الصيدلة في مصر القديمة
(١) مصادر معرفتنا الطب والصيدلة في هذا العصر
حضارة مصر القديمة هي بلا نزاع من أعرق الحضارات وأغناها، ومنذ مائة سنة بعد أن تمكَّن علماء الآثار من حل لغز الكتابة الهيروغليفية انكبُّوا على قراءة آلاف النصوص التي أُخْرِجت من رمال مصر أو اكتُشِفَت على جدران مقابر الفراعنة، ويمكننا أن نلخص مصادر معرفتنا لحالة الطب والصيدلة في مصر القديمة على الوجوه الآتية:
(١-١) الهياكل العظيمة والموميات
(١-٢) الآثار Monuments
(١-٣) أنباء المؤرخين
ومن أهمهم هيرودوت وديودور الصقلي وقد طوَّفا بمصر وكتبا عنها.
أما هيرودوت فهو مؤرخ يوناني زار مصر ووصل إلى الشلال الأول، كما أنه زار سوريا وجاوز بابل وسوسا وهمذان، وتنقَّل بين شواطئ البحر الأسود وجنوب روسيا، وكان غرضه من هذه الرحلات أن يكتب تاريخ الحرب اليونانية الفارسية أو الحروب الميدية، وأراد أن يتفهَّم عقائد الشعوب التي يزورها وخصائص حضارتها ومسالك تفكيرها، والأرجح أن رحلته كانت حول سنة ٤٤٨ق.م. ومكث في مصر حوالي ثلاثة أشهر ونصف، وبعد طوافه الدلتا ركب النيل إلى أسوان ونزل في الأشمونين والأقصر وفي طريقه راجعًا زار منخفض الفيوم وبحيرة قارون.
إلا أن هيرودوت لم يكن يعرف اللغة المصرية، فاضطرَّ أن يستعين بمترجمين مما جعل أخباره تعتمد على علمهم أو جهلهم على السواء.
ويقرر هيرودوت في مواضع متعددة من تاريخه أنه استقى معظم أخباره من كهنة منف، وأغلب الظن أنه اتصل بالكُتَّاب والمسجلين في المعابد، ولم يكن هؤلاء على علم غزير؛ ولذا يجب ألا نسلم بكل ما جاء في تاريخه — خاصة فيما يتعلق بالطب والمادة الطبية — بدون شيء من التحفُّظ، وقد تعرض لذكر الزراعة في مصر وعن العادات المصرية والطقوس الدينية، وقد جاء في كتابه وصف عن التحنيط نذكره فيها بعد.
(١-٤) البرديات Papyri
ولكن أكثر المصادر إسهابًا في وصف الأمراض والمادة الطبية — بلا نزاع — القراطيس الطبية التي عُثِرَ عليها في مصر في أواخر القرن الماضي، ولأهميتها نعطي عن كل واحدة منها مميزاتها.
(٢) البرديات الطبية
(٢-١) بردية كاهون Kahûn Medical Papyrus
جزء منها مخصَّص للبيطرة، وجزء آخر لأمراض النساء، يحتوي على ٣٥ وصفة خاصة بأمراض النساء وتشخيص قدرة التناسل عند المرأة وجنس الطفل.
(٢-٢) بردية أدوين سميث Edwin Smith
طول البردية ٤٫٦٨ أمتار.
- (١)
قِدَمها: كُتِبَت النسخة سنة ١٧٠٠ق.م. ولكن أكبر الظن أنها نُقِلَت عن نسخة ترتفع إلى ٣٠٠٠ق.م.
- (٢)
تحتوي على وصف أحوال مرضية ولكن لا تعطى وصفات لعلاجها.
- (٣)
رُتِّبَت الأحوال المرضية حسب الأعضاء.
- (٤)
في كل جزء رُتِّبَت الأحوال حسب خطورتها المتصاعدة.
- (٥)
تعطي فحصًا مدققًا للمريض.
- (٦)
تعطي بيانًا عن مصير المريض.
(٢-٣) بردية إيبرس George Ebers Papyrus
(٢-٤) بردية هيرست Hearst
عَثَرَ على هذه البردية في ربيع ١٩٠١م أعضاء لجنة أبحاث هيرست في دير البلاص، وقد وجدها فلاح في وعاء أثناء الحصول على سباخ.
عرض القرطاس: ١٧٫٢ سنتيمترًا.
٢٧٣ سطرًا.
٢٦٠ وصفة.
- (١)
يحوي كل منهما معلومات ليست موجودة في الأخرى.
- (٢)
توجد بعض الوصفات بعينها نصًّا في كل منهما.
- (٣)
يختلف ترتيب الوصفات في البرديتين.
- (٤)
بعض وصفات بردية هيرست ذُكِرَت في بردية إيبرس تحت عناوين مختلفة.
- (٥)
يوجد بعض الوصفات مكرَّرة في كل منهما.
(٢-٥) بردية لندن London
حصل عليها متحف لندن عام ١٨٦٠م. بها نقص في أولها وآخرها، طولها: متران وعشرة سنتيمترات، تحتوي على ٦٣ وصفة سحرية لمعالجة أمراض العيون والنساء وخصوصًا للحروق.
(٢-٦) بردية برلين Berlin
وُجِدَت في ضواحي القاهرة بجوار أهرام سقارة، وأُهْدِيت إلى متحف برلين عام ١٨٨٦م.
