكان … ثم قام «أحمد» بالاتصال ﺑ «إلهام» من غرفة مراقبة سرية … وأخبرها أنه يرى الطريق واضحًا على الشاشة أمامه … وكذلك السيارة … وسيارة تشبه سيارتنا.
كانت «إلهام» ترى في مرآة السيارة الإلكترونية … ما يراه «أحمد» ولاحظت أن سيارة «جراند شيروكي» ذهبية ذات زجاج فيميه غامق تشبه سيارتهم تمامًا … تستعد للوقوف خلفهم.
وكان «عثمان» يتفقَّد بعض الأسلحة الصغيرة والتي عثر عليها في درج أحد الدواليب عندما ناداه «أحمد» قائلًا: أحد أفلام الخيال العلمي يعرض الآن على شاشة المراقبة … ألا تود رؤيته يا «عثمان»؟
فهم «عثمان» أن هناك شيئًا غير عادي يدور في الخارج … فلحق ﺑ «أحمد» وما إن وقعت عيناه على شاشة المراقبة حتى صاح في دهشة قائلًا: هل ما أراه حقيقي … أم إن العيب في عيني؟
ابتسم «أحمد» وهو يقول له: ما تراه حقيقي يا «عثمان» … إنها سيارة عملاء «سوبتك».
أشار «عثمان» على الشاشة وهو يقول: أي منهما الأمامية أم الخلفية؟
حرَّك «عثمان» زرًّا على لوحة أزرار التحكم في الكاميرا، ثم قال في استنكار: إنها تحمل نفس الأرقام … ونحن الآن في خطر إن لم نعدِّل هذا الوضع.
وفي هدوء قال له «أحمد»: أرجو أن تستعيد هدوءك … وتُراقب معنا ما يدور.
مرَّ الوقت بطيئًا وهم في انتظار أن يخرج أحد من السيارة … فلم يحدث وحاول «أحمد» أن يلهي «عثمان» حتى لا يثيره طول الانتظار فقال له: هل لديك تفسير لكيفية حصولهم على هذه السيارة؟
نظر له «عثمان» ثم حوَّل عينيه مرة أخرى إلى حيث شاشة المراقبة … ولم تمر دقائق إلا واندفع «عثمان» يقول: حقًّا يا «أحمد» مَن أبلغهم عن هذه السيارة وأرقامها … وما أدراهم أننا سنطاردهم بها؟
في هذه اللحظة انفتح باب السائق للسيارة الأمامية … فتسمر كلٌّ منهما في مكانه يراقب ما يجري … و«عثمان» يكاد يصرخ … فلماذا فعلت «إلهام» ذلك … لقد كانت تعليمات «أحمد» لها ألا تصدر عنهم أي حركة … فلماذا فتحت الباب؟
غير أن «أحمد» لم يتمالك نفسه فصاح في ضيق: إنها الآن في خطر هي ومن معها … فهؤلاء الرجال ليس لهم قلب ولكن عقولهم خارقة وسيعرفون كيف يتغلبون عليهم.
ومرَّة أخرى تسمروا في مكانهم … عندما انغلق الباب دون أن يغادر أحد السيارة … فماذا تقصد «إلهام» بذلك … فهذا الباب هو المجاور لمقعدها … فهل ملت الانتظار فأرادت أن تستثيرهم ليخرجوا من السيارة؟
هذا ما قاله «أحمد» … إلا أنه لم يعجب «عثمان» … لأنها لو كانت حقًّا تقصد هذا تكون قد خالفت تعليمات قائد العملية … وعرَّضتهم كلهم للخطر.
وانفتح الباب مرة أخرى ببطء … نفس الباب المجاور ﻟ «إلهام» … وخرجت فوهة مسدس … وهنا صرخ «عثمان» في «أحمد» يطلب منه الاتصال بها ومنعها من الاشتباك معهم.
غير أن «أحمد» رفض بشدة … لأن الاتصالات كلها الآن مرصودة.
ومرت لحظات قاسية على الجميع … جعلتهم كلهم في حالة استنفار … ممسكين بأسلحتهم في وضع الاستعداد للتصويب والضرب للإصابة والقتل وعندما خرج صاحب المسدس من السيارة الشيروكي الأمامية.
صاح «أحمد» و«عثمان» في دهشة قائلين: واو!