المهم … ماذا في العلبة؟
عندما وصل «أحمد» إلى مطار «سنغافورة» الدولي مرةً أخرى، ودخل من باب الجمارك، كان أول ما سأل عنه هل الطائرة المسافرة إلى «طوكيو» قد أقلعت؟ وقال ضابط الجمارك: إنها على وشك الإقلاع، وهناك ثلاثة ركاب متخلِّفون!
أحمد: ثلاثة!
الضابط: نعم … رجلان وآنسة!
وعرف «أحمد» على الفور من هم الثلاثة … الرجل الأول «كوجانا» والثاني هو شخصيًّا، أما الآنسة فهي «إلهام» … فأين ذهبَت «إلهام»، هل قتلها «كوجانا» ليحصل على الفيلم؟ وغلَى الدم في عروق «أحمد»، وأقسم بينه وبين نفسه إذا كان هذا قد حدث فلن يغادر «سنغافورة» دون أن ينتقم لها … وأسرع يجري في صالة المطار الواسعة حتى وصل إلى مكتب شركة طيران «بان أمريكان»، وطلب من الموظفة المسئولة أن تتصل ببرج المطار، وتؤخر الطائرة بضع دقائق … وبينما كانت الموظفة تحاول الرد عليه، كان هو قد انطلق جريًا إلى ناحية دورة المياه، لقد تذكَّر الآن أن «إلهام» كانت تتجه إليها عندما اختفت عن ناظرَيْه، بينما كان يتحدَّث إلى الضابط عن سبب نزول الطائرة في «سنغافورة» … اقترب «أحمد» من دورة مياه السيدات، واضطر للتوقُّف … إن دخول هذا المكان بالنسبة له ممنوع، فإذا دخل فسوف يُحدث ذعرًا، وسوف يتعرَّض لمشاكل هو في غنًى عنها، وسرعان ما خطرت له فكرة عندما شاهد إحدى المضيفات تقترب من دورة المياه … أسرع إليها قائلًا: من فضلك … هناك آنسة تخلفت عن ركوب الطائرة المتجهة إلى «طوكيو» … ردت المضيفة: نعم … إنني أعرف.
أحمد: إنها قريبتي، وأعتقد أنها موجودةٌ داخل دورة المياه … ربما مغمى عليها أو مصابة …
المضيفة: سأبحث عنها … ولكن لماذا أصيبت؟!
أحمد: إنها قصةٌ طويلة … فقط أرجوكِ أن تسرعي.
أسرعَت المضيفة بالدخول إلى دورة المياه، بينما أخذ «أحمد» يسير رائحًا غاديًا وقد كادَ رأسه ينفجر، وفجأةً خرجت المضيفة وقد بدا عليها الاضطراب … وصاحَت: إنها موجودةٌ، وفي حالة إغماء شديدة!
صاح «أحمد»: أرجو إخراجها فورًا … وسأذهب لإحضار طبيب.
وجرى «أحمد» ناحية الاستعلامات، وتحدَّث مع الموظف الذي تحدث في التليفون، وفي لحظاتٍ ظهر أحد الأطباء، ومعه ممرضة، وأسرع الجميع ناحية دورة المياه.
كانت «إلهام» تجلس على كرسي، وقد شحب وجهها، مغمضة العينين، زرقاء الشفتين، وانحنى الطبيب عليها مسرعًا، وفتح حقيبة أدواته الطبية وأخذ يجري الكشف عليها، وبعد لحظاتٍ قال: إنها تحت تأثير مخدِّر شديد!
وتحدَّث الطبيب مع الممرضة التي أسرعت جريًا، وعادت بعد لحظاتٍ ومعها زميلان لها يحملان نقَّالة، حملا عليها «إلهام»، وسار بجوارها الطبيب و«أحمد»، وسرعان ما أُدخِلت إلى عيادة المطار … أخرج الطبيب حقنة وكشف ذراع «إلهام» وأعطاها لها، ثم أمر أن توضع في فراش وتُدفأ جيدًا … وسأله «أحمد»: هل هي في حالةٍ خطيرة؟
رد الطبيب: لا … إن نبضها ضعيفٌ، ولكن قلبها منتظم.
