الفصل الواحد والعشرون
كانت الدقائق تمر بطيئة وأنا في غرفتي كأن عقاربها مسمرة، وكلما سمعت صوتًا أو خبطة خُيِّل إليَّ أنه باب سيارة منى، فأذهب إلى النافذة مسرعًا حانق القلب فلا أرى شيئًا، وأعود بالخيبة مرة بعد أخرى بغير أن يمنعني الإخفاق من العودة إلى التجربة، ولما ضاق صدري من ذلك خرجت من الغرفة لعلي أقطع الوقت بالحديث أو الحركة، فرأيت أمي تُصلي العصر وهي في العادة تبطئ في الصلاة حتى يُخيَّل إليَّ أحيانًا أنها لا تريد أن تفرغ منها، فذهبت أبحث عن منيرة ولكني لم أجدها، فصعدت إلى السطح لعلَّ الهواء الطلق والنور واتساع الفضاء تدخل الهدوء إلى نفسي، وكانت السماء صافية والحقول خضراء واسعة تترامى من وراء البيت إلى مدى البصر، واسترعى نظري وجود مجموعة من قصاري الزهر موزعة فوق السور ومنثورة في الأركان، وفي الركن الأقصى المُطل على الحقول بعض مقاعد صغيرة من فوقها أغطية حريرية ومن تحتها قطعة نظيفة من الكليم، وطبلية مُستديرة في الوسط عليها غطاء أبيض كأنها مائدة، فصار الركن كأنه مجلس أنيق في حديقة معلَّقة، وتبسَّمت مرتاحًا لأن منيرة استطاعت بذوقها ولباقتها أن تحلَّ مشكلة غرفة الاستقبال التي كنت أحمل هم الجلوس فيها، وأخذت أسير في السطح حينًا وأنظر إلى ما حول البيت حينًا، وكان الانتظار في الجو المفتوح أرفقَ بي، وحلَّت الساعة الخامسة آخر الأمر وجعلت أرهف سمعي انتظارًا، ولكني لم أسمع حسًّا إلى أن صارت الساعة الخامسة والنصف ثم السادسة حتى بدأت أشك في حقيقة الزيارة الموعودة.
ثم سمعتُ ضحكة منيرة وهي صاعدة على السلم تتحدث في مرح، فقمت مسرعًا ووثب قلبي ليستقبل منى، ولكني ما كدتُ أصل إلى أول السلم حتى وقفت مترددًا وبدأ الارتباك يستولى عليَّ، فتباعدت سائرًا إلى الناحية الأخرى من السطح وانتظرت هناك، وظهرت منى صاعدة فأسرعت إليها محاولًا أن أظهر هادئًا، ورأيتُ على وجهها بسمة صغيرة تُشبه ابتسام الدهشة، فمددت إليها يدي الاثنتين قائلًا: «أهلًا وسهلًا ومرحبًا.» ونظرتُ في عينيها لحظة قصيرة كأني أنظر إلى بحر عميق صاف.
وقالت منيرة: أنت هنا؟ وبغير إذني؟
ولكني كنت منصرفًا إلى منى أقول لها: أي فرصة سعيدة!
وكان صوتي متهدجًا ولكن الاضطراب الذي كان يغمرني وأنا وحدي لم يبق له أثر؛ فإن السفينة الضالة في المحيط وجدت آخر الأمر مرفأها.
وأشارت منيرة إلى الركن قائلة: تفضلوا.
لا مؤاخذة يا منى في استقبالك هنا، ولكنه أعظم كازينو في دمنهور، كازينو أبو طاقية من فضلك!
ونظرت منى إلى المقاعد وإلى قصاري الزهر ثم إلى الحقول الخضراء وقالت في ارتياح: هي الحقول التي كنت أعرفها وما أزال أذكر عندما كنا نخرج إليها في مثل هذه الساعة، كم سنة مضت من ذلك الوقت يا منيرة؟
فقالت منيرة ضاحكة: لا تَكشفي عن أسرار سننا يا منى، قولي: منذ خمس سنوات.