طولها ٥١٦ مترًا وعرضها عشرون سنتيمترًا، وتحتوي على ١٧٠ وصفة.
وتكلَّم جالينوس عن بردية برلين في كتبه عند ذكر العقاقير التي كان يستعملها قدماء المصريين باسم الإلهة «إيزيس»، ويتضح مما ذُكِرَ في بعض عبارات البردية أنها منسوخة عن كتاب قديم يرجع تاريخه إلى عهد خليفة الملك مينا أول فراعنة مصر.
(٣) الغذاء والصحة العمومية
كان المصريون يأكلون الخبز بكثرة لدرجة أنهم لُقِّبوا ﺑ «أكلة الخبز»، وقد حُلِّلت عينة من هذا الخبز واتضح أنه مكوَّن من عجين خشن، فيه كمية كبيرة من غلاف الحبوب وأيضًا من التبن وحبيبات الحنطة والشعير.
أما الفاكهة فأهمها: العنب والتين والبلح والرمان والشمام والخروب والزيتون والمشمش.
وكانوا يأكلون اللحم والسمك، وكان طعام الأطفال قوامه خبز الذرة واللبن والزيت.
المشروبات: الماء وبيرة الشعير والنبيذ.
وقد ذكر هيرودوت أن المصريين كانوا يتعاطون المسهلات في وقت معين كل شهر تقريبًا؛ لأنهم كانوا يعلقون أهمية كبرى على الأمعاء وخروج المواد البرازية من الجسد أثناء المرض، فاستعملوا لذلك الملح والمر واللبن والتقاوي ولبن الأتان وورق السنط والنيلة والعرعر وورق الخروع وحب الملوخية … إلخ، وكانوا يستعملون المواد المقيئة والحقن الشرجية، ويصف هيرودوت المصريين بأنهم — بعد الليبيين — أصح شعوب العالم أجسامًا.
وقد أبدى المصريون في ميدان الصحة العمومية اهتمامًا كبيرًا، وقد كشفت أعمال الحفريات عن طرق كانت تُتَّبع لجمع ماء المطر وتصريف الفضلات بأنابيب من النحاس.
وكانت الحياة اليومية منظمة بموجب قوانين دقيقة، هي مزيج من الطقوس الوثنية والعلاج الطبي.
وكانت مقتضيات النظافة متزايدة فيما يخص الكهنة؛ إذ يستحمون مرتين في النهار ومرتين في الليل، ويرتدون ثيابًا بيضاء ويقصُّون شعرهم كل ثلاثة أيام تفاديًا للحشرات.
ومن عاداتهم ختان الذكور وحرَّموا الإجهاض وعاقبوا من يفعله عقابًا شديدًا.
وكانت للأطفال تدبيرات صحية خاصة: فكان يُلَف المولود في ثياب فضفاضة من الكتان الأبيض، وكان يُغذَّى بعد الفطام بلبن الجاموس وبعدئذٍ بالخضروات، ولغاية سن الخامسة كان الأطفال يسيرون بدون ثياب ويلعبون ألعابًا صحية كالكرة والطوق، وكانت للأطفال الذين هم أكبر سنًّا ألعاب دقيقة.
وأثناء بناء الأهرامات كانت تُوزع الثياب ويزور الطبيب العمال بانتظام، كما كان يجب على العمال كل سنة أن يحرقوا عششهم ويبنوا أكواخًا جديدة.
(٤) المادة الطبية
لقد استعمل قدماء المصريين — لمعالجة أمراضهم — شتى المواد ليس لما قد تحتويه من عناصر فعَّالة فحسب، بل أيضًا بدافع اعتقادات بدائية هي أقرب إلى السحر منها إلى العلم، وعندما تقرأ في القراطيس الطبية أسماء بعض المواد التي كانت تُستعمل لديهم مثل: روت السلحفاة أو إفرازات الذباب أو بول الأطفال، لا نستطيع إلا أن نعجب من أناس أبدوا في ميادين أخرى من الطب — الجراحة مثلًا — براعة فائقة وقوة ملاحظة مدهشة.
غير أنه يجب ألا ننسى أن قوة العادات المتوارثة جيلًا بعد جيل شديدة الوطأة على مجتمع ساذج سريع التأثر، وأن الحدود التي تفصل بين الطب والسحر والدين كانت حينذاك من الميوعة بحيث إن كثيرًا من الوصفات كانت لا تخلو من مسحة سحرية واضحة، هذا على الأقل في القرون المتوغلة في القدم، ولكن رويدًا رويدًا أخذت الوصفات تقتصر على النباتات العديدة التي كانت تنبت في مصر أو تُستورد من الخارج.
وحتى القرن الماضي كانت معظم معلوماتنا الخاصة بالمادة الطبية المصرية القديمة مستقاة مما ورد في مؤلفات المؤرخين اليونانيين، فيذكر ثاوفراسطس وديسقوريدس وجالينوس باستمرار وصفات طبية يقولون: إنهم أخذوها عن الأطباء المصريين أو بالأحرى — كما يقول جالينوس — عثروا عليها في مكتبة هيكل إيمحوتيب بمنفيس عندما انكبُّوا على دراسة المؤلَّفات المحفوظة فيها، التي كانت لا تزال في متناول الأطباء حتى القرن الثاني ب.م. وفي نفس هذه المكتبة كان أبقراط قد اطلع — قبل ذلك بسبعة قرون — على أسرار الطب المصري.
