(١) داود الأنطاكي
وقد استمر هذا النوع الأدبي حتى القرن العاشر في:
(أ) «تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العُجاب» لداود الأنطاكي (۱۰۰۸ﻫ)،
والمشهور باسم «تذكرة داود»، والذي أصبح في الثقافة الشعبية دليلًا على الشفاء، وفي
الثقافة العالمة مؤشرًا على الجهل والخرافات والطب غير العلمي والوصفات الشعبية، مع
أنه صورته في التاريخ هو الحكيم الفيلسوف الماهر الفريد، الطبيب الحاذق الوحيد
جالينوس، أو أنه وأبقراط زمانه، العالم الكامل، الهمام الفاضل الشيخ داود الضرير
الأنطاكي، «نفعنا الله بمؤلفاته، آمين».
١ فهو الجامع بين الموروث والوافد، وهو طبيبٌ ضرير. الجزء الثالث من عمل
تلاميذه كتعليق، وهو المملوء بالطب النبوي والطلاسم، والذي طغى على جزئَي الأستاذ
لما فيه من إغراءٍ شعبي وإغواء للناس.
٢
والدافع على التأليف الجمع والإحصاء والحفظ والتدوين في عصر الموسوعات في القرون
المتأخرة، وفي نفس الوقت إعطاء مختصر وليس مطولًا طبقًا لهموم قِصر العمر.
٣ وقد يكون الدافع هو الوطن، ووضع الطب بين أيدي المسلمين بعد أن كان
بأيدي اليهود، وهو أشبه بالقاموس مثل «القانون في الطب» لابن سينا، «في الأدوية
المفردة والحشائش» لديسقوريدس، و«جامع مفردات الأدوية» «لابن البيطار». وتُذكَر
أحيانًا المصادر التي يتم منها التجميع، مثل الفِلاحة النبطية، وإرشاد اللبيب،
جمعًا بين رجوع الشيخ إلى صباه، شرح الأسباب، شرح القانون، ويضم أربعة أبواب
معظمُها يبحث في الكليات والقوانين، القانون لابن سينا، والكليات لابن رشد. الأول
كليات العلم، والمدخل إليه لتصنيف العلوم، والثاني قوانين الإفراد والتركيب،
والثالث المفردات والمركبات، والرابع الأمراض وعلاجها، وهو أكبر الأبواب، والخاتمة
نُكت وغرائب ولطائف وعجائب للتشويق، والتي طوَّرها التلاميذ. وهو أفضل النصوص
المتأخرة في علم المتقدمين. ومن هنا أتت شهرته عند العلماء، وكل مسألة عملية لها
مقدمةٌ نظرية. هناك البنية قبل الأبجدية.
٤
وتنقسم العلوم طبقًا لمناهجها إلى قسمين؛ الأول بالفيض والإلهام، والثاني
بالتجربة والقياس. والطب من النوع الثاني. كما تتقسم من حيث تعلمها إلى ضرورية
ومكتسَبة، والطب من النوع الثاني. فالطب جزء من نسقٍ عام للعلم، مرتبط بعلم النجوم
والجغرافيا والأخلاق، يقوم على مقدمات نظرية فلسفية كلامية أولى قبل أن يكون علمًا
عمليًّا للممارسة والعلاج؛ لذلك ارتبط الطب بالفلسفة الأولى.
وهو ينقد أطباء العصر وينعتهم بالجهل، ويُقيم الطب على التجربة والقياس؛ لذلك
يكثر تعبير «ومن المجرَّبات». ويقيِّم طب السابقين مثل الرازي، يقبل ما هو أصح عنده
ويرفض استدلالات إذا كانت صورة القياس باطلة. ومع ذلك سادته بعض الخرافات للربط بين
الطب والفلك في صورة التنجيم، خاصةً لو كانت البداية بنظرية الفيض. والاعتماد على
الأفلاك للشفاء عجز عن فهم الأمراض وعللها وأدويتها، بالرغم من أن الربط بين الطب
والجغرافيا في الطب الجغرافي أو الجغرافيا الطبية تيارٌ علمي. وفي العصور المتأخرة
عندما توقَّف الإبداع وتم اكتشاف الأصول الأولى، النبوة وما قبلها في الشعر، ظهر
الطب النبوي إما بمفرده أو بالتوفيق بينه وبين الطب العلمي، بل إن أرشميدس هو أول
من أسَّس علم الطلسمات ربطًا للحاضر بالماضي، وللموروث بالوافد، مع كثير من الرسوم
التوضيحية.
ويظهر الوافد في العمق والموروث على الاتساع؛
٥ فمن الوافد يتصدر جالينوس، ثم أبقراط مع الأستاذ، ثم المعلم الأول
والمعلم والحكيم، ثم أفلاطون، ثم هرمس وديسقوريدس اليوناني وأندروماخوس، ثم إقليدس،
ثم ديمقريطس وآل إسقلبيوس والإسكندر وفيثاغورس وحوالَي عشرين آخرين.