فابتسمَت منى قائلة: لم يَحِن بعد وقت إخفاء سننا، ربما أبدأ في ذلك بعد عام.
فقالت منيرة: يعني أنني على حقِّ في البدء منذ الآن.
وضحكنا جميعًا وجلست منى على مقعد وهي تقول: هل مضت كل هذه السنوات سريعًا، ولم يتغير شيء سوى أنني كنت أرى الحارة أوسع مما هي الآن، كانت في نظري مثل عالم فسيح وكان الرصيف الذي أمام منزلنا كأنه ميدان.
وتذكَّرت تلك الأيام التي كانت فيها منى طفلة تركب فوق كتفي كلما رأتنى وتدلي ساقيها من أمام، فأجري بها كأني حصان وهي تهزُّ رجليها وتضحك مكركرة وتأبى أن أقف.
السنوات تمر سريعة حقًّا وسوف تمر سريعة دائمًا، ومن يدري؟ هل نقف يومًا بعد عدة سنوات إذا جمعتنا المصادفة مرة أخرى فتقول منى: إن السنين تمر سريعًا؟ وهذه اللحظة التي نحن فيها ستكون هي الأخرى صورة تنظر إليها من بعيد لتقول: إننا اجتمعنا يومًا هناك فوق السطح، وسأحدث نفسي قائلًا: إنني وقفت أنظر إلى منى كما أنظر إلى روضة مزدهرة في فصل الربيع، وأحدث نفسي عنها بغير أن أقول لها كلمة، وسمعت منى تقول: كيف ترى دمنهور بعد عودتك إليها من القاهرة؟
فقلت كالحالم: أراها أعز البلاد وأجملها.
وقالت منيرة ضاحكة: طبعًا لأننا هنا، أشكرُك يا سيد بيه بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن منى، وعن أمي أيضًا، مرحبًا يا ماما!
والتفتْنا جميعًا لنرى أمي وهي مقبلة علينا بوجهها الأبيض السمين، هي أيضًا ذات عيون زرقاء وكأني لم أرَ لون عينَيها إلا في تلك اللحظة، كانت أمي تبتسم بكل جوارحها عندما أخذت منى بين ذراعيها قائلة: ألف نهار أبيض يا حبيبتي، شرَّفتِ يا منى! ويوم سعيد بحضورك إلينا، زيارة عزيزة يا حبيبتي!
وجلست على المقعد الذي أشارت إليه منيرة بحركة تمثيلية واستمرت أمي تقول: والله يا بنتي، بودي أن أزوركم كل يوم ولكن المشاغل تمنعني.
تعالي هنا إلى جنبي، ربنا يحميك ويفرح قلب ماما وقلبنا بك، إن شاء الله تكون صحتها متحسنة.
وجلست منى إلى جنبها قائلة: الحمد لله يا خالتي، وكانت تودُّ أن تأتي معي.
وهمت منيرة قائمة وهي تقول: ما دمتم تعارفتم هكذا فاسمحوا لي أن أُجهِّز لكم الشاي بصفتي مديرة الكازينو، كازينو أبو طاقية يا ماما!
وتلفتت أمي حولها قائلة: جميل والنبي يا بنتي، ومنور بوجودكم، تعالَ هنا يا سيد يا بني، والنبي يا بنتي ما رضي ينتظر للصبح وسافر على هنا في القطار الصعيدي، لما وصل إليه الجواب.
وجلست إلى الناحية الأخرى من أمي وبدأ وجهي يتقد.
واستمرت أمي تقول: الحق يا بنتي لما سمعت الحكاية قلت لمنيرة: «ابعثي لسيد قولي له يحضر حالًا» عشرة آلاف جنيه يأخذها حمادة الأصفر؟ وبعد ما أخذ سيد الورقة منه؟
وسكتت لحظة من تأثُّرها فتنفسَّتُ مرتاحًا.
وقالت منى في هدوء: المهم يا خالتي أن المسألة انتهت بخير والحمد لله، وأنا آسفة لهذا التعب والسفر في القطار الصعيدي.
