(لمجلس الوزراء غرفة ولقاعة الملك غرفة، فالمرسح إذًا غرفتان
مفصولتان وبينهما باب يفتح ويقفل — فيكون الوزراء سبعة أو ثمانية جالسين في مجلس
الوزراء كل في مكانه ما عدا كرسي رئيس الوزارة فإنه يبقى فارغًا، ويكون الملك جالسًا
في
غرفته أمام طاولة عليها أوراق وبجانبه رئيس الوزارة يحادثه في أذنه حديثًا
سريًّا.)
المشهد الأول
الوزراء
وزير الداخلية
:
اجتمع مجلس الوزراء أيها السادة.
وزير الحرب
:
ولكن أين الرئيس؟
وزير الداخلية
(مشيرًا لغرفة الملك)
:
إن رئيسنا دخل لمقابلة الملك.
وزير الحرب
:
ولكن ما الداعي لعقد جلسة غير اعتيادية في هذا النهار؟
وزير الداخلية
:
لا أعلم ولكن أرى من الواجب الاجتماع في ما بيننا للمحادثة قبل الجلسة
التي يعقدها مجلس العموم غدًا لتقرير ما يجب علينا صنعه إذا رفض مجلس
العموم اقتراح الوزارة.
حارس
(معلنًا)
:
الوزير الأول.
وزير الحرب
:
ها قد جاء رئيسنا وسنقف منه على حقيقة الخبر.
الوزير الأول
(للحارس)
:
اخرج من القاعة ودعنا وحدنا.
وزير الحرب
:
هل كنت عند الملك؟
الوزير الأول
:
نعم أيها السادة.
وزير الحرب
:
فماذا يرى جلالته؟
الوزير الأول
:
إن جلالته مستاء أشد استياء من المعارضة الشديدة التي ظهرت في مجلس
العموم، وقد وكل إلينا اتخاذ كل الوسائل الفعالة لمقاومتها.
وزير الحرب
:
ولكني الحق أقول لكم إن لم يبقَ لدينا إلا وسيلة واحدة.
وزير الداخلية
:
وما هي؟
وزير الحرب
:
هي استمالة السير ريشار إلينا مهما كلفنا هذا الأمر.
الوزير الأول
:
وهذا هو السبب الذي جمعتكم أيها السادة من أجله فإننا قد بدأنا بمخابرة
السير ريشار.
وزير الحرب
:
وماذا قال؟ هل رضخ؟
الوزير الأول
:
لقد اقترحنا عليه بعض الأمور فأسمعنا كلامًا جعلنا نؤمل كثيرًا وقد سألته
أن يقابلني في هذا المساء مقابلة سرية.
وزير الحرب
:
ولكن ما العمل إذا أصر ريشار على الرفض وبقي يعارضنا؟
الوزير الأول
:
حينئذ نتخذ الوسيلة الأخيرة التي لدينا.
وزير الداخلية
:
وما هي؟
الوزير الأول
:
هي مقابلة ذات خطر وخلوة لا يخرج منها إلا راضخًا.
حارس
:
إن أحد أعضاء مجلس العموم يطلب الدخول على فخامتكم.
الوزير الأول
:
وما اسمه؟
حارس
:
السير ريشار.
الوزراء
(بتعجب)
:
السير ريشار!
الوزير الأول
:
أتاني في وسط المجلس، ما هكذا كان الاتفاق (للحارس) أدخله فلا يسعنا إلا مقابلته.
المشهد الثاني
ريشار – الوزراء
ريشار
:
سلام يا أصحاب الدولة.
وزير المالية
:
أهلًا وسهلًا بالسير ريشار.
ريشار
:
ترحب بي من قلبك أم من فمك؟
وزير المالية
:
كيف لا أقول ذلك من قلبي؟ فإنك جئت في حينك.
ريشار
:
إذًا كنتم تنتظرون زيارتي؟
وزير المالية
:
ما كنا ننتظر، ولكن كنا نؤمل.
