(منزل چاني في البرية، چاني واقفة في إحدى الغرف أمام بالكون أو
نافذة مشرفة على القضاء في صدر المرسح، ويحسن جعل القضاء ورواء النافذة أو البالكون
ظاهرًا، فيرى الحاضرون أن وراء النافذة عمقًا عظيمًا.)
المشهد الثالث
ريشار – چاني
ريشار
:
ما بك يا چاني.
چاني
(باكية)
:
يسألني ما بي … بي أنني أبكي وأذوب شوقًا إليك، بي أنني لم أرَك منذ سنة
كاملة … أفهمت ما بي؟
ريشار
(متفلتًا منها بلطف)
:
كفكفي دموعك يا چاني وهدئي روعك.
چاني
:
نعم أصون دموعي
وأنتهي عن ولوعي
فقد رجعت إلى من
تهواك خير رجوع
بعد ابتعادك عامًا
أحرقت فيها ضلوعي
وليس لي من معين
وليس لي من شفيع
ريشار
:
نعم قد عدت إليك يا چاني، واغتنمت فرصة غياب مبراي لأخاطبك على
انفراد.
چاني
(تتعجب)
:
على انفراد؟! وهل لديك سر تروم إطلاعي عليه؟
ريشار
:
لدي مسألة أطلب منك الموافقة عليها.
چاني
:
موافقتي أنا؟ فيا لسعادتي، مرني ما تشاء، أأنت في حاجة إلى المال لأبيع
إحدى مزارع أبي؟ فإن مقامك في لندن يستلزم ولا بد نفقات طائلة.
ريشار
:
كلا يا چاني، لست في حاجة إلى المال.
چاني
:
فما غرضك إذًا؟ اجلس أولًا يا حبيبي.
(تقدم له كرسيًّا.)
ريشار
:
لا أستطيع الجلوس لأني مسافر بعد ساعة.
چاني
:
تسافر من غير أن تأخذني.
ريشار
:
لا أستطيع أخذك الآن.
چاني
(بحزن وانكسار)
:
اجلس إذًا فأكون شاهدتك ساعة على الأقل.
ريشار
:
هل تضجرين في هذا المكان؟
چاني
:
لا أضجر من الانفراد، ولكن أضجر لأني بعيدة عنك لا سيما وأنك لا تجاوبني
على رسائلي.
ريشار
:
أظنك تعرفين السبب.
چاني
:
لا تعتذر لا تعتذر
إني بشغلك دارية
لكننا جنس النسـ
ـاء نرى الحياة الغالية
موجودة للحب لا
للحادثات القاسية
ولذاك كنت نسيت سـ
ـعيك في الأمور الجارية
حتى فطنت لما عليك
به بلادك قاضية
فشكرت صنعك كلما
أتلو الجرائد نائية
وطربت لاسمك حين تـ
ـذكره بحمدك داعية
فلقد هززت الأرض بالخـ
ـطب الغوالي العالية
يا ليتني قد كنت سا
معة كلامك رائية
ريشار
:
ولكنك تعلمين أن حالتنا المالية لا تساعدنا على ذلك.
چاني
:
نعم وهذا هو الأمر الذي صبرني، ولكن اصدقني أيها الحبيب أما من مانع
يمنعك من إقامتي معك في لندن غير رغبتك في الاقتصاد؟
ريشار
:
هذا أهم الموانع.
چاني
:
فاسمع إذًا يا ريشار، إنني أريحك وأستريح معًا، فإنني أتنازل عن كل حقوق
الزوجية، وأرضى أن أعيش سرًّا في المنزل الذي تعيش فيه من غير أن يدري أحد
أنني امرأتك، وبذلك تقتصد ما تريد أن تقتصد، أيرضيك هذا الشرط يا
ريشار؟
ريشار
:
لا ريب أنك مجنونة.
چاني
:
فلندع إذًا هذا الحديث، وقل لي ما هو الأمر الذي قلت إنك جئت من
أجله؟
ريشار
:
إن هذا الأمر يعيدنا إلى الحديث الذي كنا فيه.
چاني
:
وما هو؟
ريشار
:
هو أن مركزي السياسي في لندن وبعض الأحوال الوزارية الخصوصية صارت تقضي
علي بزيادة البعد بيننا.
چاني
(بشيء من القوة)
:
أما وكفاك اغترابي عنك من زمن
قاسيت فيه ضروب الهم والأسف
فأي بعد له ترضي أما انقطعت
بيني وبينك سبل الود والشغف
ولست أسمع عما أنت فيه سوى
ما بت أقرأه في سائر الصحف
ريشار
:
هل ذاك عتب وتأنيب أردت به
غيظي لتنتقمي مني وتنتصفي
چاني
:
كلا ولكنها شكوى أبوح بها
وأستعين بدمعي المفذق الوكف
ريشار
:
ما لي على هذه أو تلك مصطبر
(يغضب.)
