التصنيع الذكي: جيد وسريع وقليل التكلفة
في ورشة الميكانيكي خاصتي، هناك لافتة ملصقة بالقرب من آلة دفع النقود مكتوب عليها: «يمكنك الحصول على الخدمة بنحو جيد أو سريع أو قليل التكلفة، اختر اثنين فقط.» هذه الطُّرفة الدائمة تلخص الأمر بِرُمَّتِه، لكن ماذا إذا كان هذا الميكانيكي مخطئًا؟
على الجانب الآخر من العالم، يبيع أحد المصانع فُرش أسنان الأطفال بعشرة سنتات للقطعة الواحدة. يستخدم هذا المصنع آلات متقدمة وتِقْنِيين مدرَّبين. يبدو هذا جيدًا؛ إذ إنه يقدِّم منتجات عالية الجودة، ويُنتج يوميًّا أكثر من ٣٠٠ ألف فرشاة، وهذا سريع.
هل يعني هذا أن ميكانيكي سيارتي العجوز المستفزة كان مخطئًا رغم كل شيء؟ ربما يمكنك الحصول على شيء بنحو جيد وسريع وقليل التكلفة، من دون أي تضحيات. لكن ربما لم يكن مخطئًا؛ فهناك جوانب أخرى للقصة أكثر تعقيدًا مما يبدو.
يحفل الإنتاج الواسع النطاق بتكاليف غير مباشرة وتأخيرات في مواعيد التسليم، وإذا نظرت إلى الصورة الكبرى من منظور أي شركة بدلًا من منظور المستهلك، فإن هذا النوع من الإنتاج ليس قليل التكلفة، وكذلك فإن عملية تحويل فكرة أي تصميم لمنتَج يُنتج بكَميات كبيرة ليست سريعة على وجه الخصوص. وإذا كنت لا ترغب إلا في منتَج يفي بأقل المتطلبات الشائعة؛ فهذا يعني أن السلع المنتجة بكَميات كبيرة ليست جيدة بوجه خاص أيضًا.
التصنيع الواسع النطاق بدفعات صغيرة مصطلح فيه تضاد لفظي؛ فكلما انخفض سعر المنتج النهائي للعميل، زادت أهمية زيادة حجم مبيعاته للشركة، وهذا ما يدفع المصنع المنتِج لفُرش الأسنان — الذي يريد استعادة المبلغ الذي استُثمر في إنتاج فرشاة الأسنان البسيطة — إلى بيع منتجاته التي أُنتجت على نطاق واسع بدفعات كبيرة. أقل عدد لأي طلب يصل إلى ٢٨ ألف فرشاة.
هناك تكلفة أخرى غير مباشرة تتعلق بعملية تصميم المُنتَج. فإنتاج المصانع لا يرحم، وتحويل فكرة أي تصميم لمنتَج سيُنتَج بأعداد كبيرة يشبه التضحيات التي تحدث لتحويل رواية أدبية معقَّدة لفيلم جماهيري ضخم؛ فحتى ملف التصميم البسيط الخاص بفرشاة الأسنان البلاستيكية (الذي بدا جيدًا على شاشة الكمبيوتر) سيتصرف على نحو غير متوقع عندما يخضع لقسوة وشدة عملية القولبة البلاستيكية المستخدمة في المصانع. كذلك، فإن قوانين الاقتصاد لا ترحم، وأفكار التصميم الجديدة تخضع لمقايضات إجبارية بين جودة المنتج وتكلفة التصنيع.
إن المصنع وخط التجميع طريقة مثالية لإنتاج منتجات متطابقة بأعداد كبيرة بتكلفة أقل. ومع ذلك، فإن هذه الكفاءة في الإنتاج ليست قليلة التكلفة؛ فخلف أي منتج بلاستيكي بسيط مُنتَج بأعداد كبيرة، هناك عاملون مستترون بالآلاف. ويجب على الشركات استثمار أموالها في تشغيل تقنيين ومهندسين مَهَرة لتحويل أي تصميم لواقع بشكل مناسب، ولضبط آلات المصنع، والإشراف على خطوط التجميع.
في قلب هذه المعضلة الخاصة بالجودة أو السرعة أو قلة التكلفة، هناك قاعدة اقتصادية أساسية تُسَمَّى اقتصادات الحجم. تُعَد اقتصادات الحجم الأساس الخفي الذي يقوم عليه اقتصادنا الصناعي الحديث؛ فهي ما يجعل إنتاج المنتجات بأعداد كبيرة مربحًا.
تقلل اقتصادات الحجم من السعر الذي يحصل به المستهلك على المنتجات المنتجة بأعداد كبيرة، وتزيد أرباح الشركة. على الرغم من ذلك، ولاستعادة الاستثمارات الأولية الخاصة بالتصميم والإنتاج، يجب على الشركات بيع كَميات ضخمة من نفس المنتج. وبعد بيع عدد كبير من نفس المنتج، تبدأ الشركة في الحصول على أرباح من استثمارها الأوليِّ فيه.
إحدى أكبر التكاليف غير المباشرة للإنتاج بأعداد كبيرة هي التضحية بالتنوع؛ فمن أجل التمتع بفوائد اقتصادات الحجم، يجب على أي شركة مقاومة إغراء تغيير تصميم المنتج، إلا إذا كان هناك سوق كبيرة يوفر فرصةً لتبرير هذا الاستثمار؛ إذ إن كل تغيير في التصميم — كل تحديث أو تنويع صغير — سيؤثِّر على المحصلة النهائية.
إن الإنتاج الواسع النطاق لا يمكن أن يتيحَ لكل من الشركات والعملاء منتجات جيدة وسريعة ورخيصة. ماذا عن إنتاج الحرفيين؟ الحرفيون المَهَرة يصنعون منتجات مخصصة على دفعات قليلة، ولا يحتاجون لخط تجميع أو استثمارات في مصانع، وهم لا يستأجرون فريقًا ماهرًا من المصممين والمهندسين والتقنيين. وإذا تأكد وجود عيب فادح في فكرة تصميم بعد تحويلها إلى صورتها المادية، فربما يحتاج الحرفي إلى تحمُّل تكلفة المواد الخام المبددة. على الرغم من ذلك، وبما أنه أُنتج منتج مَعِيب واحد فقط، فإن الحرفي يمكنه تعديل التصميم الأصلي بسرعة من دون الحاجة لمواجهة التبعات المالية للتخلص من المئات (أو الآلاف) من المنتَجات المَعِيبة، أما عن الجانب السلبي لإنتاج الحرفيين، فهو أنه لا يمكن القيام به على نطاق واسع.
(١) طريق وسط بين الإنتاج الواسع النطاق والإنتاج الحِرَفي
يتميز الإنتاج الواسع النطاق بالكفاءة؛ مما يؤدي إلى زيادة أرباح الشركات وتخفيض الأسعار للمستهلك، لكن اقتصادات الحجم تؤثِّر على تنوع المنتج وتخصيصه. على العكس، فإن إنتاج الحرفيين يتعامل مع مسألة التنوع والتخصيص لكن الإنتاج يكون على دفعات قليلة. تتيح تقنيات الطباعة الثلاثية الأبعاد طريقًا جديدًا بالمزج بين الإنتاج الواسع النطاق والإنتاج الحرفي.
عندما اكتُشف خُلد الماء لأول مرة، ظن المكتشفون أنه خدعة أو أن صانعًا للمقالب حاك حيوانًا مغطًّى بالفراء بمِنقار بطة وبأقدامٍ ذات وترات كأقدام الإوَزِّ وبجراب كجراب الكنغر. إن الطباعة الثلاثية الأبعاد هي خُلد الماء في عالم التصنيع؛ بدمجها بين الدقة الرقمية وقابلية التكرار الخاصة بالمصانع وحرية الحرفي في التصميم.