كان «أحمد» يقف بجوار «إلهام» حائرًا بين إحساسه بالسعادة لأنها حية، وإحساسه بالقلق على المواعيد … فعليهما أن يكونا في «طوكيو» هذه الليلة، ليتم الاتصال ﺑ «سايو» حسب الخطة، ويجب أن تقوم «إلهام» بالمهمة؛ لهذا عاد يقول للطبيب: هل يمكن لها أن تسافر الآن؟ إنها مرتبطة بمواعيد هامة في «طوكيو» وأي تأخير سيعرضها لمشاكل …
فكر الطبيب لحظاتٍ ثم عاد يجس نبض «إلهام» وقال: ستكون على ما يرام خلال ساعة من الآن، إنها تتحسن باستمرار.
ودق الباب، وظهر ضابط شرطة قال مستأذنًا: معذرة، لقد علمت أن هناك راكبة وُجدت مغمى عليها في دورة المياه، ونريد التحقيق في الموضوع …
كان «أحمد» يريد أن يتجنَّب أية تعقيداتٍ أو تأخير. فقال للضابط: إن الراكبة قريبتي، وأعتقد أنها أخطأت في تناول بعض الأدوية، وهذا سبب الإغماء …
قال الضابط: أريد أن أسألها هي …
الطبيب: من الممكن أن يتم السؤال بعد ساعة …
أحمد: ولكنها ستسافر الآن …
الضابط: كيف؟!
أحمد: لقد طلبت تأخير قيام الطائرة لعدة دقائق، وسننقلها الآن إلى الطائرة، إن الطبيب يقول إنها في حالة طيبة، وستفيق بعد ساعة …
فكر الضابط لحظات ثم قال: سأكتب مذكرة بذلك.
وخرج الضابط وأحسَّ «أحمد» بالارتياح، وطلب على الفور نقل «إلهام» إلى الطائرة، ورغم أن الطبيب أبدى اعتراضه وطلب إبقاءها نصف ساعة أخرى في الفراش، إلا أن «أحمد» رجاه أن يتركها تسافر، وهكذا جُهزت النقالة مرة أخرى، وحُملت «إلهام» إلى الطائرة التي كانت تستعد فعلًا للإقلاع.
لم يهتم «أحمد» بإجراءات الأمن، ورجا الراكب الجالس بجوار «إلهام» أن يبادله مكانه، ووافق الراكب وجلس «أحمد» بجوار «إلهام» … وبعد لحظاتٍ هدرت الطائرة على ممر المطار ثم انطلقت في الليل ووجهتها «طوكيو».
ظل «أحمد» طول الوقت يرعى «إلهام»، حتى إذا ما مرَّت نصف ساعة، بدأت تفتح عينَيْها وتنظر حولها، فقال «أحمد»: «إلهام» … إنني معك …
نظرت «إلهام» إليه بعيون مثقلة ثم قالت: ماذا حدث؟!
أحمد: لقد عثرنا عليكِ في دورة المياه، كنتِ في حالة تخديرٍ شديدة!
سكتت «إلهام» لحظاتٍ، كانت تتذكر ما مرَّ بها ثم قالت: إنني أتذكَّر الآن …
أحمد: لا تجهدي نفسك …
أغمضت «إلهام» عينَيْها مرةً أخرى، وطلب «أحمد» من المضيفة فنجانًا من القهوة، فلما أحضرَتْه طلب من «إلهام» أن تشربه، وما كادت تفتح عينَيْها مرة أخرى، حتى بدا الذعر في عينَيْها وقالت: العلبة الصغيرة!