ريشار
:
ولكن أتعلم يا سيدي أن هذا الأمل لا ينطبق على عظمتكم وعلى
حقارتي.
وزير المالية
:
وكيف ذلك؟
ريشار
:
ذلك أني أعدكم ممن يزعمون سيادة النبلاء على الشعب، فأنتم أعاظم الرجال
الذين تحرسون عرش المملكة، وأما أنا فلست إلا نائبًا صغيرًا من نواب الشعب
فكيف تؤملون في؟
وزير المالية
:
ولكن الشعب يا سيدي صار مساويًا للنبلاء والملكية منذ أصبح يحب الفريقين
ويخدمهما كما يخدمانه.
ريشار
:
كلا يا سيدي، وإنما حقوق الشعب أشد رسوخًا وأكثر قدمًا مما تظن فإنها
تنتهي إلى كرومول الذي جعل شعاره تاجًا من طين بإزاء فاس حديدية كبرى
وسندان من خشب، التاج رمز إلى الملكية، والفاس والسنديان رمز إلى قوة
الشعب.
وزير الداخلية
:
وهل هذا تهديد أيها السير ريشار؟
ريشار
:
كلا يا سيدي، ولكنه تاريخ.
الوزير الأول
:
حسنًا تقول عن الشعب والملكية يا سير ريشار، ولذلك أنشأوا بينهما طيعة
النبلاء لتكون حاجزًا بينهما فإننا نحن نرس بقى الشعب كبرياء الملكية،
والملكية إلحاح الشعب ومطامعه، وفي أيدينا أيدي الفريقين فيجب أن تضمنهما
معًا رغبة في الاتحاد والمسالمة.
ريشار
:
الشعب يا سيدي لا يسالم ولو يعقد اتفاقًا في هذا الزمان ولكنه يأمر
أمرًا.
الوزير الأول
:
ولكن ما هكذا وُعِدنا يا سير ريشار!
ريشار
(يغضب)
:
وعدتم؟! ومن هو هذا الوقح الذي وعدكم عن لساني.
الوزير الأول
:
إن لم يكونوا قد وعدونا فإنهم جعلونا نؤمل.
ريشار
:
جعلوكم تؤملون أن أخون حزبي؟
الوزير الأول
:
كلا، ولكننا ظننا …
ريشار
(قاطعًا كلامه)
:
ماذا ظننتم؟ أظننتم أنني أرتشي؟ أهذا هو السبب الذي جعلك يا حضرة الوزير
تطلب مقابلتي في هذا المساء مقابلة سرية؟
الوزير الأول
:
ولكن أظن هذا الكلام …
ريشار
(قاطعًا كلامه)
:
هذا كلام أقوله في وسط المجلس غير هياب منكم، لقد جئتم تعرضون علي هدايا
الملك ونعمه، فأنا الآن أدفع بقدمي هداياكم ونعمكم، أفهمتم؟
الوزير الأول
(للوزراء)
:
لم يبق لدينا إلا الوسيلة الأخرى.
(يخاطب همسًا أحد الوزراء فيدخل هذا الوزير إلى غرفة الملك
ويجلس بإزائه، ويحدثه سرًّا ويكون الملك في أثناء المشهد الذي تقدم جائلًا في
غرفته ذهابًا وإيابًا وهو يتصنت لما يقوله ريشار.)
ريشار
(مستأنفًا كلامه)
:
فماذا تقولون غدًا إذا وقفت في منبر مجلس العموم وصرخت منه في وجه الأمة
كلها أنكم تطلبون رشوتي فماذا تقولون؟
الوزير الأول
:
وأي برهان لديك علينا؟ أليس في وسعنا الإنكار؟
ريشار
:
كل من ينكر منكم أصفعه بهذه الكلمة: أنت كذاب.
