(١) الرسائل الفلسفية والطبيعة
(أ) نظرًا لأن الكندي (٢٥٢ﻫ) أول الفلاسفة، ويمثِّل تحولًا من الترجمة إلى
التأليف، ومن الكلام إلى الفلسفة، ظهر «تمثُّل الوافد» لديه بوضوح. وأهم ما يميِّز
تأليف الكندي، مثل «رسالة إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى»، انفتاحه على
الوافد إلى أقصى حد؛ مما ساعده على تمثُّله، ونقدُه إلى أقصى حد؛ مما ساعد على
تجاوزه، الانفتاح على الآخر والاستقلال عنه، تقريظ القدماء وتطويرهم، والتأكيد على
أهمية الأوائل وتصحيح أقوالهم، ضرورة البداية بالسلف وضرورة استمرار الخلف، الجمع
بين القديم والجديد، أو بلغة العصر بين الأصالة والمعاصرة. أهم ما يميِّز الكندي
إذن هو الوعي التاريخي العام بتطور الحضارات، وإكمال اللاحق منها السابق. وكما لا
تستطيع حضارةٌ واحدة أن تصل إلى كل شيء، كذلك لا يستطيع فردٌ واحد أن يعرف كل شيء.
ومن هنا أتت ضرورة التكامل والتراكم والتعاون بين الحضارات؛ فكل حضارة لها
المُبرزون والعاديون. ونظرًا لعدم استطاعة إنسان واحد بعمره القصير وجهده المحدود
الوصولَ إلى الحقيقة، لزِم تضافر الجهود، وتراكم الأعمار، ومساهمة الأجيال، وتعاون
الأمم، وتكامل الحضارات. هناك شرِكة بين الحضارات وأُلفة بين الشعوب. وتتحقق هذه
الوحدة الحضارية من خلال العمل. تتعاون الأمم حضاريًّا فيما بينها، ويُساهم كلٌّ
منها بدوره في صياغة حضارة إنسانية شاملة واحدة. يحدث التراكم الحضاري من أجل
التقدم البشري. البشرية كلها مشروع بحث عن الحق والكشف عنه، ومساهمة كل أمة في هذا
المشروع دون مركزية لإحداها، أو عنصرية لقوم، أو إجحاف لحق الأمم الأخرى، بل
الاعتراف بدور الأمم السابقة وفضلها بالدفاع عنها. كل أمة تُكمل الأمم السابقة، ما
نقص عندها. هناك تكامل بين الأمم، وليس الهدم أو الإنكار المتبادل. مهمة المُحدَثين
إكمال ما ترك القدماء ناقصًا في نظرةٍ كلية شاملة؛ فالأجزاء فيه تتجه نحو التكامل،
والكل يضمُّ الأجزاء فيه.
١ الخلاف بين الحضارات في اللسان، وليس في الفكر، أو في البحث عن الحق
وطلبه، أو الوصول إليه؛ لذلك لزِم شكر القدماء والاعتراف بفضلهم؛ إذ لا يمكن ذمُّ
من كانوا أحد أسباب المنافع الكبرى والصغرى، حتى وإن قصروا عن الحق فإنهم شركاء فيه
بما أفادوه من ثمار فكرهم التي استفاد منها البشر جميعًا. لم يستأثر شعب بالحق كله،
بل ساهَم في معرفته الجميع؛ فالشكر لهم جميعًا للصغير والكبير لمن ساهم بالقليل
وبالكثير؛ فلولا القدماء لما كان المُحدَثون، والحق فوق الأمم والشعوب، ولا يَضير
الحقَّ أن يُعلَن من الأمم البعيدة والأجناس القاصية، وكأن الكندي يعبِّر عن آية
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ
لِتَعَارَفُوا.
٢ بداية الوعي بالتاريخ هو البداية بالقدماء وإكمالهم، والتحول من النقل
إلى الإبداع.
٣
ولم يذكُر الكندي أرسطو في «رسالة إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى»، وهي
عمدة رسائله الفلسفية، إلا مرةً واحدة استشهادًا به على فكرة الكندي الخاصة بضرورة
احترام القدماء، أو أخذ الحق من أي مصدر كان دون الانغلاق على الذات والتشنج ضد
الآخر ورفضه، مجرد حجة خارجية لفكرةٍ داخلية اعتمادًا على أكبر سلطة عند القدماء في
الحضارات القديمة لإيجاد نوع من التواصل بين القديم والجديد؛ لذلك كانت أكثر
الألفاظ وُرودًا في مؤلَّفات الكندي التي تتمثل الوافد «القدماء»، «حكماء القدماء».
