تكنولوجيا البنزين: نظريات فلاوري، وإنتاج البنزين من الغاز الطبيعي
سنعرض في هذا الفصل اكتشافين عَرَضيين في تكنولوجيا البنزين، أحدهما يرجع إلى بداية ظهور السيارات والآخَر تطوُّرٌ حديث.
(١) سائل الإثيل
بدأ البحث عن مادة تضاف إلى البنزين لمنع أصوات الطَّرْق التي تُصدِرها محركات السيارات، عندما انزعج تشارلز إف كيترينج من هذا الطَّرْق في محركات سيارات الكاديلاك المنتجَة ما بين عامَيْ ١٩١٢ و١٩١٦. وكانت أول محاولة ناجحة في هذا الشأن نتاج مزيج غريب من الاعتقاد الخاطئ والمصادفة. اعتقد كيترينج وباحث زميل له في شركة ديلكو (التي استحوذت عليها بعد ذلك شركة جنرال موتورز) يُدعَى توماس ميدجلي، أن هذا الطَّرْق هو انفجار مؤجَّل بسبب الاحتراق غير الكامل للبنزين. وعقدا قياسًا تشبيهيًّا بين الإزهار المبكر لنبات القَطْلَب وظهور أوراقه التي لها لون الصدأ في الربيع، حتى مع استمرار وجود الثلج على الأرض، والاحتراق المتأخر للبنزين وتمنيَّا لو أن لون البنزين كان أحمر داكنًا حتى يمتص الطاقة الإشعاعية بسرعة أكبر ويتبخر في وقت مبكر على نحو كافٍ لمنع حدوث الطَّرْق! لذا، في أحد أيام شهر ديسمبر من عام ١٩١٦، ذهب ميدجلي إلى المعمل الكيميائي للحصول على بعض الصبغة الحمراء فلم يجد، ووجد زجاجة من اليود الذي اختبره لأنه كان يعطي لونًا أحمر للبنزين.
لحسن حظ الباحثين، حلَّ اليود مشكلة الطَّرْق، لكن الاختبارات اللاحقة أثبتَتْ أن لون الوقود ليست له علاقة بعدم وجود طَّرْق في محركات السيارات. مع ذلك، أدرَكَ الباحثون الآن أن ثمة مادة يمكن إضافتها لمنع الطَّرْق بعض الشيء. لكن اليود كان غاليًا ومسبِّبًا للتآكُل للغاية؛ مما لم يجعله حلًّا يُعتد به. لذا استمر البحث، وبعد عدة تجارب، اكتُشِفت مادة رابع إثيل الرصاص في عام ١٩٢١ نتيجة اعتقادٍ يميل أن يكون علميًّا أكثر من القياس التشبيهي الخاص بالقَطْلَب، وكان هذا الاعتقاد يقوم جزئيًّا على بيانات تجريبية تم الحصول عليها «بالطريقة الإديسونية» (أي عن طريق التجربة والخطأ، واستخدام كل الزجاجات الموجودة على الرَّف واختبار محتوياتها)، لكنه يستند جزئيًّا أيضًا، وعلى نحو أكثر علمية، إلى نظرية ماندليف للخصائص الدورية للعناصر.
بدأ البحث عن المادة التي يمكن إضافتها إلى البنزين لمنع الطَّرْق في محركات السيارات ببعض الاكتشافات العَرَضية غير المقصودة، وانتهت باكتشافٍ مخطَّطٍ له وهو اكتشاف مادة رابع إثيل الرصاص، التي تكوِّن سائل الإثيل عند ذوبانها في البنزين. ووُجِد أن سائل الإثيل هذا عامِلٌ رائع مضاد للطَّرْق، فكان أحد المكونات الأساسية التي تضاف إلى البنزين لأكثر من ٦٠ عامًا، أما الآن فقد أصبح مصدرًا للقلق بسبب الخطر الذي يمثِّله الرصاص على البيئة.
(٢) من الميثان إلى البنزين
في عام ١٩٨٦، بدأ أحد المصانع في نورث آيلاند بنيوزيلندا في إنتاج البنزين من الغاز الطبيعي، وبسبب النجاح الذي حقَّقَه هذا المصنع، أصبح لدى نيوزيلندا الآن اكتفاء ذاتي بنسبة ٥٠٪ من أنواع الوقود السائل.
تم تحويل كل الميثانول وكذلك جزء من الأيزوبيوتان إلى هيدروكربونات سائلة دون أن يتم إنتاج النيوبنتان. ونظرًا لأنني أجريتُ أبحاثًا سابقة من أجل تحسين النافثا (مزيج هيدروكربوني في حجم البنزين)؛ عرَّفت على الفور تركيب منتجات الهيدروكربون على أنها بنزين عالي الأوكتين. وأكَّدت تجربتنا التالية مع الميثانول ونفس المادة المحفِّزة تحويلَ الميثان إلى هيدروكربونات في نطاق البنزين … وبعد سنوات من البحث والتطوير، دخل هذا الاكتشاف حيز التنفيذ على أرض الواقع في نيوزيلندا.
كان عقل الدكتور لانج مستعدًّا من خلال الأبحاث السابقة التي أجراها في مجال كيمياء البنزين، وبالتالي استطاع الاستفادة من الملاحظة العَرَضية.