الوزير الأول
(بغضب)
:
فإذا لاقنا غدًا في مجلس النواب يا سيدي، نحن نريد السلم وأنت تريد
الحرب، فليكن ما تريد.
ريشار
:
نعم وغدًا نلتقي.
(هنا يدخل الوزير من عند الملك ويهمس في أذن الوزير الأول
كلامًا.)
الوزير الأول
(لريشار)
:
سير ريشار، تفضل وانتظر قليلًا في هذه القاعة لشأن خصوصي (تخرج الوزراء كلهم من القاعة).
ريشار
:
ولكن ما عساهم أن يريدوا
وأية حاجة لهم وأمر
فهل راموا خداعًا واحتيالًا
لا بد أني الذي طلبوا وضري
ولكن لا أخاف ولا أبالي
بكيد من جموعهم ومكر
فإن الشعب أجمعه ورائي
يقوي ساعدي ويشد أزري
وهذا قادم أخذته عيني
فمن هو في الصحابة ليت شعري
(في أثناء ذلك يكون الملك قد خلع البرقير ونزع التاج عن
رأسه فيظهر بملابس اعتيادية فيتناول من خزانته بعض أوراق يمسكها بيده وقبعة
مدورة كبيرة يلبسها فتغطي وجهه ثم يدخل على ريشار من الباب الذي بين الغرفتين
ويسمى الملك هنا الرجل المجهول.)
الرجل المجهول
:
إنك تعجب من رؤيتي لأنك لا تعرفني أيها السيد، أما أنا فأعرفك فأنت
سكرتير هذا المجلس (يحاول ريشار
الإنكار) فإنني أريد أن تكون سكرتيرًا لمجلس الوزراء.
ريشار
(وقد فهم فينحني ويقول)
:
أنا كما تقول يا ميلورد.
الرجل المجهول
:
حسن، قد فهمت كلامي، تفضل الآن يا حضرة السكرتير واجلس على هذه
المائدة.
(يجلس ريشار في مكان السكرتير ويقول.)
ريشار
:
ها أنا أنتظر أوامر الميلورد.
الرجل المجهول
(يقوم له أوراقًا)
:
أكرم بفحص هذه الأوراق واذكر لي فحواها.
ريشار
(يتناول أحدها ويقرأ)
:
أمر ملكي يمنح لقب ملكية مقاطعة كارلستون وما يتبعها في إقليم ديفونشير
إلى … (يكلم الرجل المجهول) مكان الاسم
فارغ يا ميلورد.
الرجل المجهول
:
نعم، فاكتب فيه الاسم الذي أذكره.
ريشار
:
كيف ذلك؟
الرجل المجهول
:
اكتب في مكان الاسم اسم: «السير ريشار دار لنكتون».
ريشار
:
لا أستطيع أن أكتب ذلك يا سيدي.
الرجل المجهول
:
كيف لا تستطيع ذلك يا حضرة السكرتير؟ أترفض أن تكتب في هذه الورقة اسمًا
لا أذكره إلا بالاحترام الذي يجب لمواهب صاحبه؟
ريشار
:
هذا إكرام عظيم يا ميلورد.
الرجل المجهول
:
اكتب، اكتب وتمم مطالعة الأوراق.
(ريشار يكتب.)
الرجل المجهول
:
تناول الآن غيرها يا حضرة السكرتير.
ريشار
(يقرأ ورقة أخرى)
:
أمر بمنح لقب كونت على وجه الإرث إلى …
(ينظر إلى وجه الرجل.)
الرجل المجهول
:
اكتب، اكتب ريشار دار لنكتون أيضًا.
ريشار
:
أمرك مطاع (يكتب).
الرجل المجهول
:
والورقة الثالثة؟
ريشار
(يتناولها ويقرأ)
:
صورة صك الزواج المعقود بين المس لوسي ويلمور ابنة اللورد ويلمور وحفيدة
المركيز دي سيلفا وبين ريشار دار لنكتون الذي أصبح يسمى الكونت ديكار
لستون.