٤ ولا يُشير الكندي إلا إلى كبار الحكماء المُبرزين منهم؛ فهم علامات
تطور الحضارة البشرية. والإشارة إلى القدماء على وجه العموم دون تحديد حضارة خاصة،
وإن كانت اليونانية هي الأغلب، أو تعيين لتيَّار أو فيلسوف خاص، وإن كانت الرواقية
هي الأغلب. وتحقيق المناط في التاريخ لا يهمُّ، بل المهم الفكرة والاتجاه
القصد.
(ب) وفي «سجود الجرم الأقصى» قد تتحوَّل حضارة بفكرةٍ تقبلها باقي الحضارات، مِثل
فكرة تقابُل العالم الأصغر مع العالم الأكبر، وتصبح فكرةً معقولة في حكمة البشر
بصرف النظر عن الشعب القائل بها أولًا. له فضل السبق، ولكنها مستقلة عنه، تطابق
العقل والواقع، صورة فنية، تشبيه إنساني، تُسانده الملاحظة والتجربة ويدعمه النقل،
وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ *
وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ، وردَّدها إخوان الصفا فيما
بعد. تمثُّل الوافد إذن يقوم أحيانًا على انفتاح على الموروث بطريقةٍ لا شعورية؛ إذ
يقبع الموروث في اللاشعور يستقبل الوافد في الشعور.
٥
ويُشير الكندي إلى ما أسماه القدماء الحكماء من اليونانيين بعد المشاهدة والتجربة
والتعليل، ويصدِّق أقوالهم؛ فمراجعة كتب القدماء ضرورية قبل التسليم بها، ولا يمكن
معرفة كتب القدماء دون معرفة أوائل العلوم، وإلا كان الناقل لها كالحمار يحمل
أسفارًا، كالأمِّي الذي لا يعرف لغة أو يقرأ كتابًا. وتتمُّ مراجعتها بالحس
والمشاهدة، والانتقال من اللفظ والمعنى إلى الشيء، ومن الخطاب إلى الواقع، ودون ذلك
لا يمكن فهم كتب القدماء. شرط الفهم معرفة العلم أولًا قبل قراءة كتاب علم،
انتقالًا من الشيء إلى اللفظ، ومن الواقع إلى الفكر. هناك إذن حدود للمعرفة
المكتبية التي لا حصر لها، ولكن يمكن ضبطها بالتجربة المباشرة؛ لذلك يفرِّق الكندي
بين الاسم والمسمَّى، وحدة المسمَّى وتعدُّد الأسماء؛ فالشيء مستقلٌّ عن اللغة،
والموضوع سابق على الإدراك؛ لذلك تُشير الحضارات إلى نفس الشيء بلغاتٍ متعددة.
يستعمل الكندي إذن منهجًا مركَّبًا في العلم. حين تمثل الوافد يقوم على أربع خطوات،
هي:
-
(أ)
معرفة أوائل العلوم الطبيعية، وترتيبها وفنونها والصبر عليها؛
فالتمثل لا يبدأ بالكتاب، بل بالمعرفة السابقة عليه، انتقالًا من الشيء
إلى اللفظ، ومن العالم إلى اللغة، ومن الأنا إلى الآخر.
-
(ب)
مراجعة كتب القدماء؛ فالتمثل ليس موقفًا سلبيًّا يقوم على التحصيل
والتعليم والنقل، بل على مراجعة المنقول ابتداءً من المعروف بالعقل
والتجربة.
-
(جـ)
معرفة لغتها والتفرقة بين الأسماء والمسمَّيات حتى يسهل التفاعل بين
الأنا والآخر، بين المنقول والأشياء المستقلة عنها، والتي هي مشاع بين
الحضارات جميعها.
-
(د)
العلوم الإنسانية نسبيةٌ محدودة، تختلف في إدراكها الحضارات والشعوب.
ومن هنا أتت ضرورة التكامل بينها من أجل رؤية مُتكاملة للموضوع المستقل
وراء المنقول.
٦
وأحد أسباب تمثُّل الوافد عند الكندي اختصار ما أطاله القدماء طبقًا لما عرف صحته
وجرَّبه بنفسه؛ فهو ليس اختصارًا للأقوال، بل تحقُّق من صِدقها، واستبقاء ما طابَق
الواقع، وحذف الحشو والإطالة، وما لا يُطابق الواقع أشبه بدور «الجوامع» عند
ابن رشد. ويتمُّ الاختصار بناءً على التجربة، والمراجعة لأقوال القدماء، والتوثق من
صحتها بمراجعتها على التجارب تمحيصًا لها، وهو مِقياسٌ مستمَدٌّ لا شعوريًّا من
مصطلح علم الحديث، مراجعة الخبر على الحس؛ فشهادة الحس أحد شروط التواتر مع العدد
الكافي، واستقلال الرواة، وتجانس انتشار الرواية في الزمان.