وقد لخصنا بقدر المستطاع هذه الأبحاث ورتَّبنا فيما يلي النباتات حسب الترتيب الأبجدي العربي لكي تكون سهلة المنال:
وكانت نشارته مستعملة في الطب كما أشار إلى ذلك ثاوفراسطس وديوسقوريدس.
وقد ورد ذكره في قرطاس إيبرس.
وكانت مدينة سايس (صار الحجر) أهم مركز لصناعة هذه القراطيس، وهذه الصناعة كانت محتكرة لدى الحكومة، وقد وُجدت سوقه وأزهاره في توابيت بعض ملوك الأسرة الثامنة عشرة، وكان يُرمز به عن الوجه البحري.
وقد شُوهدت في المقابر القديمة رسوم باقات منه ووُجد في يد مومياء، وعُثِرَ على مقدار منه في جبانة هوارة، وقد شُوهدت صور كهنة يمسكون في أيديهم البصل، كما شوهدت رسوم بعض المذابح مغطاة به.
وقد ذكرته بعض القراطيس الطبية؛ فتوجد وصفة مرهم في قرطاس هيرست لعلاج نوع من الروماتزم يتركَّب من الشحم ورواسب الخمور والبصل وغيرها.
وكان التين مستعملًا كغذاء ويدخل في وصفات طبية، كما كان يُصْنَع منه خمر.
وقد ذُكِرَ التين مرارًا في القراطيس الطبية، فجاء مثلًا ذكره في قرطاس إيبرس ٤٧ مرة، وأكثر استعماله كملين ومسهل، وفي كثير من الأحيان كان يُحضر نوع من شراب التين من عصارة أو لب الثمار ممزوجًا بالبيرة الحلوة، وكان يُسْتَعمل أيضًا لأمراض الصدر والقلب والمعدة والكبد.
ويخرج منه عصير يسمى «لبن الجميز» وهو يُجْمَع في أوعية فيجمَّد ويصير لونه أحمر ورديًا، وهو يترك على الأصابع بقعًا سوداء.
وعُثِرَ على عصا في تابوت أثبت الفحص الميكرسكوبي أنها مصنوعة من الخرنوب.
وقد ذُكر ثمر الخرنوب في قرطاس إيبرس ضمن المسهلات، وكان خشب الخرنوب مستعملًا في النجارة الدقيقة، وقد عُرِفَ عندهم بميل لونه إلى الحمرة وصلابته.
وكان يُصنع من الذرة الرفيعة خبز كما أشار إلى ذلك هيرودوت.
وقد استُعْمِل قربانًا للموتى، واستُعْمِل قشره في الطب لقتل الديدان، ويُظن أنه كان يُستخرج من الرمان شراب، والظاهر أن غرس الرمان انتقل من مصر إلى الواحات الداخلة وكثر فيها حتى صار شرابه من أهم محصولاتها في أيام البطالسة.
فيذكره قرطاس إيبرس لقتل الوحيدة: «يؤخذ قشر الرمان ويُنْقَع في الماء، ثم يُعْصَر ويزاح السائل ويُشْرَب مرة واحدة.» وفي وصفة أخرى: «يُؤخذ قشر الرمان ويُعْجَن مع البيرة ويُتْرَك ليُنْقَع في إناء حتى الصباح ويصفَّى خلال قطعة قماش ثم يُشْرَب.»
- (١) السنط النيلي Acacia nilotica: قد وُجِد زهره في أكاليل على جثتي أعحمس الأول وأمنحتب الأول من ملوك الأسرة الثامنة عشرة، وكان المصريون القدماء يصنعون من خشبه أشياء كثيرة مثل: توابيت للموتى وأثاث للبيوت وتماثيل وسفن وألواح لأشغال النجارة الدقيقة، ويستخرجون منه صمغًا.
- (٢) الطلح Acacia seyal: كان هذا الشجر مستعملًا في تركيب من الوصفات الطبية النافعة للأمراض الباطنية وأمراض العيون.
- (٣) Acacia farnesiana: كانت تُسْتَعمل زهرته في الطب وتدخل في تركيب أغلب الروائح العطرية.
- (٤) السنط العربي Acacia Arabica: كانت تُسْتَعمل قرونه في الدباغة.
وذكر أحد المؤرخين أن المصريين كانوا يصنعون مزامير صغيرة من سوق هذا النبات، ويُعْرَف منه نوعان: الشعير الأحمر والشعير الأبيض.
وقد وُجِدَ في بعض النصوص الهيروغليفية نوع من الشعير كان ينبت حاليًّا من القشر كالقمح تمامًا، وكانوا يعتقدون أن الخبز في الدار الآخرة يُصْنَع منه.
وكانوا يصنعون من خشبه عصيًّا ونبابيت وأبوابًا وتوابيت للموتى وبعض آلات خاصة بالصنائع، ومن زهره صبغة للأقمشة تلونها باللون الأزرق، ويدخل أيضًا في تركيب بعض الوصفات الطبية والروائح العطرية.
وقد عُثِرَ على أنواع أخرى من القمح، ويُرى القمح مرسومًا في كثير من الآثار وخصوصًا ضمن قرابين الموتى وكان له فوائد طبية عظيمة.
وقد أتقن المصريون صناعة التخييش والتطريز بأسلاك الذهب والرسم بالإبرة.
