ثورة الماكينات البشرية!
لم يخرج من السيارة «إلهام» … بل شاب مفتول العضلات … عيناه ضيقتان … شعره منحسر عن مقدمة رأسه … يمسك بمسدس ذي ماسورة طويلة … تلفَّتَ يمينًا ويسارًا ثم أغلق باب السيارة … وتحرك لخطوات … استند بعدها على مقدمة السيارة … وأخذ يتفحص المبنى بعناية … المبنى الذي يضم حيرة «أحمد» و«عثمان» … فهما حتى الآن لا يعرفان مَن في السيارة الخلفية، وكيف خرج هذا الرجل من السيارة الأمامية … فهذه السيارة كان بها «إلهام» و«قيس» و«باسم» … فهل هاجمهم هذا الرجل … وهم الآن مقيدون في السيارة … إذَن فالأمر يدعو للتدخل … ومرة أخرى يُحكم «أحمد» عقله ويقول ﻟ «عثمان»: أنا لا أظن أن أحدًا هاجم سيارتنا … فذلك لو حدث ستكون النتيجة غير التي رأيناها، وأنت تعرف ذلك.
فانتفض «عثمان» واقفًا وهو يقول له: إذن فسِّر لي ما حدث.
ولمعت عينا «أحمد» … وتأكد «عثمان» أنه سيسمع فكرًا مبتكرًا … فأنصت جيدًا و«أحمد» يقول: سيارتنا كما هي بمَن فيها، والماكينات القاتلة لم يعرفوا حتى الآن أن بها أحدًا … اهتز «عثمان» في توتر منفعل وهو يعلق قائلًا: وكيف خرج هذا الرجل منها؟
ابتسم «أحمد» وهو يجيبه قائلًا: هذا الرجل لم يخرج من سيارتنا … بل خرج من سيارتهم.
نظر له «عثمان» يتأمله ثم قال له: تقصد أنهم تحركوا بسيارتهم دون أن نلاحظ؟
أجاب «أحمد» موافقًا: نعم ووضعوها أمام سيارتنا.
في هذه الأثناء … كان الرجل واقفًا أمام الباب يفحصه بعناية … واقترح «عثمان» أن يتصل بالمنظمة … فيحيطون المنطقة بقواتهم … ويقبضون عليهم … غير أن «أحمد» رفض قائلًا له: لو كنت أعلم أن هذا الاتصال سيتم … لقمت به … أما الآن فيجب أن نعتمد على أنفسنا.
في هذه اللحظة التقطت آذانهم صوت طلقة مكتومة … انفتح بعدها باب المبنى … ورأوا الرجل على شاشة المراقبة يشير لمَن في السيارة، بعدها … انفتحت أبواب السيارة وخرج منها رجلان آخَران فلحقوا به.
ولاحظ «أحمد» على شاشة المراقبة ظهور ملف فرعي … عندما تعامل معه عرف أن الدور السفلي كله قد تم عزله عن الدول العلوي فغلق جميع الأبواب … وحدث هذا كنتيجة لتدمير دائرة الغلق الإلكترونية … فقال ﻟ «عثمان»: الآن يجب أن يخرج أحد من سيارتنا ويستولي على سيارتهم.
فأجابه «عثمان» وهو يتفحص ملف الدور الأول على شاشة الكمبيوتر: لا أعتقد أنهم تركوها بلا حماية.
وفجأة توقف عن الكلام وعن الحركة … أخذ يتمتم بكلام غير مفهوم … ثم قال بصوت مرتفع: هل رأيت شبكة العضلات عند هذا الرجل يا «أحمد»؟
نظر «أحمد» إلى الشاشة … وشعر بالقلق … فالاشتباك مع رجل كهذا يحتاج لمهارة خاصة غير أنه لاحظ شيئًا آخَر … وصاح في دهشة قائلًا: إنهما متماثلان يا «عثمان».
فأجابه «عثمان» قائلًا: نعم في كل شيء … إنهم جميعًا نتاج عمليات استنساخ.
وفجأة توقف الكمبيوتر عن العمل وبالتالي توقفت شاشة المراقبة … فصاح «عثمان» وهو يهرول خارجًا من الغرفة: لقد قطعوا التيار الكهربائي.
فناداه «أحمد» قائلًا: إلى أين أنت ذاهب؟
ومن على درجات السلم جاوبه قائلًا: سأبحث عن حل.
فهم «أحمد» مما قاله أنه سيشتبك معهم … وفي هذا خطورة كبيرة عليه فحتى الآن هم لا يعرفون إمكانياتهم … لذلك جرى خلفه محاولًا اللحاق به … فلم يعثر له على أثر.
