بالشفرة إلى جميع الشياطين!
لثلاثة أسابيع متَّصلةٍ كان كل واحدٍ من الشياطين اﻟ «١٣» في منطقة عمله … «أحمد» في القاهرة. «فهد» في دمشق، «ريما» في الأردن، «إلهام» في لبنان، «رشيد» في العراق، إلى آخره.
كانت معلومات رقم «صفر» في هذه الأسابيع أن ثمة شيئًا غيرَ عاديٍّ يحدث في الوطن العربي، شيء أزعج الحكومات، والأجهزة العاملة في الأمن. فقد ثبت أن دولةً معاديةً تتجسَّس عليها بوسيلةٍ خفيةٍ، وتحصل على أدقِّ المعلومات والأسرار بطريقةٍ لا يمكن كشفها.
وهكذا طلب رقم «صفر» من الشياطين اﻟ «١٣» مغادرة المقر السرِّي، والانتشار كلٌّ في مكان للبحث عن خيط، أيِّ خيطٍ، أو بارقة ضوءٍ يمكن أن تكشف الستار عن هذا الجاسوس الخارق الذي يعرف كل شيء.
ورغم الجهود المُضنِية طَوال الأسابيع الثلاثة الماضية، لم يستطع واحد من الشياطين أن يحصل على أية معلومات تكشف السر الغامض!
وفجأة … خرجت من المقر السرِّي برقيات بالشفرة تطلب من الشياطين جميعًا التوجُّه إلى المقر السري، وكان «فهد» في دمشق، وعندما تلقَّى البرقية، أمسك بسماعة التليفون يطلب حجز تذكرةٍ له إلى القاهرة، ومن هناك كان يُمكنه أن يركب مرةً أخرى إلى المقر السري.
كانت البرقية أمامه على الطاولة يقرؤها مرارًا وتَكرارًا كأنها التصقت بعينيه بعد أن فكَّ رموزها.
من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س»
«يُرجَى الوصولُ إلى المقر الرئيسي في أقرب وقت.»
ظل «فهد» يُوالي الاتصال بالشركات، ولكن لم يكن من الممكن حجزُ تذكرة في هذا اليوم على الإطلاق، وفكَّر «فهد» ثم طلب الاتصال بِعمَّان عاصمة الأردن، وطلب رقم «ريما». وبعد ساعة كانت «ريما» تتحدث … قال:
فهد: هل وصلتكِ الأخبار؟
ريما: نعم.
فهد: ليست هناك تذاكر من دمشق إلى القاهرة … ماذا فعلت أنت؟
ريما: حجزت تذكرةً على طائرةٍ ستتحرك بعد ثلاث ساعات.
فهد: هل يمكن أن تجدي مكانًا لي، ففي استطاعتي الوصول إليك في موعدٍ مناسبٍ.
ريما: سأحاول وأتصل بك بعد قليل.
في هذه اللحظة خُيِّل ﻟ «فهد» أن هناك من يتنصَّت عليهما، فوضع السماعة دون كلمة أخرى، ثم جلس على طرف فراشه يفكر، ولكنه لم يُطِل التفكير، فقد كان عليه أن يُعدَّ حقيبته.
