عمليات التصنيع الحيوي الناتجة عن تصوراتٍ واعتقادات خاطئة وأحداثٍ عارضة
وُلِد أود هاسل في أوسلو في عام ١٨٩٧. وتلقى تعليمه في جامعة أوسلو فيما بين عامَيْ ١٩١٥ و١٩٢٠، ثم عمل فيما بين عامَيْ ١٩٢٢ و١٩٢٤ مع البروفيسور هيرمان مارك في جامعة برلين، حيث حصل على درجة الدكتوراه ثم عاد إلى جامعة أوسلو. ومع أنه أراد استكمال البحث في مجال تصوير البلورات بأشعة إكس الذي تعلمه على يد مارك، فقد كان عليه الاكتفاء بقياس العَزْم ذي القطبين في أوسلو؛ لأن معدَّات أشعة إكس لم تكن متوافرة في البداية. ويمكن القيام بالدراسات الخاصة بالعَزْم ذي القطبين باستخدام معدات أبسط كانت توجد في متناول هاسل. ربما كان هذا أمرًا عَرَضيًّا؛ لأن تلك الدراسات التي بدأت بقياسات للمركبات الحلقية ذات ذرات الكربون السداسية أدَّتْ مباشرةً إلى الدراسة التي حصل بموجبها على جائزة نوبل.
بعد ذلك بفترة قصيرة، غزا الألمان النرويج، وحُبِس هاسل على يد النازيين لمدة عامين في معسكر اعتقال. وبعد الحرب، عاد إلى جامعة أوسلو أستاذًا، واستمر هناك حتى اعتزالِه التدريسَ في عام ١٩٦٤، لكنه احتفظ بصلته بالجامعة حتى وفاته في عام ١٩٨١. وفي مصادفة مثيرة، رافَقَ هاسل في السجن في نفس الزنزانة راجنار فريش، الذي حصل أيضًا على جائزة نوبل (في علم الاقتصاد) في عام ١٩٦٩، وهو نفس العام الذي حصل هاسل فيه على جائزة نوبل في الكيمياء بالمشاركة مع بارتون.
في مؤتمر في ألمانيا، عرض بارتون القصة المثيرة الخاصة بالإسهامات التي قدَّمها هو وهاسل في مجال الكيمياء، وكان عنوان الورقة البحثية واضحًا: «كيف تفوز بجائزة نوبل: عرضٌ لقصة بداية التحليل التشكُّلي». يعود مصدر بعض المادة العلمية السابقة والتالية عن هاسل وبارتون إلى هذه الورقة.
وُلِد ديريك هارولد ريتشارد بارتون في عام ١٩١٨ في جريفزيند بإنجلترا. كان أبوه وجده نجَّارين، وأسَّسَ أبوه شركة لتجارة الأخشاب حققت من النجاح ما يكفي للسماح لابنه بالالتحاق بمدرسة جيدة (تونبريدج)، لكنه أُجبِرَ على تركها (دون أن يحصل على أيِّ مؤهل) عندما تُوفي أبوه فجأةً في عام ١٩٣٥. وبعد أن عمل في مجال الأخشاب لمدة عامين، اقتنع أن هناك أشياء أكثر أهميةً وإثارةً في الحياة، وفي غضون أعوام قليلة حصل على درجتَي الماجستير والدكتوراه في الكيمياء العضوية من كلية إمبريال كوليدج بلندن، وهي جزءٌ من جامعة لندن. وبعد قضاء عامين في الخدمة العسكرية أثناء فترة الحرب، ثم عام في شركة أبيه، استغلَّ الفرصة التي أُتيحت له للتدريس في كلية إمبريال كوليدج.
