الفصل الثاني والثلاثون
لم نلبَث بعد أن لقيت الأستاذ علي مختار أن بدأنا المعركة ثانية، وأخذنا نُواجه الموقف في صراحة؛ ففي اليوم التالي لعودتي إلى «بريد الأحرار» نُشر المقال الذي كتبته بعنوان عريض على أنهار الصفحة الأولى كلها: «الخيانة القومية الكبرى – فضيحة الأسلحة الفاسدة – نقتل أبناءنا بأيدينا!»
ولم يُخفِ الأستاذ علي مختار شعوره الحقيقي عندما دخلت عليه في الصباح وكان يقرأ المقال؛ إذ قال لي بغير مواربة: هي معركة الحياة أو الموت يا أستاذ سيد.
فقلت: بل معركة الحياة يا سيدي، وهل تستحقُّ الحياة أن نحرص عليها إذا استمرت هكذا؟
فضحك قائلًا: كلمة جميلة عندما نسمعها بآذاننا فقط.
فقلت جادًّا: بل نجدها جميلة؛ لأننا نؤمن بها، من الطبيعي أن نحبَّ العافية ونتحاشى الآلام والمتاعب، ولكن من الطبيعي أيضًا أن نخوض معركة.
فقال باسمًا: قل أيضًا إنها طبيعة مهنتنا، هذه هي الحجة التي تجعلني أُلقي سلاحي، وعلى أية حال لم يُصادَر عدد اليوم، وهذا دليل على أن القذيفة أصابت هدفها.
وأدهشني من الأستاذ علي مختار أنه بدأ يتحوَّل إلى شيء يُشبه حاله الأولى بعد بضعة أيام، ونشط من الفتور الذي طرأ عليه، وعاد مكتبه في كل ليلة منتدًى سياسيًّا يَضطرم بالثورة.
ولكنه كان مع ذلك لا يخلو من التوجُّس؛ ففي كل صباح يُبادرني عندما أذهب إليه قائلًا: لم يصادر عدد اليوم أيضًا.
وشغلتني المعركة العنيفة عن كل شيء حتى عن أمي وأختي وعن منى، وعادت الثورة تخفق في قلبي وتضطرم في كل مكان، وكنا نتوقَّع أن تندلع في كل صباح، وماذا كان يجعلنا نُشفق من الثورة؟ كان اليأس يدفعنا إلى طلب التغيير ولو إلى حريق آخر، وكما يحدث للمقاتل إذا حمي القتال فجعله لا يفكر في شيء غير القتال، جعلتْنا المعركة الصحفية لا نُفكر في شيء سوى الفضيحة المقبلة؛ فضيحة القطن وفضيحة البورصة وفضيحة تجارة المخدرات وفضيحة الاغتيالات الجهنمية وعشرات أخرى، كل واحدة تُثير زوبعة قبل أن تهدأ التي سبقتها، وفي غمار هذه المعمعة كانت منيرة تبعث إليَّ خطاباتها بغير انقطاع، وكل منها ينتهي بالعبارة المألوفة: «منى تسلم عليك وتسأل عنك.» فأطوي الخطاب في شيء من الحنق، وأضعه في درج مكتبي، وأُرسل جوابًا قصيرًا أرد فيه التحية الجوفاء بمثلها: «أرجو أن تبلغي منى سلامي وسؤالي عنها.»
هكذا مضت الأشهر واحدًا بعد واحد حتى أتى إليَّ خطاب من منيرة، فقرأته مسرعًا، وكدت أضعه مع الخطابات الأخرى لولا أني وجدتُ تغييرًا في الخاتمة: «منى تسأل عنك وهي متألمة منك.» فوضعتُ الخطاب أمامي، ونظرت إلى الفضاء حيث كانت صورة منى. ماذا تنتظرين منِّي؟ وأينا الذي يغضب ويتألم؟ هكذا قلت في نفسي ونظرت إلى الساعة فوجدتها الحادية عشرة، وقمتُ لأستأذن في إجازة قصيرة، وأسرعت إلى المحطة لأسافر، وأخذت معي كتابًا لأقطع على قراءته الطريق حتى لا أحس طول السفر، وذهبت من توِّ وصولي إلى دمنهور قاصدًا إلى بيت منى، وكانت الساعة الرابعة عندما طرقت الباب، وعرفتْني الخادمة ففتَحَت لي غرفة الاستقبال.