قفز من فراشه سريعًا، وأخذ يُغيِّر ملابسه، وبعد دقائق كان مُستعدًّا، وفي نفس اللحظة دقَّ جرس التليفون، وقالت «ريما»: تم حجز …
قاطعها «فهد»: نعم، إنني أفهم، وسأكون هناك في الموعد …
ووضع السماعة دون كلمةٍ واحدةٍ، ثم قفز خارجًا، وأغلق أبواب المقر الصغير الذي يُقيم فيه بدمشق. وبعد لحظاتٍ كان يقفز في سيارة من طراز «لامبورجيني» ذات ٨ سلندرات، وانطلق بسيارته على طريق دمشق … عمَّان …
كان الطريق خاليًا إلا من سيارات قليلةٍ، ورغم أن الإشارة الشفرية التي تلقَّاها اليوم كانت تشغل باله إلا أن ما كان يشغل باله أكثر هو هذا الإحساس بأن ثمة من كان يتجسَّس على المكالمة التليفونية … تُرى من هو؟
إن أحدًا لا يعرف حقيقته إلا شخصًا واحدًا، هو مساعدٌ دائمٌ لرقم «صفر»، مقره دمشق. فهل تكون هناك خيانة؟ هل يمكن أن يكون مساعد رقم «صفر» الذي يلجأ إليه «فهد»، في بعض المشاكل، هو الذي وشى به؟
لم يصدق نفسه وحاول طرد هذا الخاطر المحزن من نفسه. صحيح أن خيانة مساعد دمشق لا تعني انهيار منظمة الشياطين كلها، ولكنها ستكشف مقره السري في دمشق، ويتعيَّن عليه لذلك أن يُغيره وأن يزيل الأجهزة الحساسة التي به.
مضت ساعة وهو منطلقٌ بسرعة تتراوح بين ١٠٠ و١٥٠ كيلومترًا في الساعة … وشعر بالارتياح عندما بدت مدينة عمَّان، ذات التلال السبعة من بعيدٍ، واتجه دون وعيٍ في الشوارع الموصلة إلى مقر «ريما» ولكنه عندما تذكَّر رِيبتَه في تنصُّت شخصٍ ما على المكالمة التليفونية بينها وبينه، غيَّر طريقه على الفور، واتجه إلى المطار، وركن سيارته في مكانٍ بعيد ثم ذهب إلى «الكافيتريا» …
لم يمر وقتٌ طويلٌ حتى ظهرت «ريما» على باب «كافيتريا» المطار، لم ينظر إليها، غير أنها أقبلت نحوه فنظر إليها محذِّرًا … ولكن لم يجد بُدًّا من أن يقف ليستقبلها، وتصافحا بحرارة، فقدَّمت له تذكرة السفر، ثم أخذا طريقهما إلى الطائرة.
وفي نفس الموعد الذي انطلق فيه «فهد» إلى عمَّان كان كل واحد من الزملاء الشياطين يأخذ اتجاهه الي مقرِّه الرئيسي بطريقته، وعندما كانت الساعة تدقُّ الحاديةَ عشرةَ صباحًا، كانت سيارات الشياطين في طريقها إلى الكهف السري … وعندما دقَّت الساعة الثانية عشرة، كان الباب الصخري يفتح دون صوتٍ، وتمرق السيارات من خلاله إلى الداخل. وعندما أصبح كلُّ الشياطين داخل الكهف أُغلق الباب، وأصبح قطعة من الجبل.
كان كل واحد من الشياطين يقف في ممرٍّ خاصٍ، مفصول عن الممرات الأخرى، وكانت هذه أول مرة يُطبَّق فيها هذا النظام. ولذلك لم يلتقِ الشياطينُ أولَ الأمر … وعندما أصبح كل واحد منهم خارج سيارته، أُضيئت أسهم تحدد اتجاه السير.
تتبَّع الشياطين الأسهم المضاءة، والتقوا جميعًا داخل القاعة الزرقاء. كانت هذه أول مرة يُعقد فيها اجتماع داخل هذه القاعة. نظروا بعضُهم لبعض بسرعةٍ، ثم بدءوا يتبادلون التحيَّات بحرارة.
كانت القاعة غارقةً في ضوءٍ قويٍّ، يجعلها كمحيط عميق وعندما أخذ الشياطين أماكنهم في القاعة، عرفوا أنهم مُقبلون على مهمةٍ خطيرة؛ فالقاعة الزرقاء مُخصصة لهذا النوع من المسائل؛ ولذلك فهي مجهَّزة بحيث لا يخرج صوت ولا حتى صوت تنفسهم. إنها إجراءات أمن مشددة حتى داخل المقر السري المعزول عن العالم.
