خطة ما … تنجح أو لا تنجح

بعد ساعاتٍ من هذا الاجتماع السريع الهام، كانت الشياطين اﻟ «١٣» في المقر السري الفرعي بالقاهرة، لم يكن هذا المقر الذي يقع قرب ميدان السد العالي في حي الدقي الهادئ، مثل المقر السري الرئيسي في الصحراء …

ولكن كان به ما يكفي من التجهيزات التي يحتاجها الشياطين في معاركهم، ثم جلسوا جميعًا أمام خريطةٍ مبسطةٍ، وقال «أحمد»: حسب الاتفاق المعروف فإن تقسيم العالم العربي إلى مناطق يتمُّ كالآتي:
  • أولًا: المنطقة «أ»، وتضمُّ الساحل الأفريقي الشمالي حيث المغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا.
  • ثانيًا: المنطقة «ب»، وتضمُّ مصر، والسودان، والصومال.
  • ثالثًا: المنطقة «ج»، وتضم، العراق، وسوريا، ولُبنان، والأردن، وفِلَسطين.
  • رابعًا: المنطقة «د»، وتضمُّ الجزيرة العربية، والخليج العربي حتى اليمن وعدن.

وسكت «أحمد» لحظات ثم قال: وبالطبع فكل منطقة سيعمل فيها مجموعة من الشياطين يكون فيهم من ينتمون إلى دول تلك المنطقة، وما دامت المهمة محصورةً في المنطقتين «ب» و«ج» فمعنى هذا أن المجموعة الأولى ستكون «منى» و«عثمان» أساسًا، وتضم بعض الشياطين. والمجموعة الثانية الخاصة بالمنطقة «ج» سيكون فيها «رشيد»، و«فهد» و«إلهام»، و«ريما»، و«باسم».

من الذي سيأتي معي أنا و«عثمان»؟

ردَّت «زبيدة»: أنا و«مصباح».

أحمد: هذا يكفي، على أن تبقى «هدى»، و«قيس»، احتياطيًّا لنا في القاهرة.

فهد: سيكون مقر مجموعتنا دمشق طبعًا.

أحمد: بالطبع … وسيكون مقرُّنا نحن القاهرة.

وصمت «أحمد» قليلًا ثم قال: سأتصل بمساعد رقم «صفر»، ليُعدَّ لكم جميعًا تذاكر السفر إلى دمشق. وسأضع مع «عثمان» و«زبيدة» و«مصباح» خُطةَ تحرُّكنا في السودان ومصر، وسنتصل شفريًّا بالمركز الفرعي في القاهرة؛ لتبادل المعلومات مع المجموعة «ج».

وقضى الشياطين تلك الليلة في القاهرة. وفي صباح اليوم التالي، كانت مجموعة «فهد» ومن معه تغادر القاهرة إلى دمشق، ومجموعة «أحمد» ومن معه تغادر القاهرة في سيارة «لاندروفر» … وكانت خطة «أحمد» في مسح المنطقة «المصرية-السودانية» قائمةً على افتراضٍ واضحٍ، أن وجود القاعدة السرية لا بد أن يكون في مكانٍ بعيد عن المدن، وفي الأغلب على الحدود «المصرية-السودانية» خاصة قرب «البحر الأحمر».

أما في السودان، فيمكن أن تكون في الأحراش الكثيفة حول النيل، أو في الجنوب حيث الغابات الكثيفة، وفي جميع الأحوال فإنها مهمةٌ شاقَّة.

على أن «أحمد»، فكر في كل هذه الاحتمالات، فقد أعدَّ «اللاندروفر» بجميع التجهيزات، أجهزة لاسلكي … بنادق لصيد الحيوانات الوحشية … مسدسات … أدوية؛ كانت السيارة عبارة عن قاعدةٍ صغيرة متحركة!

وسارت «اللاندروفر» بسرعة متوسطة على طريق القاهرة-السويس وبعد نحو ساعة كانت تقترب من أرض النصر، حيث دارت معارك ٦ أكتوبر المجيدة غربيَّ القناة، وحيث اجتاحت القوات المسلحة المصرية خطَّ بارليف، وحققت أعظمَ انتصارٍ عسكري على قوات العدو.

وكلما اقتربت «اللاندروفر»، من الميدان، أحسَّت المجموعة «أحمد» و«عثمان»، و«مصباح» و«زبيدة» أن المهمة المُلقاة على عاتقهم مهمةٌ قومية وطنية بالدرجة الأولى.