٧ المطابقة مع الحس أساس الحكم على صحة ما يقوله القدماء كروايةٍ
تاريخية، كما هو الحال في نظرية العلم في علم الأصول واليقين في الأخبار. لا يكفي
في العلم مجرد روايات السابقين ونقل آرائهم، بل لا بد من تمحيصها وتصديقها وزيادتها
بالعلم المباشر.
٨ ولا يشذُّ على هذه المراجعة والتصديق أحد، حتى ولو كان أرسطو.
(ﺟ) وفي «المد والجزر» روى أرسطو أن نُصول السهام إذا رُمي بها في الجو ذاب
الرصاص الملصق بها، وهي روايةٌ محرَّفة؛ لأن رصاص السهام لا يذوب في نار المدة التي
يخرق بها السهم الجو، ولا يمكن أن يحمي الهواء أكثر من النار، كما أن الهواء الذي
يخرق السهم يتغير بهواءٍ جديد؛ فالتجربة لا تصدِّق هذه الرواية عن أرسطو، والتجربة
مدعاة للتصديق؛ لأن الحس مقياس صِدق الخبر.
٩ ويذكر أرسطو للتحقق من صِدق رواية ذوبان رصاص السهام باختراقها الجو؛
لأن التجربة أثبتت أن الحرارة المتولِّدة عن الاحتكاك بالهواء أقل من حرارة النار،
كما أن الهواء البارد اللاصق في الجو يبرد حرارة الاحتكاك بالهواء المُحتك؛
فالرواية عن أرسطو محرَّفة بالضرورة.
(د) وفي «رسالة الجو» يُراجع الكندي من القدماء أقوال مارينوس وبطليموس،
وقياساتهما لارتفاع البخار معلَّلًا بارتفاع الجبال في بيئتهم؛ فالعلم تحليلٌ كمي،
وليس فقط تحليلًا كيفيًّا؛ يعتمد على القياس، وليس على مجرد الرأي؛ فالإحالة إلى
الآخر بناءً على سؤال التراث، ومراجعة صحة نتائج الآخر بعد تجربة الذات، كان يمكن
للكندي ذِكر غيرهم؛ فالتخصص لا يعني التشخيص أو الإعجاب بشخصٍ دون غيره.
١٠
ويسمِّي الكندي أصحاب المقالات في علم الهيئة المُتكلمين، وهو لفظٌ موروث لتمثل
الوافد؛ ومن ثَم يصبح القدماء أشبه بفرقةٍ كلامية ما دامت قد انتشرت أقوالها في
الداخل، وكأنها من الفِرق غير الإسلامية. يدرس الكندي الموضوع، فإذا ما اتفق مع
القدماء أشير إليهم، خاصةً إذا كان القدماء من المُنجمين؛ أي من العلماء غير
العلميين. وقد يرجع اختلاف العلماء إلى اختلاف الأسماء على نفس المسمَّيات.
١١ وواضحٌ أن المراجعة تتمُّ أولًا في العلم اليوناني قبل أن تكون في
الفلسفة اليونانية، وأن تمثُّل الوافد كان أولًا للعلم قبل أن يكون للفلسفة؛ فقد
كان الكندي طبيبًا ورياضيًّا وطبيعيًّا وفيلسوفًا، يدرس الطبيعيات والرياضيات
دراسته للإنسانيات والإلهيات.
وصِلة القدماء بالمُحدَثين صلة الأصول بالفروع، وهما مفهومان أصوليان؛ فقد وضع
القدماء القواعد وبنى المُحدَثون عليها، وهي نظرة أيضًا أصولية، الأصل والفرع في
القياس الشرعي. يضع القدماء المقدمات ويستنتج المُحدَثون النتائج، والبحث بلا
مقدمات لا يؤدي إلى شيء، ومضيعة للعمر والوقت. وإن ظهور تعبيرات، مِثل القدماء
المُبرزين من المُتفلسفين قبلنا من غير أهل لساننا، حكماء القدماء من غير أهل
لساننا، القدماء من اليونانيين، الحكماء القدماء، المتقدمين، القدماء من حكماء
اليونانيين، لأكثرُ ذِكرًا من أعلام اليونان، أرسطو وأفلاطون وسقراط وبطليموس
وأيسقلاوس والإسكندر. يُحيل الكندي إلى القديم من أجل تأصيل الجديد، ويتمثل الوافد
من أجل تنظير الموروث فيما بعدُ بصرف النظر عن الأشخاص، وهو وعيٌ تاريخي حضاري عام
يكشف عن تفاعل الحضارات، وليس تبعية مفكر لمفكر، أو إعجاب فيلسوف بفيلسوف، أو عشق
حكيم لحكيم، كما يفعل الباحثون في هذا العصر.