٦ ومن الصفات يتصدر اليوناني مذكرًا ومؤنثًا، ثم الروم، ثم السريان خاصة
باللسان أو القوم. ومن الفِرق الحكماء، ثم الصقالبة، ثم القدماء والأطباء والفلاسفة
وحكماء النصارى وبعض الأطباء وحكماء مصر والأقباط. ومن الأسماء المعربة
الأرتماطيقي، جوماطريا، قاطيغورياس. ويدل تحليل الألقاب، مثل الفاضل لأبقراط
وجالينوس، على مدى تعظيم القدماء. والبعض منهم أشبه بالرسل، عليهم السلام، مثل آل
إسقليبوس وهرمس عليهما السلام. ويُذكَر الوافد البابلي، حكيم من بابل يُسمى دويدرس
البابلي. ويبدو أن آدم تراثٌ قومي عند الكلدانيين، وكما ظهر عند البيروني.
ويظهر الوافد في أسماء الدواء من الشمال والجنوب والشرق والغرب على النحو
الآتي:
ومن الموروث يتصدر ابن سينا والشيخ، ثم بختيشوع، ثم الرازي وأبو الفرج، ثم
النفيس، ثم ابن التلميذ، ثم ابن رشد والكندي، وابن ماسون (ابن النفيس) وابن البيطار
وأبو البركات الطبيب والشريف والترمذي وابن عباس والحاكم وإدريس في المرتبة
السادسة، ثم عشرات الأطباء الآخرين والصحابة والفقهاء والمؤرخين والحكماء والخلفاء
وزوجات الرسول والأنبياء الأقل تكرارًا.
٧ ومن أسماء الأماكن يتصدر الهندي، ثم الفارسي، ثم العربية، ثم الشام، ثم
العراق، ثم المغرب، ثم البربري، ثم أرمينيا والعبرية، ثم الزنجي والحجاز والأندلس
وسرنديب، ثم بغداد والقدس، ثم أفريقيا وعشرات آخرون من الأماكن الأقل تكرارًا.
٨ ويتصدر الحديث القرآن، وكلها في الطب النبوي، تتعلق بالخلق والحكمة
والحمى والمرض والعدوى ووسائل العلاج والاتكال على الله،
٩ ومنها حديث بالفارسية «اشلم درد»، ومعناه وجع البطن.
١٠
ويبدو مسار الفكر حتى في التجميع، الإحالة إلى السابق. وكما يبدأ الكتاب بالبسملة
ينتهي بالحمدلة، ويُعطي صفات للذات تتعلق بالطب، مثل مبدع مواد الكائنات بلا مثال
سبق، ومخترع صور الموجودات في أكمل نظام ونسق، ومنوع أجناس المزاج الثاني نتائج
الأوائل، ومقسم فصوله المميزة على حساب الفواعل والقوابل، والمجرب المعيشي. وكل شيء
بحمد الله وتوفيقه وبمشيئته، له الحكم في كل شيء، وهو الشاهد، لا ضرر ولا نفع إلا
بقضائه، وهو أعلم من العلماء.
١١
ويمتلئ التذييل لبعض التلاميذ كنموذج للعمل الجماعي الذي يكشف عن الوعي الجمعي
بالثقافة بالرسوم التوضيحية والمعادلات والصور للملائكة، والجداول الإحصائية وحساب
القوى الطبيعية وجداول طبائع الحروف وتراكيبها وجداول الأفلاك وجداول الكلمات
وأشكال الأحجية ورسوم هندسية وصور حيوانات. ويُضيف الرقي والطلسمات والفلقطاريات
والموسيقى والسيمياء كأجزاء من الطب مع بيان الدلالة السحرية لأعضاء الجسم،
اعتمادًا على علم النفس الإيهامي والصوفية ومشايخ الطُّرق وعلم الأسرار والحروف
ونماذج من الدعوات والأحجبة والصلوات للشفاء مع إضافة القرآن. كل شيء له حجابٌ، مثل
كل شيخ وله طريقة؛ مما يكشف عن صراعٍ مكتوم بين الخرافة والعلم.
١٢
ومن الوافد يتقدم جالينوس، ثم أبقراط، ثم فرفوريوس وأفلاطون، ثم فيثاغورث
وأركيغانس وسكافيلوس. ومن أسماء الفِرق يأتي الحكماء، ثم الفلاسفة، ثم حكماء
اليونان. ويُذكَر الفرنجة إحساسًا بالشمال الناهض وباليونانية. ومن الكتب يُذكَر
السماع والطبيعيات.
