العملية المزدوجة
قال «فهد»: إن خطتي بسيطةٌ جدًّا، لقد جرَّبتُها ونجحت وإذا كرَّرناها فسوف ننجح بالتأكيد، والمهم أن نستطيع الاستفادة منها بحيث نضع يدنا على طرَف الخيط كما قال رقم «صفر».
عثمان: دعك من المقدمات يا «فهد»، قل لنا ماذا هناك؟
كان «عثمان» يتحدث وهو يهزُّ كرته المطاطية الجهنمية التي يستخدمها أفضل من المسدس، ويُصيب بها أي شخصٍ على بُعد عشرين مترًا فيُسقطه أرضًا، كان يهزُّها كأنما يتمنى أن يستخدمها فورًا!
نظر «فهد» إلى «عثمان» وقال: إنك مَشُوق إلى القتال.
عثمان: هذه هي مهمتنا في الحقيقة، وليس الجلوس والحديث عن الخطط.
ابتسم «فهد» قائلًا: سنرى ما ستفعل …
ثم قال: قلت لكم في القاعة الزرقاء إنني أحسست وأنا أُحدِّث «ريما» أن ثَمَّةَ من يستمع إلى المكالمة، وهكذا أدركت على الفور أن أجهزة الإرسال في هذا المقرِّ مراقَبةٌ إما من الجهاز الذي نبحث عنه، أو أي جهازٍ آخر.
أحمد: هذا معقول … ثم ماذا؟
فهد: قمتُ بتجربة بسيطة، اتفقتُ مع «إلهام» أن تذهب إلى أحد المقاهي وتتصل بي، ثم تقول إن شخصيةً هامةً من طرَف الزعيم سوف تأتي في الساعة «١٦٠٠» على حدِّ تعبير العسكريين وتقابلني عند الباب الرئيسي للجامع الأموي، وتسلمني رسالة!
صمت «فهد» لحظات ثم مضى يقول: وطلبت من «رشيد» أن يتنكَّر في شخصية الرجل الهام القادم بالرسالة، ثم يقابلني فعلًا أمام باب المسجد الأموي، ويُسلمني بطريقة سريَّة هذه الرسالة المزعومة.
عَلَت الابتسامة وجهَيْ «أحمد» و«عثمان»، وقال «عثمان» معلقًا: أعتقد أننا يجب أن نُغيِّر اسمك من اﻟ «فهد» إلى اﻟ «ثعلب»، فهذه خطط الثعالب!
فهد: وطلبتُ من «إلهام» و«باسم»، و«ريما» أن ينتشروا حول المسجد ويراقبوا ما يحدث في هذه الساعة.
أحمد: عظيم يا «فهد» المهم ماذا حدث؟
فهد: في هذه الساعة كنت أسير متلصِّصًا بجوار المسجد «الأُموي» وأنا أتظاهر بأنني أُخفي وجهي خلف جريدةٍ منشورة، وأنظر حولي كأنِّي أهرب من مراقبة. وباختصار مثَّلت دورًا عظيمًا يَصلُح على خشبة المسرح بعنوان المطارد!
ومرة أخرى علت الابتسامة وجهَيِ الصديقين، ومضى «فهد» يقول: ورأيت «رشيد» يقترب مني … وأخذ كلٌّ منَّا يؤدي دوره، حتى اقتربنا تمامًا أحدنا من الآخر …
قال «عثمان» ضاحكًا: وماذا كان في المظروف السري؟
فهد: كانت به تذكرة سينما قديمة لم تُستعمل!
وضحك الثلاثة … وقال «أحمد»: وماذا كانت نتيجة المراقبة التي قام بها زملاؤنا الشياطين الثلاثة!
فهد: كانت إيجابيةً جدًّا، فقد شاهدوا شخصين يتجسَّسان علينا، وأحدهما يحمل كاميرا صغيرة قام بأخذ بضع صور لنا أنا و«رشيد»، في دور الرجل الهام …
أحمد: رائع … رائع جدًّا يا «فهد»!