(ﻫ) وفي «الجواهر الخمسة» يذكُر الكندي من المجموعات الفلاسفة واختلاف آرائهم في
الزمان دون ذِكر لأفلاطون أو أرسطو، كما فعل في المكان. قال بعضهم إنه الحركة
ذاتها، بينما أنكر ذلك البعض الآخر. ثم يتحقَّق الكندي من صواب أحد القولين أو خطئه
دون الاعتماد على أفلاطون أو أرسطو، أو ذكر لهما أو لغيرهما. يحكم الكندي على
الأقوال ويفصل بينها كما يفصل الإسلام مع باقي الديانات، وكما يفعل القدماء مع
الكتب السابقة، حكمًا وفصلًا للخطاب،
مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ، وكما يفعل ابن رشد
القاضي للفصل بين المُتخاصمين وهم الشُّراح. ويُحيل إلى شرحه لكتاب المقولات؛ أي
إلى الأنا مُتمثلًا الوافد، وليس الوافد مباشرةً كما هو الحال في العرض.
١٢
ويُشير الكندي في «الجواهر الخمسة» إلى أرسطو (مرتين)، وأفلاطون (مرةً واحدة)،
وربما استعمل الكندي لأول مرة صياغةَ «قال» الحكيم أرسطوطاليس بدايةً بالقول، وليس
بدايةً بالشيء، ووصفه بأنه الحكيم احترام له. وسبب الاحترام أن الحكمة ضالَّة
المؤمن، والحكيم من صفات الله؛ فأرسطو مرَّ على الإسلام أولًا. ويقدِّم الكندي
قراءةً إسلامية لأرسطو اليوناني، ويحدِّد الموضع الذي قال فيه أرسطو ذلك توخيًا
للدقة، واستشهادًا بعلمٍ مدوَّن، وليس فقط برأي شخص عن هوًى أو ظن، ثم يظهر أفلاطون
مع أرسطو في تعريف المكان، واختلاف الفلاسفة فيه سبب غموضه وخفائه؛ فبينما أنكره
البعض، قال البعض الآخر مثل أفلاطون إنه جسم، وقال فردٌ ثالث إنه ليس بجسم، وقال
أرسطو إنه موجود وبيِّن. لم يذكُر الكندي إذن أفلاطون وأرسطو بشخصَيهما، بل لأنهما
يمثِّلان رأيين بنيويَّين في المكان، وليسا مقصورين عليهما فقط، بل يُشاركان فيهما
غيرهما من الفلاسفة. ويستعمل الكندي عبارة «أما أرسطوطاليس»؛ أي إنه قد يكون لديه
القول الفصل في النهاية، ثم لا يترك الكندي لأرسطو هذا القول الفصل في النهاية دون
توضيحه والكشف عنه بمزيد من البرهنة. هناك إذن تحقق ومراجعة، وليس تبعية أو تقليدًا.
١٣
والانتقال من القديم إلى الحديث هو انتقال من الغموض إلى الوضوح، ومن الصعوبة إلى
السهولة، وكان تطور الحضارات كما برز في تطور الفلسفة هو نحو مزيد من الإيضاح والسهولة.
١٤ ويكون كل تأليف بلغة عصره وعادة أهل الزمان؛ فلكل عصر أسلوبُه ولغته
ومستوى ثقافته، وطبقًا للجهد البشري بالرغم من بقاء بعض المصطلحات المعرَّبة من عصر
إلى عصرٍ آخر مِثل «الأسطقسات».
(و) ثم يذكر أرسطو (مرةً واحدة) مع أفلاطون (ثلاث مرات)، التلميذ مع الأستاذ، في
«ماهية النوم والرؤيا»؛
١٥ فأرسطو هنا الفيلسوف المُبرز تابعٌ لأفلاطون حكيم اليونانيين راويًا
عنه أقواله في النفس بأن لها علمًا بالطبع، وأنها تُحيط بجميع الأشياء المعلومة
حسيةً كانت أم عقلية؛ فأفلاطون هو حكيم اليونانيين، آخر ما وصل إليه القدماء من
علم، والكندي يستأنف العلم القديم بالعلم الجديد. وقد انتهى أفلاطون طبقًا لرواية
أرسطو إلى ما وصل إليه الكندي من قبل، ولم ينقله فقط أرسطو عن أفلاطون، بل اقتناه
وتبنَّاه؛ وبالتالي تتأكَّد السلطة العلمية للقدماء مرتين؛ أفلاطون العالم، وأرسطو
العالم الراوي. ويستشهد الكندي بأفلاطون على أنه قال نفس الشيء قبله طبقًا لرواية
أرسطو؛ فالكندي هو العالم. ويتأكد قوله بحجة تاريخ العلم، أفلاطون عن طريق رواية
أرسطو طبقًا للأمانة العلمية، وعن طريق تأكيد ما قاله بالعلم والبرهان دون تقليد أو
تبعية. صحيحٌ أن الكندي يستعمل لفظ «فنطاسيا» المعرَّب، ويعني القوة أو التخيل، أي
الرؤية والنبوة والأحلام؛ وذلك لأن الكندي أول حكماء الإسلام، وما زال المصطلح
العربي لم يستقرَّ بعدُ بين النقل والتعريب؛ فالقوة المصورة عند الكندي هي التي
يُسميها اليونان فنطاسيا، وليست الفنطاسيا عند اليونان هي التي يُسميها الكندي
القوة المصورة. الكندي لديه المسمَّى واليونان لديهم الاسم، ربطًا للجديد بالقديم،
واستمرارًا لتاريخ العلم. وفي مقابل أفلاطون وأرسطو ذكر الكندي مصدرًا موروثًا، أو
بالأصح واقعًا محليًّا، هو حمزة بن نصر وذويه كنموذج لأضغاث الأحلام ونكس القول
وتخليط الكلام، وهو من المرويات في الثقافة الشعبية الموروثة.
