كولومبوس: اكتشاف عالم جديد
معلومٌ للجميع أن كولومبوس أبحَرَ غربًا وليس شرقًا للبحث عن طريق جديدة إلى بلاد الشرق، ولكنه لم يبلغ بلاد الشرق وإنما اكتشف عالمًا جديدًا، وهو الأمريكتان. الواقع أن هذا الاكتشاف كان عرَضيًّا، لكن هل كان سرنديبيًّا؟
يوجد العديد من عوامل المصادفة في قصة كولومبوس غير معروفة على نطاق واسع مثل رحلته البحرية الشهيرة. وُلِد كريستوفر كولومبوس في جنوة عام ١٤٤٦ تقريبًا، ودرس الرياضيات والعلوم الطبيعية، بما فيها علم الفلك الملاحي في بافيا. وطبقًا لسيرته الذاتية التي رواها ابنه فرناندو، قام بأولى رحلاته البحرية وهو في سن الخامسة عشرة تقريبًا، وربما زار فيها إنجلترا وأيرلندا وأيسلندا، وكذلك اليونان والبرتغال وإسبانيا. وفي البرتغال، قابَلَ كولومبوس ابنةَ قبطانٍ كان يعمل مع المستكشِف الشهير هنري الملَّاح، الذي كان أول مَن اكتشف الجانب الغربي المطِلَّ على المحيط الأطلنطي لأوروبا وأفريقيا، وتزوَّجَها. ومن خلال دراسة خرائط هنري الملَّاح وغيره من الملَّاحين، تولَّدت لديه رغبة محمومة لاكتشاف طريق جديدة للوصول إلى ثروات بلاد الشرق؛ وذلك عن طريق الإبحار غربًا. ويعتقد الرحَّالة المعاصِر ثور هايردال أن كولومبوس قد اطَّلَع على الرسائل التي كُتِبت قبل أربعة قرون إلى الفاتيكان من قِبَل الكهنة النورديين في جرينلاند، تلك الرسائل التي وصفوا فيها الأراضي التي اكتُشِفت بالإبحار أقصى الغرب.
أدرك كولومبوس أن رحلةً طموحة كالتي يرغب في القيام بها تحتاج إلى رعاية ملكية؛ فطلب بإلحاحٍ هذا الدعمَ من ملوك البرتغال وإسبانيا وفرنسا وإنجلترا. رفض هنري السابع ملك إنجلترا طلبه، لكن حاكِمَا إسبانيا الملك فرديناند والملكة إيزابيلا قَبِلَاه؛ ونتيجةً لذلك، أصبحت معظم أراضي العالم الجديد تابِعةً للإسبان وليس الإنجليز.
ثمة عامل آخر من عوامل المصادفة في اكتشاف كولومبوس للعالم الجديد، وهو تقييمه الخاطئ لحجم العالم؛ فعلى الرغم من أنه كان محقًّا في اعتقاده بأن الأرض كروية، فإنه لم يقدِّر حجم العالم على نحو صحيح، واعتقد أن القارة الآسيوية أكبر حجمًا وأكثر قُرْبًا إلى إسبانيا مما هي عليه بالفعل؛ فبنى تقديراته اعتمادًا على مجسَّم الكرة الأرضية الأشهر في ذلك الوقت. إلا أن مصمِّمَ هذا المجسَّم، مارتن بيهايم، استخدَمَ قياس بطليموس لمحيط الأرض، وكان أصغر بنسبة ٢٥٪. (هذا المجسَّم ما زال موجودًا؛ حيث يوجد في متحف في نورمبرج بألمانيا.) فبعد أن أبحر حوالي ٣ آلاف ميل، اعتقد كولومبوس أنه أخطأ ولم يصل إلى اليابان كما أراد، وأن الجزر التي عثر عليها ورسا عندها هي جزء من الهند الشرقية (ومن هنا جاءت تسميته لسكانها بالهنود) والتي توجد في جنوب اليابان، على الرغم من أن تلك الأراضي كانت توجد بالفعل على بُعْد آلاف الأميال جهةَ الغرب.
لكن هل اكتشاف كولومبوس للعالم الجديد مثال على السرنديبية؟ أكَّدتُ قبلَ ذلك على أهمية الفطنة في تحويل أحد الأحداث إلى اكتشاف سرنديبي. فعلى الرغم من أن كولومبوس كان مستكشِفًا جريئًا، فإنه لم يكن فَطِنًا بالقدر الكافي حتى يدرك قيمةَ اكتشافه، ومات معتقِدًا أنه اكتشف مناطق جديدة من بلاد الشرق وليست قارة جديدة. كذلك، لم يستفِدْ من اكتشافه على النحو الذي كان يأمل فيه؛ فقد نال ثناءً وتقديرًا مؤقَّتًا من رعاة رحلاته من إسبانيا، لكن عندما لم يتحقَّق هدفُ الحصول على ثروات هائلة من بلاد الشرق لنفسه ولرعاته على أرض الواقع، لم يستمر الثناء ومات وهو يشعر بخيبة أمل كبيرة. وكان يأمل في اكتشاف طريق مختصرة إلى بلاد الشرق وثرواتها، ولم يستطع الاستفادة مما اكتشفه.
إن المصادفة السعيدة التي ربما سمحت لنا بأن نقول إن اكتشاف كولومبوس كان «سرنديبيًّا» هي نشأة حضارة في العالم الجديد، وهو أمر حدث بعد فترة طويلة من الاكتشاف العرَضي التاريخي الذي قام به هذا المستكشِف الكبير.