مثل أي آلة في مصنع، فإن الطابعة الثلاثية الأبعاد آلة أوتوماتيكية؛ إذ يُرشدها ملف تصميم رقمي خلال خطوات عملها، ويحصل هذا الملف بسرعة على تعليمات التصنيع الخاص بمنتج خاص، وهذه المعرفة يمكن حفظها أو إرسالها بالبريد الإلكتروني لأي مكان.
ومثل الحرفي البشري، فإن الطابعة الثلاثية الأبعاد متنوعة المهارات؛ فيمكنها صنع نطاق كبير ومتنوع من الأنواع المختلفة من الأشياء من دون الحاجة لاستثمار أولي ضخم. كما أن تكلفة طباعة ألف منتج مختلف أو متطابق واحدة لا تتغير، وتكلفة التخصيص تختفي تقريبًا.
بالرغم من هذه الميزات، فإن التصنيع بالطباعة الثلاثية الأبعاد لا يتيح تحقيق اقتصادات الحجم؛ فكأي سمة شخصية متطرفة، فإن حقيقة أن الطباعة الثلاثية الأبعاد تفشل في تحقيق اقتصادات حجم تُعَد نقطة ضعفها الكبرى، لكنها أيضًا أكبر نقاط قوتها. صحيح أن تحقيق اقتصادات الحجم أمر مهم لأي شركة يقوم نموذج عملها على بيع أعداد كبيرة من منتج سلعي يعود بهوامش ربح ضئيلة جدًّا؛ لكن إذا كان نموذج عمل الشركة قائمًا على بيع عدد صغير من المنتجات المتفردة أو التي تتغير بنحو مستمر أو التي تُنتَج حسب طلب العميل والتي تعود بهوامش ربح كبيرة، فإن الإنتاج بالطباعة الثلاثية الأبعاد — مثل خُلد الماء — يمثِّل قفزة ثورية للأمام.
تجعل تقنيات الطباعة والتصميم الثلاثي الأبعاد عمليتَي التصنيع والتصميم أكثر ذكاءً وكفاءة، وستصبح الشركات الصغيرة قادرة على الحصول على أدوات قوية كانت متاحة في السابق للشركات العالمية فقط. يمكن للشركات ذات الموارد الكبيرة، المزودة بطابعة ثلاثية الأبعاد وبرنامج تصميم، توفير خدمات بارعة وعالية الجودة كانت قاصرة من قبلُ على أقسام التصميم والهندسة الموجودة داخل الشركات.
أثناء قيامنا بالبحث من أجل هذا الكتاب، أدركنا أن الطباعة الثلاثية الأبعاد بدأت تنتشر في مناطق تصنيعية سابقة، في «حزام الصدأ» المتدهور اقتصاديًّا في ريف ولاية نيويورك، وأجزاء من وسط غرب الولايات المتحدة. في تلك المناطق — في العديد من الحالات — كان العمال يعملون في مصانع محلية توقفت الآن عن العمل، وبعد تسريحهم واختفاء وظائفهم تحت الهجوم المزدوج لتعهيد الإنتاج وأَتْمَتَةِ المصانع، واجهوا اختيارًا صعبًا: فهل يجب أن ينتقلوا لمناطقَ أخرى حيث الوظائف أم يجب عليهم العثور على طريقة للبقاء في أماكنهم والاستمرار في العيش بأي طريقة ممكنة؟
في الماضي، لم تكن أي شركة صغيرة قادرة على شراء طابعة ثلاثية الأبعاد على مستوًى صناعي، ودفع ما يكفي للحصول على قدرة حاسوبية يمكنها تشغيل برامج التصميم الصناعي. هذا آخذ في التغير الآن؛ فإحدى الشركات الصغيرة التي زرناها أسسها رجل امتدت مسيرته الوظيفية لتلحق بأيام ازدهار التصنيع في العالم الغربي. سنطلق عليه هنا اسم «مايك» (وهذا ليس اسمه الحقيقي حيث تُفضِّل عائلته ألا يُحدد اسم شركتهم.) تقدم شركة مايك خدمات هندسة التصميمات والنماذج الأولية والطباعة الثلاثية الأبعاد للشركات الإقليمية.
رتبنا مع مايك لزيارة شركته لمعرفة المزيد عنها، وكانت رحلتنا عبر «حزام الصدأ» محبطة؛ فخلال توجُّهنا لشركة مايك، وبمجرد خروجنا عن الطريق السريع فيما بين الولايات، اختفت إشارة الهاتف المحمول، ورأينا كيف أن الناس انتقلوا بعيدًا تاركين وراءهم مدنًا وقرًى شبه خاوية، تترنح تحت أساس ضريبي آخذ في الانكماش.
خارج نافذة السيارة، كان المنظر الريفي الرائع يحوي تلالًا تظهر واحدًا تلو الآخر، وحظائر حمراء بالية، وأبقارًا هولندية مُنتِجة للَّبنِ تَرْعَى. كان الطريق ذو الاتجاهين يتقاطع من حين لآخر مع قرًى صغيرة تعاني من اختفاء السكان. تبادر إلى الذهن سؤال وهو: «ما الذي يفعله من يعيشون هنا لكسب عيشهم؟»
بعد بضع ساعات من القيادة، أوقفنا السيارة في ممشى بيت مُعتنًى به، وهو المقر الرئيسي لشركة مايك. قابَلَنا مايك عند الباب، وأدخلَنا لورشته واستديو التصميم اللذين يقعان في الدور السفلي. لا يتسم مقر تلك الشركة الصغيرة — الذي نصفه ورشة والنصف الآخر مكتب — بالضوضاء مثل ورش الإنتاج التي كانت في حجم المستودعات في أيام الازدهار القديمة للتصنيع الواسع النطاق المحلي. كانت هناك بضعة أجهزة كمبيوتر موضوعة بعيدًا على مكتب في أحد أركان غرفة جيدة الإضاءة، وكانت هناك طاولة بلياردو بجانب الحائط تعمل — كمعظم طاولات البلياردو — كسطح مفيد لتكديس الصناديق وتخزين البضائع غير المستخدمة.
تخرَّج مايك في المدرسة الثانوية في أوائل سبعينيات القرن الماضي، ودربَتْه أولُ جهةِ عملٍ اشتغل لديها ليكونَ مصممًا للرسومات الصناعية. يصعب اليوم تصديق أن التصنيع كان يومًا ما عملًا مزدهرًا ومجالًا مناسبًا للشباب الواعد الذكي. مع ذلك، فإنه في تلك الأيام كان يمكن لأي شخص كسب ما يكفيه من العيش بالعمل في بيئة التصنيع المحلية.
بعد عدة عقود، سُرِّح مايك ونَقلت الشركةُ التي كان يعمل بها عمليةَ التصنيع خاصتها خارجَ البلاد، ونَقلت طاقم موظفيها المحترفين لمكان آخرَ بعيدٍ في البلاد. منذ ١٥ عامًا تقريبًا، قرر مايك وعائلتُه البقاء في بلدتهم، رغم أسواق الوظائف المحدودة لاقتصاد مِنْطَقتهم المنكمش.