چاني
:
فكيف أصنع يا ويلي ويا لهفي؟
وأي أمر إذا قد جئت تطلبه
فبح بسرك يا ريشار واعترف
اترك إنجلترا وهي التي حفظت
عظام آبائي الماضين والسلف
ماذا تريد وماذا ترضى وإلى
متى ابتعادي عن زوج به شرفي
ريشار
(ببرودة)
:
أخطأت يا چاني فأنا لا أريد إكراهك على الخروج في إنكلترا بلاد آبائك
وأجدادك، وليس لي حق في أن أطيل هجرك ونفيك، لقد أخطأ الزمان إذ ربطني
وإياك برباط واحد مع ما بيني وبينك من التباين في الأخلاق، ولكن لا يجب أن
تقع تبعة هذا الخطأ على رأسك بل يجب أن أعيد لك هناءك وحريتك.
چاني
:
لم أفهم حرفًا مما تقول.
ريشار
:
ومع ذلك يا چاني فإن الذي جئت أقترحه عليك الآن أمر موجود بيننا وإنما
أنت تحملين مضاره دون التمتع بمنافعه.
چاني
(بقلق وهياج)
:
تكلم تكلم كمل، كمل؛ لأنني لا أفهم شيئًا. آه بل اسكت، اسكت، لأنني بدأت
أفهم.
ريشار
:
فلو كان بيننا انفصال.
چاني
:
كلمة أخرى أيضًا.
ريشار
:
شرعي.
چاني
(صارخة بأقصى درجات الهياج)
:
الطلاق؟
ريشار
(ببرودة)
:
نعم الطلاق يا چاني.
چاني
:
آه يا إلهي، آه يا أبي وأمي.
ريشار
(مستأنفًا)
:
فلو كان بيننا طلاق؟
چاني
(بهياج شديد)
:
آه ما أقساك، اسكت وإلا قتلتني.
ريشار
:
سكني روعك يا چاني وارضخي لحكم القضاء.
چاني
(مستعطفة)
:
ريشار، ريشار ارحمني وأشفق علي.
ريشار
:
لماذا تخافين من الطلاق؟ مع أننا نعيش الآن في حالة كحالته فهل ذلك لأنك
تخافين كلام الناس؟
چاني
:
أنا لم أنظر إلى السلاح ولكني شعرت بطعنته.
ريشار
:
ولكنها طعنة يشفيها الزمان يا چاني، فإنك لا تزالين صبية، فأوا أحببت
حبًّا آخر …
چاني
(قاطعة كلامه)
:
حبًّا آخر؟ آه يا للعار، تقول حبًّا آخر؟ اقتلني ولا تهني، أنا أحمل عذاب
القتل ولكني لا أحمل الإهانة.
ريشار
:
لا قتل ولا إهانة يا چاني، وما هذه سوى كلمات فارغة، وإشارات باطلة، لا
ترجعيني عن غرضي.
چاني
:
إنه غرض فظيع.
غرض فظيع إن وصلت إليه لم
تسلم من التقريع والتأنيب
أتريد تطليقي كأني لم أكن
أدعوك قرة ناظري وحبيبي
أتريد حرماني من السند الذي
أرجوه عند الحادث المرهوب
ونسيت ما قد كنت تبدي من رضا
وعناية بي راجيًا تقريبي
هلا ذكرت مواثقًا أكدتها
لأبي وأمي يوم كنت خطيبي
هلا رئيت لزوجة مسكينة
محرومة من ناصر وقريب
وكفيتني نكد الحياة لأنني
لا أستحق مرارة التعذيب
ريشار
:
ومن قال إني أعذبك يا چاني؟ فإنني لا أدع أحدًا يعرف بأمر طلاقك، وإن كنت
تخافين من تشهير المحكمة وتفاصيل المحاكمة فاعلمي أنني لا أرفع قضيتنا إلى
المحكمة أبدًا؛ لأن ذلك يضر بمصلحتي.
چاني
(متعجبة)
:
فكيف إذًا تريد الطلاق فإنني لم أعد أفهم شيئًا.
ريشار
:
إننا نتفق يا چاني معًا على الطلاق، ومتى رضيت به لم نعد في حاجة إلى
محكمة طبقًا للقانون.
چاني
(بأشد هياج)
:
ماذا؟ أتحسبني ضعيفة، لئيمة إلى هذا الحد؟ هل خطر في بالك أنني أوقع من
تلقاء نفسي على صك أقول فيه أنني ساقطة، غير أهل لأكون زوجة للسير ريشار؟
إذا أنت لم تعد تعرف أخلاقي، فإن الدموع والمصائب قد غيرتها وجعلت في نفسي
إرادة قوية قادرة على الصبر والثبات، وهذا من سوء معاملتك ونتيجة عملك.
فلننظر الآن من منا الأقوى، أنا الضعيفة أم أنت القوي (بعظمة وحدة) أيها السير ريشار أنا أرفض ما
طلبت.
ريشار
:
اذكري أيتها السيدة أنني لم أتخذ معك إلى الآن غير اللين
والمسالمة.
چاني
:
جرب غير اللين إذا أردت.