١٦
(ز) وفي رسالة الكندي في «العقل» يذكر أرسطو (ثلاث مرات)، وأفلاطون (مرتين)،
وأرسطو هو الأول في الذكر. وقد تمَّت الإشارة إلى اليونان بناءً على سؤالٍ من
الواقع، وليس تبعية لهذا الفيلسوف أو ذاك أو نقلًا عن الآخرين؛ فالتعامل مع اليونان
تعامل مع الواقع بعد أن أصبح الوافد جزءًا منه، وكأننا مع الوحي والواقع وأسباب
النزول؛ فالواقع يسأل والواقع يُجيب. الواقع يسأل عن رسم قول في العقل واليونان
تُجيب، اليونان ككلٍّ وليس واحدًا بعينه، حضارة الغير من لها باع في العلم، ومن
حاولت الإجابة على الأسئلة قبل إجابة الوحي عليها، ثم يتخصص الآخر الوافد
بالمحمودين منهم وإعلامهم وثمار أشجارهم، وأرسطو أحدهم، معلم أفلاطون. أرسطو هو
الزبد، وصانعها هو أفلاطون. ويعترف الكندي بالجميل حتى في فهم الآخرين، ويُحاول
التوفيق بينهما؛ فحاصل قول الأستاذ هو قول التلميذ؛ إذن ما حاوَله الفارابي فيما
بعدُ ليس جديدًا، بل بدايته عند الكندي، وهو مشروعٌ حضاري إسلامي استمرَّ أيضًا في
الحضارة الغربية في عصرَيها الوسيط أو الحديث، ثم يبدأ الكندي بأرسطو بعد كل هذه
المقدمات ورأيه في العقل ثم يبني عليه، ويُطوره، ويُكمله، بناءً واضحًا سهلًا؛
فالعقل أربعة أنواع؛ الأول: العقل الذي بالفعل أبدًا. والثاني: العقل الذي بالقوة،
وهو للنفس. الثالث: العقل الذي خرج من النفس من القوة إلى الفعل. والرابع: العقل
الذي يُسميه الكندي الثاني، العقل بالحس لقرب الحس من الحي، وعموم ذلك يُسمى العقل.
لم يقل الكندي إن العقل الذي بالفعل هو أبدًا العقل الإلهي في بداية التحول من
الكلام إلى الفلسفة، ومن العقيدة إلى الفكر الخالص.
١٧ يتفلسف الكندي ثم يستشهد بأرسطو، سلطة القدماء وثقافة العصر، على صِدق
تفلسُفه. أرسطو يأتي بعد الكندي وليس قبله. الكندي هو المقروء، وأرسطو هو القارئ،
كما كان ابن رشد هو المشروح، وأرسطو هو الشارح. يأتي الكندي بحججه الداخلية ثم يأتي
أرسطو بحججٍ خارجية؛ فأرسطو هو الذي يتفق مع الكندي، وليس الكندي هو الذي يتفق مع
أرسطو. ولو كان هناك خلاف لأعلن عنه؛ فالموافقة تعني احتمال المخالفة.