١٣
ومن الموروث يتقدم الشيخ (ابن سينا)، ثم الإمام الشافعي، ثم الرازي والمعلم
الثاني (الفارابي)، ثم الشيخ محمد زيتون، ثم السهروردي والشيخ الفاضل أبو الفرج
المالطي، ثم الغزالي وذو النون المصري والبهلول وعبد الله بن هلال والحكيم أبو بكر
والحلاج والطرطوسي والشيخ علي المقدسي وسليمان ونوح.
١٤ وواضحٌ سيادة الصوفية على الحكماء.
١٥ كما تكثر الأسماء الخرافية السحرية، مثل شمهورش في الثقافة الشعبية.
ويتم الشفاء بآيات القرآن والأحاديث المكررة، وكما تطور الطب النبوي إلى الطب
العلمي بفضل الوافد يتحول الآن الطب العلمي إلى الطب النبوي «مؤسلمًا» الوافد. تكثر
آيات القرآن في الأحجية.
١٦ ومن الأماكن تُذكَر الهند وحكماء الهند ومصر والعرب، ثم الحجاز والصين.
١٧ ويُحال إلى بعض المصادر الموروثة.
١٨
وتزداد العبارات الإيمانية في البداية والنهاية وألقاب التشايخ والتنبيه على أن
المنفعة والضرر من الله، وأن الأدوية ليس في قوتها ما ينفع ولا يضر، إنما هي عادة.
ويقتصر ذلك على المسلمين وحدهم، وكأن الجسم يتحدد طبقًا للملة. وكل شيء بقدرة الله
ومشيئته وإذنه، وكله من عجائب الحكمة الإلهية. والشفاء لا يتم إلا بالقرآن كتابةً
وقراءة.
(ب) ولداود الأنطاكي أيضًا «النزهة المبهجة في تشحيذ الأذهان وتعديل الأمزجة» على
هامش «التذكرة»،
١٩ وهو آخر ما ألَّف؛ مما يكشف عن نضجه العقلي ورؤيته الفلسفية، وعن تجاوز
التجميع من الكتب السابقة إلى التفكير وضم المعقول إلى المنقول. مصادر التأليف
عقليةٌ أكثر منها نقلية، مثل الحكميات والفلسفة، وإرجاع المركب إلى البسيط، ووضع
الجواهر في الألفاظ؛ مما يدل على غلبة التفكير على التدوين، والداخل على الخارج.
ويقوم ذلك كله على مسلَّمة تطابق العقل والوجود، الذات والموضوع؛ ومن ثَم يعود الطب
إلى أصله في واجب الوجود. ليس الغرض تكرار المادة الطبية، بل تأسيسها على نحوٍ
عقلي، وهو على هذا النحو أقرب إلى الإبداع الخالص بالرغم من ظهور الوافد والموروث؛
فالكتاب في فلسفة الطب أكثر منه في الطب؛
٢٠ لذلك تقلُّ الرسوم التوضيحية، ويختفي الترتيب الأبجدي نظرًا للاعتماد
على العقل الخالص. تظهر روح إخوان الصفا من جديد، الكل في الكل. ويكثر تقييم التراث
الطبي السابق، والحكم بالصحة والبطلان والصواب والخطأ. ويظهر التمايز بين الأنا
والآخر في أفعال القول، «أنا أقول».
٢١
وكما بدأ الفارابي بإحصاء العلوم يُنهي داود أيضًا بتصنيف العلوم ووضع الطب فيه؛
فالطب جزء من العلوم الطبيعية كالصيدلة والكيمياء والنبات والحيوان والطبيعة، وعلى
صلة بالعلوم الرياضية كالحساب والفلك والهندسة والموسيقى، وكلاهما على صلة بالعلوم
الإنسانية كالجغرافيا والتاريخ، بل وبالعلوم الشرعية، مثل علوم الحكمة الإلهية
الكلامية والفقهية، العقيدة والشريعة، النظر والعمل، على النحو الآتي:
ويتضح من ذلك أهمية الفلك وأثره على العلوم الطبيعية كالطب والصيدلة والطبيعة
والكيمياء، بل وعلى الموسيقى، وأهمية الحساب للجغرافيا والتاريخ. والأعلى هو الذي
يؤثر في الأدنى؛ مما يُعطي الأولوية للعلوم الرياضية على الطبيعية والإنسانية. كما
ترتبط العلوم الرياضية بعضها بالبعض مثل الفلك والموسيقى؛ فالكون نغم، والنغم روح.
الطبيعة والروح لغةٌ واحدة. شرف العلم طبقًا لمرتبته؛ أي لشرف الموضوع، وهو الأعلى
الذي يجمع بين المراتب الثلاث، أو لجمعه بين مرتبتين، أو لمدى الحاجة إليه في
مرتبةٍ واحدة، وهو المستوى الإنساني.