تستطيع شركة مايك القيامَ بالتصنيع الذكي بسبب أن العصر الحالي يتيح للشركات الخدمية الصغيرة مثل شركته شراء المعَدات والبرامج خاصتها. سألْنا مايك إن كان يمكننا رؤية القلب النابض لعملية التصنيع خاصته، ألا وهو الطابعة الثلاثية الأبعاد. صعد بنا مجموعة من السلالم حيث تخطينا بحرص عدة كلاب تمتلكها العائلة اندفعت لتحيط بأقدامنا. في غرفة المعيشة، تخطينا بعض القطط التي كانت تغفو في عدم اكتراث على إحدى أشجار القطط في أحد الأركان. في الجراج، كانت تقبع طابعة ثلاثية الأبعاد من إنتاج شركة استراتاسيس يفوق طولها وعرضها أي ثلاجة فاخرة بقدر ضئيل، كانت منتظرة مَهمتها القادمة في تواضع.
أخبرنا مايك أن الطابعة الثلاثية الأبعاد هي جهاز أساسي يمكِّنه من إضافة قيمة لعمليات تطوير المنتج المقدم للعميل؛ فهو جهاز إنتاج كفء ودقيق يتيح للمصممين والمهندسين اختبار أفكار التصميم على أرض الواقع. وكما يقول مايك: «امتلاك طابعة ثلاثية الأبعاد هو أحد الأسباب التي أستطيع من خلالها إضافة قيمة كمهندس تصميم.»
أوضح مايك أن وظيفته هي أن يتيح للشركات «قدرة ماهرة ودقيقة للغاية على التنبؤ بكيفية ترابط أجزاء المنتج.» ويجعل امتلاكُ طابعة ثلاثية الأبعاد في متناول اليد هذا ممكنًا. فعندما يُكمل مايك تصميم المنتج، يختبره أولًا بطابعته ثلاثية الأبعاد. وبمجرد طباعة المنتج، يُدخل مايك أي تحسينات مطلوبة، إذا احتاج الأمر إلى ذلك. في النهاية، عندما يصبح التصميم مطابقًا لمعايير التصميم خاصته، يعطي ملف التصميم المكتمل لعميله.
في نهاية زيارتنا، سألْنا مايك إن كان عمله كمهندس تصميم اختلف بسبب قدرة أجهزة الكمبيوتر الحديثة والطباعة الثلاثية الأبعاد. رد من دون تردد: «بالطبع؛ فعملية التصميم لأي منتج استهلاكي التي كانت تستغرق عامًا أصبحت الآن تستغرق ثلاثة أشهر فقط، والطباعة الثلاثية الأبعاد عامل هام جدًّا في حدوث هذا. حاليًّا، نصنع كذلك عددًا أكبر من المنتجات النهائية لعملائنا.»
(١-١) توفير الوقت من التصميم وحتى امتلاك المنتج (أسرع)
مع تسارع وتيرة العالم من حولنا، أصبحت الشركات أكثر حرصًا على تقليل وقت عملية صناعة المنتج، بداية من التصميم وحتى يحصل عليه العميل. يُعتبَر وقت الإنتاج مقياسًا رئيسيًّا للكفاءة بالنسبة إلى الشركات؛ مما يعني أنه كلما قلَّ الوقت بين التصميم وتوفير المنتج النهائي، كان هذا أفضل. وتقلل الطباعة الثلاثية الأبعاد من الوقت الذي يصل فيه المنتَج إلى المستهلك بتمكين المصممين والمهندسين من صنع نماذج أولية فورية للمنتجات بسرعة وبتكلفة زهيدة.
النموذج الأوليُّ هو مسوَّدة أولى لتصميم المنتَج. تسرِّع النماذج الأولية عملية التصنيع بمساعدة المصممين والمهندسين وفرق التسويق والمصنِّعين على إعادة فحصه للتأكد من كيف سيبدو شكل وأثر وعمل التصميم كما هو مخطط بمجرد أن يصبح منتَجًا ملموسًا، وأشهر ما تقدمه شركات الطباعة الثلاثية الأبعاد هي صنع نماذج أولية لمُصنعي السيارات.
يوفر مصنعو السيارات الوقت عن طريق طباعة أفكار تصميمية على نحو ثلاثي الأبعاد، وعرضها على فريق عملها، وحتى على العملاء في بعض الأحيان. أوضح مايك لنا كيف تسير عملية صنع النماذج الأولية خاصته قائلًا: «دائمًا ما نزود قسم التسويق في شركات تصنيع السيارات بصور من نماذجنا الأولية وعينات ملموسة من أجزاء السيارات.» ثم أضاف: «إننا نرسل إليهم عدة عينات مطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد للأشياء التي يصعب تقديرها من النموذج المصمَّم بمساعدة الكمبيوتر.»
في اليوم الذي زرنا فيه شركة مايك، كان يعمل على تطوير تفاصيل مشروع نموذج أولي لشاحنة جديدة، وبخلاف الماضي عندما كان صنع النماذج الأولية يتم عن طريق فريق تصميم متفرغ داخل الشركات، فإن شركة تصنيع السيارات هذه قامت بتعهيد تصميم المنتج خاصتها. كان قسم التسويق وموظفو المبيعات الإقليمية هما من بقي فقط من طاقم موظفي الشركة. كان أحد المصانع يُنتج بعض أجزاء السيارات التي كان صنعها محليًّا ما زال أقل تكلفة من صنعها في مناطق بعيدة.
تحل النماذج الأولية الخاصة بالطباعة الثلاثية الأبعاد ببطء، لكن على نحو واثق، محل النماذج المصنوعة باليد من الفوم أو الصلصال. كان عميل مايك يستخدم الطريقتين عن طريق الاستعانة بحرفيين لصنع نماذج يدوية من الفوم لأجزاء السيارات، وكذلك بخدمات شركات مثل شركة مايك لطباعة النماذج الأولية لأجزاء السيارات بنحو ثلاثي الأبعاد. أخبرَنا مايك أن عميله طلب منه مسح أول دفعة من النماذج الأولية المصنوعة من الفوم ثم تحويل البيانات المقروءة لملف تصميم مُفصَّل. وأضاف: «اليوم سنحمل الماسح الضوئي ونذهب به لمكان تصميم الشاحنة.»
على الرغم من ذلك، وقبل صنع أي نموذج أولي، سواء يدويًّا أو بالطباعة الثلاثية الأبعاد، فإن تصميم أي شاحنة يبدأ في قسمي التصميم والتسويق. وبعد العديد من الاجتماعات التي تحدث فيها عملية عصف ذهني، وتتضح فيها مواصفات الشاحنة الجديدة وأهدافها، يقدِّم المهندسون وموظفو التسويق المعلومات للرسامين الذين يصنعون عدة رسومات تخطيطية مفصلة وشبه واقعية لفكرة التصميم. يقول مايك في هذا الشأن: «يُصنع العديد من القرارات على الورق قبل حدوث أي شيء في الواقع.»
بمجرد الموافقة على الرسومات التخطيطية لأي شاحنة جديدة، تبدأ عملية صناعة النموذج الأولي. تعطي النماذج الأولية لفريقَيِ التصميم والتسويق فكرة عن مدى ملاءمة تصميم الشاحنة مع المستخدم والعلاقات المكانية لأجزائها. في كابينة الشاحنة، تُمَكِّن النماذجُ الأولية لمكونات لوحة القيادة والمصابيح الأمامية والأجزاء الأخرى مديرَ المنتج من معرفة كيف ستبدو الشاحنة للمستهلك المستقبلي. وتساعد النماذجُ الأوليةُ لمحرك الشاحنة المصممين الميكانيكيين على التأكد من أن المحرك قابل للإصلاح.