(ﺣ) ويذكر الكندي في «الحيلة لدفع الأحزان» الإسكندر (خمس مرات)، منها
أم الإسكندر (مرةً واحدة)، وسقراط (ثلاث مرات)، ونيرون (مرةً واحدة)، وشخصية
الإسكندر الأكبر في الفكر الإسلامي وعلاقته بأرسطو نموذج الملك الفيلسوف والفيلسوف
الملك، رفقة الفكر. وقد نسج الخيال العربي الإسلامي قصصًا وحكايات وأساطير حول
الإسكندر الأكبر وعلاقته بأمه وأستاذه وجنوده، بل ووُروده في القرآن في قصة ذي
القرنين، وأصبح موطنًا خِصبًا للانتحال. كتب الإسكندر إلى أمه رسالةً يُوصيها فيها
بدفع الأحزان بدايةً بنداء «يا أم إسكندر»، كما هي عادة العرب. وربما هي قراءةٌ
عربية لوصايا الإسكندر، البداية تاريخية، والنهاية إبداعية. ويضرب الكندي بالإسكندر
المثل في الحيلة الرابعة لدفع الأحزان؛ الشعور بالتأسي بالماضي، والإحساس بتيَّار
الشعور الجارف. وتظهر عبارات أرسطو ومصطلحاته على لسان الإسكندر، مثل الكون
والفساد. هل كان الإسكندر في أقواله وأفعاله فيلسوفًا حقًّا، مُخلِصًا لتعاليم
أرسطو، أم أنها قراءةٌ سقراطية أو أرسطية للإسكندر وتحويله إلى مثال؟
١٨
ويُشير الكندي إلى سقراط اللاتيني في حكاية بعد البرهان المنطقي لتصويره في سيرة
من لا يحزن؛ لأنه لا يقتني شيئًا يحزن لفقده، سواء كان اقتناء الأشياء أو اقتناء
العواطف مثل الحب، وتحديده بالأثيني أي المُغاير للعربي الإسلامي. كما يذكر الكندي
حكايةً أخرى للملك نيرون مع الفيلسوف وهو سنيكا دون أن يعيِّنه الكندي بشخصه
اكتفاءً بالموقف، وتفيد نفس المعنى؛ الفرح الظاهري بامتلاك الشيء الثمين يُسبب
الحزن على فقده. ولم يلتزم الكندي بنصٍّ معيَّن، بل بيَّن احتمال الوضع الأخلاقي
للتاريخ. وتدل الحكاية على حضور الوافد الروماني مع الوافد اليوناني. وأخيرًا يقوم
الكندي بتصحيح أقوال اليونان باعتباره مسئولًا عن تراث الأقدمين؛ فيصحِّح قول
أبسقلاس في المطالع، ويُراجع اختلافاتها بعد مراجعة كتب القدماء في علم حقيقة
الكواكب ومعرفة ماهيتها، وينقد أرسطو القدماء اعترافًا بإمكانية تقصيرهم كبشر.
١٩
(۲) آليات الإبداع. وكما جرت العادة في محاولة وضع منطق للفكر ونشأة النص وتكوينه
في آليات الإبداع في الشرح والتلخيص والعرض، فإنه يمكن اتباع ذلك أيضًا في التأليف
وعلى نِسبٍ مُتفاوتة. وأول شرط للإبداع هو التمايز بين الأنا والآخر؛ فبالرغم من
هذه القدرة على تمثل الوافد واحترام القدماء وتعظيمهم، إلا أن هناك تباينًا
وتمايزًا وتقابلًا بين الأنا والآخر، والحديث عن الأنا بضمير المتكلم الجمع،
منفعتنا، منافعنا، لساننا، مطلوباتنا، شكرنا، زماننا، مددنا؛ ومن الأفعال أشركونا،
أفادونا، خرجنا؛ ومن الأدوات لنا، عندنا، قبلنا؛ وذلك مقابل الآخر في ضمير الغائب
المفرد والجمع، الاسم والفعل مثل هم؛ إنهم قصَّروا، سهَّلوا، فِكرهم. وأرسطو فيلسوف
اليونانيين، وليس فيلسوف المسلمين، وصفًا للتمايز بين الأنا والآخر؛ وسقراط
الأثيني، وليس البغدادي أو البصري.
٢٠
ويستعمل الكندي لغة التقنين لغةً مِعيارية، وليست تقريرية وصفية؛ «ينبغي أن …»
«يحسُن بنا …» مثل لغة الشُّراح، وكأن الفلسفة أمرٌ معياري بناءً على طبيعة العقل؛
لذلك كثيرًا ما يبدأ الكندي بمصادراتٍ أخلاقية عملية بديهية معيارًا للحكم.
٢١ ومع ذلك فإن الفلسفة عند الكندي ليست نسقًا جاهزًا أو معرفةً مسبقة، بل
هي عملية تفلسُف؛ فلا يوجد فلاسفة، بل مُتفلسفون؛ ولا توجد فلسفة، بل تفلسُف؛ أي
البحث عن الحق تواضعًا وليس غرورًا، تساؤلًا وليس اعتقادًا، وينقد الكندي مُتفلسفة
العصر، ويوجِّه الإبداع كله نحو العصر من أجل نقده واكتشاف أوضاع الزيف فيه. وتبدأ
الرسائل بمخاطبة القراء، جمعًا وفردًا؛ فالقضية اجتماعية، والفكر تجرِبةٌ مشتركة،
والمؤلف صاحب رسالة، والتأليف خطاب بين المؤلف والقارئ، الخطاب علاقة بين ذوات،
وليس علاقةً بين موضوعات، مع استعمال عديد من الأساليب الإنشائية، مع الدعاء لمن
كتب له الرسالة.
