أحيانًا الهدف إنساني!
كان اجتماع الشياطين اﻟ «١٣» بعد مغامرة أمريكا الجنوبية اجتماعًا مُثيرًا؛ فقد انتهت المغامرة في القطب الجنوبي، واستطاع الشياطين العودة بالعلماء المخطوفين في ظروف لم يسبق لها مثيلٌ.
كان موعد الاجتماع التاسعة مساءً في المقر السري «ش. ك. س»، ولكن الشياطين اﻟ «١٣» حضروا مبكرين عن موعدهم … فقد قام خمسة منهم فقط بمغامرة أمريكا الجنوبية، وقضوا هناك فترةً طويلة، وقد أقام الثمانية الباقون حفلًا بسيطًا تكريمًا لهؤلاء الخمسة … ولكن أثناء الحفل، وصلت إشارة من رقم «صفر» بتحديد موعد الاجتماع في التاسعة … وهكذا غادروا مقر الاحتفال في الصالة الرئيسية للاحتفالات، وأسرعوا إلى مكان الاجتماع، وقضوا بعض الوقت يتحدثون عن هذه المغامرة المثيرة … وعندما سمعوا صوت أقدام رقم «صفر» الثقيلة، وهو يقترب من القاعة، ساد السكون.
توقف صوت الأقدام الثقيلة، وتحرك المقعد الذي يجلس عليه رقم «صفر» … ثم سمع الشياطين صوت سعالٍ خفيفٍ، وقال رقم «صفر»: أرحِّب بعودة الشياطين رقم واحد واثنين وثلاثة وأربعة، والحادي عشر … لقد حققوا نجاحًا رائعًا في مغامرة أمريكا الجنوبية التي انتهت بنجاحٍ تام، حتى إن دوائر المخابرات العالمية كلها تتحدث عن هذه العملية النظيفة.
وصمت رقم «صفر» لحظات، ثم قال: هناك مهمةٌ أخرى في انتظاركم … سأشرح لكم بعض تفاصيلها، ثم سيُعرض عليكم فيلم يصور جزءًا من الأحداث، وسنحدد موعدًا آخر للاجتماع عندما تستعدون لإبداء ملاحظاتكم.
وسمع الشياطين صوت أوراقٍ، ثم قال رقم «صفر»: إن الحديث الذي تسمعونه الآن يتَّسم بشيءٍ من الغرابة، ولكن كل ما حدث فيه مؤكد، وقد تحققنا من صحة ما حدث تمامًا … وعلى كل حالٍ لا داعي لهذه المقدمة، وإليكم الحقائق. وسعل رقم «صفر» سعالًا خفيفًا، ثم قال: منذ ثلاثة أيام كان طفلٌ صغيرٌ يلعب بنموذجٍ من نماذج الطائرات الصغيرة اشتراه له والده، والغريب أن هذه النماذج تطير بنوع خاص من البنزين، والمهم أن الطفل خرج إلى أرض فضاء مجاورة لمنزلهم في مدينة «نصر»، وهي ضاحية من ضواحي القاهرة، فطارت الطائرة بعيدًا، ثم سقطت قرب مخزنٍ مهجور للأخشاب، فأسرع الطفل إلى المكان الذي سقطت فيه الطائرة، وشاهده بعض الجيران وهو يتوارى خلف المخزن … وبعدها لم يظهر هذا الطفل على الإطلاق.
صمت رقم «صفر» وتبادل الشياطين النظرات … إنها قضية خطفٍ عادية يقوم رجال الشرطة بحل مثلها كل يوم.
ولكن رقم «صفر» عاد إلى الحديث قائلًا: إنكم طبعًا تفكرون في أنها قضية خطفٍ عادية ليست من مهمة الشياطين اﻟ «١٣».
وابتسم الشياطين لأن رقم «صفر» قرأ ما يدور في أذهانهم … ثم مضى يقول: إن أهمية خطف هذا الطفل تعود إلى شيئَيْن … الأول هو الجانب الإنساني … وهو إعادة هذا الطفل إلى والديه … والثاني هو أن والد هذا الطفل يعمل في جهازٍ من أجهزة الأمن العربية، وعنده أسرارٌ عسكريةٌ هامة، خاصة بتطوير طائرات مقاتلة … والفدية المطلوبة للطفل هي هذه الأسرار العسكرية، وهي مجموعةٌ من المستندات والنماذج في غاية الأهمية …
قال «خالد»: إن هذا يشبه موضوع «كروتال»!