فهد: وهكذا قررت أن أرسل «إلهام» إليكم في القاهرة لإحضاركم … ثم تذهب بعد ذلك إلى رقم «صفر»؛ لإخطاره بأننا وضعنا يدنا على طرَف الخيط.
عثمان: هذا إذا لم تكن المراقبة من عصابةٍ أخرى لا عَلاقة لها بالجهاز الخطير الذي نبحث عنه!
فهد: إنني لم أُكمل بقية الخطة!
عثمان: هل لها بقية؟
فهد: طبعًا … بينما كان الرجلان يراقباننا وأحدهما يُصورنا، كانت «ريما» تقوم بتصويرهما في نفس الوقت!
عثمان: عمليةٌ مزدوِجة!
فهد: بالضبط … وقد قمتُ بتحميض الأفلام التي صُوِّرت لهما. وأرسلنا نسخةً إلى رقم «صفر»، لعلَّه يجد في أرشيف المعلومات شيئًا عنهما يُفيد في معرفة حقيقتهما.
أحمد: ومعك نسخة أخرى؟
مدَّ «فهد» يدَه في أحد الأدراج بجواره وقال: وهذه هي النسخة الأخرى!
وأمسك «أحمد» بالصورتين، ونظر إليهما ثم هزَّ رأسَه قائلًا: لا أعرفهما ولا أظن أننا التقينا بهما من قبل!
ونظر «عثمان» إلى الصورتين لحظات ثم قال: من المؤكَّد أننا لم نصطدم بهما من قبل!
فهد: وهذا يؤكد أنهما من جهاز التجسس الجديد، وأننا جزءٌ من مخطط هذا الجهاز، وأن القضاء علينا أمرٌ واجبٌ!
أحمد: هذا صحيح!
فهد: وهناك شيءٌ ثالث …
نظر إليه «عثمان» و«أحمد» في دهشةٍ، فقال: لقد قلت يا «عثمان» إنها عمليةٌ مزدوِجة، ولكنها في الحقيقة ليست كذلك. إنها عملية مُثلثة!
هزَّ «عثمان» رأسَه وقال: لا أفهم …
فهد: ستفهم فورًا … فبينما كانت «ريما» تصورهما، تبِعهما «باسم» بعد انتهاء العملية حيث سارا في اتجاه سوق «الحميدية». ولكنه للأسف فقد أثرهما في الزحام، ولكنه يُرجِّح أنهما يقيمان في أحد الفنادق القريبة من المنطقة.
قال «أحمد»: لقد قمتَ بعمل رائع يا «فهد» ومن حقك أن تُطلق على هذه العملية المدهشة «العملية المُثلثة» فقد أنجزت ثلاث مهمات في وقت واحد!
فهد: المهم الآن أنني أفكر في كيفية استغلال هذه الخطة حتى نضع أنفسنا في خط التَّماس مع القاعدة الأرضية التي تتجسَّس أو يتجسس جاسوسها الخارق على كل المحادثات التليفونية واللاسلكية في العالم العربي.
أحمد: إن هذا يقتضي تخطيطًا دقيقًا، وما دامت «إلهام» قد سافرت إلى رقم «صفر» تحمل المعلومات التي حصلنا عليها حتى الآن، فمن الأفضل انتظارُ عودتها فقد تعود بمعلومات جديدة أو بخطة جديدة.
عثمان: إنني أيضًا أريد أن أعرف هذين الشخصين اللذين تجسَّسا عليك أنت و«رشيد». إن معلومات رقم «صفر» في هذا مهمةٌ جدًّا … لأننا قد نُفاجأ بأنهما من عصابة معروفة، وربما «الورلد ماسترز» التي كثيرًا ما اصطدمنا بها … وفي هذه الحالة نصبح أمام عصابةٍ، وليس جهازًا تابعًا لدولة معادية!
أحمد: معك كلُّ الحق في هذا يا «عثمان».
فهد: فعلًا …
أحمد: وأين بقية الزملاء يا «فهد»؟
فهد: إنني قد وزَّعتهم على مهامَّ مختلفة؛ «إلهام» كما تعرفان سافرت إلى رقم «صفر» … و«رشيد» ينزل في أحد الفنادق على أنه شخصيةٌ هامةٌ وهو بنفس الشكل التنكُّري الذي قابلني به أمام المسجد الأموي، و«ريما» تقوم بمراقبة أجهزة اللاسلكي فقد تلتقط إشارة ما … و«باسم» يتجوَّل في سوق «الحميدية»، لعله يلتقي بالرجلين … وأنا معكما!
