الخدعة!
ما ضحك «أحمد» سعيدًا مثلما ضحك هذه المرة … وقال له: من أين سقطت؟
فأشار «عثمان» للسماء وقال له: أترى هذه السحابة؟
فهم «أحمد» ما سيقوله، فعلق قائلًا: ولكنها غير ممطرة!
فجذبه «عثمان» وأجلسه بجانبه وهو يقول: لقد رماني من فوقها أحد رجال «سوبتك».
فجاراه «أحمد» قائلًا: وهل هو فوقها الآن؟
فتحدث «عثمان» وكأنه يقول الحقيقة قائلًا: نعم!
فرفع «أحمد» يديه إلى السماء.
فقال له «عثمان» في جدية واضحة: ماذا تفعل؟
فضحك «أحمد» وقال: أدعو الله أن تمطر ليقع من فوق، من فوقها.
لم يأخذ «عثمان» فرصته ليضحك … فقد مرق بجوار أذنه صفير رصاصة … جعلته يهرش في أذنه وينتفض واقفًا … ويقول ﻟ «أحمد» وهو يستعد لمغادرة المكان: هيا بنا! المكان هنا مفتوح وسيصطادوننا بسهولة.
رصاصة أخرى مرقت بجوار أذن «عثمان» نفس الأذن … فقال «أحمد»: هل هذه رصاصة أيضًا … أم أن أذني هي التي تصفر؟
جذبه «أحمد» وجرَيَا معًا وهو يقول له: معك حق سيصطادوننا بسهولة.
ثم فجأة تيقَّظ لِمَا يجري فقال له يسأله في دهشة: مَن هم الذين سيصطادوننا بسهولة؟
وكأنه لم يفكر في هذا الأمر من قبل … فقد شرد للحظات قبل أن يقول له: تقصد أن رجال «سوبتك» المفروض أن …
وأكمل «أحمد» الجملة قائلًا: المفروض أن يكونوا قد قتلوا في حريق وتهدم مبنى المحطة!
أشاح «عثمان» بيده وهو يقول له غير مُصدق: لا أعتقد أنهم يا «أحمد» … فرجال بمثل هذه القدرات … لا يتمكن منهم الموت بسهولة … فقال «أحمد» في جدية شديدة: وماذا علينا عمله الآن؟!
وبنفس الجدية قال «عثمان»: إن استطعنا أن نقبض عليهم … فسيكون أداؤنا جيدًا جدًّا … أما إن قتلناهم فسيكون أداؤنا ضعيفًا.
فأكمل «أحمد» الاحتمالات قائلًا: إلا إن فروا منا!
صاح «عثمان» في تهكم: علينا أن نقدم استقالتنا!
وبدلًا من أن يقبضوا عليهم … شعروا بأيد ثقيلة تمسك بأعناقهم من الخلف وترفعهم لأعلى.
فما كان منهم إلا أن فتحوا سيقانهم … واندفعوا للخلف … فأمسكوا بها الرجلين ثم عادوا للأمام … فسقط الرجلان على الأرض … وفي نفس اللحظة كانت السيارة «الجراند شيروكي» قد وصلت … وتوقفت بجوارهم … ونزل «قيس» شاهرًا مسدسه … ومن الناحية الأخرى «باسم».
وتحت تهديد السلاح سار الرجلان … أما ثالثهم … وعندما سأل «عثمان» عنه … قال له «قيس» إنه فرَّ من الآخر في السيارة «الشيروكي».
ويبدو أن «قيس» قد فهم الأمر خطأ … فهؤلاء الرجال لا يفرون، بل يهاجمون ويراوغون ويتراجعون … ثم يهاجمون مرة أخرى.