الرجل المجهول
:
نعم، نعم أعلم ذلك، ولكن اقرأ لي شروط الزواج في هذا الصك.
ريشار
(يقرأ)
:
أولًا: إن مس ويلمور تمنح زوجها الجديد مائة ألف جنيه دخلًا سنويًّا.
ثانيًا: إن المركيز سيلفا أوصى لحفيدته مس ويلمور بكل ثروته فهي وارثته
الوحيدة. ثالثًا: إن لقب لورد الذي لأبي مس ويلمور يعطى لزوجها ولأولادها
بحق الإرث.
الرجل المجهول
:
فاسمع الآن يا سير، ما قولك إذا كان الملك جورج يضع ختمه على هذا الصك
ويقرنه بهدية ملكية للعروسين.
ريشار
(مدهوشًا)
:
كل هذه النعم لرجل واحد في ساعة واحدة.
الرجل المجهول
:
لا ريب أنك كثير الطمع. وبما أنك تصير إلى هذا الحد، فلا شبهة في أنك
ستكون رجلًا نافعًا للملك والملكة، وأنت تعلم أن الوزارة فقدت شهرتها ولذلك
فإنها ستسقط ومتى سقطت فإن الملك يؤلفها من العنصر الديموقراطي، بل قد
سمعته يقول منذ حين أن سيختارها من أصغر اللوردات سنًّا ليكونوا أكثر
نشاطًا وأنت صغير السن ولورد حسب هذه الأوراق، أفلا تظن أن الإنسان يخدم
وطنه وهو في مقاعد الوزراء أكثر مما يخدمه وهو في مقاعد النواب.
ريشار
(بدهشة)
:
إخلاص لا حد له ونِعَم لا عدد لها.
الرجل المجهول
:
بقيت لديك ورقة.
ريشار
:
نعم، ولكنها بيضاء بلا كتابة.
الرجل المجهول
:
ألا تفهم المراد بذلك.
ريشار
(بعد تردد قليل)
:
فهمت فهمت، وهذا توقيعي عليها (يوقع عليها
بإمضائه) أرهنه لديك دلالة على الاتفاق.
الرجل المجهول
(بعد تناول الورقة)
:
أما أنا فإنني عائدًا إلى الملك لأقول له إننا تعارفنا وتصادقنا.
(يخرج الرجل المجهول فيبقى ريشار في أشد حيرة واندهاش فيقلب
نظره في المكان وفي مجلس الوزراء.)
ريشار
:
الآن قد نلت المنى بل فوق ما
قد كنت آمله من الأيام
نلت الوزارة في نهار واحد
فأنا عميد الملك في الأقوام
والأمر أمري ثم هذا مجلسي
أمضي على قومي به إحكامي
تمد من هذا المكان إرادتي
في الأرض من دانٍ ومن مترامي
وتشير في الأقطار نافذة بما
أبغيه من نقض ومن إبرام
من ذا يحاكمني ويملك سطوتي
بل من يباري رتبتي ويسامي
ليس المليك اليوم إلا آلة
والفعل للوزراء والحكام
ولقد فقدت الرشد مما نلته
من رفعة جاءت كسهم الرامي
يا خير مملكة يعظم قدرها
بين الممالك أيما إعظام
إني أنا مولاك فاحني رأسك
العالي لدي وطاطئيه أمامي
ماذا أرى من ذا الذي هو قادم
نحوي، مقال، تعالي أنت مرامي
(يدخل عليه تومسون سكرتيره.)
ريشار
:
أعرفت ما قد جرى لي؟
تومسون
:
نعم جاءت امرأتك.
ريشار
:
أي امرأة؟
تومسون
:
چاني، أنسيتها.
ريشار
:
ويل لها من غضبي وانتقامي (بغضب عظيم وهو
خارج).