وكان الجو حارًّا فخلعت طربوشي، ووضعتُ الكتاب الذي كان معي على منضدة، ومكثتُ بضع دقائق أنظر حولي إلى ما في الغرفة وأنا أفكر فيما أقول إذا لقيتُ منى، كانت الغرفة كما تركتها آخر مرة، الصورة الحزينة المجلَّلة بالسواد، والستائر المقلوبة، والأواني المنكسة، وزادها كآبة شيء من الإهمال في الترتيب والتنظيف، وكان قلبي ممتلئًا بالإشفاق والحزن عندما جاءت منى مثل زنبقة مشرقة، وملابسها السود تجعل على وجهها مسحة من الصفرة، وكان وجهها الباسم وعيناها الصافيتان تقولان مع لسانها: «مرحبًا، الحمد لله على السلامة!» ومددتُ يديَّ الاثنتَين لآخذ يديها وأضغط بهما على صدري، وأنا لا أدري ماذا فعلت، وكان خفقان قلبي يحول بيني وبين النطق، وقالت منى وهي تجذب يديها: أهكذا لا تأتي إلينا إلا بإنذار؟
فقلت في حرارة: كنتُ في الانتظار دائمًا.
وتركت يديها وجلستُ وقلبي يدق عنيفًا.
وقالت في نغمة اعتذار: لو عرفت ما كنا فيه هذه الأشهر، لما تأخرت هكذا عن الحضور، في كل أسبوع ننتظر إلى الأسبوع المقبل بغير فائدة.
فقلتُ: وأنا أيضًا في كل يوم أنتظر الصباح المقبل بغير فائدة، في كل يوم أنتظر برقية تُنبئ بحضوركم، فلا يصل إليَّ إلا خطاب منيرة تقول لي: إنك تُسلمين عليَّ وتسألين عن صحتي كما يفعل الذين يتقابلون في الطريق. أهذه هي الإشارة المنتظرة؟
فضحكَت قائلة: إذن فأنت الغاضب لا أنا! وماذا كنتَ تُريد أن أقول غير أن أسلم عليك وأسأل عن صحتك؟ أتنتظر أن أرجوك الحضور حالًا كما يَفعل أصحاب الأعمال؟
فقلت بصوت متهدج: إذن فأنا أعترف بخطئي. كيف أنت وكيف صحة عمتي؟
وكنت على وشك أن أسأل عشرات من الأسئلة لولا أنها قامت قائلة: هي أكثر زعلًا منِّي.
وقمتُ معها فدخلنا إلى حجرة السيدة وكانت جالسة على كرسي كبير إلى جوار سريرها، ومدَّت إلي يدها قائلة: الحمد لله على السلامة! أنت هنا أخيرًا؟
فقبلت يدها وقلت: بل كنت هنا دائمًا.
فضحكت ناظرة إلى منى، وقالت: ومَن يقدر عليه في القول يا منى؟ تفضل هنا يا سيد.
وأشارت إلى كرسيٍّ أمامها، وجلسَت منى على حرف سرير أمها.
فقلت مبادرًا: لست أقول كلمة جوفاء يا سيدتي، فلو أطعتُ نفسي لكنت في كل يوم هنا.
