ابن ميمون، ابن البيطار، كوهين العطار، داود الأنطاكي
لم يتخذ الطب والصيدلة أهميتهما في سوريا إلا في القرن الحادي عشر، وقد بلغا ذروتهما في القرن الثاني عشر عندما شجَّع صلاح الدين الأيوبي (١١٣٧–١١٩٣) وخلفاؤه الأطباء في بلاطهم.
وأسَّس صلاح الدين سنة ١١٧١م بالقاهرة المستشفى الناصري حيث زاول المهنة أطباء مشهورون.
(١) ابن ميمون MAIMONIDES
فتتلمذ ابن ميمون على يديه، وعندما استولى الموحِّدون على قرطبة سنة ٥٤٢ﻫ/١١٤٨م اضطرَّ ابن ميمون أن يهجرها مع عائلته، فرحلوا إلى مراكش في مدينة فاس، وأثناء تنقلاته في الأندلس وفي المغرب لم يتوقَّف ابن ميمون عن الدرس والتحصيل، فبجانب تفقهه في الديانة الإسرائيلية بدراسة التوراة والتلمود انكبَّ على دراسة أرسطو مفسريه من اليونانيين والعرب، كما أنه نهل من الكتب الطبية لأبقراط وجالينوس والرازي وابن سينا وغيرهم من الأطباء المشهورين.
ولما اشتدَّت وطأة الظروف القاسية في مراكش استأنفت عائلة ابن ميمون مرة أخرى ترحالها ومضت نحو الشرق عام ١١٦٥م، وانتهى بها المطاف إلى مصر حيث كان اليهود يتمتعون حينذاك بحرية كبيرة أيام الخليفة الفاطمي العاضد، واستوطنت في الديار المصرية وسكنت بالفسطاط حوالي ١١٦٦م.
وابتدأ ابن ميمون يمارس الطب وسرعان ما أحرز سمعة طيبة؛ لما كان له من علم غزير وما امتاز به من طيبة قلب، كما أنه كسب ثقة إخوانه الإسرائيليين فعيَّنوه رئيسًا لطائفتهم، وقد استرعت مهارته الطبية نظر القاضي الفاضل — مستشار صلاح الدين الأيوبي في ذلك الوقت — فقربه من مولاه، واختاره صلاح الدين فيما بعد طبيبًا خاصًّا لابنه الملك الأفضل نور الدين علي.
- (١)
المختصرات وهي تلخيص الكتب الستة عشر لجالينوس.
- (٢) شرح فصول أبقراط: لم ينشر النص العربي، أما مقدمة الكتاب فقد نشرها العالم ستاينشنيدر وترجمها إلى الألمانية.٤
- (٣) فصول موسى في الطب: وهو كتاب ضخم يوجد منه عدة مخطوطات لم يُنْشَر حتى اليوم نصه العربي، ولكن الترجمة العبرية واللاتينية نُشِرَت عدة مرات، والكتاب هو مجموعة حكم طبية مستقاة عن جالينوس وأطباء آخرين، وقد رتَّبها ابن ميمون إلى ٢٤ فصلًا، وأردفها بفصل طويل جدًّا يتفقَّد فيه آراء جالينوس تابعًا الفارابي وابن زهر والتميمي وابن رضوان،٥ وقد كان لترجمة هذا الكتاب باللغتين عظيم الأثر في القرون الوسطى.
- (٤) في البواسير وعلاجها: وهو كتيب مكوَّن من سبعة فصول، وقد طُبِعَ النص العربي مقرونًا بالترجمتين العبرية والألمانية.٦
- (٥) في الجماع: كتبه ابن ميمون للسلطان عمر بن نور الدين، وقد نشره المستشرق كرونر.٧
- (٦)
مقالة في الربو: ألَّفه ابن ميمون حوالي سنة ١١٩٠م (لم يُنْشَر).