جلس الشياطين صامتين، في انتظار حديث رقم «صفر» كانوا جميعًا متلهِّفين إلى سماع أي شيءٍ عن مهمتهم الجديدة الخطيرة، ولم تمضِ لحظةٌ حتى بدأت الإضاءة تخفت حتى أصبحت القاعة غارقة فيما يشبه الظلام … ولم تمضِ لحظة أخرى حتى جاءهم صوت رقم «صفر» قائلًا: أهلًا بكم … إنني أعرف دهشتكم لاجتماعنا اليوم في القاعة الزرقاء! لا بأس … إننا أمام مهمةٍ خطيرةٍ أكثر من كل المهام التي قابلتنا، إننا أمام خطر يُهدد منطقتنا كلها من الخليج إلى المحيط.
صمت رقم «صفر» قليلًا … وبدأ الشياطين يفكرون في هذا الخطر الجديد … هل هو شيء آخر غير ما كانوا يبحثون عنه؟!
تحدث رقم «صفر» مرة أخرى فقال: حتى يكون الأمر أكثر وضوحًا أمامكم، فلتنظروا إلى هذه الخريطة …
انشقَّ جدارٌ أمامهم وظهرت خريطة مضيئةٌ للوطن العربي، جرت أعين الشياطين فوق الخريطة، وكأنها تبحث عن شيءٍ، وقال رقم «صفر»: إن السهم الذي يجري على الخريطة يُبيِّن لنا حدود عملنا.
كان هناك سهمٌ أصفر يجري فوق الخريطة السوداء، مبينًا ما يريده رقم «صفر»، قال: كما ترَوْن، إن منطقتنا كلها مهدَّدة. وهذا السهم، موجه من خارج الكهف السري، إنه يجري حسب ذبذبات شيءٍ خارجيٍّ يدور في الفضاء، وهذا الشيء لا نعرف ما هو حتى الآن. هل هو مركب فضائي، أو قمر صناعي، أو صاروخ يدور دورةً كاملةً حول الأرض العربية؟
كان السهم لا يزال يدور. ولم يتوقف مرة فوق إحدى الدول العربية، وكان يدور بسرعة منتظمةٍ.
قال رقم «صفر»: كما ترون، هناك جسمٌ غريبٌ يلف فوق المنطقة، وقد جاءتنا معلوماتٌ تُفيد أن كل المكالمات التليفونية بين بلاد المنطقة معروفة للأعداء، سواء تلك التي تدور داخل الدولة الواحدة، أو بين الدول وبعضها. وهذا يعني، أن الأسرار السياسية والعسكرية والاقتصادية يكشفها العدو أولًا بأولٍ.
نظر «فهد» إلى «ريما»، فقال رقم «صفر» بسرعة: ماذا هناك يا رقم «٨»؟
قال «فهد»: لقد تحدثت إلى «ريما»، في التليفون بين دمشق» وعمَّان.
صمت رقم «صفر» قليلًا بينما نظر «أحمد» إلى «إلهام».
فسأل رقم «صفر»: ماذا يا رقم «١» هل هناك شيءٌ؟
أجاب: أحمد، لا …
قال رقم «صفر»: وماذا قلت يا رقم «٨»؟
قال «فهد»: يبدو أننا أخطأنا أو على الأقل أنني الذي أخطأت.
سأل رقم «صفر»: ماذا قُلتما بالتحديد؟
أجاب «فهد» لقد سألتها إن كانت الأنباء قد وصلتها.
قال رقم «صفر»: هل ذكرت شيئًا عن هذه الأنباء؟
أجاب «فهد»: لا. قلتُ لها فقط إنني لا أجد طائرةً، وقالت إنها ستجد لي مكانًا على نفس طائرتها.
صمت رقم «صفر» قليلًا، ثم قال: هذا يجعلكم في حاجةٍ إلى سرعة أكثر في تنفيذ مهمتكم، فالإشارة التي أرسلناها لكم، بطريقة الشفرة الخاصة بنا … لا يستطيع أحد أن يفكَّ رموزها ولا يهمنا أن يلتقطوها، لكن حديثكم قد يجعلهم يربطون بين حديثكم والإشارة، المهم الآن هو سرعة تنفيذ المهمة.