وسرعان ما كانوا في السويس، وتناولوا وجبةَ غداءٍ شهيةً من السمك الطازَج في مطعم «بلير»، ثم انطلقوا جنوبًا على شاطئ البحر الأحمر، فلما وصلوا إلى نقطة يمكن التوقف عندها أقاموا خيمةً، ثم تركوا «مصباح» و«زبيدة» للمراقبة وانطلق «أحمد» و«عثمان»، إلى مناجم الفوسفات. وهناك قاما بإجراء بحثٍ عن طريق العاملين في المناجم عمَّا إذا كان يظهر في هذه المنطقة بعض السياح مثلًا، ولم يُسفر البحث عن شيءٍ …

انتهى النهار في التجول داخل الصحراء الممتدة، بعد أن صحِبا معهما دليلًا يعرف مَجاهِلَ الصحراء.

انتهى النهار، بلا نتيجةٍ، سوى أنه لا يوجد شيءٌ. وفي المساء دعاهما الدليل إلى قضاء الليل في ضيافته.

كان الرجل من قبيلةٍ عربية معروفة، وعندما استقرَّا في البيت المبني من الحجر الأبيض، دقَّ الباب، وعندما فتح الدليل عرف أن شيخ القبيلة يدعو الضيفين إلى السهرة معه.

لبَّى «أحمد» و«عثمان»، الدعوة. وعندما التقيا بشيخ القبيلة، رحَّب بهما، وسهِرا سهرةً لا تُنسى، فقد قدَّم لهما الشيخ مجموعةً من المغنين الشعبيين، ثم انطلقا عائدين إلى حيث أقيمت الخيمة.

ولكن فجأة صرخ «عثمان»: انظر … ما هذا؟

نظر «أحمد»، في اتجاه إشارة «عثمان»، كان هناك في ضوء القمر بناء بعيد، لا يظهر كله. وكان هناك «إيريال» هوائي، توقف «أحمد»، قليلًا ثم قال: لعله مقر إحدى البعثات الاستكشافية للبحث عن البترول، فهي تعمل في هذه المناطق. قال «عثمان»: لا أظن. ولماذا يختفي البناء كله؟ ربما تكون هذه مقدمة للقاعدة.

سارا في اتجاه المبنى لم يكن الطريق مرصوفًا وعندما توقفا بجوار المبنى خرج أحد الأجانب … قال له «أحمد»: تحياتي!

أجاب الرجل: أهلًا بكما، تفضَّلا!

سأله «أحمد»: هل هذه منطقة بحث؟

أجاب الرجل: نعم … تفضلا.

فجأة ظهر أحد المصريين، ورحَّب بهما باللهجة المصرية، فعَرَف «أحمد» أن الأجنبي كان صادقًا، شكرهما «أحمد» وعاودا السير.

قال «أحمد» ضاحكًا: هل رأيت أيها العزيز «عثمان»! إن المحطة السرية لا بد أن تكون في منطقةٍ مجهولة يا صديقي … ومن الضروري أن تكون مختفيةً تمامًا. وأظن بعد بحثنا فقد تبين أنها موجودةٌ في مصر، إذ إن إمكانية الاختفاء هنا قليلة، هذا فضلًا عن أن هناك عمليات مسح جيولوجية هذه الأيام، تغطِّي مساحات «مصر» كلها، بحثًا عن البترول أو المعادن.

هزَّ «عثمان» رأسه موافقًا … وسارا حتى وصلا الخيمة، ووجدا «زبيدة» قائمةً داخل الخيمة، و«مصباح»، يقوم بالمراقبة، رويا له كلَّ شيءٍ ثم نام الجميع، وفي الصباح انطلقوا في طريقهم جنوبًا، ولكن … حتى حدود السودان لم يظهر شيءٌ، ثم عَرَفوا أن «إلهام» وصلت تحمل رسالةً هامة من المجموعة «ج» وسرعان ما عادوا مسرعين إلى القاهرة … ووجدوا «إلهام» في انتظارهم، وتوقَّف «أحمد» أمامها مندهشًا … وقال «عثمان» بسرعة: «إلهام»! إنني لا أصدق!

قالت: إلهام، ولماذا لا تصدق؟

سألها «أحمد»: هل حدث شيءٌ ﻟ «فهد»؟

ضحكت «إلهام»، وصمتت لحظة … ثم قالت: هل تحْزِران لماذا أتيت؟

ظل «أحمد» و«عثمان» يفكران لحظة ثم قال «عثمان»: أظن أنكما وضعتما أيديَكما على شيء؟

ابتسمت «إلهام»، وقالت: وأنت يا «أحمد»، ماذا تظن؟

فكر «أحمد» قليلًا ثم قال: أظن أنني أوافق «عثمان» فيما قال.

قالت «إلهام»: هذا صحيحٌ، لقد أمسكنا بأول الخيط … هيَّا ولا تضيعا وقتًا … إن المسألة تحتاج إلى السرعة!

هتف «أحمد» بفرح: بهذه السرعة؟! هيا احكي لنا ما حدث.

قالت «إلهام»: أظن أنه ينبغي أن نطير إلى هناك أولًا ثم تعرفان كل شيء.