واشتهرت عدة مدن مصرية بصناعة النبيذ مثل: مريوط وسمنود وتنبس وقفط وأسوان، وكان يوجد منه أنواع كثيرة، وكان حصرم العنب يُسْتَعمل في الطب لمعالجة بعض الأمراض الباطنة، وكان يُقدَّم النبيذ في المواسم والأعياد والمجتمعات للنساء والبنات على السواء.
الخروج ١٦ / ٣١: وسماه آل إسرائيل المن وهو كبذر الكزبرة أبيض وطعمه ﮐ «قطائف بعسل».
العدد ١١ / ٧: «وأما المن فكان كبذر الكزبرة ولونه كلون المقل.»
«عرف قدماء المصريين أن القليل منها مع النبيذ ينبه غريزة الشهوة، بينما الكثير منها يلعب بالرأس، وكان الأطباء في تلك العهود ينسبون لها خاصية طرد الديدان وللإكثار منها خاصية التأثير على المخ كمنوم ومخدر» (عبد الرحمن، ص١١٠).
وللوطس خاصية غريبة: وهي أن معظم أزهاره تنقبض عند غروب الشمس وتغور في الماء حتى تشرق عليها شمس الصباح فتفتحها؛ ولذا رَمَزَ المصريون باللوطس للشمس المشرقة، ولهذا السبب كرسوه للإله هورس.
وقد سمى ابن البيطار هذا النوع بعدة أسماء منها الفالس القبطي والجامسة.
وكان جريد النخل مستعملًا في صناعة العصي والعكاكيز والأقفاص والكراسي الخفيفة، أما خوصه فكان مستعملًا في صناعة الحصر والسلال ونعال الموتى، وكانت أفلاق النخل تدخل في صناعة الأعمدة وضمن أدوات البناء.
أما الليف فكانوا يستعملونه في الاغتسال ويفتلون منه حبالًا.
وكان المصريون ينثرون سعف النخل في الطرق التي تمر بها الجنازات.
وبجانب هذه النباتات التي كانت تكون الجزء الأساسي في معالجة الأمراض كان يوجد عدد من المنتجات الحيوانية والمنتجات المعدنية يستعملها الأطباء في وصفاتهم.
وأهم المنتجات الحيوانية هي: الأفاعي، دهن الإوز، دم الإبل، دهن البقرة ولبنها ومخها ولحمها وحافرها ومرارتها، بول الذكر وغائطه، البيض، روث ودهن التمساح، غدد الثور ومنفحته ومرارته، الجراد (مصحون في هاون)، جلد محروق، الحرزون (دمه وشعره وخرؤه ودهنه)، روث ولبن وأذن وإحليل وحافر وشحم الحمار، خصية حمار أسود، صوف الخروف، خنزير (دمه ولحمه ودهنه وروثه)، زبدة زنبور (روثه)، سرطان (مرارته)، سلحفاة (باغه وكبده)، سمان (دمه)، سمك (زيته)، شحم فك حمار، شمع، ظبي (قرنه وروثه) عاج، عجل (دمه وقرونه)، عسل شمع، ريش عقاب، غائط ذكر وغائط طفل ناشف، غزال (روثه وقرنه)، دهن فأر، قشدة، قط (روثه ورحمه ودهنه وشعره)، شوك القنفذ، الكلبة (رحمها ودمها وروثها ورجلها)، لحم نتن، لحم ماعز، نحل (دمه وخرؤه)، دم النسر، دم الوطواط، وعل (دهنه وأذنه وشحمه).
أما المنتجات المعدنية فأهمها: الإثمد، التراب، الجرانيت، حديد (برداة وخلات) حجر، حجر مر، حجر من مصب الماء، رصاص (صدأ وخلات) رخام ناعم، رمل، زيت جبلي، سلقون، صدأ مسحوق، طباشير مسحوق، طمي، طوب، طين أسواني، فخار، كبريت العمود مسحوق، كهرمان، لازورد منقى، ماء بئر، وماء بحيرة، وماء طلق، ماء قربة جديدة، مواد، ملح، بارود، ملح بحري وجبلي، نحاس زاج وسلفات وخلات، نطرون.
- (١) مثال الأفرجة لدرء سلالة البول Incontinence of urine برشان، سعد، بيرة، يُغْلَى ويصفَّى ويُشْرَب على أربعة أيام.
- (٢) مثال المراهم، وصفة لإزالة التيبيس الحاصل في أي عضو Cramp حنظل، شمع عسل، بذر كتان، ملح بحري، صرام،١٠ يُدْهَن به العضو المصاب.
- (٣)
مثال المروخ لتغيير الجلد: عسل، نطرون، ملح بحري، يُصْحن معًا وتُدْهن به الأعضاء.
- (٤)
مثال للبخور، مر ناشف برشان كندر، سعد ذر صوص مصطكى إذخر فينيقي ينسون سماق، تُطْحَن ناعمًا وتُمْزَج وتُحْرَق فوق النار.
- (٥)
مثال للحبوب لتعطير فم السيدات: يُضاف إلى الوصفة السابق ذكرها عسل، وأنضجها معًا واصنعها حبوبًا، ويمكن استعمال هذه الحبوب للمضغ لتحسين رائحة الفم كما يمكن وضعها فوق النار لاستعمالها بخورًا.
- (٦)
مثال لقطرات العين: إثمد عسل، يُقطر في العين.
- (٧)
مثال للبخ، لبخة للأصبع المريض: مسحوق بلح صابح، عسل، صدأ رصاص، حنظل، كندر، ورق سنط، ورق نبق، مر، تُطْبَخ هذه الأصناف وتوضَع لبخة على المحل المريض.
