الفصل الأول
كانت الرياح شديدة، والعاصفة تثور هابَّةً من الغرب إلى الشرق، وقد تلبدت الغيوم في السماء وَاقْتَمَّ بها الجو فحجب نورَ القمر.
وهناك رجل يوسع الخُطى ويقاوم الزمهرير، وقد التفَّ بوشاح كبير، ولبس قبعة تغطي معظم وجهه، فلا يبدو منه غير لحيته التي وخَطَها الشيب، وعيناه اللتان كانتا تتقدان كعيون النمورة.
وكان معه كلب كبير بجانبه، وهو طويل الأذنين أسود الجلد، وله عينان تضيئان كعيني صاحبه، يوافق صاحبه، فيسير لسيره ويقف لوقوفه، وكلاهما ساكتان ينظران إلا الأفق المربدِّ، ويهبطان من قمة عالية إلى وادٍ ضيق.
وما زال على سيره حتى خرج من ذلك الوادي، وظهرت له عن بُعد أنوار قصر فخيم، وبجانب ذلك القصر نور ضعيف كانت نسبته إلى تلك الأنوار المتألقة كنسبة شمعة الجنازة إلى أنوار المراقص.
فسار الرجل بكلبه إلى مكان ذلك النور، وفيما هو سائر رآه أحد الرعاة، فهلع قلبه من الخوف واستعاذ بالله، وحاد عن طريقه مسرعًا.
أما الرجل فإنه هزَّ كتفيه، وأسرع في سيره إلى جهة ذلك النور غير مكترث لما رآه، حتى انتهى إلى ذلك القصر الفخيم، وسمع أصوات الضحك منه، ولكنه سمع أيضًا صوتًا يشبه الأنين، استرعى كل سمعه.
وكان هذا الصوت خارجًا من منزل حقير في حديقة القصر، وهو المنزل الذي كان يضيء فيه النور الضعيف، فَتَكَتَّفَ الرجل، ووقف بجانب ذلك المنزل يصغي إلى ذلك الصوت.