ردَّ رقم «صفر»: بالضبط … ولكن الظروف مختلفة …
مرة أخرى فكر الشياطين جميعًا، أن العملية يمكن أن تتناولها الشرطة وأجهزة المخابرات العسكرية … ومرة أخرى قرأ رقم «صفر» ما يدور في أذهانهم وقال: لقد قلت لكم في بداية حديثي إن ما تسمعونه مني يتَّسم بشيءٍ من الغرابة … والغريب في الموضوع …
كانت نقطة مثيرة حقًّا … تدلُّ على قوة وجبروت هذه المجموعة؛ فإخراج طفلٍ مخطوف من مصر شيءٌ لا يمكن أن يحدث … فكيف حدث إذن؟
بعد هذا الإيضاح بدا للشياطين اﻟ «١٣» أن هذه القضية ستأخذ جهدًا رهيبًا، وأن احتمالات فشلها أكثر بكثيرٍ من احتمالات نجاحها … فالعصابة في هذه المرة لم تطلب فديةً ماليةً، مهما كبرت فمن الممكن تدبيرها ومتابعتها … ولكنهم في هذه العملية جعلوا الفدية أسرارًا عسكرية خطيرة، والمقابل حياة طفل بريء!
عاد رقم «صفر» للحديث فقال: لقد تابعنا كل أسماء الذين سافروا في وقت معاصر لوقت خطف الطفل، لكننا لم نجد اسمه من بين من سافروا … وبالطبع هناك جواز سفر مزيف واسم مزيف استُخدِما في إخراج «أدهم» من مصر، ومثل هذه العصابة الدولية قادرة على تزييف أي شيء …
قال «أحمد»: ومن أين يبدأ الشياطين عملهم؟
ردَّ رقم «صفر»: هذا ما ندرسه الآن … والاحتمال الوحيد الذي أمامنا هو أن نسلِّمكم النماذج الأصلية، وتسافرون بها لمفاوضة المختطفين.
ساد الصمت بعد هذه الجملة، قطعه رقم «صفر» بعد لحظاتٍ قائلًا: إن المختطفين لم يحدِّدوا حتى الآن طريقة تسليم النماذج، ولكن من المتوقع بين لحظةٍ وأخرى أن يتَّصلوا لهذا الغرض … وبالتأكيد سوف يطلبون تسليم النماذج خارج مصر … فهم يعرفون جيدًا أنهم إذا تسلَّموها داخل «مصر» فسوف يقعون في أيدينا!
وأضاف رقم «صفر» بسرعة: والآن ينفض الاجتماع … وأرجو أن تتكوَّن منكم فرقة عمل مسئولة عن هذه العملية، وسيكون عند كل واحد منكم ملف فيه مجموعة من صور «أدهم»، مع أهم المعلومات عن عملية الخطف لدراسة كل هذا لحين تحديد موعد آخر للاجتماع.
عاد وقع خطوات رقم «صفر» الثقيلة يرن وراء الكابينة الزجاجية التي يجلس خلفها والتي يستطيع أن يرى من خلالها الشياطين دون أن يروه … وعندما ابتعدت الخطوات، وقف الشياطين … وكان موعد التدريبات على الأهداف المتحركة قد أزف، فدخلوا جميعًا إلى الصالة الواسعة الكاتمة للصوت حيث كان المدربون في انتظارهم.
أمسك «عثمان» بمسدس من طراز «هيرستال» البلجيكي، ووَزَنَه في يده ثم وقف في مكانه المعتاد، وأغلق عينيه … كان من أهم تدريبات الضرب المتحرك هذا الأسلوب المسمَّى بالضرب «الأعمى»، ويعتمد على الضرب عند سماع الحركة، ويصلح للتصويب في الظلام وفي الدخان وفي حالات الإصابات، وسمع «عثمان» حركة النموذج الخشبي، فأطلق أربع رصاصات متتابعة ثم فتح عينَيْه ونظر … لم يرَ شيئًا في اللحظات الأولى، ثم شاهد المدرب الصارم الوجه يرفع ثلاث أصابع من يده … هذا يعني أن ثلاث رصاصات أصابَت الهدف، وواحدة طاشت.