- (٧) كتاب السموم والمتحرز من الأدوية القتَّالة: ألَّفه ابن ميمون سنة ٥٩٥ﻫ/ ١١٩٩م للقاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني؛ ولذا لَقَّبَ ابن ميمون الكتاب: «بالرسالة الفاضلية»، ولم يُنْشَر بعدُ النص العربي ولكن نُشِرَت ترجمة فرنسية له مرتين.٨
- (٨) في تدبير الصحة: كتبه ابن ميمون سنة ٩٥٦ﻫ/١١٩٨م للسلطان نور الدين علي بن صلاح الدين الذي كان قد اعتراه نوع من السوداء، وقد نال شهرة كبيرة في القرون الوسطى اللاتينية، وقد نشر الدكتور كرونير الترجمتين: اللاتينية والعبرية مصحوبة بترجمة ألمانية.٩
ولعل هذا الكتاب أكثر كتب ابن ميمون الطبية أصالة وأهمية؛ لأنه يشمل — بجانب وصايا تتعلق بصحة الجسد والغذاء — فصلًا بليغًا عن صحة النفس ووجوب ترويضها بواسطة الفلسفة.
- (٩) مقالة في بيان الأعراض: ألَّفه أيضًا للسلطان نور الدين، وهو يلازم غرفته لمرض ألمَّ به، ويجيب ابن ميمون في هذا الكتاب على أسئلة وجَّهها له السلطان بخصوص مرضه، وقد تُرْجِمَ الكتاب إلى اللاتينية في القرون الوسطى.١٠
- (١٠) شرح أسماء العقار: وقد نشره منذ بضعة سنين العلامة الدكتور مايرهوف، وبذل في نشره كل ما اكتسبه طوال عشرات من السنين من علم غزير في تاريخ المفردات الطبية، فجاء كتابه آية في النشر العلمي الدقيق.١١
ومن أطرف مميزات هذا المخطوط أنه بخط ابن البيطار نفسه، وقد وضَّح ابن ميمون في مستهلِّ كتابه القصد الذي من أجله ألَّف هذا الكتاب، إذ قال:
«قصدي في هذه المقالة شرح أسماء العقاقير الموجودة في أزمنتنا المعروفة عندنا، المستعملة في صناعة الطب في هذه الكتب الموجودة لدينا، ولا أذكر من الأدوية المفردة المعروفة إلا ما ترادفت عليه أسماء أكثر من واحد إما بحسب اختلاف اللغات أو بحسب اللغة الواحدة؛ لأن الدواء الواحد قد يكون له أسماء كثيرة عند أهل اللغة الواحدة، إما بحسب ترادف وقع في أصل الوضع، أو بحسب اختلاف اصطلاح أهل المواضع، وأي دواء مشهور معلوم لم يشهر له عند الأطباء غير اسم واحد إما عربي وإما عجمي، فإني لست أذكره إذ ليس غرض هذه المقالة تعريف أنواع الأدوية بصفاتها أو ذكر منافعها، بل شرح بعض أسمائها ببعض، وكذلك الدواء الذي قد عُلِمَ وتحقق مثل التين والعنب ونحوهما، فإني لست أذكره من أجل اسمه اليوناني المذكور في الكتب المنقولة، إذ المخرجون لها قد ذكروا ذلك وبيَّنوه، إلا أني تنخَّلت ذلك اليوناني في جملة أسماء كثيرة لذلك الدواء، وأي دواء له أسماء شاذة غير مشهورة وليس له منفعة كبيرة في صناعة الطب فلست أذكره.» (ص٣).
وقد رتَّب أسماء الأدوية طبقًا لترتيب الحروف الأبجدية، واعتمد في شرح هذه الأسماء على كتاب ابن جلجل في شرح العقار وكتاب أبي الوليد بن جناح المسمى التلخيص، والكتاب الجامع الذي ألَّفه أحمد الغافقي، وكتاب الأدوية المفردة لابن سمجون، وكتاب ابن وافد في الأدوية المفردة أيضًا، وتتفاوت بيانات ابن ميمون عن الأدوية فبعضها يقتصر على كلمتين أو ثلاثة، والبعض الآخر يصل إلى سطور، وها هي ذي مقتبسات من نص ابن ميمون:
(٢) ابن البيطار IBN AL-BAYTAR
كان القرن الثالث عشر الميلادي للأندلس قرنًا ملحوظًا لأفول نجمه السياسي وتوقف حركته العلمية، إلا أنه شهد ظهور أكبر موسوعة خاصة بالأدوية المفردة وصلتنا من القرون الوسطى، وهي الكتاب الجامع لمفردات الأدوية والأغذية لابن البيطار.