وبعد لحظة صمتٍ قصيرة، قال رقم «صفر»: إن هذا الجسم الغريب الذي يلفُّ فوق المنطقة، من الضروري أن تزوِّده محطة توجيه أرضية. وهذه المحطة لا بد أن تكون في المنطقة العربية ذاتها. ولأن المنطقة متسعةٌ كما ترون، فسوف نُقسِّمها إلى أربع مناطق، كل مجموعة تعمل في منطقة.
كان السهم لا يزال يدور حول الخريطة، ثم خرجت خطوطٌ متقاطعة، تقسِّم الوطن العربي إلى أربع مناطق، أخذت كل منطقة لونًا. قال رقم «صفر»: الآن نقسم العمل حسب هذه المناطق وحسب وقوعها في بلد كل رقم. المنطقة «أ» ويعمل فيها «١» و«٢» و«٣» و«٨»، المنطقة «ب» ويعمل فيها «٤» و«٥» و«٦» و«٧»، المنطقة «ج» ويعمل فيها «١٠» و«١١»، المنطقة «د» يعمل فيها «٩» و«١٢» و«١٣».
أُطفئت الخريطة، وانضمَّ الجدار، غير أن لمبة حمراء أُضيئت في الزاوية اليمنى في سقف القاعة، فعرف الشياطين أن رقم «صفر» يتلقَّى معلومات جديدة ظل الشياطين صامتين، كانوا يفكرون في تلك المحطة الأرضية الموجودة في مكان سريٍّ على الأرض العربية. مضت دقائق، لم ينطق فيها أيهم بكلمة، ثم جاء صوت رقم «صفر»: الآن جاءتنا معلومات ترجِّح وجود المحطة السرية في منطقتين بالذات «ب» و«ج».
بدأت الأضواء تزداد شيئًا فشيئًا. حتى غرقت القاعة في الضوء. جاء صوت رقم «صفر» يقول: هل يريد أحدكم أن يسأل عن شيءٍ؟!
لم ينطق أحد الشياطين بسؤال … انتظر رقم «صفر» قليلًا، ثم قال: هذا حسنٌ، غير أني أريد أن أُنبِّه إلى شيءٍ هامٍّ، من الضروري عدم استخدام التليفونات. إنهم سيلتقطونها كما تعرفون، والشفرة التي نستخدمها سنغيِّرها حتى لا يصلوا إلى شيءٍ. وعندما تخرجون من القاعة، سوف يأخذ كل منكم شفرتنا الجديدة. وعليه بعد أن يقرأها جيدًا، أن يقوم بحرقها، وحتى ننتهيَ من مهمتنا قد نحتاج إلى تغيير شفرتنا بين فترة وأخرى وسوف نُرسلها لكم تباعًا. والآن … إلى اللقاء.
وعندما غادروا أماكنهم، شعر كل منهم كأنَّ أحدًا يأخذه إلى طريق، وفي لحظات، كان كل منهم يمشي في طريق وحده، ثم ظهرت الأسهم المُضيئة تُرشد كلًّا منهم إلى طريقه. وعندما وصلوا إلى سياراتهم، فُتح باب واحد، انطلقوا منه جميعًا … كان يبدو أمامهم الفضاء قاتمًا، وكأنه الليل … وعندما أرادوا استخدام مصابيح السيارات لم تُضئْ … غير أن السيارات كانت تأخذ طريقها المرسوم وما إن أُغلق الباب خلفهم حتى انتهى الظلام، وبدا كل شيء به واضحًا، فقد كانوا في وَضَحِ النهار.
انطلقت السيارات في سرعة البرق، وبدأت مهمة الشياطين اﻟ «١٣» بعد أقصر اجتماع وأخطر اجتماع في نفس الوقت.