حاول «عثمان» استجواب «إلهام»، إلا أنها أشارت له أن يصمت، فهي لن تقول شيئًا. حتى يصلوا إلى هناك. أخذ «أحمد» و«عثمان» يجمعان أشياءهما، ثم نزل الثلاثة بسرعة إلى المطار، بعد أن قرَّروا ترك «زبيدة» و«مصباح» في القاهرة.

عندما هبطت الطائرة في مطار دمشق، كان «فهد» في انتظارهم، تعانق الأصدقاء ثم ركبوا سيارة «فهد»، وانطلقوا إلى دمشق.

كان الطريق طويلًا، وكانت حقول التفاح واللوز والجوز تمتدُّ على طول الطريق. قال «أحمد»: هذه أول مرة أرى دمشق!

قال «فهد»: ها أنت قد أتيت … فأهلًا بك في دمشق.

وصلوا إلى المدينة فقال «أحمد»: أريد أن آكل الكبيبة الشامية في مطعم «علي بابا» … فإنني أسمع عن جماله الشرقي الأصيل.

ضحك «عثمان» وهو يقول: بالإضافة إلى أنه يُقدم كبيبةً جيِّدة!

انحرف «فهد»، بسيارته إلى طريق الصالحية. حيث وقفت السيارة أمام مطعم «علي بابا». التفُّوا حول مائدةٍ، فجاءهم «الجرسون» مسرعًا. وطلبوا الكبيبة الشامية والتبُّولة … وعندما انصرف الجرسون، قال «أحمد»: أظن أنه ينبغي أن تحكيَ ما حدث.

ابتسم «فهد» وقال: ليس الآن، عندما نصبح في البيت سوف أحكي لك كل شيء.

سأل «أحمد»: هل أستطيع أن أسألك سؤالًا واحدًا؟

قال «فهد»: نعم بالتأكيد!

قال «أحمد»: لماذا لم تستخدم الشفرة الجديدة، بدلًا من أن تُرسل «إلهام»؟

قال «فهد»: لقد أخطأت مرة، ولا أريد أن أُخطئَ مرةً أخرى، لقد خشِيتُ أن يعرفوا شيئًا، خصوصًا، وأنهم يلتقطون كل الإشارات.

قال «عثمان»: لكنهم لن يستطيعوا فكَّ رموزها … ثم إنها سوف تتغير!

قال «فهد»: لقد فكرت في ذلك فعلًا، لكنني خِفْت أن ألفتَ النظر إلى شيء، إن خطأً واحدًا يكفي.

جاء الجرسون بالطعام، فانقضُّوا عليه. كان «أحمد» يشعر بالجوع الشديد، حتى إن «إلهام» قالت: على مهلك … لن يرفعوا الطعام الآن.

ضحك أحمد، وفمه ممتلئٌ بالطعام، فلم يستطِع الرد، غير أن «عثمان» قال: إنني أعرف لماذا يأكل «أحمد» بسرعة … إنه يُريد أن يعرف ماذا حدث.

هزَّ «أحمد» رأسَه علامة الموافقة … وعندما انتهى من مضغ اللقمة التي كان يأكلها قال: أريد لبنة، إنني أُحبها جدًّا، فضلًا عن أنها مفيدةٌ تمامًا للمعدة.

ضحك «فهد»، وقال: وهي تساعد على الهضم، يبدو أن «أحمد» يريد أن يأكل مرة أخرى. ضحكوا جميعًا، وأشار «فهد» إلى الجرسون، ثم طلب اللبنة منه، سأل «عثمان»: هل أرسلت معلوماتك إلى رقم «صفر»؟

أجاب «فهد»: حتى الآن لا … إنني بدأت أخشى أي شيءٍ، لقد فكرت أن أسافر إلى «خالد» وأطلب منه الذهاب إلى رقم «صفر» يبلغه بالمعلومات الجديدة.

قالت «إلهام»: إنني أقترح أن أسافر إليه، وأبلغه بالمهمة، بينما تكونون أنتم الثلاثة في عملكم.

قال «أحمد»: هذه فكرةٌ جيدة، وينبغي أن نبدأ فورًا.

ضحك «فهد» وقال: يبدو أن «أحمد» يريد أن يأكل طعام «إلهام» … انتظر يا أخي حتى تنتهيَ من طعامها!

ضحكوا وأحضر «الجرسون» اللبنة، فأكل «أحمد» منها حتى شبِع، ثم تراجع في كرسيِّه وقال: الآن أستطيع أن أذهب إلى البيت فورًا!

قام الشياطين، فقالت «إلهام»: سوف أنطلق الآن، وغدًا، سوف أكون عندكم …

انطلقت «إلهام»، بينما أخذ الثلاثة طريقهم إلى المقر السري في دمشق وهناك جلسوا في حجرة، أغلقها «فهد» جيدًا، ثم بدأ يحكي لهم تفاصيل خطته …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