صراع الصخور والرجال
انضمَّ رجلٌ ثالث إلى الرجلين الأولين … ثم بعد فترةٍ قصيرةٍ انضمَّ رابع … وأدرك «أحمد» أنهم كانوا يُعدُّون مجموعةَ كمائن في حالة الهجوم عليهم … وتأكَّد أن عدد الرجال كبيرٌ، وأن التخلُّص منهم مشكلة … وكان «عثمان» يفكر في نفس الشيء … لهذا تقدم بخطواتٍ سريعة، ثم رفع كرته المطاط الجهنمية إلى فوق، ووزنها بضع مرات ثم أطلقها كالصاروخ فأصابت آخر رجل انضم إلى المجموعة وسقط على الأرض … وكان الرجل الثاني قريبًا منه، فالتفت يبحث عن زميله، وقد بدت عليه علامات الدهشة والحيرة، وتلقف «عثمان» كرته التي ارتدَّت والتي يلمع جزءٌ منها في الظلام لأنه مطليٌّ بالفوسفور … ووزَنَ «عثمان» الكرةَ في يده بضع مرات ثم قذفها، ومرة أخرى أصابت الهدف … وسقط الرجل دون أن ينطق بآهةٍ واحدةٍ!
وسار «عثمان» قريبًا من الرجلين الأولين وهما يقودان «أحمد» و«رشيد». وفجأة وجدهم يقتربون من باب منحوتٍ في الصخر، ذكَّره بأبواب المقر السري للشياطين اﻟ «١٣» وأدرك أن الأربعة إذا دخلوا من هذا الباب فلن يستطيعَ الشياطين اقتحامه فأسرع يحبو على الأرض حتى أصبح خلف الرجلين تمامًا … وما كاد «أحمد» و«رشيد» يدخلان ويتبعهما الرجلان حتى وضع «عثمان» مسدسه الضخم بين ضلفتي الباب … وهكذا ظل مفتوحًا.
وتوقف «عثمان» حتى لحِقَتْ به «إلهام» و«فهد» و«باسم» وروى لهما بسرعةٍ وهَمْسٍ ما جَرَى، فانتظروا لحظات، ثم تقدَّم «عثمان» و«فهد» وأمسك كلٌّ منهما بمِصْراع من الباب، واستخدما عضلاتهما الفولاذية في فتحه حتى دخلت «إلهام» و«باسم»، ودخلا خلفهما مسرعَيْن، وأُغلق الباب.
كان «باسم» يحمل كمية من الديناميت شديد الانفجار، فقال له «عثمان» ضع كميةً من الديناميت عند الباب … فقد نحتاج لفتحه عَنْوةً بعد قليل.
وقام «باسم» بوضع شحنةٍ ناسفة يمكن تفجيرُها بجهاز كهربائي خاص معه … ثم أسرع الأربعة يجرون في الدهليز الصخري، مسترشدين بصوت أقدام «أحمد» و«رشيد» والرجلين.
مضت مدة … ودُهشت «إلهام» لطول النفق الصخري … وفجأة توقف صوت الأقدام، وسمعوا حركةً قويةً في نهاية الدهليز، أسرعوا ليلحقوا ما يحدث. ووجدوا أنفسهم أمام مصعدٍ ضخم في قلب الجبل. وكانت بقع الأضواء التي على بابه توضِّح أنه يصعد …
قال «عثمان»: شيءٌ مدهشٌ إنه ليس هناك حراس على الإطلاق!
إلهام: ربما كان الحارسان اللذان ضربتهما هما المسئولان عن الباب الخارجي … وربما كانوا واثقين جدًّا من مناعة النفق على الاقتحام.
فهد: هل سنصعد في المصعد إلى فوق؟
باسم: ليس أمامنا سوى هذا!
عثمان: إن الأرقام توضِّح أن المصعد توقَّف في الطابق الأخير، وفي هذه الحالة أفضِّل أن نصعدَ إلى الطابَق السابق له، فإذا دارت معركةٌ لم يحسَّ بها من يكون في الطابق الأعلى، حتى يمكننا الصعود إليهم.