ريشار
(متقدمًا منها بغضب وهدو)
:
چاني.
چاني
(متقدمة منه كما صنع)
:
ريشار.
ريشار
:
ويلك أيتها التعيسة، أتعلمين ماذا أصنع بك إذا أصررت على الرفض.
چاني
:
ربما حذرت ذلك.
ريشار
:
أولا ترتجفين إذا؟
چاني
:
أرتجف؟ ولماذا؟ انظر إلي (تحاول إظهار
التبسم).
ريشار
(يأخذ ذراعها ويشدها)
:
أيتها المرأة عودي إلى رشدك.
چاني
(جاثية من عزم الضغط على يدها)
:
آه، يا ربي.
ريشار
(ينهضها)
:
لماذا؟ أتجثين؟
چاني
(ناهضة ورافعة يدها إلى السماء)
:
رفقًا به يا إلهي فإنه لا يعلم ماذا يصنع.
ريشار
(بحدة وغضب ظاهر)
:
بل ادعي الله أيتها المرأة أن يرفق بك أنت لأنك أحق بالشفقة مني، أنا
ذاهب، وهذا آخر عهدي بك.
(يهم بالذهاب فتهجم عليه چاني كاللبؤة وتمسكه بذراعها من
عنقه معانقة إياه بشدة.)
چاني
:
بعيشك يا ريشار لا تذهب.
ريشار
(يريد التخلص منها)
:
دعيني، دعيني.
چاني
(لا تتركه)
:
ريشار، ريشار آه لو تعلم كم أحبك!
ريشار
:
برهني على حبك لي بخضوعك.
چاني
:
آه يا أمي لقد صدقت في قولك عن أخلاقه.
ريشار
:
والآن أسألك للمرة الأخيرة، أتتركيني أم لا؟
چاني
:
حبيبي، روحي، اسمع لي.
ريشار
:
اسمعي لي أنت أيضًا، ارضي بما طلبت وإياك أن تكتبي لي بعد اليوم كتابًا
أو حرفًا واحدًا، أو يعرف أحد بوجودك، أودعك الآن.
چاني
(هاجمة عليه مثل الأول)
:
لا لا تسافر.
ريشار
(كمن فرغ صبره)
:
أف من هذا الدلال.
چاني
:
إنك لا تسافر ولو تقتلني.
ريشار
(يدفعها عنه دفعًا شديدًا فتقع على الأرض ويصدم رأسها
بالطاولة فيسيل الدم من رأسها)
:
اتركيني قلت لك.
چاني
:
آه، آه، لو لم أكن أحبك لما احتملت مثل هذا (تقول هذا وهي تستعد للقيام ولكنها لا تقدر فتقع مغمى
عليها).
ريشار
:
أغمي عليها، جُرحت، يا لله. چاني، چاني (يحملها
إلى كرسي) وهذا الدم الذي لا ينقطع (ينشفه بمنديله) أف، لقد أطالت إقامتي هنا، چاني، چاني ألا
تجاوبين؟ إذًا أسافر أودعك الآن.
(يهم بالخروج فيدخل تومسون.)
المشهد الخامس
مبراي – چاني – ريشار – تومسون
(يدخل مبراي وهو ينظر إلى چاني ساكنًا.)
ريشار
:
ما جاء بك يا مبراي؟
مبراي
:
جئت لأسلي چاني في انفرادها لما علمت بسفرك من لندن.
ريشار
:
أصبت، وأنا أشكرك على ذلك.
مبراي
:
هل تأمر بأن أعود غدًا إلى لندن لآخذ جوابك عن الأمر الذي تحدثنا
فيه.
ريشار
:
أظن أن حضوري الآن هنا هو خير جواب.
مبراي
:
فهل أرضيت چاني وسكنت روعها.
(چاني تنظر إلى ريشار، وريشار ينظر إليها فتنطرح بين
ذراعيه.)
ريشار
:
نعم هي راضية.
مبراي
:
لا، لأنني أعلم أنها لا تكون راضية إلا متى أخذتها معك إلى لندن.
ريشار
:
ومن قال لك إنها ستبقى بعيدة عني؟
چاني
(ماسكة ذراع ريشار)
:
أصحيح هذا القول؟
ريشار
(بفتور)
:
نعم، إذا كنت تريدين ذلك، أما الآن، فأستودعكم الله لأني مسافر.
چاني
:
دون أن تأخذني معك.
ريشار
:
لا أقدر أن أنتظرك الآن فقد وعدت أحد الوزراء بمقابلته اليوم.
مبراي
:
سِرْ إذًا بأمان.
چاني
:
إلى الملتقى يا ريشار.
ريشار
(خارجًا)
:
إلى الملتقى (لنفسه) ويل للوزراء على
العناء الذي قاسيته في هذا المكان (يخرج هو
وتومسون).
چاني
:
آه، ما أحلى الأمل في الراحة والهناء في هذه الحياة.
مبراي
(بهيئة حزن)
:
چاني امسحي الدم أولًا عن جبينك وبعد ذلك أضم أملي إلى أملك.