فيما مضى، عندما كانت عملية صناعة النماذج الأولية بطيئةً ومكلفة، وكان من المخاطرة أن تقومَ الشركة بمحاولة لتوفير الوقت والمال والوثوق بأن أي تصميم سيعمل على أرض الواقع. قال مايك في هذا الشأن: «في الماضي كان ينتهي بنا الحال بتصميم رائع حقًّا، لكن بمجرد أن يُنفَّذ، تظهر لنا مشكلات أخرى»، وأضاف قائلًا: «على سبيل المثال، إذا كنت تمتلك سيارة، فيجب أن تُصْلِحَ بعض أجزائها وتغير زيت المحرك. لا يوجد ما يماثل محاولة إدخال أصبعك في المحرك لمعرفة مستوى الزيت لتجدَ أن أصبعك لا يلائم الفجوة.»
يومًا ما، ربما تصبح النماذج المصنوعة يدويًّا من الفوم أثرًا من الماضي؛ فالعديد من الشركات تتجنب الآن الاعتماد على النموذج الأولي المصنوع من الصلصال أو الفوم، وتلجأ مباشرة للنموذج الأولي المطبوع على نحو ثلاثي الأبعاد. وإذا استخدمَتْ شركةٌ كلًّا من النماذج الأولية المصنوعة يدويًّا والمطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد، فإن النموذج اليدوي سيأتي دوره أولًا. ثم سيأتي دور موفر خدمة ماهر مثل مايك، الذي سيلتقط كل الأبعاد المادية الدقيقة لهذا النموذج اليدوي، باستخدام ماسح ضوئي أو ماسح لقياس الأبعاد.
تُعَد صناعة النماذج الأولية يدويًّا نوعًا من الفن. قال مايك: «بعض النماذج القديمة المصنوعة من الفوم رائعة التصميم للغاية.» لكن في المقابل، فإن إنشاء النماذج الأولية المطبوعة على نحو ثلاثي الأبعاد يمكن أن يكون نوعًا من الفن كذلك؛ فالنماذج الأولية الملونة المطبوعة بتقنيات ثلاثية الأبعاد، الخاصة بالسيارات أو الدراجات البخارية، تبدو واقعيةً بطريقة محيرة. ويمكن لأي طابعة ثلاثية الأبعاد أن تصنع أشكالًا معقدة وغير معتادة تمكِّن المصممين من الإتيان بتصميمات مستقبلية ومبتكرة تمامًا، وبنحو أسرع.
(١-٢) تقليل تكاليف تطوير المنتج (أقل تكلفة)
تستخدم الشركات بعض النماذج الأولية المطبوعة على نحو ثلاثي الأبعاد لعرض أفكار التصميم. وبعض النماذج الأولية الأخرى تُستخدم لاختبار مراحل أخرى في دورة حياة المنتج؛ معرفة كيف ستُنْتَج أجزاء المنتَج بأعداد كبيرة. ويقلل إخضاع الأجزاء المطبوعة على نحو ثلاثي الأبعاد ﻟ «اختبار الملاءمة» الأخطاءَ التي تصاحب تصميم منتَج معقد للغاية. وبالرغم من اعتيادنا بسهولة على كل ما هو رقمي، فلا يوجد بديل لاختبار الأجزاء المادية بيدك.
أي نموذج أولي يخضع لاختبار الملاءمة ربما يكون مجموعة عبارة عن عدد من الأجزاء غير المجمَّعة التي يحاول المهندسون تجميعها معًا فيما يشبه بروفة تصنيعية؛ فعندما فاجأت شركة مايكروسوفت العالمَ بالإعلان عن فكرة منتج كانت سرية للغاية لجهاز يجمع بين الكمبيوتر المحمول والكمبيوتر اللوحي ويسمى سيرفس، تساءلت وسائل الإعلام كيف استطاعت الشركةُ إبقاءَ تطوير المنتج طي الكتمان. عادةً ما يصحب أيَّ إعلان مبكر عن منتج تقني ثوري صورٌ غير رسمية مسرَّبة من منشأة التصنيع. استطاع قسم مكونات الكمبيوتر في مايكروسوفت إبقاء تطوير المنتج سرًّا بطباعة النماذج الأولية بنحو ثلاثي الأبعاد على أجهزة مخبأة في أحد مباني الشركة.
هناك هدف آخر لاختبار ملاءمة التجميع، وهو التأكد من أن آلات المصنع يمكنها إنتاج فكرة التصميم على أرض الواقع. في دورات تدريس التصميم الهندسي للمنتجات، يقضي الطلَّاب ساعات عدة في التعرف على المقايضات الصعبة بين فكرة المصمم العظيمة وواقع التصنيع. وتصف المراجع الضخمة بتفصيل كبير أيَّ أفكار التصميم ستُجدي وأيها لن يُجدي في خط الإنتاج. وتواجه آلات التصنيع التقليدية الخاصة بقولبة أو صنع الأجسام في أشكال صعوبةً في صنع أجسام مجوفة من الداخل أو مليئة بالأجزاء المتداخلة أو ذات تركيب داخلي معقد. لكن لا يمكن تجنُّب كل تحديات الإنتاج بمجرد اتباع إرشادات المَراجع.
يتبدد الاستثمار الأولي عندما تكتشف أي شركة في وقت متأخر أن أجزاء المنتج الجديد لا تلائم بعضها. إن النماذج الأولية التي تخضع لاختبار الملاءمة تساعد مصممي الهواتف المحمولة في وضع تصميم المكونات بالغة الصغر بحيث تلائم بعضها بنحو مناسب داخل الإطار المصقول للأجهزة. كما أن أجهزة مساعدة ضعاف السمع، ولوحات قيادة السيارات، والشفرات وأمشاط الشعر، والهواتف الذكية، يجب أن تمتلك ملمسًا ناعمًا وتلائم الجسم البشري جيدًا. إن المحاكاة بالكمبيوتر وبرامج التصميم مستمرة في التطور، لكن حتى أفضل التصميمات لا تخرج دائمًا كما هو مخطط لها بمجرد أن تكونَ في هيئتها المادية.
(١-٣) صنع أفضل الأجزاء المخصصة (أفضل)
أحد أكثر تطبيقات الطباعة الثلاثية الأبعاد نموًا هو طباعة الأجزاء المخصصة المتاحة للاستخدام النهائي. هذه الأجزاء ليست نماذجَ أولية بل هي الأجزاء الجاهزة للاستخدام. إذا طُفت بمجتمع المنتديات الإلكترونية، فستجد أن من يمتلكون طابعات ثلاثية الأبعاد في المنزل يتبادلون النصائح وملفات التصميم من أجل الأجزاء البديلة الخاصة بالأجهزة المنزلية الشائعة، بدءًا من مقابض الأبواب وحتى حلقات ستائر الحمام. بعض الناس يطبعون بنحو ثلاثي الأبعاد المقابضَ أو التروس أو أي أثر قديم أو أجزاء أُوقف تصنيعها ومن المكلف للغاية صنعها يدويًّا.
وبما أن الأجزاء المخصصة لا تستفيد من اقتصادات الحجم فيما يتعلق بالسعر، فإن موفري خدمات الطباعة الثلاثية الأبعاد المَهَرة الصغار تُتاح لهم فرصُ عمل جديدة. تستخدم شركات تصنيع السيارات والدراجات البخارية — وحتى الشركة المصنِّعة لمركبة مارس روفر — أجزاءً مخصصة مطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد لبناء نُسخ عاملة من فكرة مَرْكبة أو آلة. وفي نهاية الأمر، فإنه من الضروري خضوع المركبات التي هي بملايين الدولارات لاختبارات قيادة على أرض الواقع.