وقالت السيدة وهي تمدُّ رجلَيها متألمة: آه يا ولدي، ما أشد هذه الآلام التي أعانيها، كنا نود تبديل الهواء لعل هذه الآلام تفارقني، ولكن كيف أسافر هكذا، والمشاكل التي لا تنتهي، والقاهرة التي تحترق؟ النهاية يا سيد، الحمد الله على السلامة! لقد حزنتُ والله عندما علمت بما حدث لك، ولا أدري ما هذه السياسة التي تُعذِّبون أنفسكم فيها، رحم الله والدكِ العزيز يا منى، كم قلت له أن يبعد عن السياسة، ولكن الحمد الله على كل حال يا سيد، قولي له يا منى كيف كنا نقول: «أين سيد؟»
فقالت منى ضاحكة: قبل أن يشرب القهوة يا ماما؟
وكانت الخادمة في تلك اللحظة داخلة تَحمل صينية القهوة، فأخذت فنجانًا كنت محتاجًا إليه، واستمرت السيدة في حديثها، وكان كل حديثها أو أكثره عن محمد خلف باشا وولده محمود: الباشا يحسب عشرة آلاف جنيه على التركة، ويَزعُم أنه صرفها لحمادة الأصفر، مع أن الجميع يعرفون الحقيقة، وإيراد العزبة البحرية يهبط إلى النصف، خمسمائة فدان لا يزيد إيرادها على عشرة آلاف جنيه مع أنها من أجود الأطيان، والحديقة مائة فدان لا تأتي بأكثر من عشرين ألفًا، الأسعار هابطة لورثة السيد أحمد جلال خاصة، والأقطان لا يَبيعُها بسبعة وعشرين جنيهًا؛ لأن البرلمان سيرفع الأسعار، ثم ينحلُّ البرلمان والسيد محمود خلف يبقى في مصر ليمشي على هواه، ومع ذلك فالباشا يطلب تحديد يوم الاحتفال بالعقد كأن السيد أحمد جلال مات من عدة سنين، وإذا طلبنا التأجيل إلى بعد مرور سنة على الوفاة أصر الباشا على تصفية الحساب وأخذ الأطيان، كل الأطيان، ثمانمائة فدان من أجود الأطيان، ومن البساتين في نظير ديونه، ومنى تزيد الأمور تعقيدًا بإصرارها على الرفض.
ونظرت إلى منى عندما وصلت إلى هذا الحديث، وقالت: انظر يا سيد كيف صارت عقول بناتنا؟
وقامت منى خارجة من الغرفة، فاستطعت أن أقول: أظن أن هذه الأمور تحتاج إلى رويَّة، ولا فائدة من سردها هكذا.
فقالت السيدة: وماذا نستطيع يا سيد؟ نحن في يد الباشا.
فقلت: هذا ما أقصده بقولي: إن هذه الأمور تحتاج إلى الروية، حتى لا نضر بمصلحتكم ولا بمُستقبل منى.
فقالت: حقًّا إن محمود ولد فاسد، ولكن هكذا الشبان اليوم، وأظنك تُوافق أن نتصرف بحكمة.
فقلت: المهم أولًا أن نُفرِّق بين تسوية المصالح وبين موضوع العقد.
فقالت: اسمع يا سيد يا ابني، أنت مثل ولدي والسيد أحمد كان يقول إنك شاب عاقل ومثل ولده، ويجبُ علينا أن نتصرَّف بحكمة. يعني يا ابني نضيع أنفسنا؟ ما معنى هذا العناد وكلما كلمتها قالت: «يكفينا أقلُّ ما عندنا» ألستَ تُوافقني يا سيد على رأيي؟
وسكتت السيدة تنتظر جوابي، وكنت لا أعرف إلى تلك اللحظة ما السبب الذي حمَلني على الإسراع إلى دمنهور هكذا، وشعرت بأني في أحرج موقف وقفتُه في حياتي، وكدتُ أصيح قائلًا للسيدة: «هل منى جارية؟ هل تريدين بيعها؟»
وقلت بعد صمت طويل: المسألة دقيقة يا سيدتي، وتحتاج إلى كل حكمتنا، وأول ما يُهمُّنا هو منى نفسها.
فقالت: طبعًا يا ابني، هذا ما أقوله لها، هي أول ما يُهمُّنا طبعًا، ولا نريد إلا أن نختار أحسن شيء لها.
فقلت في دفعة: هل تختارين لها محمود خلف؟
فقالت: جهل الشباب يمر يا ولدي.
فقلت: هناك شُبان آخرون يا سيدتي، ويحسن أن نفرق بين تسوية المصالح وبين أمر الزواج.