وأخذت تبحث عن العلبة في حقيبة يدها، وأحسَّت بالارتياح لأنها وجدتها مكانها …
لقد انتهز «أحمد» فرصة إغلاق عينيها ووضع العلبة مكانها، وعادت «إلهام» تقول: لقد خشيت أن تكون العلبة قد سُرقت …
قال «أحمد» مبتسمًا: كانت ستُصبح كارثة!
أحسَّت «إلهام» أن صوت «أحمد» يحمل نبرة سخرية خفيفة فالتفتت إليه وقالت: لقد حدث شيء … إنك لا تتحدث بشكل عادي!
أحمد: أريد أن أعرف أولًا، ماذا حدث لك؟
إلهام: لقد بدأت أتذكَّر … فقد لاحظت أن ثمة شخصًا في الطائرة رأيناه من قبل في إحدى مغامراتنا …
أحمد: إنكِ فتاةٌ رائعة …
إلهام: هل رأيته أنت أيضًا؟!
أحمد: نعم …
إلهام: لهذا عندما هبطت الطائرة اضطراريًّا في «سنغافورة» قررت أن أتحدَّث إليك، واخترت أن أذهب إلى دورة المياه، وعندما وصلت إليها أحسست بشيء كالدبوس ينغرس في رقبتي!
وسكتت «إلهام» لحظات ثم قالت: ووجدت سيدة بجانبي، كان شكلها غريبًا، وقالت لي إنها تعرفني، ثم شاهدت وجه الرجل ذي القبعة …
أحمد: قبعته سوداء؟!
إلهام: بالضبط! وبعدها لم أدرِ ماذا حدث …
أحمد: لقد نقلاكِ بسرعة خلف أحد الأبواب في دورة المياه …
إلهام: ولكن لماذا؟!
أحمد: ليسرقا منكِ الصندوق الصغير الذي به الوردة …
إلهام: ولكن الصندوق مكانه!
عاد «أحمد» يبتسم مرةً أخرى، وكانت «إلهام» قد عادَت إلى حالتها الطبيعية فقالَت: إنك تُخفي عنِّي سرًّا … ماذا حدث؟
أحمد: لقد سرقا منكِ الصندوق فعلًا …
إلهام: ولكنه معي الآن!
أحمد: منذ لحظة إغمائكِ حتى الآن حدثَت أشياء كثيرةٌ … فمن الواضح أن هذه السيدة حقنتكِ بمخدرٍ قويٍّ ثم أخذت منكِ العلبة وسلَّمتها للرجل ذي القبعة السوداء، وقد شاهدته وهو يغادر المطار مسرعًا … ولحقت به …
إلهام: وكيف استعدت العلبة؟!
عاد «أحمد» يبتسم ويقول: إنها مغامرةٌ مثيرة، لم تستمر سوى ساعتَيْن فقط، ولكن حدث فيها الكثير، وسأرويها لكِ بالتفصيل فيما بعد …
إلهام: هل عرفت من هو؟
إلهام: نحن إذن نُحارب عصابتَيْن وليست واحدة!
أحمد: بالضبط …
إلهام: هل تأكَّدت أن الفيلم ما زال في العلبة؟
أحس «أحمد» بأن قلبه يكاد يسقط في قدميه … لقد نسي أن يتأكد من وجود الفيلم في العلبة … ولعله خدع.
ومدَّت «إلهام» يدها فأخرجت العلبة … وزادت ضربات قلب «أحمد» حتى أحس أنه سيخرج من صدره … وبهدوءٍ فتحت العلبة، وظهرت الوردة البلاستيك الحمراء، وضغطت «إلهام» على إحدى أوراقها فانفتحت الوردة، وكان الفيلم ملفوفًا داخلها … وتنهَّد «أحمد» ثم استلقى إلى الخلف، لقد كادت تكون كارثة، ولكن الله سلم، وعندما استعاد هدوءه قال ﻟ «إلهام»: نمتِ أنتِ بما فيه الكفاية، والآن جاء دوري أنا … فلا توقظيني قبل أن تهبط الطائرة في «طوكيو» … وأغمض عينَيْه واستسلم للنوم.