تُعتبر الصناعات الطبية وتلك الخاصة بطب الأسنان مستهلِكَيْنِ قويين للأجزاء النهائية المطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد؛ بسبب أن منتجاتهما يجب أن تلائم الجسد بدقة وإحكام. وقد زادت الطباعة الثلاثية الأبعاد لتيجان وأدوات تقويم الأسنان المخصصة، وتُطبع أجهزة مساعدة ضعاف السمع والأطراف الصناعية من عمليات المسح البيانية لقناة أذن المريض أو ما تبقَّى من العضو المبتور.
تستخدم شركات صناعة الطائرات أجزاءً مخصصة مطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد في الطائرات ذات الأغراض التِّجارية. عندما تستقل طائرة جديدة، انظر إلى أنبوب الهواء القابل للتعديل الذي يعلو مقعدك. هذا الأنبوب مثال جيد لجزء مكلف ومخصص جدًّا لا يستفيد من اقتصادات الحجم. وبسبب أنها تختلف عن فرش الأسنان بنحو خاص، يُصنع عدد قليل فقط من الطائرات الجديدة كل عام.
عندما زرنا موفِّر خدمة آخر من أصحاب الشركات الصغيرة في «حزام الصدأ» في وسط غرب الولايات المتحدة، عرض علينا جسمًا بلاستيكيًّا نصف شفاف طُبع بنحو ثلاثي الأبعاد يحاول تحسينه. كان الجسم يبدو مألوفا بنحو غريب لكن من الصعب تحديد هُوِيَّته بدقة، كان بحجم هراسة الثُّوم ومصنوعًا من عدة تروس وتجاويفَ دائرية متداخلة.
لم نقدر على تحديد كُنْه الجسم غريب الشكل إلا عندما أخبرَنا المصمم؛ قال: «هذا أنبوب هواء مطبوع بنحو ثلاثي الأبعاد لطائرة بوينج ٧٤٧.» يسعى دائمًا القائمون على صناعات الطائرات لتقليل تجميع الأجزاء. ويمكن أن تُصنع أجزاء أنبوب الهواء المطبوع بنحو ثلاثي الأبعاد في قطعة واحدة مجمعة بالفعل.
(١-٤) تحديد حجم السوق
من المستحيل أن نعرف على وجه الدقة كيف انجذب العديد من الأعمال الصغيرة لسوق خدمات التصنيع الذكي. مع ذلك، فهناك بعض البيانات الموثوقة عن هذه السوق. كلَّ عام، ينشئ المستشار والمحلل بمجال التصنيع بالإضافة، تيري وولرز، تقريرًا سنويًّا يُسمى «تقرير وولرز». هذا التقرير يضم بيانات عن السوق والاستخدام، بالإضافة إلى دراسات حالات مجمَّعة من حوالي مائة شركة من أكبر الشركات التي تبيع الطابعات الثلاثية الأبعاد حول العالم، أو تُوفِّر أو تشتري خدمات هذا النوع من الطباعة. هذا التقرير يُعتبر مصدرًا ثمينًا فيما يخص المعرفة بمجال التصنيع بالإضافة، وقد أصبح تقييمًا غير رسمي لحالة السوق بالنسبة إلى المحللين والرؤساء التنفيذيين والصحفيين على حد سواء.
عندما أجرى تيري وولرز مقابلات مع الشركات الرائدة في الطباعة الثلاثية الأبعاد على مستوى العالم، كان أحد الأسئلة التي طرحها تتعلق بمن يشتري هذه الطابعات أو يحصل على خدماتهم في الطباعة. أظهر بحثه أن شركات الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية تستخدم خدمات ومنتجات الطباعة الثلاثية الأبعاد بنحو كبير، تليها شركات تصنيع السيارات والصناعات الطبية والخاصة بطب الأسنان وصناعات الطائرات.
تشير بيانات وولرز عن السوق إلى أن الولايات المتحدة تضم حوالي ٤٠ بالمائة من طابعات العالم الثلاثية الأبعاد. هناك أيضًا شركات في ألمانيا واليابان تستكشف وتستخدم الطباعة الثلاثية الأبعاد بنحو فعال حيث تضم كلٌّ منهما نسبة تبلغ ١٠ بالمائة من طابعات العالم الثلاثية الأبعاد. ومن الصعب العثور على بيانات موثوق بها عن الطباعة الثلاثية الأبعاد في الصين. وطبقًا لبيانات وولرز، بالرغم من سيطرة الصين على سوق التصنيع الواسعة النطاق، فإنها تضم ما يصل إلى ٨٫٥ بالمائة فقط من الطابعات الثلاثية الأبعاد في العالم.
في المعتاد تمتلك أكثر الشركات استهلاكًا للطابعات الثلاثية الأبعاد وخدماتها الكثير من المال. مع ذلك، فإن حجم سوق خدمات الطباعة الثلاثية الأبعاد والسلع المطبوعة بها ما زال بالغ الصغر، وخاصة عندما يُقارَن بسوق خدمات وسلع التصنيع التقليدي الذي يصل حجمه إلى ١٥ تريليون دولار سنويًّا. ويقدِّر تيري وولرز أنه في عام ٢٠١١، حدث تداول ما يصل إلى ١٫٧ مليار دولار أمريكي في سوق الطباعة الثلاثية الأبعاد. وإذا كانت السوق العالمية للتصنيع التقليدي في حجم الكرة الشاطئية، فإن حجم السوق العالمية للطباعة الثلاثية الأبعاد سيكون في حجم كرة تنس الطاولة.
على الجانب الآخر، فإنه على الرغم من أن صناعة بحجم ١٫٧ مليار دولار تُمثِّل مكونًا متواضعًا في الاقتصاد العالمي، فإن هذه السوق ليست صغيرةً كما يبدو للوهلة الأولى؛ فمشروعات التصنيع الصغيرة مثل شركة مايك تُشكِّل مشهد التصنيع العالمي. في الواقع، تشير بيانات مكتب الإحصاء الأمريكي إلى أن نحو نصف شركات التصنيع في الولايات المتحدة توظف أقل من عشرة موظفين، كما يوظف ربعها أقل من خمسة موظفين. ربما تكون صناعة الطباعة الثلاثية الأبعاد التي يُقدَّر حجمها ببضعة مليارات الدولارات سنويًّا شيئًا ضئيلًا عند النظر إلى الصورة الأشمل، لكن توزيع بضعة مليارات من الدولارات على العديد من المشروعات الصغيرة يمكن أن يُمثِّل فارقًا كبيرًا.
(٢) لوح الرسم الفارغ للقرن الحادي والعشرين
تحرص الشركات الصانعة للطابعات الثلاثية الأبعاد على مراقبة العالم الجديد للتصنيع الذكي. زرتُ إحدى الشركات الرائدة في صناعة هذه الطابعات لمعرفة المزيد عن هذا العالم. من الخارج، بدا مقر شركة ثري دي سيستمز كمقر أي شركة تقنية ناجحة متوسطة الحجم تضم أكثر من ٧٠٠ موظف. لم يكن المظهر الخارجي للمبنى الأبيض الزجاجي يشير إلى حجم الطاقة الإبداعية بداخله.
يجلس زوار الشركة في قاعة انتظار جديرة بمعرض في أحد متاحف الفن الحديث؛ فالحوائط البيضاء النظيفة تعرض أجسامًا ملونة بألوان زاهية ومطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد. في الجانب الأيمن من الغرفة، هناك سيارة سباق حمراء لامعة في حجم السيارات الاصطدامية في الملاهي تقبع في فخر على إحدى القواعد. وعلى اليسار، هناك منضدة محمَّلة بعشرات الألعاب الملونة وأجزاء عشوائية من الآلات والمطبوعة كلها بنحو ثلاثي الأبعاد.