وها هم قد أتوا مرة أخرى، ولاحظتهم «إلهام» والتي كانت تجلس خلف عجلة القيادة في «الجراند شيروكي» فانطلقت وفي رأسها يدور أمر ما، وابتعدت قدر المستطاع وسط دهشة زملائها … وعندما توقفت «الشيروكي» الأخرى … ظنوها قد عادت فتهللوا … وأمروا رجلَي «سوبتك» بالتوجه إليها وركوبها … فنفذوا الأمر دون مقاومة أو تراخٍ … والشياطين لا يعرفون السبب … ولم يعرفوا إلا بعد أن انطلقت السيارة بمجرد أن ركبها الرجلان ثم دارت حولهما دورة كاملة … ما إن تمت حتى بدأت دورة جديدة … ولكن في قُطر أصغر والشياطين يزدادون قُربًا والتصاقًا ببعضهم حتى لا تصدمهم ثم انفتح الزجاج الأمامي كهربيًّا وخرجت منه ماسورة بندقية قناص مُصوَّبة في اتجاههم … وانطلقت رصاصة اهتز لها الشياطين … غير أن صفيرها أعقبه صوت رنة انسحبت بعده ماسورة البندقية إلى الداخل … وعندما عاودت الخروج أدخلتها رصاصة أخرى تأتي من اتجاهٍ ما، فمن أين تأتي هذه الرصاصة … لقد عادت «إلهام» ولكنها تقف في مكانٍ ما استراتيجي … مكان يمكنها فيه التقاطهم … ولا يمكنهم هم التقاطها.
وانسحبت السيارة إلى الخلف … وتوقفت بعيدًا … عرف «أحمد» أنهم سيستضيفونه بالقمر الصناعي لمعرفة موقعها … فاتصلوا بها وأبلغوها بذلك … فانطلقت إليهم وسط طلقات الرصاص … التي تنهمر عليها بغزارة … فتوقفت تبادلهم نيرانًا بنيران حتى انتهى زملاؤها من ركوب السيارة.
وهنا صاح «عثمان» قائلًا: الآن سنطاردهم حتى آخِر العمر.
انفتحت كل نوافذ السيارة … وخرجت منها أربعة أيدٍ ممسكة بأربعة مسدسات طويلة الماسورة … ولم يعرف رجال «سوبتك» سبب هذا … إلا عندما خرج صاروخ صغير فأصاب مقدمة السيارة … فدمرها … وقبل أن ينفجر تانك البنزين … كانوا قد غادروا جريًا … واختفوا.
فأين هم؟! وإلى أين ذهبوا؟
لا أحد يعرف.
وكثرت الاقتراحات … فقد قال «عثمان» وبصرامة: يجب أن نعود إلى المقر ونعيد حساباتنا … فنحن مرهقون وسيؤثر هذا جدًّا على أدائنا.
واتفق معه في الرأي «قيس» و«باسم» … أما «أحمد» فقد قال: ألا ترون أن استكمال المطاردة الآن هو فكرة جديرة بالمناقشة؟
فسأله «عثمان» في غير صبر: لماذا يا زعيم؟
فقال «أحمد» في محاولة لاستيعاب غضبه: لأنهم الآن مرهقون … وسيكون أداؤهم غير متزن.
فقال «باسم» في تهكم: هؤلاء الرجال لا يعرفون التعب … أنسيتَ كيف اكتسبوا صفاتهم؟
فقال «أحمد» معترضًا: ولكنهم بشر!
فقال «عثمان» يقلده: ونحن أيضًا بشر!
وتدخلت «إلهام» لإيجاد حل وسط قائلة: مَن يريد العودة … يمكنه استقلال تاكسي، ومَن يرد الاستمرار … فليبقَ معنا … فنظر لها «قيس» مليًّا وقال: هل ستكملين المطاردة مع «أحمد»؟
قالت «إلهام» في حماس جارف: بالطبع … فنحن مدربون على العمل الشاق.
فتدخل «عثمان» معترضًا: ألم أقُل إني تعبت؟! ولكننا نحتاج أن نعيد حساباتنا … ونعد خطة جادة لملاحقتهم … فأمامهم ألف طريق للفرار.
وافقه «باسم» وأكمل ما يقوله بقوله: نعم … لديهم طريق «الفيوم» وطريق «الواحات» أو العودة إلى طريق «الإسكندرية»! فقال «أحمد» معترضًا: أنا لم أفكر بهذه الطريقة … ولو كنت قد فكرت بها لعدتُ معكم إلى المقر … أنا لا أفكر بطريقة مختلفة … فإذا أردنا الحصول عليهم … فلن نجدهم إلا في المستعمرة.