- (٨) مثال الشيافات الشرجية suppositories لالتهاب الشرج: دقيق الفول، نطرون، مر، خشخاش، برشان، حب عرعر، كندر، دقيق حنظل، كمون عسل، تُمْزج هذه الأصناف معًا وتُعمل حبوبًا وتُوضع في الشرج مدة أربعة أيام.
- (٩)
مثال حقن لالتهاب المهبل: كندر كركر ناعم: يُمْزجان في لبن بقري ويصفَّى ويُحقن هذا السائل في الفرج المريض.
- (١٠)
مثال اللعوك: دواء للأسنان للمضغ: عم (نبات)، بيرة عذبة، سطاح (نبات) يُمضغ ويُقْذَف به على الأرض.
- (١١)
مثال الغرغرة، علاج لالتهاب اللسان: كندر كمون، صدأ رصاص، دهن أوز، عسل، ماء، يغرغر به تسع مرات.
- (١٢)
مستحضرات لإزالة الروائح الكريهة: كندر وبن، برشان مر، يُخْلط ويُسْتَعمل دهانًا.
المسهلات: الحنظل والعرعر والتين والينسون والخروع وبذر الملوخية الثوم والمخيط وملح الطعام والمر والتقاوي وورق السنط والنيلة.
(٤-١) أهم العقاقير المستعملة في أوجاع الرأس
الحنظل الأخضر، النطرون الخشخاش، خانق الذئب، الكندر، الكمون، حب العرعر، النعناع الجبلي الإثمد، بذر الكتان كعلاج موضعي، نبيذ البلح، خلات الرصاص كعلاج موضعي.
(٤-٢) العقاقير المستعملة لعلاج العيون
-
(١)
لاحتقان العين: إثمد مداد، حنظل أخضر يوضع على ظهر العين، كربونات الزنك (؟)، مر أخضر توضع فوق الجفن، سلفات أو صدأ الرصاص فوق الجفن.
-
(٢)
لفرز الدموع: صدأ الرصاص، كندر فوق الجفن، مر حنظل، سعد كحل، سلفات النحاس لبخة.
-
(٣)
لآلام العين: نطرون فوق الجفن، سلفات النحاس، صدأ الرصاص إثمد دهان كحل إثمد.
-
(٤)
لضعف النظر: إثمد، صدأ الرصاص فوق الجفن، سلفات النحاس يُوضع في العين، صدأ الرصاص.
-
(٥)
لورم العين: إثمد أو سلفات النحاس يوضع فوق الجفن.
-
(٦)
لقرحة القرنية وعتامها: إثمد يوضع في العين، مداد يوضع في العين.
-
(٧)
للرمد الصديدي: إثمد أو نطرون يوضع فوق الجفن، صدأ رصاص.
-
(٨)
الرمد الحبيبي: إثمد حنظل، سلفات النحاس يوضع فوق الجفن، ورق الخروع فوق الجفن.
-
(٩)
لالتهاب العين أثناء الزكام: إثمد سلفات النحاس، مداد يوضع فوق الجفن.
(٤-٣) العقاقير المستعملة لعلاج الأنف
نعناع فلفلي يُستعمل نشوقًا.
(٤-٤) العقاقير المستعملة لعلاج الأذن
-
(١)
لضعف حاسة السمع: خانق الذئب، كندر، كركم لبخة.
-
(٢)
نزول الصديد من الأذن: زيت الخروع وزيت زيتون دهان، إثمد.
(٤-٥) العقاقير المستعملة للشعر
لضعف نمو الشعر: زيت الخروع دهان.
(٤-٦) العقاقير المستعملة لأمراض الفم
لأمراض الصدغ: خيار شمبر، بلح، جذور الخشخاش، حب عرعر، يشرب لالتهاب الفم: ثوم، حب الخشخاش، حب العرعر، صدأ الرصاص، يُنْقَع ويغرغر به.
لالتهاب اللثة: ذر صوص، كندر ينقع ويشرب، صدأ الرصاص يوضع في زيت ويُسْتعمل غرغرة.
(٤-٧) علاج العقد الخنزيرية بالعنق
نظرون علاج موضعي، خلات الرصاص موضعي.
(٤-٨) العقاقير المستعملة لأمراض الثدي
-
(١)
لورم أو تقيح الثدي: حنظل، نطرون لبخة، ملح، تين لبخة.
-
(٢)
لالتهاب الثدي: صدأ رصاص علاج موضعي، ملح وحنظل علاج موضعي.
(٤-٩) العقاقير المستعملة لأمراض المعدة
-
(١)
انتفاخ البطن: المسهلات.
-
(٢)
ألم المعدة عند تعاطي الطعام: الخشخاش.
-
(٣)
القيء: كمون يؤخذ بالفم، سنط، حنظل يؤخذ بالفم، ثوم يؤخذ بالفم، نعناع فلفلي يؤخذ بالفم.
-
(٤)
الإسهال: صمغ، صدأ رصاص يؤخذ بالفم.
(٤-١٠) العقاقير المستعملة لأمراض الأمعاء
-
(١)
لانتفاخ البطن: المسهلات.
-
(٢)
إمساك شديد: المسهلات.
-
(٣)
إسهال شديد: صمغ، صدأ رصاص يؤخذ بالفم.