٢٢ ويحتاج الطبيب إلى كل هذه العلوم؛ فهو من علوم الحكمة، البداية من
أعلى، كل علم يؤدي إلى الآخر في نسقٍ استنباطي واحد. الشريعة قاموسٌ إلهي، وجزء من
نسق العلم؛ فالشريعة سياسة الأرواح، كما أن الطب سياسة الأبدان. ولا فرق بين العلوم
العقلية الرياضية والطبيعية والإنسانية والعلوم النقلية. والنبوة جزء من منظومة
العلوم.
ويتضح ذلك النسق في مقدمة الكتاب وتبويبه؛ إذ تشمل على استنباط الطب من الحكمة،
ثم تعالج الأبواب الثمانية الكليات، والأسباب، والأحوال والعلامات، والقوانين
والوصايا، وهي كلها أمورٌ حكمية. وأخيرًا يظهر علم الطب الخاص في الأمراض الباطنة
عضوًا عضوًا، من الرأس إلى القدم، من أعلى إلى أدنى، وفي الأمراض الظاهرة.
٢٣ وداود مثل ابن سينا الرئاسة في القلب، على عكس أبقراط وجالينوس حيث
الرئاسة الدماغ؛ مما يعبِّر عن جوهر حضارتين، القلب والعقل. ويرتبط علم النفس بعلم
الطب لوضع علم الطب النفسي أو علم النفس الطبي، أو علم نفس الحواس.
٢٤ وهنا يدخل السحر لأنه من أثر العالم العلوي على العالم السفلي،
والفِراسة جزء من الطب، معرفة الأمراض عن طريق قوانينها الحسية، معرفة الداخل عن
طريق الخارج.
ويعتمد على القياس والتجربة لبيان وحدة الوحي والعقل والطبيعة. ولا ريب من القياس
والتجربة على الحيوانات من أجل معرفة شخصية الإنسان؛ لذلك تكثر عبارات «وهذا من
مجرَّباتنا»، «ومن المجرَّب فيها» … إلخ. وتظهر العبارات الدالة على مسار الفكر في
هذه المرحلة المتأخرة؛ مما يدل على أن الفكر لم يتوقف حتى في عصر الشروح والملخصات،
وهي العبارات الدالة على ما يتم وما سيتم.
٢٥ والعمل وحدةٌ واحدة بالرغم من قلة الإحالات إلى مصادر أخرى، مثل «كتاب
البلدان». ويظهر أسلوب الاعتراض والرد عليه مسبقًا أسوةً بالعلوم العقلية، وفي نفس
الوقت يُخاطب القارئ لمشاركته في الفكر والاستدلال.
٢٦
ومن الوافد يتصدر جالينوس، ثم أبقراط، ثم المعلم والحكيم باللقب وليس بالاسم، ثم
فيثاغورس وفوفوريوس، ثم بطليموس وأفلاطون وديمقريطس وديسقوريدس وأندروماخوس ورودس
وأنبادقليس وسقراط وخطافورس.
٢٧ كما تظهر صفة يونانية كثيرًا؛ مما يدل على التمايز بين الوافد
والموروث. ويُشار إلى بعض الكتب مثل أسطرنوميا، وأرثماطيقي، وكتب السماع. ومن أسماء
الفِرق يظهر الحكماء على الإطلاق دون تحديد وافد أو موروث، ثم الفلاسفة. كما تظهر
أسماء أماكن مثل رومية والإفرنج. وما زالت بعض الألفاظ اليونانية المعرَّبة حتى هذا
العصر المتأخر، مثل أسطغورياس؛ أي المنزل ولوازمه. ولم يعد لفظة الحكمة يُشير إلى
الوافد، بل الحكمة ذاتها دون تمايز بين الوافد والموروث. ونظرًا للبعد عن الوافد
يتم التعريف بالبعض؛ فإن أندروماخوس من المشائين، وفوطاغورس يعني صاحب المرتبة أتى
بعد أرسطو، وتُنقَل بعض النصوص المترجمة، بل قد يختفي اللفظ الوافد ولا يبقى إلا
الموروث قبل السياسة الملكية والسلطانية. وعندما يُشار إلى جالينوس فليس المقصود
بداية الوافد عند اليونان، بل استمرار تراثه عند المتأخرين، من حضارة إلى حضارة.
٢٨
ومن الموروث يتصدر الشيخ، ثم أبو الفرج المالطي، ثم المسيحي، ثم الرازي وصاحب
الحاوي والكامل، ثم الصابي، ثم المعلم الثاني.