إلهام: إن مؤشر اللاسلكي يُشير إلى أنهم الآن على ارتفاع ثلاثين مترًا وقد توقف المصعد.
عثمان موجِّهًا حديثه إلى «باسم»: هل معك عبوات ناسفة كافية؟ إن هذا الجبل فيما يبدو يحتاج إلى مجهودٍ خارق لنسفه!
إلهام: نحن لن ننسف الجبل … المهم المحطة!
وأخذ السهم يشير إلى نزول المصعد تدريجيًّا حتى توقف أمامهم … ومدَّ «عثمان» يده ليفتح الباب، وكانت المفاجأة … خرج رجل من المصعد … ونظر كل منهما إلى الآخر، ومضت ثوانٍ من الدهشة المتبادَلة! …
وكان «عثمان» أسرع إلى العمل، فقد أرسل قبضته في لَكْمةٍ قوية سقطت على وجْهِ الرجل كالصاعقة … وتمايل الرجل وهو يضع يده على حزامه محاولًا إخراج مسدسه … ولكن «فهد» كان خلفه تمامًا فهوى بقبضته عليه وتراخى جسد الرجل وتهاوَى إلى الأرض.
إلهام: خذوه في أحد الأركان المظلمة. فلا أحدَ يعلم حتى الآن أننا في القاعدة … جرَّ «عثمان» و«فهد» الرجل بعيدًا إلى جوار إحدى الصخور البارزة في النفق الصخري، ثم ركب الجميع المصعد، ودُهِشوا لاتساعه وكثرة الأجهزة والأسلاك التي به …
ووضعت «إلهام» يدَها على فمها علامة التحذير وأشارت إلى الأجهزة … وفهِمَ الجميع ما تعني … أن أيَّ همسةٍ سوف تُسمع في أجهزة المراقبة التي فوق …
وصل المصعد إلى ارتفاع خمسة عشرين مترًا، وأشارت «إلهام» إلى «فهد» أن يتقدَّم وحده وفتح «فهد» الباب وانتظر لحظات … لم يحدث شيء … أبرز رأسَه، ونظر خارج المصعد … كانت مفاجأة … الجدران الصخرية تملؤها الأسلاك والأضواء … وعشرات من شاشات التليفزيون بعضها يعكس صورًا للحياة في بعض الدول العربية من الشوارع، وبعضها يوضح بعض الخطوط البيانية والأرقام … ولم يكن هناك سوى حارس واحد قد انشغل بمشاهدة إحدى شاشات التليفزيون … وأشار «فهد» إلى «عثمان» وخرج «عثمان» بحذر يهز كرتَه المطاط الجهنمية … ثم طوَّح بذراعه إلى الخلف وقذف الكرة بكل قوته، وطارت كطلقة الرصاص، وأصابت الحارس الذي توقف في مكانه لحظة، وخفقت قلوب الشياطين … هل رأسه تحتمل هذه الضربة دون أن يقع؟ ولكن قبل أن تخطر الإجابة على رءوسهم كان الرجل قد انهار على الأرض.
تقدَّم الشياطين سريعًا في الدهليز. وأشار «عثمان» إلى «باسم» الذي أخذ يضع العبوات الناسفة في أماكن متعددة من النفق، ثم تقدَّم «عثمان» وقد فتح فمه دهشةً …
كانت إحدى شاشات التليفزيون تعكس صورة لشارع في مدينة «الخرطوم» … معنى هذا أن هذه المحطة الأرضية تستقبل الصور أيضًا وليس الأحاديث التليفونية والسلكية فقط.