-
(٤)
مغص: كمون لبخة، مر، كندر لبخ، نعناع فلفلي لبخ.
-
(٥)
لطرد الديدان من الأمعاء: قشر الرمان، كمون، ملح، حنظل.
(٤-١١) العقاقير المستعملة في أمراض الكبد
الخشخاش والكندر والتين والمخيط تؤخذ بالفم، صدأ رصاص يؤخذ بالفم، نبيذ، عرعر، بيرة عذبة تؤخذ بالفم، حنظل، نطرون تؤخذ بالفم.
(٤-١٢) العقاقير المستعملة للمجاري البولية
-
(١)
للبول الدموي: الصمغ، زيت الخروع والعرعر، والحنظل والسنط والبلح والإثمد تؤخذ بالفم، حب العنب يؤخذ بالفم، الخشخاش، البيرة العذبة، الليمون تؤخذ بالفم.
-
(٢)
التهاب المثانة: الصمغ، العرعر، البيرة العذبة، كركم جبلي، حنظل، بابونج تؤخذ بالفم.
-
(٣)
وجود الصديد بالبول: بيرة عذبة.
-
(٤)
كثرة الأملاح بالبول: بيرة عذبة، نبيذ، حنظل، ملح بحري تؤخذ بالفم.
(٤-١٣) العقاقير المستعملة لأمراض الشرج
يوضع حجر ساخن على الشرج، العرعر، الكندر، صدأ الرصاص، المر، العسل، الكمون، ماء حنظل، خشخاش، إثمد، نطرون، تؤخذ حقن شرجية.
(٤-١٤) العقاقير المستعملة لأمراض العظام
-
(١)
كسور العظام تُعالج بوضع بعض العقاقير كالزبدة على الكسر نفسه مع استعمال الرباط اللازم.
-
(٢)
التهاب العظام: يعالج موضعيًّا بالحنظل وورق الزيتون والشمع.
(٤-١٥) العقاقير المستعملة لأمراض الأصابع
-
(١)
الالتهاب العام للأصبع: برادة الحديد، صدأ الرصاص، علاج موضعي.
-
(٢)
نطرون، شحم علاج موضعي، زيت الزيتون دهان، بذر كتان لبخة، كندر، بابونج، صمغ علاج موضعي.
(٤-١٦) العقاقير المستعملة لأمراض المفاصل
المصطكى والزيت لبخ، النبيذ علاج موضعي.
(٤-١٧) العقاقير المستعملة للولادة وأمراض النساء
-
(١)
سقوط الرحم: تجلس المرأة على حجر مغطى بمسحوق الأرز ويضاف إليه بعض البيرة، تغمس خرقة بصدأ الرصاص والمر وتوضع أعلى الرحم.
-
(٢)
لنزول الصديد من الرحم: حثالة الجعة توضع على الفرج.
-
(٣)
حكة الفرج: خيار شمبر، بخور، حقن مهبلية، كندر وكركم حقنة مهبلية.
(٤-١٨) العقاقير المستعملة لعلاج الأمراض الباطنية
-
(١)
التهاب الأعصاب: خانق الذئب والعرعر والجعة العذبة علاج موضعي.
-
(٢)
الضعف العام الناشئ عن فقر الدم: حنظل، زيتون، جعة عذبة يؤخذ بالفم، نبيذ يؤخذ بالفم.
-
(٣)
الحميات: حنظل، كندر علاج موضعي، جعة عذبة، نطرون علاج موضعي، جعة عذبة تؤخذ بالفم.
-
(٤)
صراخ الأطفال: خشخاش يؤخذ بالفم.
(٤-١٩) العقاقير المستعملة للأمراض الجلدية
-
(١)
الجرب: نبيذ، نطرون علاج موضعي، حنظل، مر، خشخاش، صدأ رصاص، خل، علاج موضعي، كبريت العامود دهان، قطران دهان، صدأ رصاص دهان.
-
(٢)
لعضة الإنسان أو الحيوان: شمع، نعناع فلفلي دهان، صدأ رصاص، كندر دهان.
-
(٣)
للحروق: الدهن يُدْهن به، ملح: علاج موضعي، كندر، مسحوق الحديد، الزيت، علاج موضعي.
-
(٤)
للخراجات والدمامل:
- (أ)
العقاقير التي تعجل بنضج الورم والصديد: اللبخ المركبة من البلح والشمع.
- (ب)
العقاقير التي تساعد على إفراز الصديد وإخراجه: النطرون والكندر والحنظل والإثمد والجعة العذبة وزيت الخروع علاج موضعي … إلخ.
- (أ)
(٥) التحنيط عند قدماء المصريين
(٥-١) مقدمة
لما كان التحنيط متصلًا اتصالًا وثيقًا بعقائد المصريين الدينية الخاصة بالحياة الأخرى، يحسن بنا أن نستهلَّ هذا البحث بنبذة مقتضبة عن الاعتقادات التي بُنِيَت عليها عملية التحنيط، ويمكننا أن نلخصها على الوجه الآتي:
- (١)
الجسد أو الهيكل المادي القابل للفناء.
- (٢) عنصر روحي اسمه «الكا» KA وهو الجزء الأثيري من الجسم، وهو كامل الشبه به، خُلِقَ مع الشخص ويحافظ عليه في حياته، وبعد الموت يلازم الجثة في المقبرة لكي يدافع عنها في الحياة الأخرى، ويرمز لهذا «الكا» بالتماثيل التي كانت توضع مع الميت في قبره.