غير أن ضجيجًا عاليًا صادرًا من الدور الأول أثار قلقه … فقد سمع أصوات تحطم أبواب ونوافذ وأثاث … غير أنه لم يعثر على أي منفذ يمكنه النزول منه … فصاح محدثًا نفسه بقوله: وكيف نزل «عثمان» إذن؟
ولم ينقطع صوت الضجيج … وفجأة … دوي انفجار هائل … ورأى بعده قاطرة بشرية … تحمل بابًا وزنه نصف طن وتصعد به السلم … الذي لم يتبقَّ منه إلا بعض الدرجات المعلقة … فقد حطم الانفجار معظمه … فعاد «أحمد» من حيث أتى … فهو يحاول ما استطاع تأجيل الاشتباك معهم … غير أن الدور الثاني هو الآخَر لم يسلم من التحطيم … فقد خلع كل باب قابله … وكسر كل مائدة في طريقه … وجذب المصابيح المعلقة في الحوائط والأسقف فحطمها … ولمعت شرارة كهربية كثيرة في كل مكان … أضرمت النار في خشب الباركيه المغطاة به الأرضية … وأصبح الوضع خطيرًا للغاية.
ولم تمضِ دقائق … إلا وكانت النيران قد أمسكت في كل شيء … وحاول «أحمد» أن يبحث عن مخرج له من هذا الجحيم … فلم يفلح … إلى أن وصل إلى السلم الخلفي … وما كاد يضع قدمه عليه … حتى وجد نفسه يطير في الهواء … وعندما سقط … كان بين يدي أحد الماكينات البشرية … فنظر له مبتسمًا فاحتضنه الرجل بقوة … محاولًا اعتصاره لتحطيم عظامه فضربه في حنجرته بقوة … فاختنق وتركه يهوي على الأرض … وقبل أن ينتفض واقفًا … أطلق مشط قدمه كالصاروخ … ليصيب أعلى ساقه … فأجلسه القرفصاء وما إن رأى وجهه … حتى لحقه بمشط قدمه مرة أخرى … ليصطدم هذه المرة بجبهته فسقط بقوة على ظهره.
كان «أحمد» يلاحقه بالضربات … حتى لا يعطيه الفرصة كي يتمكن منه … لأنه إن تمكن منه فلن يتركه حيًّا.
وفجأة سمع صوت أقدام تهرول … وكانت ﻟ «عثمان» الذي ما إن رآه حتى قال له وهو يجري: ماذا تفعل هنا … المكان كله على وشك الانفجار!
اتخذ «أحمد» قراره بالفرار … على أن يترك هؤلاء الخونة يحترقون مع المبنى غير أنه عندما حاول الجري … وجد الرجل متشبثًا بقدمه … فحاول جذبها من بين يديه … فلم يتمكن فاستدار وضربه بقدمه الأخرى في رأسه ضربة أطاحت بوعيه … فارتمى على ظهره … وراح في غيبوبة عميقة وقبل أن يترك المكان كان السقف تحته يتداعى … فسقطت ساقه في فتحة صغيرة وانحشرت بين سيقان حديد التسليح.
وحاول جاهدًا أن يخرجها … فباءت كل محاولاته بالفشل.
ولم يستسلم … بل توقف لبعض الوقت ليستعيد قوته … فرأى عن بُعد رجلًا من جماعة «سوبتك» يأتي في اتجاههم … فأغمض عينيه … وأرخى عضلاته … وتمدد بلا حركة.
غير أن الرجل … وقبل أن يصل إليهم … لمح حقيبة مُلقاة بجوار باب الدخول فانحرف إلى حيث توجد.
وما كاد «أحمد» يفتح عينًا من عينيه ليرى ما يحدث … إذا به يلمح الرجل الملقى بجواره وهو يتحرك … فقد أفاق من إغمائه.
ولحسن حظه … عندما حاول جذب ساقه … كان هناك مَن يدفعها له من أسفل في نفس اللحظة، إنه «عثمان».
وبمجرد أن استقام واقفًا … حتى اهتز المكان كله هزة عنيفة.
وقبل أن ينهار المبنى … كان قد قفز في مهارة عالية من نافذته … ليسقط على أسفلت الشارع ويتدحرج باحتراف … لامتصاص آثار الصدمة … غير أن صدمة أخرى وجدها بانتظاره … فقد اختفت السيارتان «الجراند شيروكي».
تُرى ماذا حدث … وأين أنت يا «عثمان»؟
ولم يحتمل صرامة السؤال في صدره … فصرخ بأعلى صوته يقول: أين أنت «يا عثمان»؟
وفجأة وجد بجواره شابًّا يسقط من السماء ويقول له: تطلب إيه يا «أحمد»؟