فقالت في شيء من الغضب: أين هؤلاء الكثيرون يا سيد؟ أنرضى لها أحد هؤلاء الذين يتقدمون لها؟ صعاليك تعلموا وتوظَّفوا بعشرين جنيهًا، ويتجرءون على التقدم لها؟ ماذا تصنع بهم منى؟ أتختار أحدهم لتصرف عليه لتجعله إنسانًا، ثم تقول للناس: «هذا رجلي؟»
فأطرقت صامتًا وأظلمت الدنيا في عيني، وقمتُ قائلًا: اسمحي لي الآن يا سيدتي، سأعود للحديث مرة أخرى.
وكنتُ أقول في نفسي: لن أدخل هذا البيت بعد هذا.
وقالت السيدة: أين ذهبت منى؟ هذا ما استفدناه من المدارس والكتب والعصر الحديث، يا حسرة علينا ما كُنا نجرؤ على أن نقول كلمة.
ورفعت صوتها تُنادي منى.
ثم التفتت إليَّ بنظرة التجاء قائلة: أرجوك يا سيد أن تساعدني.
وجاءت منى تنظر إليَّ صامتة، واستمرت السيدة تقول: ألست توافقني يا سيد؟
وخرَجتِ الكلمات من فمي كأني أنتزع خيطًا من شوك، وقلت: أظن الأمر كله يتوقف على رأي منى.
فقالت السيدة في نغمة عتاب حانق: ولكنَّها في حاجة إلى النصيحة.
وأطرقت لحظة مفكرًا أعيد في ذهني كلمة السيدة عندما قالت في حنق: «ماذا تصنع به منى؟ أتصرف عليه ليكون إنسانًا وتقول للناس هذا رجلي؟»
وقلت في نفسي في حسرة ساخرة: «ماذا تصنع بي منى؟»
والتفتُّ إلى السيدة وأنا أكثر ثقةً فقلت: أرجو المعذرة يا سيدتي إذا لم أجد نصيحة.
لم أقل رأيًا عندما تقدم عبد الحميد لأختي منيرة.
فقالت السيدة: ولكن هذا موضوع آخر.
فقلت في إصرار: لو رفضتْ منيرة لكنت أوافقها.
فقالت في دفعة: ولكن منيرة تستطيع أن تجد كثيرين مثل عبد الحميد يا سيد.
فقلت في تحدٍّ: ومنى؟
فقالت: كم في المدينة مثل محمود خلف؟ بل كم في البلاد كلها؟
فقلت في شيء من الأنفة: اسمحي لي أن أخالف، المقاييس تختلف.
فقالت ووجهها يزداد حمرة: لا وجه للمقاربة يا ابني.
وتدخلَتْ منى في الحديث قائلة: لماذا تُتعبين نفسك يا ماما؟ ألم نتَّفق على ترك هذا الموضوع نهائيًّا؟
فقالت السيدة: ما معنى نهائيًّا؟ يَعني أن نُصفِّي حسابنا ونضيع ثروتنا؟
وبدأت بينهما مناقشة طويلة لم أتدخل فيها؛ لأنها تتصل بأرقام لا أعرفها، وكانت السيدة تنطق بها في حنق حتى خشيت على صحتها، وكنتُ في أثناء هذه المناقشة صامتًا أفكر حانقًا فيما قالته السيدة، ولكني لم أستطع أن أظهر ما ثار في نفسي، كانت كلماتها تصطدم بقلبي كأنها قذائف من الرصاص كلَّما سمعتُها تُساوم في منى، وخرجت مُستأذنًا أكاد أترنَّح وقلت وأنا أتكلَّف الهدوء: أرجو لك العافية يا سيدتي.
فقالت منى ضاحكة: النتيجة أننا نسينا ما كُنا نريده من سيد، كنا نَنتظِر حضوره كل أسبوع لنسأله عن رأيه، ثم نضيع الوقت في أحاديث أخرى، ما رأيك فيما يَعرضُه الباشا علينا، يريد أن يأخذ الأطيان ليستوفيَ بها دَينه. هذا كل شيء.