- (٣) عنصر روحي ثاني اسمه «البا» BA بمقابلة الروح ليس قابلًا للفناء، وهو يترك الجسد عند الوفاة متجهًا نحو الآلهة، ولكنه لا يمكث في السماء باستمرار، بل يتردَّد على المقبرة التي فيها الجسد، وكانوا يرمزون لهذا «البا» في مقابرهم ورسومهم بطائر له رأس إنسان ويقبض في يده على علامة الحياة، وكانوا يرمزون له أحيانًا أخرى بطائر هابط من السماء إلى كوة المقبرة.
- أولًا: من حفظ الجثة سليمة لكي يجدها «البا» وهذا ما يحققه التحنيط.
- ثانيًا: من «فتح» الأعضاء الأساسية بطرق سحرية، ومراسيم دينية؛ لكي يستطيع الميت أن يسترجع حواسه ويتصل بالبا.
(٥-٢) معني الكلمة
(٥-٣) طرق التحنيط الممكنة
-
(١)
حفظ الأجسام في أجواء باردة، وهذه طريقة غير معروفة عند قدماء المصريين.
-
(٢)
حقن مواد مطهرة أو معقمة في الأوعية الدموية ومنها تنتشر إلى جميع أجزاء الجسم والأنسجة، وهذه أيضًا كانت غير معروفة عند المصريين.
-
(٣)
تجفيف الجسم تمامًا وحفظه في معزل من الرطوبة، وهذه الفكرة هي الأساس العملي للتحنيط عند قدماء المصريين.
ولا يخفى أن الجسم الإنساني يحتوي على ٧٥ في المائة من وزنه ماء، وليس من السهل تجفيف هذه النسبة تمامًا.
- (أ) الحرارة.
- (١)
الطبيعية: حرارة الشمس.
- (٢)
المتولدة من الوقود.
- (١)
- (ب)
المواد الكيماوية المجففة التي تمتص الماء.
وليس عندنا أي دليل على أن المصريين استعملوا الحرارة المتولدة لتجفيف الجثث، وهذه الطريقة قد كانت تكلف تكاليف باهظة؛ لأنها تحتاج إلى كمية كبيرة من الوقود الذي كان نادرًا في مصر.
أما المواد الكيماوية الرخيصة التي كان يمكن استعمالها فهي:- (١)
الجير.
- (٢)
الملح.
- (٣)
النطرون.
- (١)
(أ) الجير
أما الجير فليس هناك أي شاهد أو أي احتمال على أنه استُعْمِل للتحنيط، ومن الأرجح أن الجير لم يُسْتَعمل في مصر لأي عمل مما قبل عهد البطالسة.
(ب) الملح
أو كلورور الصوديوم، من المقطوع به أن الملح استُعْمِل منذ أقدم العصور في تحضير الأسماك المحفوظة المملحة، وكان استعماله في هذه الحالة كحافظ وعامل مجفف، والمعروف أن الملح لم يُسْتَعمل كما هو في التحنيط قبل العصر القبطي، وكل الآثار التي أمكن اختبارها في الموميات من كلورور الصوديوم مصدرها النطرون، أو ناتجة من الماء المستعمل للغسل، وربما كان ناتجًا عن بعض المياه المقدسة المستعملة أو من مياه الآبار التي كانت في المعابد.
والنطرون في مصر يحتوي دائمًا على كمية كبيرة من الملح، وخلاف الملح الموجود كمادة غريبة في النطرون لم يُعثر عليه قط في مخازن التحنيط التي اكتُشِفَت.
(ﺟ) النطرون
- (١)
في المراسيم التطهيرية خصوصًا في تنظيف الفم.
- (٢)
في تحضير البخور.
- (٣)
في تحضير الزجاج، ولعله كان يدخل في صناعة بعض تراكيب كيماوية زرقاء وخضراء مستعملة كألوان.
- (٤)
في الطبخ وقد ذكر بليني أن المصريين يستعملون النطرون لتحضير بعض غذائهم.
- (٥)
في وصفات طبية.
- (٦)
لتبييض الكتان.
- (٧)
في التحنيط.
وقد استُعْمِل النطرون لصناعة الزجاج في الإسكندرية لغاية سنة ١٧٩٩م، وسبب تفضيل استعمال النطرون على الملح — مع أن الملح متوفر أكثر منه وأرخص — هو أنه كان من أهم مواد التطهير عند قدماء المصريين، وأنه من المواد المستعملة للتنظيف؛ لما لاحظوه من قوة التصبُّن، ولنفس السبب كان يضاف إلى البخور، والقاعة التي كان يُصْنَع فيها التحنيط كانت تُدْعَى «موضع التطهير».
- (١)
في أوعية وجرَّات في المقابر.
- (٢) في لفائف packeis في المقابر.
- (٣)
مدفون في حفائر مع بقايا أدوات التحنيط.
- (٤)
مترسِّب في خشب منضدة التحنيط وفي ألواح خشب استعملت للتحنيط.
- (٥)
ممزوج بمواد دهنية على بعض الموميات.
طريقة استعمال النطرون
وقد أجرى لوكاس أبحاثًا في المعمل الكيماوي لدار الآثار بالقاهرة مستعملًا في ذلك الطيور وأفراخها بعد أن انتزع ريشها وأجرى تجاربه هذه على محلول النطرون المختلف النسب ومسحوق النطرون الخام، وكان يغمر هذه الطيور في مسحوق النطرون، أو في محلوله لمدة ٤٠ يومًا، وكانت النتائج حسنة جدًّا في حالة استعمال مسحوق النطرون.
