اكتشافاتٌ فلكية وليدة المصادفة
(١) نظرية الانفجار العظيم
في عام ١٩٦٤، كان كل من آرنو بينزيس وروبرت ويلسن، من شركة بيل لابورتوريز في هولمديل بنيو جيرسي، يعدِّلون من عمل هوائي لاسلكي كان يُستخدَم لاستقبال إشارات من أقمار صناعية قديمة خاصة بالاتصالات؛ فقد كانا يحاولان استخدامه لإجراء بعض الدراسات العادية بعض الشيء على إشارات الراديو من الفضاء الخارجي. ومن أجل الإعداد لذلك، حاوَلَا الحدَّ من كلِّ مصادر إشارات الراديو الأرضية. وطردا زوجين من الحمام كانا يعشِّشان في الهوائي البوقي الشكل، وأزالَا ما يُطلَق عليه علميًّا «مادة عزل كهربائي بيضاء». وبعد أخذ كل هذه الاحتياطات، وجَدَا أنه ما زال يوجد بعض «التشويش» الإشعاعي، مقارَنةً بالتشويش الإذاعي.
كان للفلكيين نظريةٌ تقول بأن نشأة الكون بدأت منذ ١٥ مليار عام مع حدوث انفجار هائل لمادة مكثَّفة للغاية؛ وأطلقوا عليها تبسيطًا اسم نظرية الانفجار العظيم. أدَّى هذا الانفجار إلى حدوث إشعاع هائل من الطاقة أخذ يتناقص منذ ذلك الحين، وكان جيمس بيبلز قد قدَّم ورقة بحثية حول هذه النظرية في لقاء علمي في جامعة جون هوبكينز في أوائل عام ١٩٦٥. وبطريقة ما (حيث توجد روايات متعدِّدة حول هذا الموضوع)، سمع بينزيس وويلسن من شركة بيل بتلك الورقة وبنظريات بيبلز عن الانفجار العظيم، وعندما تبادَلَتْ فِرَقُ جامعة برينستن وشركةُ بيل تلك المعلوماتِ، وصلوا إلى أن «التشويش» المكتشَف من الهوائي اللاسلكي لشركة بيل هو طاقة متوقَّعة من الإشعاع المتبقِّي من عملية الانفجار العظيم، وقالوا: «إما أننا رأينا ميلادَ الكون، وإما (كما يمكن أن يقول الفيزيائيون الفلكيون) أننا رأينا كومة من الحَمَام!»
يبدو أن المسئولين عن جائزة نوبل قد قبِلَا النسخةَ الأكثر علميةً من هذا الاستنتاج، حيث منحوا بينزيس وويلسن جائزةَ نوبل في الفيزياء لعام ١٩٧٨.
(٢) النجوم النابِضة
لم يكن أنتوني هيويش وجوسلين بيل يسعيان إلى اكتشاف النجوم النابِضة في عام ١٩٦٧. وحتى إن كانَا يسعيان إلى ذلك، فكيف يمكنهما إنجاز الأمر؟ فلم يكن يشكُّ أحد أن النجوم النيوترونية تطلِق إشاراتٍ نابضةً ذات تردُّد راديوي. لكن في جامعة كامبريدج في صيف ذلك العام، كان هيويش وبيل يحاوِلان قياسَ حجم مصادر الراديو، بتحديد ما إن كانت المصادر «تُومِض» مع مرور موجات الراديو الخاصة بها عبر الوسط الكواكبي أم لا.
لكن بيل لاحظت شيئًا غير عادي في المخططات الموسَّعة الأسبوعية التي ينتجها تليسكوب جامعة كامبريدج؛ إذ كانت تظهر تدفُّقات من الإشعاع في السجلات كلَّ منتصف ليل. وبنهاية شهر سبتمبر، كانت بيل وهيويش قد استبعَدَا احتمالَ كون تلك الإشارات تشويشًا أرضيًّا من أي نوع، ولاحَظَا أن التدفُّقات تأتي مبكرًا كلَّ ليلة، كما تفعل النجوم تمامًا. وعندما أصبحت الإشارات قويةً جدًّا في نوفمبر، اكتشَفَا نبضات قصيرة وعلى فترات منتظمة جدًّا، وحينها فحصت بيل أكوامَ سجلَّاتِ المخططات ووجدت ثلاثة نجوم نابِضة أخرى، وعندما تم الإعلان عن تلك النتائج، جرى البحث عن تفسيراتٍ لها وأُطلِقت الكثير من التفسيرات، تراوحت ما بين الطريف («اتصالات من «الرجال الخُضر الصغيري الحجم» في الفضاء الخارجي»)، والجاد (جسمٌ فلكي يولِّد تلك النبضات على نحوٍ ما).
جاء التفسير الصحيح من ديفيد ستيلن وإدوارد رايفينشتاين من المرصد الفلكي الراديوي الوطني في جرين بانك بولاية فيرجينيا الغربية، اللذين وجَدَا نجمةً نابِضةً في مركز سديم السرطان؛ وهكذا قيل إن النجوم النابِضة هي نجوم نيوترونية، وهي البقايا التي خلَّفها انفجار نجم مستعر أعظم.
(٣) قمر كوكب بلوتو
أدى حادث عارض تعرَّضَ له أحدُ الأجهزة إلى اكتشافٍ فلكي سجَّله جيمس كريستي في مرصد البحرية الأمريكية في عام ١٩٧٨. فقد كان كريستي يقيس دورانَ كوكب بلوتو، وكي يقوم بهذا، وضَعَ لوحًا فوتوغرافيًّا يحتوي على صورة لبلوتو في جهازٍ يُسمَّى جهازَ مسح النجوم، وعندما فعل هذا، لاحَظَ استطالةً لصورة الكوكب. في البداية، افترَضَ أن تلك الاستطالة شيءٌ مصطنع، وكان على وشك التخلُّص من الصورة، لكن لحسن الحظ (كما اتضح لاحقًا)، بدأ الجهاز يتعطَّل في تلك اللحظة. استدعى كريستي فنيَّ إلكترونيات لإصلاح الجهاز، فطلب الفنيُّ من كريستي أن يبقى معه وهو يباشر إصلاح الجهاز؛ لأنه كان يعتقد أنه ربما يحتاج إلى مساعدة كريستي.
أثناء الساعة التي استغرقتها عملية الإصلاح، درس كريستي الصورةَ بعنايةٍ أكبر؛ ونتيجةً لذلك قرَّرَ البحثَ في أرشيف الصور عن صورٍ سابقةٍ للكوكب. وأول صورة وجدها كان مكتوبًا عليها: «صورة بلوتو. به استطالة. اللوح ليس جيدًا. مُستبعَدة.» أثَارَ ذلك اهتمامَه وبحث عبر الأرشيف مرة ثانية، فوجد ست صور أخرى مؤرَّخة بين عامَيْ ١٩٦٥ و١٩٧٠ أظهرت نفس الاستطالة. وأثبتَتْ دراساتٌ أخرى أجراها أن الاستطالة هي قمر تابع للكوكب. وهكذا، فلو لم يكن الجهاز قد تعطَّل، لم يكن لكريستي أن يكتشف القمر الجديد.