وابتسمت ناظرة نحوي.
فقالت أمي: وحمادة الأصفر الخبيث؟ حرام والله يا بنتي.
فقلت في دفعة: ليس المهم أن يأخذ حمادة الأصفر أو لا يأخذ، المهم أنني لا أعرف كيف تمكَّن من المطالبة، بأي وجه ذهَب ليُطالِب؟ عندما سافرت من هنا في المرة الماضية كانت المشكلة كلها قد انتهت.
فقالت منى: علمتُ ذلك من خالتي، وتأسَّفتُ لأني لم أعرف في وقتها حتى أشكرك يا سيد، وهذا هو السبب في أني طلبت من خالتي أن تعرفني بحضورك.
فقلت في شيء من الخجل: لم أفعل شيئًا يستحق الشكر يا منى؛ ولهذا تعمدت أن أسافر بغير أن أذهب إليك، لم أعرف أن هذه غلطة إلا عندما حضرتُ إلى هنا. بالأمس فقط عرفت غلطتي وآسف جدًّا؛ لأني تسبَّبتُ في هذه الخسارة …
وقاطعتني أمي: والله يا بنتي دعوت له ليلتها ودعوت لك أيضًا، ولم يخطر في بالي أن حمادة خبيث لهذه الدرجة.
فقالت منى بصوت خافت: على كل حالٍ انتهت المشكلة والحمد لله، وأود أن أقول: إن الفضل في حلها بكل تأكيد يرجع إليك يا سيد. من يدري ماذا كان يحدث لو لم تنتزع أنت الورقة من يد هذا الرجل؟ عندما سمعتُ أنه أخذ عشرة آلاف جنيه لم أُصدِّق أذني، لن أنسى يا سيد أنك وقفت هكذا إلى جنبي في الوقت الذي كانت المعركة دائرة حول سمعة أبي.
فقلت متأثرًا: أنا سعيد جدًّا يا منى بأن أقف إلى جنبك دائمًا، ولكني لا أفهم كيف توصل هذا الرجل إلى العودة إليكم بعد سفري، ماذا كان في يده حتى يأخذ هذا الثمن الفادح؟
فقالت منى: ربما كانت أنا المسئولة عن كل هذا؟ عندما علمنا بسفرك حسبنا أن الموقف لم يتغير، ومع أني كنت أشعر بأنك لا يمكن أن تسافر هكذا فجأة بغير أن تكون قد تدخلت في الموضوع كما قلت، فإني لم أعرف الحقيقة، وجاء محمد باشا يعرض علينا تسوية الموضوع مع حمادة، فلم أفكر في شيء سوى أن أُخرِس الألسنة النجسة وأن أوقف المعركة التي كانت تدور حول سمعة والدي.
فقلت في دفعة: ولكن لماذا يدفع الباشا عشرة آلاف جنيه؟ نظير أي شيء؟
فقالت: لم نفكر في شيء سوى أن تنتهي المشكلة.
واستمرت دفعتي: والباشا، كيف يَدفع مبلغًا مثل هذا بغير أن يعرف لماذا؟ أهو أبله؟
اسمحي لي يا منى أن أقول: إني لا أفهم، لا مؤاخذة، لو لم يكن ذلك الشخص هو الباشا لقلت: إنه لِص.
ووقفت قليلًا ثم نطقتُ بصوت بكاء يحتبس: لا مؤاخذة يا منى؛ لأني أتكلم هكذا مع علمي بالرابطة التي تربطك به.
فضحكت قائلة: رابطة؟ هذا موضوع آخر، ولكن ماذا كنت أعمل؟ أكنت تنتظر مني أن أسأله هذه الأسئلة التي تَذكُرها؟
ولم أفهم قولها فسرتُ أخطو بطيئًا نحو سور السطح وجعلت أجيل بصري في الحقول مفكرًا في معنى قولها: «هذا موضوع آخر.» ولماذا ضحكت وهي تقول: «رابطة»؟
والتفت نحوها قائلًا: إني آسف حقًّا يا منى. دائمًا أحاول أن أمسح غلطتي في غيري ولا أعرف غلطتي إلا متأخرًا.
