تصدير
هذا الكتاب وليد فكرة جريئة، أبداها بإيمان عميق وحماسة متزنة رجل يقدِّر مهنة الصيدلة إلى أكبر حد، ويضيف إلى علمه الفني الفائق القدرة العجيبة على تحقيق الأماني بصورة ملموسة واضحة أمام الملأ، فكلية الصيدلة التي يرجع الفضل في وجودها إلى الدكتور محمد محمد مطاوع في الإسكندرية هي، بلا نزاع، الدليل الساطع على ما يستطيع المرء — بعون الله — أن يحققه في سبيل مَثَلٍ أعلى عندما يكون مقتنعًا بصحته وأهلًا للقيام به، ومزوَّدًا بالشجاعة والصبر لتحطيم كل العقبات التي تواجهه.
وقد قابلت منذ خمس سنوات الدكتور مطاوع في مؤتمر الصيادلة العرب في القاهرة، فجرى الحديث، فيما جرى، حول اشتغالي بابن سينا وتاريخ العلوم عند العرب، هذا إلى أنه عندما علم أني لست غريبًا عن مهنة الصيدلة بل أنتمي إليها، بحكم دراساتي السابقة ومزاولتي لها، اقترح أن أُلْقِي على طلابه في كلية الصيدلة بالإسكندرية عشر محاضرات في تاريخ الصيدلة؛ أسوة بما يُتَّبع بالجامعات المشهورة في العالم، وللدكتور مطاوع قوة إقناع غير عادية، فلم أجد نفسي إلا مستسلمًا لاقتراحه.
وفعلًا ابتدأت سنة ١٩٥٥م أُلْقِي المحاضرات المطلوبة، وكان التدريس في أول سنة بالإنجليزية، ولكن اتضح لي سريعًا أن المادة تكون أقرب إلى أذهان الطلبة إذا قُدِّمت لهم بالعربية، فلم أتردَّد في السنة الثانية من استخدام لغة الضاد في تدريسها.
وتيسيرًا للطلبة في استعدادهم للامتحان في هذه المادة أعددت لهم مذكرات مقتضبة طبعوها على «الاستنسل»، ولكن هذه السنة أقنعني الدكتور مطاوع مرة أخرى بأن أسعى بنفسي لطبع هذه المذكرات بعد إضافة ما من شأنه أن يجعلها في متناول جمهور قراء أوسع من طلبة الصيدلة، مثل الصيادلة والأطباء وسائر رجال العلم والثقافة.
غير أني لم أرغب في إدخال تغير جوهري على المنهج الذي اخترته في محاضراتي بالإسكندرية، ولقلة عدد هذه المحاضرات لم أتجاوز القرون الوسطى في عرض تاريخ الصيدلة والعقاقير، آملًا — إن شاء الله — أن أتناول العصر الحديث في سلسلة من المحاضرات الأخرى، وتعميمًا للفائدة أشرت في هذا الكتاب — على قدر المستطاع — إلى كثير من المصادر والمراجع؛ لأني مقتنع بأن هناك عددًا غير قليل من الأطباء والصيادلة يميلون إلى دراسة تاريخ مهنتهم كما يدل على ذلك إنشاء جمعية تاريخ الطب في القاهرة منذ عهد قريب، والطب والصيدلة توأمان أنجبهما العلم ليسيرا معًا متآزرين متعاونين تعاونًا وثيقًا؛ ذلك لأن تاريخ أحدهما تاريخ للآخر؛ ولهذا أكون مغتبطًا إذا أسهم هذا الكتاب المتواضع في تنمية هذه الحركة المباركة، هدانا الله إلى ما فيه الخير وخدمة العلم والراغبين فيه.
القاهرة في ديسمبر ١٩٥٨م