كان «فهد» ينحرف في دهليز صغير متقاطع مع الدهليز الصخري، عندما فُوجئ مفاجأة كاملة … كان «كاميني جاتوا» الغوريلَّا — رجل العصابات الشرس — يقود «رشيد» وفي يده مسدسٌ ضخم … كان تنكُّر «رشيد» قد أُزيل، وبدا واضحًا أن رجال القاعدة الأرضية قد اكتشفوا الحقيقة … أن الشخصية المهمة التي تجسَّسوا عليها وحصلوا منها على الوثائق، ليست إلا شخصية مزيفة … وكان «كاميني» يصيح بضراوةٍ: سوف أجعلك تندم على أنك وُلدت … قبل أن ألهب نافوخك الصغير بالرصاص! كانت هذه الجملة هي آخر ما نطقه «كاميني» قبل أن يفتح عينيه في دهشةٍ وذهول وهو يرى «فهد» أمامه … ولم يكن في استطاعة «فهد» أن يطلق الرصاص عليه. فقد كان «رشيد» بينهما … وأدرك «رشيد» هذه الحقيقة، فدار مُسرعًا منتهزًا فرصةَ ذهولِ «كاميني»، وبضربةٍ أطار المسدس من يده! …
وزالت دهشة «كاميني» وتحول إلى غوريلَّا متوحشة فقد انقضَّ على «رشيد» كالصاعقة واستطاع أن يمسك بذراعه التي أطارت المسدس حتى كاد «رشيد» يصرخ من الألم … ولكن «فهد» قفز ثلاث مرات أمامًا ثم يسارًا ثم انقضَّ على «كاميني» وطار في الهواء ووجَّه ضربةً رائعة إلى الغوريلَّا القبيح. وأفلت «كاميني» ذراع «رشيد»، ودار دورةً كاملة حول نفسه قبل أن يُطبِقَ عليه «رشيد» من ناحية و«فهد» من ناحية أخرى … كان كالساندوتش بينهما وهما يلعبان معه لعبة العصارة. فقد أمسك كل منهما بإحدى ذراعيه وأدارها في الاتجاه العكسي، وقرقعت عظام «كاميني»، وأطلق صرخةً متألمةً. كانت صرختَه الأخيرة … فقد وجه له «فهد» لكْمةً أشبه بالقنبلة ردَّت الصرخة إلى حلقه وجرَّه الصديقان إلى حيث كانت «إلهام» تقف وقد فتحت بابًا في الجدار … ونظرا إلى الداخل، كانت إحدى غرف الأجهزة اللاسلكية، وأسرعا بوضعه فيها ثم أغلقا الباب.
عثمان: أين «أحمد» يا «رشيد»؟
رشيد: لا أدري … إنهم يستجوبونه، ويجب أن نلحقَ به … إنهم وحوش لا يعرفون الرحمة.
عثمان: سننقسم إلى فريقين؛ أنا و«فهد» في ناحية، وأنت و«إلهام»، و«باسم» في ناحية … ولا تنسوا أن تضعوا العبوات الناسفة كلما تيسَّر ذلك …
إلهام: أين نلتقي؟
عثمان: في نفس هذا المكان … فهو خالٍ من الحراسة الآن … ولكن هذا بعد نصف ساعة … سنصعد نحن بالمصعد، وأنتم تقومون بتطهير الحراس ووضع العبوات الناسفة …
وافترقت المجموعتان، وأسرع «عثمان»، و«فهد» بالصعود بالمصعد … وفي ثوانٍ قليلة وجدا نفسيهما في الدور الأخير، ومن المؤكد أنه المقر الرئيسي للحراسة والأجهزة التي تحرس المحطة.
فتح «فهد» الباب بحذرٍ شديدٍ، ورأي على طول الحائط أمامه خطًّا أصفر من الضوء المتقطع خلفه جدار ضخم من الصخر المصفَّح بالصُّلْب. وخلف خط الضوء الأصفر مباشرةً كانت هناك عشرات المؤشرات المضيئة تتلوَّن بألوان مختلفة، وأطلَّ برأسه أكثر … ووجد يدًا تمتد بهراوة تكاد تهوي على رأسه، فقفز خارجًا مُمسكًا في نفس الوقت بالذراع الممتدة، وقفز «عثمان» خلفه … كانا حارسين يقفان بجوار باب المصعد مسلَّحَيْن بالهراوات وبمسدسات صغيرة غريبة الشكل … أدار «فهد» الذراع الممسك بها واضطُرَّ صاحبُها أن يستديرَ معه، وكان «عثمان» قد انقضَّ على الحارس الآخر، ودارَ صراع قصير انتهى بسقوط الحارسين.