٢٩ والشيخ ابن سينا من أتباع المعلم الأول، وهو معلم الطب، وتُذكَر أقواله
في الشفاء. والرازي والمعلم الثاني أهم من ابن رشد. وتُذكَر الألقاب قبل الأسماء في
الموروث أيضًا مثل الصابي، المالطي، وليس في الوافد فقط. ولا تظهر أعلامٌ أخرى مثل
ابن النفيس. ويوصف الرازي بأنه من الإسلاميين إحساسًا بالتمايز بين الموروث
والوافد، كما أن جالينوس من اليونانيين. ومن أسماء البُلدان يظهر العود الهندي، ثم
الدار صيني، ثم الفارسي، ثم الرومي، ثم مصر والأرمني، ثم الحبشة والعرب والحجاز
والشام وصفًا للأدوية ومصادرها. ومن الفِرق يُذكَر حكماء الهند وحكماء النصارى وأهل
الشرع والمتأخرون وأهل الطبيعة ومحققو الفلاسفة. وتظهر بعض الموضوعات الكلامية، مثل
الآجال والأرزاق. وتُستعمل بعض المفاهيم الأصولية مثل عموم البلوى.
ويظهر اتفاق العلم والدين، القرآن والطب، الحديث والعلاج، في هذه النصوص
المتأخرة. الله حكيمٌ وضع الحكمة في الطبيعة، وهي أصول الطب؛ فكل ما يحدث في
الطبيعة من تغير يفتقر إلى الإيجاد الإلهي، وفي ظواهرها عجائب الحكمة الإلهية،
وحوادثها من مقتضيات عناية الحكيم.
٣٠
يُساعد الطب على الإيمان كما يُساعد الإيمان على الطب. التوفيق بين الدين والعلم
ممكن، والخلاف بينهما في الإيجاب؛ أي في الضرورة. في العلم موجباته الأسباب، وفي
الإيمان موجباته الحكمة الإلهية؛ فإذا قال أهل الشرع إن ما يحدث في الطبيعة بقدرة
الله وألطافه وصناعته فذلك لا يُناقض العلم، وإنما الخلاف في الإيجاب. فإذا رأى
الرسول الغيب فإن ذلك يُعتبر نقدًا للحسيين الذين يقصرون المعارف على الحس. وكان
أول ما يعتبر به الحكماء التشريح؛ لأنه يزيد الإيمان بالصانع الحكيم، ويُرشد إلى
مواقع الحكمة كما لاحظ ابن سينا.
وتظهر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لتفسير الطب أو ليفسِّرها الطب، وذلك
مثل آية التطور
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ
سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ
مَكِينٍ، وهو ما عادل التفسير العلمي للقرآن الآن. ومثل آية
فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا
آخَرَ، فلا خلاف بين التطور والشرع. وإذا نهى الشرع عن البحث في الروح
قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي؛ فإن الغاية من
هذا الزجر حب الاستطلاع؛ وبالتالي الحث على العلم، والنفس مُولَعة بالبحث عما نُهيت
عنه. وقد يكون الهدف هو البحث في البدن؛ فالطب هو علم الأبدان، كما أن الدين هو علم
الأرواح. وقد أشار القرآن إلى علم الفِراسة في آية
إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ، وفي الحديث: «إن خلق أحدكم
ليُجمَع في بطن أمه أربعين يومًا.» مما يدل على التطور في الزمان قبل الولادة
وبعدها. الطب مِصداق للحديث.
٣١ وفي الحديث: «تداوَوا فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء»، «الدواء من
الداء». فالله هو سبب المرض والعلاج.
٣٢
وفي البسملات والحمدلات تظهر وحدة الحكمة الإلهية مع الحكمة الطبيعية؛ فالأجرام
تسجد لله صاغرةً، والأخلاط تمتزج بحكمته خادمةً له مُتصاغرة، وأنعم الله على
الأعضاء ببعث الأرواح، وجعل الأفعال غايات القوى، واستمداد العصمة والتوفيق من واهب
العقل. والله أعلم بحقائق الأمور، وكل شيء يتم بمشيئته وبإذنه، والله الموفق
للصواب، وإليه المرجع والمآب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهو نعم
الوكيل، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه. ويتوارى مدح السلطان إلى مدح الشيخ،
سلطان العلم، بشعرٍ ركيك لمدح مذموم.
٣٣
(٣) المنذري
وكعادة كل الأشكال الأدبية في صلة الوافد بالموروث، تنتهي كلها في القرون
المتأخرة بسيادة الموروث الخرافي الشعبي، سواء في الطب أو في الفلك، في بدن الإنسان
أو في بدن الكون، في العالم الأصغر أو في العالم الأكبر؛ فإذا كانت «تذكرة داود» أو
القليوبي هو النموذج للطب الشعبي، فإن «كشف الأسرار الخفية في علم الأجرام السماوية
والرقوم الحرفية» للعلامة عمر بن مسعود بن ساعد المنذري (١١٦٠ﻫ) يُعتبر نموذج الفلك
الشعبي، والتحول من علم الهيئة أو علم النجوم إلى علم التنجيم.