ابتسم الثلاثة وقال «أحمد»: لقد وزَّعت المجموعة توزيعًا ممتازًا … ولكن هناك لقطة هامة يا «فهد» …
انتبه «فهد» و«عثمان» وقال «أحمد»: إن الرجلين اللذين صوَّراكَ أنت و«رشيد» ربما يضعان خطة ما للاستيلاء على المظروف الذي سلَّمته ﻟ «قيس» … وقد يتمكنان من الوصول إلى «قيس» …
فهد: كيف، وقد انصرفا دون أن يتبعاه؟
أحمد: إنك تُخطئ جدًّا يا «فهد» إذا تصوَّرت هذا، لقد قمت أنت بعملية مُثلثة فما الذي يمنع الرجلين من القيام بعمليةٍ مزدوجة؟
فهد: تقصد أن هناك ثالثًا للقيام بمهمة متابعة «قيس»؟
أحمد: بالضبط … ولعله قد عرف أين ينزل «قيس» … ولعل «قيس» يتعرَّض الآن لخطر شديدٍ، ليس فقط كشخصٍ، ولكن كشخصية هامةٍ … فهم بالتأكيد سيحاولون الحصول على المظروف الذي سلمته له، فإن استطاعوا الوصول إلى المظروف، ووجدوا فيه تذكرة السينما، فسوف يعرفون أنكم تسخرون منهم، وقد يقومون بعملية انتقامٍ شاملة … أو قد يختفون تمامًا، وفي الحالتين تتعرض خطتُك للفشل!
ساد الصمت بعد هذا التحليل المقنع … وأحنى «فهد» رأسه في ضيق. لقد كان منذ لحظات قليلة فخورًا بما أنجزه من عمل، ولكن فجأة انقلب كلُّ شيءٍ رأسًا على عقب وهكذا رفع رأسه وقال: آسف أن أُعرِّض «رشيد» لهذا الخطر.
أحمد: كل منَّا يُخطئ، وليس مهمًّا ما يتعرض له «رشيد» من مخاطر.
فهد: «رشيد» يستطيع أن يحميَ نفسه … المشكلة أن الخطة البارعة التي وضعتها قد تكشف عملاء القاعدة الأرضية، ولكن الوصول إليهم مُعرَّض للفشل، وهذا ما يُقلقني …
قال «عثمان»: وما العمل؟
أحمد: العمل أن ندسَّ مجموعة من الوثائق المزيفة عليهم، ويجب أن تحتوي على معلومات هامة غامضة، بحيث إذا حصلوا عليها فتحت شهيتهم للحصول على بقية المعلومات.
عثمان: تقصد أن نعطيَ هذه الوثائق ﻟ «رشيد»، ونتركهم يحصلون عليها منه؟
أحمد: بالضبط … ونكسب بهذا نقطتين؛ أولًا: يمكننا متابعتهم عند استيلائهم على الوثائق …
ثانيًا: أن نضمن عودتهم إذا فرُّوا منا …
فهد: من الممكن تزيف الوثائق فورًا … إن «ريما» كما تذكرون متخصصةٌ في التزييف، وعندنا هنا في المقر السري جميع وسائل التزييف من أوراق رسمية وأحبار سرية وخُدَع للتصوير وغيرها.
أحمد: إذن استدعها فورًا!
قام «فهد» مسرعًا، وعاد ﺑ «ريما» خلفه، وبسرعة شرح لها «أحمد» المطلوب منها، ثم سألها: الآن الساعة الواحدة، متى يمكن أن تكون هذه الوثائق جاهزة؟
فكرت «ريما» لحظات، ثم قالت: في السادسة بعد الظهر؟ …
أحمد: هذا مناسبٌ جدًّا … هيا!
ودخلت «ريما» إلى معمل التزييف الصغير وبدأت عملها …