بالقرب من هذا، يُعرض جيتاران كهربائيان بلاستيكيان غير تقليديين يعملان بكل كفاءة ومطبوعان بنحو ثلاثي الأبعاد. أحدهما قرمزي والآخر أحمر زاهٍ، وهما من تصميم أولاف ديجل من نيوزيلندا. كان جسما الجيتارين نتاجَ تصميم منتج مطبوع بنحو ثلاثي الأبعاد. وللتقليل من وزنهما وزيادة جودة الصوت (وإعطائهما المنظر غير التقليدي الذي هما عليه)، زُود هيكلهما الشبكي الشكل بقطوع متعرجة وتجاويف غريبة المنظر.
تُعتبر شركة ثري دي سيستمز، والتي يقع مقرها في الولايات المتحدة، من أكبر وأقدم الشركات التي تبيع الطابعات الثلاثية الأبعاد، وتُعتبر رائدة عالم الطباعة الثلاثية الأبعاد. تبيع الشركة طابعات ثلاثية الأبعاد عالية الجودة منذ ثمانينيات القرن الماضي. وتقوم استراتيجية الشركة على هدفين: الأول، هو استمرار صنع وبيع طابعات ثلاثية الأبعاد قوية وحديثة للشركات العاملة في مجال الطباعة؛ وثانيهما، الوفاء بالوعد الذي يُمثِّله شعار الشركة، وهو توفير «حلول طباعة ثلاثية الأبعاد للمحتوى» ببناء منصة عالمية بين المُصنِّع والمستهلك لمساعدة الناس في تنفيذ أفكار التصميم على أرض الواقع. تستثمر الشركة بنحو كبير في فكرة أن الناس سيندفعون لشراء أول منتَج يسهِّل من تحويل المحتوى الرقمي إلى منتج على أرض الواقع.
الابتكار تقليد قديم للشركة. اخترع مؤسس الشركة، تشاك هال، في منتصف الثمانينيات طريقة للطباعة تسمى الستيريوليثوجرافي، أو الطباعة الفراغية، وهي تقنية تستخدمها اليوم العديد من الطابعات الثلاثية الأبعاد الصناعية حول العالم. لاحظت أثناء زيارتي وجود طابعة ثلاثية الأبعاد قديمة من طراز إس إل إيه ١ خلفَ مِنطقة الاستقبال كرمز لسجل الشركة الطويل في المجال الصناعي. تشبه تلك الطابعة في مظهرها الكمبيوترَ المركزي القديم الذي يعود لفترة الستينيات، ويبلغ حجمها تقريبًا حجم ماكينة البيع الآلية، وهي تُعَد أول طابعة تِجارية ثلاثية الأبعاد في العالم. وهي تقبع هناك في سلام موصلة بكمبيوتر قديم من نوع آي بي إم يرجع لعام ١٩٨٧.
وراءَ مكتب الاستقبال، استمر الجو العام الشبيه بعالم شخصية ويلي وونكا؛ إذ زخرت غرفٌ عدة زجاجية الجدران بموظفين كانوا ينفِّذون مهامَّ العمل بالشركة. كانت غرفة اجتماعات مجلس الإدارة ظاهرة من وراء حائط زجاجي حيث اكتست بمظهر يتسم بالبهاء والوقار بنحو ملائم، اكتمل بوجود طاولة ضخمة فخمة المظهر ومصنوعة من خشب الماهوجني. في غرفة أخرى زجاجية الجدران، تحركت فِرق من التقنيين ذوي المعاطف البيضاء هنا وهناك؛ مثل مجموعة من الممرضين الذين يعتنون بمرضاهم. داخل الغرفة، كان هناك ٢٤ طابعة ثلاثية الأبعاد من كل الأحجام والأشكال والتي كانت تُمثِّل خط الإنتاج الكامل للشركة. كان التقنيون يعملون على ضبط أداء كل طابعة واختبار خواص المواد الخام الجديدة.
أوضح راجيف كولكارني، نائب رئيس الشركة للمنتجات الاستهلاكية، أنه لاجتذاب المستهلكين إلى هذا المجال، تحتاج صناعة الطباعة الثلاثية الأبعاد إلى مِنَصة تمتد لتغطي مدار دورة الإنتاج الكاملة، من المسح الثلاثي الأبعاد إلى التصميم والطباعة الثلاثيَّة الأبعاد. قال راجيف: «اعتاد الناس استخدام منتجات جوجل ومايكروسوفت وأمازون. نحن نأخذ أفضل العناصر في استراتيجيات هذه الشركات، وندمجها معًا في مِنَصة تتيح لهم تجرِبة التقنية الثلاثية الأبعاد بنفس الشكل.»
تسترشد استراتيجية مِنَصة شركة ثري دي سيستمز بعالم البرمجيات حيث تقوم تجرِبة المستهلك — وكذلك سيطرة الشركة السوقية — على قدرة الشركة على بناء منصة برمجية والتحكم فيها. على سبيل المثال، صممت مايكروسوفت نظام ويندوز ومجموعة أوفيس ليصبحا أكبر منصة عالمية للإنتاج المكتبي. في عالم الأجهزة المحمولة، فإن منتجات شركة أبل آي بود وآي باد وآي فون تُوفِّر للمستهلك منتجات ذكية وسهلة الاستخدام، وأدت إلى إيجاد طرق جديدة تمامًا لبيع البرمجيات على هيئة تطبيقات.
لكي تبنيَ شركة ثري دي سيستمز مِنصتها الخاصة، انهمكت في فورة شراء تصيب بالدوار؛ حيث استحوذت على ما يقرب من ٢٤ شركة على مدار الأعوام الثلاثة الأخيرة. تُمثِّل الشركات المُستحوَذ عليها العديد من نواحي عملية التصميم والإنتاج المختلفة. ويتيح بعضها خدمات تصميم والبعض الآخر يصنع مواد الطباعة أو يصنع الطابعات أو يصنع المحتوى والأدوات؛ على سبيل المثال، واجهة بسيطة تساعد المستخدمين في تصميم روبوتات بسيطة قابلة للطباعة بنحو ثلاثي الأبعاد.
أضاف راجيف: «رغم أن ثري دي سيستمز تجيد صناعة الطابعات الثلاثية الأبعاد، فنحن نهدف إلى إتاحة عملية المسح والتصميم والإنتاج الثلاثية الأبعاد للجميع. وهذا لا يمكن تحقيقه بمجرد توفير طابعة ثلاثية الأبعاد للناس؛ بل يجب تحقيقه عن طريق تقديم منصة لهم.»
تُعتبر كاثي لويس، نائبة الرئيس للتسويق في شركة ثري دي سيستمز، شخصية ذات خبرة ورؤية عملت على مدى فترة طويلة في مجال الطباعة الثلاثية الأبعاد القليلة التكلفة. وقبل انضمامها للشركة في عام ٢٠١٠، كانت المديرة التنفيذية لشركة ديسكتوب فاكتوري، وهي إحدى أولى الشركات في صناعة طابعات ثلاثية الأبعاد تِجارية موجَّهة للسوقَيْنِ المنزلية والمكتبية. أنتجت شركة ديسكتوب فاكتوري طابعات ثلاثية الأبعاد التي كانت — على عكس معظم الطابعات الثلاثية الأبعاد الصناعية المتوافرة في ذلك الوقت — تطبع النايلون باستخدام ضوء مركَّز من مصباح الهالوجين شائع الاستخدام وليس الليزر.
