الفصل الثالث
ولنُعد الآن بالقارئ الكريم إلى ذلك القصر الفخم الذي كانوا يأدبون المأدبة فيه، فقد وضعوا الطفل في مهد من الحرير الأبيض، وأرخوا فوقه ستائر وَرْدِية، وأقبل المدعوون يداعبونه بأقوالهم المختلفة، وهو يبتسم لهم كأنه يعلم أن هذه الحفلة أُعدت من أجله.
وقد اجتمع المدعوون حوله في قاعة عظيمة، واقترح واحد منهم أن يدعو كل من الحاضرين دعوة للمولود الجديد، ويقول ما يتمنى أن يكون، فوافقوا على اقتراحه، ووقفت عرَّابته، وهي فتاة حسناء، فقالت: إني أتمنى أن يكون جميلًا، ونهض فتى من الضباط وقال: وأنا أتمنى أن يكون باسلًا، وقالت امرأة من العجائز: وأنا أتمنى أن يكون محبوبًا، وقالت امرأة أخرى: وأنا أتمنى إذا كان محبوبًا أن يكون محبًّا، فلا أسْمَج في عيوننا — نحن النساء — من فتى لا تنفذ إلى قلبه أشعة الغرام، وقالت أخرى: وأنا أتمنى له ألَّا يحب غير مرة واحدة، فقال عظيم من المدعوين، وكأنه يعرِّض بقول المرأة: وأنا أتمنى أن يكون له جواد للصيد يغيِّره كل عشرة أعوام، وأن يكون له كلب واحد أمين لا يغيِّره مدى الحياة.
وقال أبو الطفل: أتمنى أن يكون قوي الجسم سليم البنية والأعضاء، وتمنى له عمه أن يرث كثيرًا من الناس، وقد تمنى له كل من الحاضرين أمنية على نسق ما تقدم، حتى إذ فرغوا تنهدت أم الطفل وقالت: إنكم تمنيتم له كل أنواع الخير ما خلا أمرًا واحدًا أغفلتموه، قالوا: ما هو؟
قالت: السعادة! ولكن لم يبقَ أحد بينكم لم يقل قوله، فيتمنى له هذه الأمنية.
فقال أحدهم: ولكننا لا نزال في أول الليل، ولا بد أن يجيئنا زائر جديد، فنقترح عليه أن يتمنى له «السعادة».
ولم يكد صاحب هذا القول يتم جملته حتى قُرِعَ جرس الباب الخارجي، فصاحت الأم قائلة: قد أتى زائر جديد.
وبعد هنيهة دخل رئيس الخدم فقال لصاحب المنزل: إن بالباب يا سيدي الكونت مسافرًا يلتمس الضيافة، فأدخلتُهُ دائرة المطبخ، وأتيت أسأل سيدي إذا كان يأذن له بزجاجة خمر يشربها داعيًا لابنك الفيكونت.
فقال له الكونت: لقد تسرعت، فأخطأت بإدخاله المطبخ، فأدخله في هذا المكان، فإننا في يوم عيد، أتمنى أن يشترك به معنا جميع الناس.
قال: ولكنه يا سيدي زري الملابس، ويصحبه كلب.
قال: أعطه ملابس غيرها، وليدخل مع كلبه، فإننا نتفاءل خيرًا بالكلاب.
فخرج الخادم ممتثلًا، وبعد هنيهة دخل الرجل وكلبه في تلك القاعة التي كانت تتلألأ بالأنوار، ووقف عند بابها، فخيل لجميع الحضور حين رأوه أن تلك الأنوار قد اصفر شعاعها، وداخل قلوبهم شيء من الرعب لم يعرفوا سببه.