٣٦
وفي هذه الحالة تقلُّ دلالة الموروث والوافد، العنصرين المكونين للإبداع الفلسفي
لصالح الواقع النفسي والاجتماعي للعلوم الإسلامية التقليدية. ويتضخم هذا المكون
الثالث لدرجة احتوائه للمكونين الأولين؛ فالموروث هو الموروث الخرافي الأسطوري
الموضوع، والوافد هو الوافد الخرافي الشعبي المنحول. يصبح الإبداع غير مشروط
بمكوناته الأولى وتعبيرًا عن الخيال الحر، فيتحوَّل العلم إلى خرافة، والواقع إلى
أسطورة، والعقل إلى خيال.
تظهر أسماء الأعلام في الجزء الأول، وتقل تباعًا حتى تختفي كليةً الجزء السادس.
البداية بالتاريخ، والنهاية خارج التاريخ. كما يقلُّ عالم الحروف الرقمية في الجزء
الأول، ويكثر تباعًا حتى يسود كليةً الجزء السادس. البداية بعالم الأشياء، والنهاية
بعالم الرموز.
يتضمن الجزء الأول «في تقرير أصول علم النجوم والاضطرار إليه، وفيما يخص كل برج
ويُنسب إليه» واحدًا وأربعين بابا تبيِّن فضل علم الحكمة والنجوم والبحث عن الأسرار
وأثر عالم النجوم والسحر المبني على تصفية النفس، وكلها بإذن الله.
٣٧ وكلها إسقاطات من النفس على الطبيعة، والإنشاء على الخبر.
والجزء الثاني «في أحوال الكواكب السبعة السيَّارة، ومعرفة طبائعها وما يعرض لها
من السعادة والنحوسة، وفيما يُضاف لها ويُنسب إليها، وفي قوتها وضعفها ودلالتها»
يتضمن ثمانين بابًا تختلط فيها الطبيعة بالإنسان، ويتداخل فيها الموضوع بالذات،
ويظهر فيها أثر الكواكب في مصائر البشر سعادةً وشقاءً، وإسقاط العالم الإنساني على
العالم الطبيعي في قسمة الكواكب إلى مذكر ومؤنث، وتفاوتها في مراتب الشرف، والصداقة
والعداوة، وشقائها وتعسها، ويقينها وحيرتها، وربط الكواكب وحركاتها على أفعال
البشر؛ مما يسلب حرية الإنسان وقدراته الطبيعية، وقضاء حوائجه أو وقفها؛ فهي عالمٌ
إنساني من الاستعلاء والقوة والفاعلية والكمال.
٣٨
والجزء الثالث «في تسخير الكواكب، وفيما يُنسب إلى كل كوكب مكنها من الأعمال
والمطالب في ساعاتها»، ويضم ثمانية وعشرين بابا، تدور معظمها حول مفهوم التسخير،
تسخير الكواكب في حياة الإنسان عن طريق السحر، كوكبًا كوكبًا، القمر وعطارد والزهرة
والشمس والمريخ والمشتري وزحل، ودفع مضارها وكيفية الاستعانة بها وحمدها، وأثرها في
زرع المحبة والكراهية في نفوس البشر، وطرق عمل الطلسمات في مختلف ساعات النهار.
٣٩
والجزء الرابع «في علم الحروف المرقومة وما يخصها من الأسرار المكتوبة» يعرض سرَّ
حرفٍ حرفٍ من الحروف الأبجدية بلا فصول أو أبواب مثل باقي الأجزاء، ضاربًا المثل
بمعنى البسملة كما هو الحال عند ابن عربي، وتقابلها مع تاريخ النبوة؛ فلكل نبي حرفٌ
ورقم وما يُقابله من الطبائع. ويبدو أن تتبع الحروف الثمانية والعشرين ابتداءً من
الألف حتى الياء أغنى عن تقسيم هذا الجزء الرابع إلى أبواب وفصول. وحروف أوائل
السور جزء من النظرية العامة في الحروف الرقمية. وكل حرف له شكل ومضمون يميلان إلى
درجة المعرفة ومرتبة الوجود. والحروف ليست مرتبة أبجديًّا، بل يتغير ترتيبها وفقًا
لنسقٍ خاص.
والجزء الخامس «في علم التكسير وحزب الأوفاق واستخراج الأسماء والأقسام وإظهار
الأرواح النورانية»، ويضم ثلاثين فصلًا حول أثر أفعال الأفلاك في العالم الإنساني،
ويغلب عليها موضوع الحروف، طبائعها ومراتبها، وتصرفها، وأنواعها، وأسرارها،
ومعانيها، واستخراج الحقائق منها، والأصول اللازمة لها، وطرق تكسيرها، ووجودها في
أم الكتاب، وطبائعها، سعدها ونحسها، منافعها ومضارها، وما يُنسب إلى الأيام السبعة
من الكواكب والآيات والملائكة العلوية والسفلية والعرشية، وكيفية العمل في كل يوم،
وتسبيح الملائكة، وتجريد النفس، وشرح تركيب الغزالي وفق زحل، وصفة الأقلام، وآداب
الدعاء وأوقاته وفضله وشروطه وآدابه.