- الغرض الأول: بهذا الكتاب استيعاب القول في الأدوية المفردة والأغذية المستعملة
على الدوام، والاستمرار عند الاحتياج إليها في ليل كان أو نهار، مضافًا
إلى ذلك ما ينتفع به الناس من شعار ودثار.
واستوعبت فيه جميع ما في الخمس مقالات من كتاب الأفضل ديسقوريدوس بنصه، وكذا فعلت أيضًا بجميع ما أورده جالينوس في الست مقالات من مفرداته بفصه.
ثم ألحقت بقولهما من أقوال المحدثين في الأدوية النباتية والمعدنية والحيوانية ما لم يذكراه، ووصفت فيها عن ثقات المحدثين وعلماء النباتيين ما لم يصفاه، وأسندت في جميع ذلك الأقوال إلى قائلها، وعرفت طرق النقل فيها بذكر ناقلها، واختصصت بما تمَّ لي به الاستبداد، وصح لي القول فيه وصح عندي عليه الاعتماد.
- الغرض الثاني: صحة النقل فيما أذكره عن الأقدمين وأحرِّره عن المتأخرين، فما صحَّ عندي بالمشاهدة والنظر، وثبت لديَّ بالخبْر لا الخَبَر، ادَّخرته كنزًا سريًّا وعددت نفسي عن الاستعانة بغيري فيه سوى الله غنيًّا، وما كان مخالفًا في القوى والكيفية والمشاهدة الحسية في المنفعة والماهية للصواب والتحقيق، أو أن ناقله أو قائله عدلَا فيه عن سواء الطريق، نبذته ظهريًّا وهجرته مليًّا، وقلت لناقله أو قائله: «لقد جئت شيئًا فريًّا.» ولم أحابِ في ذلك قديمًا لسبقه، ولا محدثًا اعتمد غيري على صدقه.
- الغرض الثالث: ترك التكرار حسب الإمكان، إلا فيما تمس الحاجة إليه لزيادة معنًى وتبيان.
- الغرض الرابع: تقريب مأخذه بحسب ترتيبه على حروف المعجم مقفًّى ليسهل على الطالب ما طلب من غير مشقة ولا عناء ولا تعب.
- الغرض الخامس: التنبيه على كل دواء وقع فيه وهم أو غلط لمتقدم أو متأخر؛ لاعتماد أكثرهم على الصحف والنقل، واعتمادي على التجربة والمشاهدة، وحسب ما ذكرت قبل.
- الغرض السادس: في أسماء الأدوية بسائر اللغات المتباينة في السمات، مع أني لم أذكر فيه ترجمة دواء إلا وفيه منفعة مذكورة أو تجربة مشهورة، «وذكرت» كثيرًا منها بما يعرف به في الأماكن التي ثبتت فيها الأدوية المسطورة كالألفاظ البربرية واللاطينية، وهي أعجمية الأندلس إذ كانت مشهورة عندنا وجارية في معظم كتبنا، وقيدت ما يجب تقييده منها بالضبط وبالشكل وبالنقط، تقييدًا يُؤمن معه من التصحيف ويَسلم قارئه من التبديل والتحريف، إذ كان أكثر الوهم والغلط الداخل على الناظرين في الصحف إنما هو من تصحيفهم لما يقرءونه، أو سهو الوراقين فيما يكتبونه …
وهناك كتاب آخر لابن البيطار اسمه: «الكتاب المغني في الأدوية المفردة» ويقع في عشرين فصلًا، استعمله تلميذه ابن السويدي لتأليف «كتاب السمات في أسماء النبات»، هذا ومن أبرز تلاميذ ابن البيطار المؤرخ الشهير ابن أبي أصيبعة الذي ذكر في عيون الأنباء صلاته بأستاذه فقال: «وأول اجتماعي به كان بدمشق في سنة ثلاثٍ وثلاثين وستمائة، ورأيت أيضًا من حسن عِشْرته وكمال مروءته وطيب أعراقه وجودة أخلاقه وكرم نفسه ما يفوق الوصف ويتعجَّب منه، ولقد شاهدت معه في ظاهر دمشق كثيرًا من النبات في مواضعه، وقرأت عليه أيضًا تفسيره لأسماء أدوية كتاب ديسقوريدس، فكنت أجد من غزارة علمه ودرايته وفهمه شيئًا كثيرًا جدًّا» (ج٢، ص١٣٢).