عندما أسس تشاك هال شركة ثري دي سيستمز في عام ١٩٨٦، لم يكن من المحتمل أنه تنبأ بأنه في غضون بضعة عقود ستتكون سوقة صغيرة — لكنها نامية — للطابعات الثلاثية الأبعاد للاستخدام المنزلي. عندما عَرضت كاثي لويس طابعة كيوب في المعارض التِّجارية الخاصة بالإلكترونيات والأحداث الصناعية لأول مرة، اكتشفت درجة غير متوقعة من الاهتمام، ليس فقط من المستهلكين ولكن من شركات التصنيع الصغيرة أيضًا. قالت كاثي في هذا الشأن: «في البداية، فوجئنا بعدد الناس الذين بدءوا في طرح أسئلة حول ما إذا كان يمكنهم استخدام الطابعة من أجل تصنيع المنتج النهائي»، وأضافت: «أعتقد أن هناك حاجة في السوق لمساعدة الشركات في تكوين رؤية عن كيفية كسر نماذجهم الحالية لجني فوائد هذا النوع الجديد من التصنيع.»
واليوم، فإن شركة ثري دي سيستمز تتابع عن كثب العديد من الاتجاهات الرئيسية التي ستُشكِّل مستقبل عالم الطباعة الثلاثية الأبعاد. وتؤمن الشركة بأن الحوسبة السحابية وتحليل البيانات الضخمة والوجود المتزايد للأجهزة المحمول الذكية والقوية سيتيح فرصًا جديدة وللابتكار والعمل للجميع. كل هذا يعتمد على العثور على تطبيقات مفيدة للطباعة الثلاثية الأبعاد تجعل حياة الناس أسهل وأفضل.
قالت كاثي: «لحل مشكلات العميل، يجب أن تبحث عن احتياجاته فيما يتعلق بالتطبيقات»، مضيفة: «الأمر لا يتعلق ﺑ «صناعة آلة تعمل بنحو أفضل وأسرع» بل ﺑ «صناعة آلة تحل بحق المشكلة الموجودة اليوم».»
(٢-١) البحث عن التطبيق القاتل
تمر تقنيات الطباعة الثلاثية الأبعاد الموجَّهة إلى المستهلك اليوم بمرحلة تسمى «مرحلة ألتير». في السبعينيات من القرن الماضي، كان أول أجهزة الكمبيوتر الشخصية مثل كمبيوتر ألتير عبارة عن مجموعات أدوات خرقاء يجب على مستخدميها امتلاك مهارات تقنية لتجميعها بأنفسهم في المنزل. ومع وجود استثناءات قليلة، فإن معظم أوائل الطابعات الرخيصة التي بِيعت كان يُجمع بصبر، ويحتاج إلى الكثير من الضبط، وأحيانًا اكتشاف المشكلات وحلها.
عندما تحدثتُ مع راجيف، وصف إحدى أكبر العقبات أمام عامة الجمهور للاعتماد على الطباعة الثلاثية الأبعاد، وهي غياب ما يُطلق عليه «التطبيق القاتل» أو التطبيق السهل والمهم الذي يذيع صِيت التقنية المصمم من أجلها. قال لي: «انظر إلى جهاز الآي باد، كانت سوق الأجهزة اللوحية تعاني قبل ظهوره. لم يكن الآي باد أكثر المنتجات التقنية تقدمًا، لكنه أحدث ثورة في المجال بسبب أنه كان بسيطًا وفي المتناول وسهل الاستخدام. وإذا ركزنا على التطبيقات بدلًا من التكنولوجيا، فلدينا فرصة أكبر في جعل الناس يعتمدون على هذه التقنية.»
التطبيق القاتل — مثل البريد الإلكتروني أو فيسبوك أو لعبة الطيور الغاضبة — هو منتج أو أداة لصنع أسواق جديدة ونماذج عمل جديدة واجتذاب العملاء لاستخدام تقنية جديدة. هذه التطبيقات القاتلة بوجه خاص اجتذبت الملايين من العملاء الجدد للكمبيوتر الشخصي والإنترنت والآي باد. ولصنع التطبيق القاتل الخاص بالطباعة الثلاثية الأبعاد، تحتاج هذه التنقية إلى منصة سهلة الاستخدام من الأدوات وتطبيق أو لعبة لها جاذبية كبيرة تؤدي إلى خلق أسواق جديدة واجتذاب الملايين من المستخدمين الجدد.
لم يشعر المستهلك العادي أو الشركات الصغيرة بعدُ بالحاجة الملِحَّة لشراء الطابعات الثلاثية الأبعاد لاستخدامها في المنزل أو المكتب؛ ويرجع هذا جزئيًّا إلى عدم وجود هذا التطبيق القاتل. ما زالت سوق الطباعة الثلاثية الأبعاد محصورةً في شركات التصميم والتصنيع. وإذا كانت القيمة الدولارية السوق العالمية لكل الطابعات الثلاثية الأبعاد وخدماتها في حجم كرة تنس الطاولة، فإن القيمة الدولارية للسوق العالمية للطابعات الثلاثية الأبعاد وخدماتها الخاصة بالمستهلك ستكون أصغر لتصل إلى حجم حبة الأرز تقريبًا.
مع ذلك، فهناك دلائل على نمو محتمل. ذكر تقرير شركة ثري دي سيستمز السنوي أنه فيما بين عامي ٢٠١٠ و٢٠١١، زادت عوائد مبيعات الطابعات الثلاثية الأبعاد المتوسطة والصغيرة الحجم للاستخدامات الشخصية والاحترافية — وليست الصناعية — بنسبة ٤٠ بالمائة عن العام الذي سبقه. كما أن الشركات الرائدة في السوق مثل ثري دي سيستمز وميكربوت وبي بي ثري دي بي تستثمر بنحو كبير في صنع مِنصات ومنتجات سهلة الاستخدام لجذب المستخدمين لشراء الطابعات. وخارج عالم التجارة، يعمل مجتمعٌ متنامٍ من الصناع على شراء وصنع طابعات ثلاثية الأبعاد للاستخدام المنزلي، ومشاركة ملفات التصميم المبتكرة والنصائح المجانية مع العالم من حولهم. ويمكن للأعمال التي تعمل بأسلوب الحرفيين جني الأرباح بتصميم وبيع أجزاء آلات أو مجوهرات أو أعمال فنية مخصصة مطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد.
يومًا ما، ستختفي تدريجيًّا القيود والعقبات التكنولوجية التي لا تشجع على الاستخدام اليومي للطباعة الثلاثية الأبعاد. السر في هذا هو صنع تقنيات طباعة ثلاثية الأبعاد أكثر مرحًا واجتماعية، وبالطبع، أسهل في الاستخدام. مثل هذا الأسلوب يذكِّرنا باستراتيجية شركة أبل المبكرة مع المستهلكين. منذ عقود مضت، قبل أن يصبح امتلاك الكمبيوتر الشخصي أمرًا شائعًا، أوضح ستيف جوبز لماذا كان العامة يحبون كمبيوتر ماكنتوش حيث قال: «معظم الناس ليس لديهم فكرة عن كيفية عمل جهاز نقل الحركة الأوتوماتيكي لكنهم يعرفون كيف يقودون السيارة. لا يجب عليك دراسة الفيزياء لفهم قوانين الحركة لتقود السيارة.» عندما يبتكر عالم الطباعة الثلاثية الأبعاد تطبيقه القاتل، ويصنع مِنصة سهلة الاستخدام جذابة، فستنمو السوق على نحو كبير.