٤٠
والجزء السادس «إغاثة اللهفان في علم تسخير الروحانية والجان» أشبه بكتابٍ مستقل
خاتمةً للكتاب نفسه. ولا ينقسم أيضًا إلى أبواب أو فصول؛ فالتصوف يرى العالم بعين
الوحدة المطلقة. وتنكشف الأسرار المخفية في الأحجية والطلسمات.
ولما كان «تمثل الوافد مع تنظير الموروث» حالةً افتراضية صرفة، فالتعادل ليس
وسطًا حسابيًّا، بل هو تعادلٌ نسبي. قد يزيد الوافد على الموروث، وهو الاحتمال
الأقل. وقد يتضخم الموروث على حساب الوافد، وهو الأغلب. ويقل الوافد والموروث
تباعًا، يظهران في المجلد الأول، ويقلَّان في المجلد الثاني، ويكاد يختفيان في
المجلد الثالث. ما زالا يمثِّلان نقطة بداية في التاريخ، تاريخ الآخر اليوناني
وتاريخ الأنا العربي الإسلامي، ثم يتحول النقل التاريخي إلى إبداعٍ خارج
التاريخ.
ويتداخل الوافد الشرقي مع الوافد الغربي؛ فالشرق موطن السحر، والغرب السحري أثر
من آثار الشرق. ويتصدر الوافد البابلي مثل تنكوشا المذكور عند ابن وحشية في
«الفِلاحة النبطية».
٤١ ويذكر أيضًا أبوراطيس البابلي وأسماءً أخرى شِبه هندية يونانية، مثل
بهرماطوس، سمهياطس. ويُذكَر الكلدانيون باعتبارهم رُواد علم الفلك الأوائل
والعالمين بأسرار النجوم. وهم في نفس المنطقة الجغرافية التي نشأت فيها الصابئة
عبَدة الكواكب، دين قوم إبراهيم. ويُذكَر كسرى من الموروث الفارسي.
ومن الوافد اليوناني يُذكَر أرسطاليس وهرمس، ثم بنداغوس والإسكندر وبطليموس
وأسطالينوس، ثم سقراط وأبقراط. وأرسطو هو المنحول الإشراقي الصوفي، وكذلك كل فلاسفة
اليونان. أما هرمس فهو زعيم السحرة، وهو إدريس النبي.
٤٢
وبالرغم من ظهور أسماء بعض الفِرق مثل الحكماء والفلاسفة والقدماء والمشايخ
القدماء والحكماء الفلسفيين، وهو ما يشير عادةً إلى حكماء اليونان، إلا أنه يُشار
إلى فِرقٍ شرقية أخرى، ليس فقط المعروفة منها مثل الكسدانيين وهم الكلدانيون، بل
أيضًا غير المعروفة، مثل الأنوسيين والزماطرة.
والموروث الغالب هو القرآن والحديث. والغالب على الآيات، آيات المعجزات والسحر
وغرائب الطبيعة وعجائب الكون، أو آيات النور والإشراق والإيمان، أو آيات الكون،
الخلق والبعث، أو آيات المعاد؛ فلا فرق في الكون بين الدنيا والآخرة. ويتحول القرآن
إلى آيات سحر ومعجزات لشفاء الأمراض بكتابتها في الأحجية والطلسمات. ويتحول التنجيم
إلى الطب. ومعظم الأحاديث موضوعية عن الحروف والأرقام والكتب المنزَّلة. وتدخل
الإسرائيليات، ليس فقط أنبياء بني إسرائيل، آصف بن برخيا، وسليمان وموسى، بل كل
الأنبياء الذين كانت لهم علاقة بالخوارق والمعجزات؛ فالدين واحد.
ومن الموروث يُذكَر أبو معشر البلخي، ثم أبو العباس البوني وقسطا بن لوقا وعلي
بن أبي طالب، ثم ابن سينا والخازن والأصفهاني وابن سبار والجمعيني والقمي والخياط
والغزالي وجابر بن حيان الصوفي والكوفي والحامدي وأبو سعيدي. وواضحٌ تداخل الفلاسفة
مع الصوفية والعلماء والصحابة في رؤيةٍ واحدة، العلمية الصوفية.
٤٣ وأسماء البقاع كلها عربية لا يونانية. وتكثر البسملات والحمدلات، وكأن
الإيمان الديني قادر على فك أسرار الطبيعة. كما تتردد عبارة «الله أعلم» مما يُوحي
بالأسرار، وباتساع مُحيط العلم.