وجاءت منيرة تحمل الصينية الثقيلة لتضعها على المائدة المنخفضة.
وقالت: دائمًا لا تعرف غلطتك إلا متأخرًا: ولهذا تقف هكذا كأنك لا تراني ولا تتقدم لمساعدتي.
فبادرتُ بحمل الصينية عنها وقامت منى أيضًا معنا وجعل كل منا يعمل من جهته على تحويل الأكوام المكدسة فوق الصينية إلى شيء يشبه مائدة منتظمة: الفناجين وأطباق الحلوى والفطائر والشطائر التي كانت مُتراكمة بعضها فوق بعض.
وأخذت منيرة ومنى تتعاونان في الخدمة، وقدمت منى إليَّ فنجاني، فتمنيت لو وقف الزمن إلى الأبد وأنا أنظر إلى عينَيها الباسمتين.
وقلت لها بصوت هامس بالفرنسية، بالكلمة التي حفظتها عنها: ألف شكر.
وتذكرت الورقة التي ما زلت أحتفظ بها في قرآني الصغير.
واستأذنت أمي لتنزل استعدادًا للإفطار؛ لأنها كانت صائمة في يوم نصف شعبان، وذهبت منيرة معها لتعدَّ لها إفطارها وحملت نصيبها من الوليمة في طبق كبير.
فجاءت منى بفنجانها ووقفت قريبًا مني متجهة إلى الحقول، وأحسستُ قلبي يخفق في عنف وكدت أهمس لها قائلًا: «أتعلمين أني أحبك كما لا يستطيع أحد أن يحب؟»
ولكني سمعت نفسي أناديها بصوت متهدج: منى!
وبعد أن نطقت باسمها ارتبكت ولم أعرف ماذا أقول لها بعد هذا.
وشعرت أنها انكمشَت قليلًا وهي تنظر نحوي.
وكان وجهي يتقد في ارتباكي ولكن نظراتها الصريحة الصافية كانت تتنفَّس بالسلام والثقة، وكان وجهُها الخالي من كل زينة مُصطَنَعة يُشبه طلعة الفجر في بواكير الصيف، فامتزج ما في قلبي من الحب العميق الغامر بشعور آخر من الاحترام والرحمة القوية الغامرة، وصار أبعد شيء منِّي أن أقول لها كلمة تُسبِّب لها حرجًا، ولم يبقَ عندي أثر من الارتباك عندما قلت لها: عندي سؤال سخيف فأرجو عفوك، ولك أن تمتنعي عن الإجابة.
فقالت في بساطة: وماذا يمنعني؟
فقلت في همسة: هل لي أن أسألك عن نفسك؟ أأنت سعيدة؟ أقصد هل أنت سعيدة بهذه الخطبة؟
فقالت بغير تردُّد: لم أفكر في هذا.
فقلت في دفعة: في مستقبلك؟ في شركة حياتك؟ أهذا غير جدير بالتفكير؟
فقالت: ثق أني لم أفكر في هذا، كنتُ في حياة أبي أرى الدنيا كلها من خلال شخصه، وكان وجودي كله منطويًا في وجوده، ولما فقدتُه فجأة ذهلت عن كل شيء حتى عن نفسي، وهذه العاصفة التي تعرفها، متى كنت أجد فراغًا للتفكير في أي شيء؟
فقلت في عناد: عندك فكرة عامَّة على الأقل، أرجو ألا يكون سؤالي تطفلًا.
فقالت في حرارة: بل إني أشكرك على اهتمامك، وكنت دائمًا واثقة في صداقتك.
وشعرت بأن النَّسيم يحمل إلى صدري إكسير السعادة وقلت في مرح: هذه الحارة تشهد بصداقتي القديمة، أليس كذلك؟
أتذكرين يا منى طفولتك هنا؟ أما تذكرين سوى أن هذه الحارة كانت فسيحة.