وقف «فهد» و«عثمان» يلتقطان أنفاسهما، ثم سارا على أطراف أصابعهما … وفجأةً شاهدا شيئًا لم يتوقعاه مطلقًا … السماء سوداء … تلمع فيها النجوم … وهمَسَ «عثمان»: نحن على قمة الجبل … إن المحطة في الناحية الأخرى.
وسارا بسرعةٍ، ووصلا إلى حافةٍ قمة الجبل، ونظرا … كانت هناك ثلاثة أجهزة رادار ضخمة تدور، أحدها موجَّه إلى ناحية الشرق، والآخر إلى الغرب … أما الثالث فكان موجَّهًا إلى فوق؛ إلى السماء …
همس «عثمان»: هذه أضخم أنواع الرادار التي رأيتها في حياتي … اثنان للالتقاط من الأرض، والثالث لالتقاط الإشارات من القمر الصناعي … هيا بنا.
سارا معًا في دِهْليز مكشوفٍ على جانب الجبل، وفجأة أشار «فهد» إلى شيءٍ في جانب من الجدار، وأسرعا يشاهدانه … كانت فتحة في الجدار بها شاشة تليفزيون زرقاء مثل السماء، وقال «فهد»: إنها تعكس صورة السماء!
وقبل أن ينتهيَ من جملته ظهرت على الشاشة كرةٌ صغيرة مضيئة اللون تسير بسرعة في مدار … وقال «عثمان»: إنه القمر الصناعي!
فهد: الصورة الآن واضحةٌ لنا … عندهم أجهزة تصوير تليفزيوني وتليفوني متقدم جدًّا … تنقُلُ أكثر ما يحدث على الأرض العربية من نشاط، وتنقل الأحاديث، والمكالمات اللاسلكية كلها …
عثمان: إنه عملٌ ضخمٌ!
فهد: ومهمتنا أن نحوِّله إلى أنقاض.
وفجأةً أمسك «عثمان» بذراع «فهد» وجذبه في جانبٍ مظلم، فقد فُتِح بابٌ وخرج رجل، ورأى الصديقان وجهَه، لم يكن إلا «يوناسيرا بونانو»، رجل «المافيا» … كان يتحدَّث مع شخصٍ داخل الغرفة وسمِعاه يصيح: أين هؤلاء الحراس؟ … إنني لم أجد أحدًا … لقد ضربت كل الأجراس دون جدوى!
ومشى «يوناسيرا» سريعًا حتى اقترب من الصديقين. كان يمسك بيده مسدسًا طويل الماسورة يشبه المدفع. وكانت عيناه تقدحان شررًا … ونظر «عثمان» إلى «فهد» نظرةً فهِم منها «فهد» ما هو المطلوب … وتركاه يسير حتى أصبح على بعد مترٍ واحد منهما. وكالحيوان المتوحش أحسَّ «يوناسيرا» بوجود «عثمان» و«فهد» فرفع مسدسه إلى فوق، واستعدَّ لإطلاقه … وانقضَّ عليه الشيطانان كالصاعقة … لم يضرباه، لم يحاولا أخذ المسدس من يده، لقد حملاه بين أيديهما كالطفل وألقيا به من فوق الجبل! … وصرخ «يوناسيرا» ثم أطلق مسدسه قبل أن يهويَ في الفضاء.
ووقف «عثمان»، و«فهد» يريان ردَّ فعل المسدس الذي انطلق … وسرعان ما سمِعا صوت صَفَّارات الإنذار تدوِّي في أنحاء القاعدة … والتمعت في الدهاليز عشرات من الكشافات تدور في كل مكانٍ … وأخذ كشاف منها يقترب من الصديقين. ولم يتردد «عثمان»، أطلق كرته المطاط على الكشاف فحطَّمه … وساد الظلام!