(٢-٢) الربط بين الإنتاج الحرفي والإنتاج الواسع النطاق
يُشاع عن كاتب الخيال العلمي بول أندرسون قوله: «لم أواجِهْ من قبلُ مشكلةً — مهما كانت معقدة — تظل بنفس التعقيد إذا نظرت لها بالشكل الصحيح.» إن التنبؤ بالأسواق المستقبلية لمنتجات وخدمات الطباعة الثلاثية الأبعاد مهمة عصيبة بنحو مساوٍ؛ فمن الصعب — بل المستحيل — أن تقول بضع كلمات واضحة تلخص نماذج عمل جديدة محتملة، تُوفِّر منتجات أو خدمات قليلة التكلفة أو سريعة أو جيدة لعملائها.
لِمَا يزيدُ على قَرْن حتى الآن، كان معظم دول العالم الصناعية موطنًا لعالمين تِجاريين مختلفين يسيران جنبًا إلى جنب بتوازٍ ولا يلتقيان أبدًا؛ الإنتاج الحرفي والإنتاج الواسع النطاق. يجب أن تنظرَ الشركات الباحثة عن فرص جديدة في السوق لما وراءَ المنتجات والخدمات التي تنتمي لأي من العالَمَين المتوازيين. تكمن الفرص في الخدمات أو المنتجات التي كان في الماضي من غير العملي أو المستحيل تقديمها بقدر من الربح بسبب قيود الإنتاج الواسع النطاق والإنتاج الحرفي. بمعنًى آخر، فإن الفرص تكمن في نماذج الأعمال التي لا تعتمد فيها الأرباح على اقتصادات الحجم.
على سبيل المثال، تخيَّل إذا قرر ميكانيكي السيارات خاصتك — وهو متشكك بنحو كبير في إمكانية وجود إصلاح السيارات بنحو جيد وسريع وقليل التكلفة في آنٍ واحد — العمل في نشاط جديد؛ وهو بيع إطارات السيارات المطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد. ستكون هذه استراتيجية عمل جريئة بالنسبة إليه؛ لأن إطارات السيارات سلع استهلاكية تقليدية تُصنَع بالإنتاج الواسع النطاق؛ وفي أحد أركان المكان الملطخ بالشحم حيث يُصلح السيارات، يضع الطابعة الثلاثية الأبعاد التي ستصنع أشكالًا دقيقة من الإطارات المطاطية المتينة ذات الجودة العالية.
دعونا نفترض من البداية أن أول نموذج عمل له سيكون صنع وبيع الإطارات الثلاثية الأبعاد المطابقة للإطارات التي تقبع في مخزنه. لأي شخص ذي معرفة بمجال الطباعة الثلاثية الأبعاد، لن يبدوَ هذا قرارًا حكيمًا، لكن دعونا نفترض أن ميكانيكي السيارات العنيد مضى قُدمًا في تنفيذ خُطته على أي حال.
ستكون النتائج مخيبةً للآمال، إذا نسخ تصميمات الإطارات الخاصة بالشركات الكبرى للإطارات، فإن إطاراته ستظل تبدو مملة ولا حياة فيها، وكذلك أكثر تكلفة. في النهاية، سيدرك عن طريق التجرِبة الفاشلة أن اقتصادات الحجم لا ترحم. ستكلف الإطارات المطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد الكثير لشرائها (فهي ليست رخيصة). وستستغرق كذلك الإطارات المخصصة وقتًا أطول لصنعها بنحو فوري بدلًا من إخراج أربعة إطارات جديدة من مخزنه من الإطارات المنتَجة بأعداد كبيرة لأسماء تِجارية كبرى (أي إنها ليست سريعة). صحيح أن الإطارات المطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد ستكون بتصميم وجودة مثاليين لكن لا يمكن جعل أي مشروع يستمر بالجودة وحدَها.
وأخيرًا، وبعد أن يقترب الميكانيكي من الإفلاس، يجلس ليعيد التفكير في الأمور. لن يعتمد نموذج العمل المعدل خاصته على كفاءة الإنتاج الواسع النطاق. بدلًا من ذلك، سيتيح مشروعه الجديد للإطارات المطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد إطارات مصممة حسب الطلب لعملاء مستعدين لدفع المزيد من المال.
ومقارنة بطلب عدد من الإطارات المخصصة التي يصنعها اختصاصي إطارات خاصة بسباقات فورمولا وان، فإن إطاراته المطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد ستكون أقل تكلفة، وستستغرق وقتًا أقل نسبيًّا في إنتاجها. وكذلك، عند مقارنة إطاراته بالإطارات التي تُنتجها علامات تِجارية شهيرة لتناسب جميع المقاسات التي يبيعها في ورشته أو مخزنه، فإن الإطارات المطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد يمكن أن تمتلكَ مِيزات أفضل.
إن هذه الإطارات المطبوعة المخصصة — بخلاف نظرائها التقليدية — يمكن أن يتم صُنعها بأعداد صغيرة. وهذه الإطارات كذلك يمكن أن تحمل بكل فخر اسم صانعها لتترك أثرًا خاصًّا به في الرمال أو الثلج. ومثل سوق لوحات أرقام السيارات المخصصة، يمكن أن يدفع بعض العملاء المزيد من المال من أجل إطارات مخصصة. تخيَّل احتمالات التسويق والتمييز السلعي؛ فيمكن لجامعة موسرة أن تبيعَ إطاراتٍ تحمل صورة البرج الجرسي الشهير المميز لها لخريجي كلياتها المخلِصين.
وبما أن السوق المحلية في أي بلدة صغيرة ليست كبيرة بما يكفي لتوفير عدد كافٍ من العملاء بحيث تُبقي على استمرار هذا العمل، فإن الميكانيكي سيبيع هذه الإطارات لسوق عالمي من خلال منفذ له على الإنترنت. ويمكن للعملاء حينَها تصفُّح تصميمات الإطارات أو حتى تحميل التصميم خاصتهم للإطار المخصص. ولتوفير تكاليف الشحن، يمكنه عقد صفقات مع ميكانيكيي السيارات في العديد من المواقع الأخرى للحصول على عمولة مقابل طباعة إطاراته محليًّا.
وبغض النظر عن أغراض الزينة، فإن الإطارات المخصصة يمكن أن تستخدمَ قوة الطباعة الثلاثية الأبعاد لتحسين جودة المنتج؛ فيمكن تصميم كل إطار مطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد باستخدام خوارزميات حاسوبية لتوفير أفضل قوة جر مناسبة للطقس المحلي. كما يمكن لأصحاب طرازات معينة من السيارات (أو السائقين المغامرين) طلب إطارات بمواصفات خاصة لتحسين أداء سياراتهم وتقليل فرص وقوع حوادث. وبعض المصممين في المستقبل سيمكنهم ابتكار تصميمات جديدة ومختلفة جذريًّا للإطارات لتحسين كفاءة دوران الإطار أو مقاومته التآكل.
في الواقع، لتحقيق أرباح، فإن هذا الجيل الجديد من شركات الإطارات سيزيد الأسعار بنحو كبير لهذه الإطارات المطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد حسب مواصفات العميل. لكن إذا توافر ما يكفي من العملاء المستعدين لدفع أعلى الأسعار للحصول على إطارات أصلية بعلامات تِجارية مميزة توفِّر منتجًا ذا أداء عالٍ، فإن بيع الإطارات المطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد يمكن أن يُمثِّل نموذج عمل ممتازًا. وسيتوجب على الميكانيكي خاصتي تعديل اللافتة التي توجد بالقرب من آلة دفع النقود خاصته لتقول: «يمكنك الحصول على الخدمة بنحو جيد أو سريع أو قليل التكلفة؛ اختر اثنين فقط — إلا إذا كنت تريد إطارات مخصصة مطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد.»