فتبسمت قائلة: أذكر أشياء كثيرة. بائعة الفول التي كنت أقلِّد نداءها، والشحاذ الأسود الذي كنت أفزع منه، وجحش عم إسماعيل الذي كان يأكل الخس من يدي، والرجل الذي كان يصور لنا تماثيل العرائس والخيل من الحلاوة العنبر.
وأضفت قائلًا: وسيد زهير الذي كان يُحسِن الصهيل.
فضحكتْ ضحكةً خَجلى وقالت: وينزلق في يوم المطر حتى نقع معًا في بركة الطين.
فشاركتها الضحك قائلًا: لأنك رفضت أن أجري على مهلي، وهززتِ رجلَيكِ بعنف فوق صدري لأجري.
وجاءت منيرة في تلك اللحظة فقالت: أريد أن أشارك في الفكاهة.
فقلت: ما تزال مني تذكر يوم وقعنا في بركة الطين وأنا أجري بها كالحصان.
فقالت: ووقفتُ أنا على الرصيف أبكي معكما، ما لكما تقفان هكذا بفنجانين فارغين؟ إذن لماذا تعبت في صنع هذه الفطائر؟
فسرنا إلى الركن وأخذت منيرة توزع علينا أصنافها، ولا أدري أكانت في الحقيقة ممتازة أم كانت سعادتي تجعلني ألذ كل شيء حولي، كان ضوء القمر بديعًا ورفيف النسيم منعشًا وكل ما تُذوِّق شهيًّا، وكان الحديث فوق هذا كله فكهًا ممتعًا بفضل حضور منى وإشارات أختي وخفة روحها.
وكانت الساعة التاسعة عندما استأذنت منى للعودة إلى منزلها، وأصرت في هذه المرة بعد تساهُلها في عدة محاولات سابقة.
ونزلت لأسير معها حتى تركب، وكانت عربتها واقفة عند رأس الحارة على مقربة من ضريح أبي طاقية، وكان الطريق لحُسنِ حظِّنا جافًّا على غير عادة.
ومددت ذراعي لها لتستند عليها، وأخذت كفها في يدي وضغطتُ ساعدها إلى صدري عند قلبي.
وقلت لها: أكون أسعد الناس يا منى إذا وعدت أن أكون دائمًا صديقك القديم.
فقالت في بساطة: وهل أنت في حاجة إلى وعد جديد؟ لا فضل لي إذا قررت هذه الحقيقة.
فقلت بصوت متهدج: وما يترتب عليه؟
فقالت مُتهانفة بضحكة صغيرة: أن تزورنا مثلًا كلما كنت هنا؟ لا تنس أنت.
فقلت في حرارة: هذا واجبي أنا، أو حقي أنا، وأما واجبك أنت أو حقك فهو أن تفترضي دائمًا أني واقف إلى جنبك.
تَعرفين عنواني طبعًا إذا جدَّ ما يدعو إلى وجودي هنا، وأما أنا فعنوانك هناك أبعث إليه رسالات في الصباح والمساء وفي كل ساعة من ساعات الأيام.
وأشرت إلى السماء الصافية في ضوء البدر الكامل، وكنا قد وصلنا إلى الشارع فتركت منى ذراعي وركبت عربتها وعدت إلى بيتي كأني أسبح فوق الهواء، لم تَقُل لي شيئًا صريحًا عن خطبة محمود خلف، ولكنها كانت عندها أمرًا غير جدير بأن تفكر فيه، ألا يكفيني هذا؟ ألا يكفيني أنها تركت يدها في يدي كل هذه المسافة بين البيت والشارع؟ ألا يكفيني أنها دعتني إلى زيارة كلما عدت إلى دمنهور؟ ها هو ذا غرض نبيل أعيش من أجله إذا أردت أن يكون لحياتي مقصد نبيل؛ لأنه هو الذي يجعلني أقدم على كل عمل نبيل، سأعيش لها.