٢٢
وتبدو آليات الإبداع في أولى مراحل التأليف في تمثُّل الوافد كتأليفٍ مصطنَع
مركَّب مفكَّك تنقُصه الوحدة الداخلية نظرًا لغياب الإبداع الخالص، ويبدو ذلك في
«الفلسفة الأولى»، وفي رسالة «العقل». وترجع أهمية رسالة «الفلسفة الأولى» إلى أنها
بداية التأليف؛ ومن ثَم تُثار عدة موضوعات: هل هي كتاب أم رسالة؟ ليس مقياس التفرقة
الكم وحده، بل المضمون. الكتاب بناء ونسق، والرسالة موضوعٌ جزئي. الكتاب لا شخصي
يقترب من التجريد، والرسالة شخصيةٌ أقرب إلى المحاولة الأدبية. الكتاب له عنوانٌ
صغير ودقيق، والرسالة لها عنوانٌ طويل. الكتاب لا يبدأ بحرف «في أن …» والرسالة
تبدأ به. ورسالة الكندي تتأرجح بين النوعين.
وهل هي رسالة أم رسالتان أم أكثر نظرًا للبنية المصطنَعة للكتاب؟ الحقيقة أنها
عدة نصوص تبيِّن نشأة النص الفلسفي على دفعات في بداية التأليف ثم الربط المصطنَع
بينها، مجموعة من الأفكار بصرف النظر عن البنية التي ظهرت فيما بعدُ عند ابن سينا.
٢٣ يتكوَّن الكتاب من خطبة وأربعة فنون، وأهمها الخطبة؛ ففيها الموضوع
والمنهج والموقف الحضاري، الصلة بين الفلسفة والدين كموضوع وكوضعٍ مؤسَّسي اجتماعي،
ثم يبدأ الفن الثاني دون الأول، وكأن الخطبة كانت بمثابة الفن الأول عن المناهج
والقسمة، وأن الوجود وجودان، ثم يأتي الفن الثالث عن الطبيعي والمنطقي والرياضي
والوحدة والكثرة. ثم يتلو الفن الرابع عن الله؛ أي الواحد، وكلها أربعة فنون من
الجزء الأول من الفلسفة الأولى دون الجزء الثاني. ولا تتناسب الفنون الأربعة كمًّا؛
الخطبة أقصرها، والفن الثاني أوسطها، والفنَّانِ الثالث والرابع أكبرهما ومُتساويان.
٢٤ ولا يظهر موضوع النفس بالرغم من الثنائية كتصورٍ رئيسي للعالم؛ ومن ثَم
تغيب الخطة العامة. والحديث عن الفن، وليس عن الموضوع اللاشخصي؛ إحساسًا بالتمايز
بين الأنا والآخر. ومن مظاهر الربط المصطنَع بين الفقرات بعباراتٍ خارجية التذكيرُ
بما فات والتقديم لما هو آتٍ، أو الدعاء، أو الإعلان عن القول وعدم ترك الموضوع
يتحدث عن نفسه حتى يتطور الموضوع تلقائيًّا على نحوٍ طبيعي،
٢٥ وأحيانًا يحتاج الفكر أن يوضِّح ذاته ويشرح نفسه بنفسه فيستعمل أسلوب
البيان والإيضاح.
٢٦ وتتنوع الموضوعات بلا رابط بينها، تبدأ بتقسيم العلوم إلى الفلسفة
والرياضة والطبيعة، ثم باستعراضٍ تاريخي يكشف عن الإطار الحضاري للفلسفة. يتجاوز
الكندي أرسطو ويرفض إشراك العالم مع الله في التوحيد، ويُثبت نهاية الجِرم، ويقول
بالخلق دونما حاجة إلى فيض الفارابي وابن سينا، على غير ما هو شائع في الدراسات
الاستشراقية والعربية المقلِّدة، أو إلى قِدم ابن رشد. يفضِّل أفلاطون على أرسطو؛
لأن أفلاطون أقرب إلى الصانع؛ وبالتالي إلى الخالق.
ويبدو التأليف المصطنَع في «رسالة العقل»، والتي تقوم على التقسيم والمقارنة وذكر
المتقابلات، وهو المنهج المتبَع في بداية التأليف؛ فبعد الدعاء والسؤال يذكر رأي
أرسطو في العقل، ثم شرحه بالمادة والصورة والنفس، ثم رأي الكندي في العقول الأربعة،
وأخيرًا تأتي الخاتمة والحمدلة.
٢٧ وقد حدَّد لها الكندي نوعًا أدبيًّا، وهو «موجَزٌ خبري»، أو «كلامٌ
مُرسَل». وهي رسالةٌ قصيرة تقريرية تضع الأحكام والآراء العامة دون إفاضة في
البرهان مع ذكر بعض الفلاسفة. ولفظ الخبر المرسل من مصطلحات علم الحديث وعلم أصول
الفقه؛ مما يدل على مصدر نشأة المصطلحات.
