أغنية بنات الجن
شعورنا بلَّلها المطرْ
وأشعلَ القمرْ
فيها فوانيسَ، فيا قوافلَ الغَجَرْ
بشعرنا اهتدي،
سيري إلى السَّحَرْ،
سيري إلى الغدِ؟
نحن بنات الجن لا ننامْ،
نهيم في الظلام
على ذرى التلال أو نركضُ في المقابرِ،
نعشق كلَّ عابر،
نسمعه أغانيَ الشباب والغرامْ.
إن نزلتْ صبيَّةٌ فيها من البشرْ
وأوحشتها وحدةُ القبور أو دجنَّة الحُفر
سرتْ أغانينا إليها تعبر الترابْ
تقول: «إنْ عريتِ فالثياب
تنسجها عناكبُ الشجرْ
وكلُّ خيطٍ من خيوطها يرنُّ كالوتر.
نامي إلى أن يؤذنَ القَدَر
ويُحشر الموتى إلى الحساب.
حبيبك الوفيُّ مسَّ ثغره ابتسام،
فقد رأى سواك.
بل رآك في قوامها النديِّ كالزَّهرْ
وهُدبها ومقلتيها. أشعل الهُيام
في عينه السهرْ،
رآكِ فيها فاشتهاك. ليته انتظر؟»
نلوح للطِّفْل فراشاتٍ من الشعاعْ
تخفقُ في ذوائب الشجرْ،
ويلمحُ العاشقُ في عيوننا الوداع
إذْ يصفر القطار أو يصفقُ الشراع.
ونحن للشاعر إن شعر
نلوح في الدخان والعقارْ،
نُنشد: «فُلكُ سندبادَ ضلَّ في البحرْ
حتى أتى جزيرةً يهمس في شطآنها المحار،
يهمس عن مليكة يحبها القمر
فلا يغيب عن سماء دارها النضار.»
فيهتف الشاعر: «خذنني إلى حماها
لأنني أهواها
لأنني القمر!»
وجُنَّ وانتحر.
شعورنا بلَّلها المطرْ،
ويرشف القمر
منها إلى أن يُقبل السحرْ.
نركض في المقابرِ
نُضلُّ كلَّ شاعر
وكلَّ من عبر؟
لندن، ٢٦ / ٢ / ١٩٦٣