أحس «عثمان» بشيء من الضيق … هذه أول مرة منذ فترة طويلة يخطئ مثل هذا الخطأ، وهو يعرف أن تقرير الضرب اليومي يصل إلى رقم «صفر» آخر كل نهارٍ، وسوف يجد ثلاث كلمات في انتظاره: «يجب زيادة التدريب.» وهذا يعني حرمانه من قضاء وقت فراغه كما يهوى، وعليه أن يستمر أكثر الوقت في التدريب.
وأعطى المدرب إشارة البدء، ورفع «عثمان» المسدس الثقيل مرة أخرى، ثم أغمض عينيه، وانتظر لحظاتٍ ثم أطلق الرصاصات الأربع، وفتح عينيه … وبعد لحظات نظر إلى وجه المدرب، وفي هذه المرة كانت ثمة ابتسامةٌ خفيفة تتلاعب على الوجه الصارم، ثم رفع أربع أصابع من يده … لقد أصاب الأهداف كلها … فتنهَّد.
وفي نفس الوقت كان «أحمد» يتدرَّب على مسدس من عيار ٣٨ ذي الساقية … وقد اختار أن يضرب مفتوح العينين على أهداف سريعة تظهر لثانية واحدة ثم تختفي. وقد أطلق ٢٠ طلقة أصاب منها ١٩، وأحس بنفس الخوف الذي أحس به «عثمان» من تعليمات رقم «صفر» … إنهم يعرفون جميعًا أن الفارق بين الحياة والموت في عملهم يكمن في ثانية واحدة تتأخر أو تتقدم عند إطلاق الرصاص.
وظلَّت تدريبات الإطلاق الأعمى والسريع مستمرةً نحو ساعة، ورائحة البارود — رغم أجهزة التكييف — تملأ المكان … ثم أضاء نورٌ أحمر على جدار الإطلاق، وسكت صوت الرصاص.
خرج الشياطين جميعًا إلى الهواء الطلق في الحديقة المختفية بين الجبال العالية، وتناثروا على المقاعد، وسرعان ما كان العمال يحملون لهم عصير الفاكهة المثلَّج، وتباروا في سرعة الشرب، وارتفعت الضحكات … ولكن هذا المرح البريء لم يستمر طويلًا؛ فقد لمعت إشاراتٌ رفيعةٌ طويلة مختفية بين الصخور، تعني أن هناك خطرًا قادمًا في الطريق.
ولم يتسع الوقت للشياطين إلا لنظراتٍ سريعةٍ تبادلوها، ثم اختفوا جميعًا وراء الأبواب الخفية التي تملأ المكان … أبواب أوتوماتيكية تفتح في نفس لحظة الإضاءة في إشارات الإنذار ثم تغلق بعد خمس ثوان بالضبط … وكان كل واحدٍ من الشياطين اﻟ «١٣» يحفظ بالضبط المكان الذي يمر منه … وفي لحظاتٍ كانوا قد اختفوا جميعًا، وكلٌّ منهم يسأل نفسه عمَّا حدث، ونوع الخطر الذي يتعرَّض له المقر السري «ش. ك. س»، وما هي الجهة المضادة التي عرفت مكانهم، وما هي النتيجة التي ستترتب على هذا الاكتشاف؟
كان كل بابٍ من الأبواب السرية يفتح على دهليز طويل، وينتهي الدهليز كله بنوعَيْن من الأبواب، نوع يفتح داخل المقر السري نفسه … ونوع يفتح على الصحراء المترامية حيث تقف سياراتٌ سريعةٌ لتحمل الشياطين بعيدًا … وكان على كل واحدٍ من الشياطين أن يخرج من الباب حسب الإشارة التي تضيء فوقه … الإشارة الخضراء تعني سِرْ من هنا، والإشارات الحمراء تعني لا تَمُر … وكانت الإشارات كلها خضراء على الأبواب التي تؤدي إلى داخل المقر السري … ودخل الجميع إلى مصاعد أتوماتيكية حملتهم إلى غرف سرية تحت الأرض لا يمكن اقتحامها … وهبطت المصاعد سريعًا كالصواريخ إلى باطن الأرض الصخرية، واستقر كلٌّ منهم في غرفته، وهم يتساءلون جميعًا: ماذا حدث؟!