وهو كتابٌ تجميعي شامل، يبدأ بالفلك وينتهي بالطب والكيمياء. يعتمد على نصوصٍ
سابقة يُعاد توظيفها واستخدامها في الهدف الجديد الذي يعبِّر عنه العنوان، كشف
الأسرار الخفية في علم الأجرام السماوية. وقد يُساهم الناسخ في التجميع؛ فالهدف هو
ملء القالب وليس المادة. ويبدو ذلك في الجزء الرابع عن الحروف الرقمية المقتبَس من
كتبٍ أخرى لنفس المؤلف، مثل كتاب الاقتباس.
تغيب عنه البنية، ويخلو من الأبواب والفصول، بل يخلو من ترقيم الصفحات، مكتوب بخط
اليد، بالأسود والأحمر، وعلى ورقٍ مطرز محشي بالزخارف، مملوء بالرسوم التوضيحية
والجداول بالحروف والأرقام. وتتخلله عباراتٌ غامضة مثل عبارات «شمهورش» في الثقافة
الشعبية لتُوحي بعالم الأسرار وحديث الجن. ويعتمد على أسرار الحروف. وهو ما يُوحي
به الجزء الأخير من العنوان «والرقوم الحرفية»، والتقابل بين أسرار الحروف وأسرار
الأرقام.
ولا يخلو الكتاب من سجالٍ ضد علم النجوم كعلمٍ طبيعي يُنكر أن تكون الأفلاك
كائنات حية ناطقة. لم يستمر من الفلسفة القديمة المنطق، بل من أضعف أجزاء
الطبيعيات، وهو علم التنجيم، بالرغم من تفرقة الفارابي في البداية بين العلمين،
ونقد علم التنجيم في «ما يصح وما لا يصح من أحكام النجوم». ولا يظهر من موضوعات
الفلسفة القديمة إلا فيما ندر، ودون أساس علمي أو فلسفي، مثل علم الله
بالجزئيات.
ويُخاطب المؤلف القارئ على عادة المؤلفين المسلمين، خاصةً إخوان الصفا، من أجل
تجنيده للدعوة؛ فليس الهدف هو المعرفة النظرية، بل الإرشاد العلمي.
ويُحال إلى أعمالٍ أخرى مُشابهة؛ مما يدل على أن «كشف الأسرار المخفية» ليس حالةً
فريدة أو مؤلفًا واحدًا، بل يدل على تيار عام في القرون المتأخرة، في الفترة
الثانية من تطور الحضارة الإسلامية ما بعد ابن خلدون التي حلَّت فيها الذاكرة محل
العقل، والشرح محل المتن، والخيال بدل الواقع، والخرافة بدل العلم.
٤٤
وكما بدأ العرب شعراء، ثم أصبحوا مفكرين وعلماء، انتهوا إلى شعراء؛ فغلب الشعر
على العلم، ووجد العرب في ثقافتهم الأولى هويتهم الأخيرة، وكأن العلوم القديمة التي
نشأت في الفترة الأولى للحضارة الإسلامية كانت مجرد قوسين كبيرين.
الهدف منه السيطرة على عالم الأفلاك والكواكب من أجل إعادة السيطرة على العالم عن
طريق أثر الأعلى في الأدنى، وعالم السماء في عالم الأرض، والروح في البدن؛ فالعجز
عن تأسيس العلم الطبيعي والسيطرة على العالم يتحول إلى التأثير فيه عن طريق السحر
من خلال الكواكب والأفلاك، والملائكة والأرواح، والجن والشياطين، كما هو الحال في
قراءة الطالع، والسعود والنحوس، طبقًا للأبراج في الثقافة الشعبية؛ لذلك تظهر لغة
الملوك والسلاطين والرؤساء كما هو الحال عند الصوفية وألقاب الأقطاب والأبدال؛
فمنهم تنشأ السلطة وتصدر الأوامر، وما على الناس إلا السمع والطاعة. ويكثر استعمال
لفظ «التسخير»، وهو مفهومٌ قرآني، تسخير الله الطبيعة لصالح البشر عن طريق العلم
بقوانين الطبيعة، وهنا عن طريق السحر وتأثير القوى الروحانية في مسار الطبيعة
وأحداث الواقع والتاريخ.
كلها إسقاطاتٌ إنسانية. غياب الواقع وحضور الوهم. لا فرق بين الدنيا والآخرة، بين
الخلق والبعث، بين المادة والروح، بين التنزيل والتأويل، بين الذهاب والإياب في
إطار حركة كونية روحية للخلاص؛ مما يأذن بنهاية الفترة الثانية في تطور الحضارة
الإسلامية وبداية فترة ثالثة في أعقاب التحرر من الاستعمار الحديث والصلة بالوافد
الغربي الجديد.