(٣) كوهين العطار KOHEN AL-ATTAR
(٣-١) كتاب منهاج الدكان ودستور الأعيان: في أعمال وتركيب الأدوية النافعة للأبدان
- الباب الأول: فيما ينبغي لمن استصلح نفسه أن يكون متقلدًا بعمل هذه المركبات أن يكون على غاية من الدين والثقة والتحرُّز والخوف من الله تعالى أولًا ومن الناس ثانيًا.
- الباب الثاني: في عمل الأشربة وطبخها وما يصلحها إذا فسدت.
- الباب الثالث: في الربوب وتربيتها.
- الباب الرابع: في المربيات وكيفية تربيتها.
- الباب الخامس: في المعاجين وعجنها.
- الباب السادس: في الجوارشنات وتركيبها.
- الباب السابع: في السفوفات ودقها.
- الباب الثامن: في الأقراص وتقريصها.
- الباب التاسع: في اللعوقات وعملها.
- الباب العاشر: في الحبوب وتحببها وبنادق البذور وحب رمي الدور.
- الباب الحادي عشر: في الإيارجات والمطبوخات والترياق وفي عسل الصبر وتدبيرها.
- الباب الثاني عشر: في الأكحال وسحقها.
- الباب الثالث عشر: في عمل الشيافات.
- الباب الرابع عشر: في المراهم وطبخها.
- الباب الخامس عشر: في الأدهان وكيفية اتخاذها.
- الباب السادس عشر: في الأطلية واللطوخات.
- الباب السابع عشر: في أدوية الفم والسنونات.
- الباب الثامن عشر: في الفتايل المسهلة والقابضة والفرزجات والحقن.
- الباب التاسع عشر: في الضمادات والجبارات والسعوطات والنفوخات.
- الباب العشرون: في إبدال الأدوية التي يتعذَّر وجودها في الوقت الحاضر إذا دعت الضرورة إلى تركيبها على حروف المعجم.
- الباب الحادي والعشرون: في شرح أسماء الأدوية المفردة التي يمكن أن يحتاج إليها في تركيب الأدوية، وربما جهلت عند بعض الناظرين فيه من الصيدلة مرتَّبة على حروف المعجم.
- الباب الثاني والعشرون: في الإوزان والمكايل على حروف المعجم.
- الباب الثالث والعشرون: في وصايا يُنتفع بها.
- الباب الرابع والعشرون: في كيفية اتخاذ الأدوية المفردة وفي أي زمان تُجنى؟ ومن أي مكان؟ وكيف تُخزَّن؟ وأي الأوعية فيها تخزن؟ وما يفسدها وما يصلحها إذا بدا فيها الفساد؟ وذكر ما يعمل مع بعض الأدوية ليمتنع فساده وفي أعمار الأدوية المفردة والمركبة.
- الباب الخامس والعشرون: في امتحان الأدوية المفردة والمركبة ووصف حال الجيد منها.
(٤) داود بن عمر الأنطاكي DAWUD AL-ANTAKI
- المقدمة: في تعداد العلوم المذكورة في الكتاب وحال الطب معها ومكانته وما ينبغي له ولمتعاطيه وما يتعلق بذلك من الفوائد.
- الباب الأول: في كليات هذا العلم والمدخل إليه.
- الباب الثاني: في قوانين الأفراد والتركيب وأعماله العامة وما ينبغي أن يكون عليه من الخدمة في نحو السحق والقلي والغسل والجمع والأفراد والمراتب والدرج وأوصاف المقطع والملين والمفتح إلى غير ذلك.
- الباب الثالث: في المفردات والمركبات وما يتعلق بها من اسم وماهية ومرتَّبة على حروف المعجم.
- الباب الرابع: في الأمراض وما يخصها من العلاج وبسط العلوم المذكورة وما يخص العلم من النفع وما يناسبه من الأمزجة وما له من الدخل في العلاج.
- الخاتمة: في نكت وغرائب ولطائف وعجائب.