في ربيع عام ١٩٤٩، دعاه البروفيسور لويس فيزر للانتقال إلى جامعة هارفرد لتقلُّدِ منصبٍ كان خاليًا على نحو مؤقت وكان خاصًّا بآر بي وودوارد الذي حصل على إجازة لمدة عام. وفي أثناء العام الذي قضاه في جامعة هارفرد، كتب بارتون ورقةً بحثيةً مبتكرة (وكانت قصيرة لأنه — كما يقول بارتون — كان عليه أن يكتبها بنفسه) وادَّعَى أنها كانت السبب في حصوله على جائزة نوبل. كان موضوع هذه الورقة البحثية هو حل لمشكلةٍ طرَحَها فيزر في حلقة نقاشية، تتعلق بتحليل نتائج فيزر فيما يخص التشكُّل المفضَّل للجزيء السترويدي المحتوي على حلقات كربون متعددة ذات ذرات كربون سداسية. وغيَّرَتْ تلك الورقة من نظرة الكيميائيين إلى العديد من الجزيئات، وأرجَعَ بارتون الفضل إلى هاسل لتقديمه أساسَ نظريته الخاصة بالتحليل التشكُّلي.
عاد بارتون إلى إنجلترا للتدريس في كلية بيركبيك بجامعة لندن وجامعة جلاسكو، ثم عاد إلى التدريس بكلية إمبريال كوليدج في عام ١٩٥٧ حيث عمل أستاذًا للكيمياء العضوية لمدة ٢٢ عامًا. وفي عام ١٩٧٨، استقال ليصبح مديرًا لمعهد كيمياء المنتجات الطبيعية الموجود في إحدى ضواحي باريس، ثم ترك هذا المعهد في عام ١٩٨٧ ليصبح أستاذًا في جامعة تكساس للعلوم الزراعية والميكانيكية في كوليدج ستيشن بتكساس.
رتَّبَ السير ديريك بحثَه حول عمليات التصنيع إلى عملياتٍ ناتجة عن تصورات واعتقادات خاطئة وأحداث عَرَضية. تعدُّ الاعتقادات الخاطئة والأحداث العَرَضية التي ذكرها أمثلةً رائعة على السرنديبية وتوضِّح التصورات الصحيحة التي وصَفَها أهميةَ البحث المخطَّط له. ومع أنني أركِّز في هذا الكتاب على الأحداث الوليدة المصادفة التي أدَّتْ إلى اكتشافاتٍ مهمة، فإني قد حاولتُ التأكيدَ على أنه في كل حالةٍ أدَّت المصادفة إلى اكتشافٍ، لكن فقط من خلال «العقل المستعِد» (كما قال باستير) و«الفطنة» (كما قال وولبُول) للشخص الذي حدثت معه المصادفة.
كمثال لعملية تصنيع مخطَّط لها، وصف السير ديريك تحويلَ مركب متاح وهو أسيتات الكورتيكوستيرون إلى الألدوستيرون، وهو هرمون مسئول إلى حدٍّ كبير عن الحفاظ على التوازن الطبيعي بين الأملاح في جسم الإنسان. وفي وقت ميلاد العملية الكيميائية الضوئية من قِبَل بارتون، كان إمداد العالم من الألدوستيرون النقي يُقاس بالملِّيجرام (تزن قطرة صغيرة من الماء حوالي ٥٠ ملِّيجرامًا). وبعد عام، كان لدى بارتون وزملائه حوالي ٦٠ جرامًا (أي ٦٠ ألف ملِّيجرام) من الهرمون النقي؛ مما سمح بالتقييم الصحيح لنشاطه البيولوجي للمرة الأولى.
لم يكن اكتشاف التروبون كناتج غير متوقَّع لتفاعل كان الهدف منه شيئًا آخر إنجازًا غير مهم. وكان تفسير آلية التفاعل عملًا مهمًّا في مجال الكيمياء العضوية. وربما يُعَدُّ الناتج غير المتوقَّع أكثر أهميةً من الناتج الذي كان مُستهدَفًا من التفاعُل؛ ومن ثمَّ فهو مثال واضح على دور السرنديبية في الاكتشاف العلمي.