أرشميدس: صاحب أقدم اكتشاف عَرَضي
كان أرشميدس — عالم الرياضيات الإغريقي — يعيش في مدينة سرقوسة في القرن الثالث قبل الميلاد. وله إسهامات علمية جليلة مثل اختراع الرافِعة (أو شادوف أرشميدس) الذي لا يزال مُستخدَمًا في مصر حتى الآن لرفع مياه النيل بهدف ري الأراضي المرتفعة، ووضع قانون الطفو الذي يُسمَّى في بعض الأحيان «قانون أرشميدس». وهو الذي خرج يجري عاريًا من أحد الحمامات العامة إلى شوارع سرقوسة صائحًا: «وجدتها، وجدتها!»
ما الذي وجده أرشميدس؟ ما الذي أثاره هكذا لدرجة أنه نسي ارتداء ملابسه قبل الإسراع إلى منزله؟ للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نعرف ما الذي كان يفكِّر فيه أرشميدس عندما دخل أحد الحمامات العامة في ذلك اليوم. عَهِدَ هيرو — ملك سرقوسة وأحد الأصدقاء المقرَّبين إلى أرشميدس وربما أحد أقاربه — إلى أحد الصائغين بصنع تاج له من الذهب الخالص، وعندما استلم الملك هيرو التاج بعد أن انتهى منه الصائغ، شكَّ في كون التاج مصنوعًا من الذهب الخالص. وأخذ الملك يتساءل: هل استخدم الصائغ معدنًا أقل قيمةً مثل الفضة أو النحاس واستبدل به بعض الذهب الموجود في التاج ثم احتفظ بهذا الذهب لنفسه؟
كان معروفًا حينئذٍ طريقة مزج الذهب بالفضة والنحاس. وهذا المزيج — أو السبيكة — يحتفظ باللون الزاهي للذهب حتى عندما تضاف إليه كميات كبيرة من معادن أخرى. يُسمَّى الذهب الخالص ذهبًا عيار ٢٤ قيراطًا، وتتكون سبيكة الذهب عيار ١٤ قيراطًا من ذهب بنسبة ٥٨٪ ومعادن أخرى بنسبة ٤٨٪. وهو كثيرًا ما يُستخدَم في صناعة المجوهرات، ويكاد يشبه الذهب الخالص تمامًا.
استدعى الملك هيرو صديقه أرشميدس، عالم الرياضيات الشهير، وعَهِدَ إليه بمهمة تحديد إن كان التاج مصنوعًا بالفعل من الذهب الخالص، ومحتويًا بالفعل على كل الذهب الصافي الذي أعطاه الملك للصائغ أم لا. ولم يكن يوجد تقدُّم في مجال التحليل الكيميائي في القرن الثالث قبل الميلاد مثلما هو الحال في مجال الرياضيات، لكن أرشميدس كان مهندسًا وعالم رياضيات بارعًا.
كان أرشميدس قبل ذلك قد توصَّلَ إلى صيغ رياضية لقياس حجم الأجسام الصلبة المنتظمة مثل الأجسام الكروية والأسطوانية. وأدرك أنه إذا استطاع قياس حجم تاج الملك، فسيمكنه تحديد إن كان التاج مصنوعًا من الذهب الخالص أم أنه مزيج من الذهب ومعادن أخرى.
عندما رأى الماء يفيض من أعلى المغطس عندما وضع فيه قدميه، أدرك أن حجم الماء المزاح مساوٍ تمامًا لحجم الجزء الذي أدخله من جسده في الماء؛ واستطاع حينئذٍ أن يجد طريقة لحساب حجم أيِّ جسم صلب غير منتظم، سواء أكان هذا الجسم هو قدمه أم تاج الملك. وهكذا إذا وضع التاج في إناء ممتلئ بالماء، فإن بإمكانه قياس حجم الماء المزاح، والذي سيكون مساويًا لحجم التاج.
دعنا نفترض أن الملك هيرو قد أعطى الصائغ مكعبًا من الذهب الخالص وزنه حوالي ٥ باوندات، وأن حجم حوافه ٤٫٩ سنتيمترات (السنتيمتر الواحد يساوي ٠٫٣٩٤ بوصة) وحجمه هو ١١٨ سنتيمترًا مكعبًا. إذا صنع الصائغ التاج بهذا الذهب كله ولم يخلطه بأي معادن أخرى، فإن وزن التاج سيكون ٥ باوندات، وحجمه سيكون نفس حجم المكعب الأصلي، ١١٨ سنتيمترًا مكعبًا، على الرغم من كونه في شكل مختلف. أما إذا كان الصائغ قد صنع التاج بنصف كمية الذهب فقط وأبدَلَ النصف الآخَر (٢٫٥ باوند الأخرى) بكمية مساوية من الفضة — على سبيل المثال — فإن وزن التاج حينئذٍ سيكون ٥ باوندات، ولكن حجمه سيكون مختلفًا.
إذا تمَّ قياس حجم التاج، فسيكون أكثر من ١١٨ سنتيمترًا مكعبًا؛ لأن الفضة كثافتها نصف كثافة الذهب، وكثافة المادة هي قياس الوزن لوحدة الحجم من هذه المادة، أو ما يُطلق عليه الوزن الحجمي للمادة. وكثافة الذهب أكبر من أي معدن آخَر أقل قيمةً؛ فكثافته ١٩٫٣ جرامًا لكل سنتيمتر مكعب، وكثافة الفضة ١٠٫٥ جرامات لكل سنتيمتر مكعب، وكثافة النحاس أقل؛ فهي ٨٫٩ جرامات لكل سنتيمتر مكعب. وتاج وزنه ٥ باوندات، نصفه مصنوع من الذهب والنصف الآخَر من الفضة، سيكون حجمه ١٦٧ سنتيمترًا مكعبًا.
اكتشف أرشميدس هذا مصادفةً في أحد الحمامات العامة، فأصبح من السهل قياس حجم تاج الملك الجديد بوضعه في الماء وقياس حجم الماء المزاح. وعندما وجد الملك أن الحجم كان أكبر كثيرًا مما يجب أن يكون عليه تاج مصنوع من الذهب الخالص، أصدر أوامره سريعًا بأن يلقى الصائغ غير الأمين جزاءه وهو الإعدام. فيا له من اكتشاف عرضي سعيد (سرنديبية!) بالنسبة إلى أرشميدس، وإن لم يكن كذلك بالنسبة إلى الصائغ!
لقد كان هذا الاكتشاف — وليد المصادفة لطريقة قياس حجم أي جسم صلب — السببَ في نوبة الحماس العارم التي اعترت أرشميدس وجعلته يخرج مُسرِعًا من الحمام وهو عريان دون أن يدرك أنه لم يرتدِ ملابسه.