(٥-٤) وصف هيرودوت للتحنيط١٣
والطريقة الثانية التي يعرضون نماذج منها تقل عن هذه إتقانًا ونفقة والثالثة أرخصها، وبعد أن يخبرهم بذلك يعرفون منهم بأي الطرق يريدون أن تُهَيَّأ الجثة، وبعد أن يتفق أصحاب الجثة على الأجر يذهبون في سبيلهم، وبعد أن يخلفوا المحنطين في محلهم ينصرف هؤلاء إلى عملية التحنيط على النحو التالي إذا كان التحنيط بأحسن الطرق: يستخرجون أولًا المخ من المنخارين بواسطة أداة حديدية معقوفة يستخرجون بعضه بهذه الوسيلة والبعض الآخر يصب عقاقير فيه.
وبعد ذلك يشق الكشح بحجر حبشي مسنون ويُخْرِجون الأحشاء كلها، وبعد أن ينظفوها ويغسلوها بخمر الملح يغسلونها ثانيةً بالتوابل المجروشة، ثم يملئون الجوف بمر نقي مجروش وسليخة وسائر الطيب ما عدا البخور ثم يخيطونها بالتالي. بعد أن يقوموا بذلك يحنطون الجثة بتغطيتها بالنطرون سبعين يومًا، ولا يجوز أن تستمرَّ عملية التحنيط أكثر من ذلك، وعندما تنقضي السبعون يومًا يغسلون الجثة ويلفُّونها كلها بلفائف مقطوعة من الكتان الرقيق النسج مدهونة بالصمغ الذي يستخدمه المصريون في أكثر الأحيان بدلًا من الغراء، وبعد أن يتسلَّم أهل المتوفَّى الجثة يصنعون تمثالًا من الخشب مجوَّفًا على هيئة إنسان ويضعون فيه الجثة، وبعد أن يدخلوها فيه يحفظونها في غرفة للدفن ويجعلونها قائمة مسندة إلى الحائط.
(٥-٥) وصف ديودور الصقلي للتحنيط١٥
وهناك ثلاث مراتب للدفن: الأولى باهظة التكاليف والثانية متوسطة والثالثة متواضعة جدًّا، والمقول أن تكاليف المرتبة الأولى طالنط من الفضة وتكاليف الثانية عشرون منًّا وتكاليف الثالثة مبلغ زهيد جدًّا.
والآن فالذين يقومون على أمر الجثث — وهم صناع ورثوا مهارتهم عن جدودهم — يعرضون على أهل المتوفَّى قائمة بتكاليف كل مرتبة من مراتب الدفن، ويسألونهم عن الطريقة التي يريدون أن يهيئوا الجثة عليها، وبعد أن يتفقوا على جميع التفاصيل، ويستلموا الجثة يعهدون إلى طائفة اختصت بهذا الأمر وفق التقاليد المرعية، فيضع مَنْ يقال له: «الكاتب» الجثة أولًا على الأرض، ويحدد على العطف الأيسر المقدار الواجب شجه، وبعد ذلك يأخذ من يسمونه «الجراح» حجرًا حبشيًّا ويشج اللحم طبقًا للأصول المرعية، ثم يولِّي الأدبار في التو مسرعًا، فيقتفي الحاضرون أثره ويقذفونه بالأحجار ويلعنونه كأنهم يلصقون الجرم به، فقد كانوا يعتقدون أن اللعنة تحلُّ بكل مَنْ يحمل بالقوة على جثة واحد من أفراد قومه إما بجرحها أو على العموم بإدخال أي عطب عليها.
أما الذين يسمونهم «المحنطين» فهم أهل لكل تعظيم وتقدير، ويختلطون بالكهنة ويُباح لهم — بصفتهم مطهَّرين — الدخول في المعابد، وعندما يجتمعون لتجهيز الجثة التي سبق شجها يدخل أحدهم يده في الشج إلى الجوف، ويخرج كل ما فيه ما عدا الكليتين والقلب، بينما ينظف آخر الأحشاء واحدة فواحدة يغسلها بخمر البلح ومحلول التوابل، وبالجملة فكل الجسم يجهز أولًا بزيت الأرز وبعض المستحضرات الأخرى مدة تزيد على ثلاثين يومًا، ثم يجهز بالمر والقرفة ومواد من خاصتها أن تحفظ الجثة وقتًا طويلًا وتضفي عليها النضارة أيضًا.
وعندما يتم تجهيز الجثة يسلِّمونها إلى أهل المتوفَّى وقد أبقوا على كل عضو من أعضاء الجسم حتى إن الأهداب والحواجب تظل كما كانت ولا تتغير هيئة الجسم مطلقًا، بل يمكن التعرف على ملامح شكله؛ ولذلك يحتفظ كثير من المصريين بجثث أجدادهم في غرف فخمة فينظرون وجهًا لوجه إلى أسلافهم الذين قضوا نحبهم قبل أن يولدوا هم أنفسهم بأجيال عديدة، وهكذا عندما يرون جِرْم كل منهم وتفصيل جسمه وقسمات وجهه يستشعرون إحساسًا غريبًا كما لو كانوا قد عاشوا مع الذين يتطلَّعون إليهم.