ووقفت صامتًا لا أدري كيف أفكر في تلك المفاجأة، وماذا أعرف في هذه الشئون حتى أبدي رأيي؟
فقالت منى مُستمرَّة: ليس المُهم أن تقول لنا رأيك في الصفقة ذاتها، فهذا أمر يتولاه المحامي والخبير، وهما أعلم بهذه الأمور منَّا، الأمر كله يتعلَّق بك أنت، هل تستطيع أن تشرف على شئون المحلج إذا اتَّفقْنا على التسوية التي يَعرضها الباشا؟ لستَ أجنبيًّا عنه ولا عن الذين فيه وثقتنا فيك مطلقة، ونظرت إليَّ باسمة.
فقلت بغير تفكير: دعي لي وقتًا لأفكر.
فقالت: لا حاجة إلى العجلة في الجواب، أمامنا وقت طويل قبل أن يَفرغ الجميع من إجراءات الاتفاق، وستكون معنا غدًا بغير شك؛ لأننا ذاهبون جميعًا إلى العزبة؛ منيرة وعبد الحميد وماما، وستعود ماما من هناك سائرة على قدميها. أليس كذلك؟
ونظرت إلى أمِّها التي كانت عند ذلك عابسة مطرقة تَضع رأسها على يدها.
وخرجت لأنصرف صامتًا، ولا أدري إن كنتُ قد تبيَّنتُ عند ذلك ماذا قالت منى؛ لأني كنت في جدال عنيف مع نفسي.
وقالت منى ونحن سائران وهي تمسك بذراعي: هذه هي اللحظة الموعودة يا سيد، اللحظة التي تقف فيها إلى جانبي.
ونظرتُ إلى عينَيها، وهي ترفع وجهها إليَّ، وكانتا مثل البحر الصافي العميق في يوم من أيام الربيع الهادئة، ودخلنا إلى غرفة الضيوف لأستعيد طربوشي وكتابي، فقالت منى: لم تَقُل بعد إنك ستأتي معنا.
وكان وجهُها في عيني كما كنت أراه دائمًا مثل زهرة الفول في الصباح إذا جللها الندى، وعُودها الرشيق مثل تمثال رائع، ولو أطعت نفسي لركعت عند قدميها قائلًا لها: «معبودتي!»
وأخذت يدَيها فوضعتمها بين كفَّي، ورفعتهما إلى صدري في لهفة، وقلتُ في نفسٍ مبهور: طبعًا يا منى، وهل أرفض السعادة؟ هل أستطيع أن أقول لك: «لا»؟ ولكني أجد فيما تعرضين عليَّ شيئًا من المرارة، وإن كنت لا أدري كيف أرفض.
فقالت: أي مرارة؟
فأجبت في هدوء: لستُ أَعرف كيف تنظرين إليَّ وأنت تطلبين مني أن أشرف على المحلج، لن أستطيع عند ذلك أن أقول لك الكلمة التي عشتُ هذه السنين راجيًا أن أقولها لك يومًا، لن أجرؤ أن أقولها لك إذا اشتغلتُ عندكِ، ولا فرق بين أن أكون في المحلَجِ مديرًا أو وزانًا.
وتوقفت لحظة، ثم تهدج صوتي وأنا أستمر قائلًا: لم يكن لي في الحياة إلا حلم واحد وهو حبك يا منى.
ورفعت يديها إلى شفتيَّ فقبلتهما في حرارة.
واندفعت قائلًا: حبك هو الذي يدفعني دائمًا، ويُوحي إليَّ، ويجعل لي في الحياة غرضًا، ولستُ أحب أن أُعرِّضه للسخرية حتى يقول أحد إنني أحب سيدتي، أو يقول أحد إنك تُريدين أن تجعليني إنسانًا وتقول للناس: «هذا رجلي.» وأنا آسفٌ إذ أقول لك هذا، فإني أبدو لنفسي جديرًا بالسخرية وأنا أقوله.
فأطرقَت برأسها ويداها ما زالتا على صدري، ومالت حتى مسَّ رأسها كتفي، وقالت بصوتٍ مُنخفض: لمَ تقول هذا؟
وبغير أن أشعر بما فعلت ضممتُها إلى صدري وقبلت جبينها.