٢٨
وبالرغم من تمثُّل الوافد وأنه لا يضمُّ إلا الوافد ظاهريًّا، إلا أن البيئة
الدينية تظهر في بدايات النصوص ونهاياتها، وتعبِّر عن الجو الثقافي العام الذي
يتمُّ فيه البسملة والحمدلة والدعاء والصلاة والسلام على الرسول وآله وصحبه أجمعين،
وتتراوح بين البسملة والحمدلة والدعاء بالتوفيق بالله، أو البسملة وإثبات العزة
لله، أو البسملة وإثبات القوة والحول لله، ولا توجد آيةٌ قرآنية أو حديثٌ نبوي؛
فالعقل يعمل تلقائيًّا ويبني موضوعه داخليًّا. وقد تظهر في البداية الدعوةُ للقُراء
بالتوفيق إلى طاعة الله، وقد يظهر هذا الجو الديني وسط الرسالة بعد المقدمة وقبل
بداية الرسالة.
٢٩
وتنتهي الرسائل أيضًا بنفس التصور الديني للعالم كمفتاح للرسالة كلها بعد
التمرينات العقلية العديدة في الطبيعيات أو الرياضيات، وهو تصوُّر عن الواحد كنوع
من الخاتمة تصبُّ فيها الرسالة كلها، وعادةً ما تكون من نوع الموضوع، والحديث عن
الله بالمصطلحات الفلسفية مثل العقل والقوة والقدرة، والخاتمة الأكثر شيوعًا هي:
الحمد لله رب العالمين، وصلواته على محمد النبي وآله أجمعين. وأحيانًا يكون الدعاء
مع الخاتمة، الدعاء بالتوفيق. والسؤال لتتميم الكمالات وجميع الدالات على وحدانية
الله وحكمته، والدعوة لمصابرة النفس على اقتفاء آثارها، وإنارة طريقها، وتوسيع علمها.
٣٠
والتوجه بالدعاء للخلفاء عادةٌ قديمة استمرَّت حتى الآن، ووصلت إلى حد التملق،
ليس فقط عند المتكلمين، فقهاء السلطان، بل أيضًا عند الحكماء المُتجردين عن الدنيا.
٣١ فدور المفكر بالنسبة إلى السلطان هو دور المُرشد والناصح، الآمر
بالمعروف والناهي عن المنكر، وليس المدَّاح والداعي، وإلا أصبح المفكر مثل فقيه
السلطان. وتكون الدعوات بطول العمر والبقاء، والتنبيه على الأصل الرفيع والنسب
الشريف، والدعوة بحسن الأخلاق، وتطهير القلب، والصون من الزلل، والعمل للآخرة
أعمالًا صالحة. وقد تصل كثرة الدعاء عبر السنين إلى مدح السلاطين بالرغم من
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ، والحث عن الابتعاد عن المدح.
ويتداخل الإنشاء مع المدح، والأدب مع العلم، والوجدان مع العقل، المبالغة جزء من
المدح، وقد يصل إلى حد المبالغة، مثل:
إذا بلغ الرضيع لنا فطامًا
تخرُّ له الجبابر ساجدينا
فالسلطان هو خير الناس أجمعين، وأفضل الخلق. وتتداخل صفات الله مع صفات الرسول مع
صفات السلطان في أفعل التفضيل؛ فلا فرق بين المدائح النبوية والمدائح السلطانية بعد
أن يتحوَّلا معًا إلى مدائح صوفية في التراث الشعبي، وإلى مدائح سياسية لأنظمة
الحكم. وهي صورة واحدة للسلطان تُقابلها صورة الحاكم الظالم الغاشم القاهر، «أشر
الخلق وأرذله»، وهو موجود أيضًا في التراث الشعبي. ولا يتوقف المدح على الحاكم
وحده، بل على السلالة الشريفة كلها، وكأن الفضائل وراثة من بقايا المدح القبلي
الجاهلي.
وأحيانًا يكون الدعاء أقصر، طبقًا لشحنات المؤلف، ووجدانه للحفاظ، والصون من كل
آفة وشر وزلة ابتغاءً للآخرة. وقد يصبح الدعاء أكثر من مرة في البداية والوسط
والنهاية، وتكون الصيغة هي الخطاب المباشر والدعوة بضمير المخاطب المفرد، وقد تكون
الدعوات فلسفية لفهم العلم وتفهيم المسائل العويصة، وقد لا يتجاوز الدعاء ذكر «أيها
المحمود»، والسؤال هو: إذا كان كل هذا الخير في الحكام، فلماذا انهارت الدول، وضاعت
الشعوب، وفسدت الأخلاق، وعم الجهل، وساد القهر، وعم الظلم؟