سلوى
ظلامُ الليل أوتارُ
يدندن صوتك الوسنان فيها وهي ترتجف،
يرجع همسها السعفُ
وترتعش النجوم على صداه: يرن قيثار
بأعماق السماء. ظلام هذا الليل أوتار!
وكم عبر الخليج إليَّ والأنهار والترعا،
يُدغدغ بيض أشرعة يهيم وراءها القمر
وينشج بينها المطر،
وأوغل في شعاب البرق، يرجف كُلَّما لمعا
ليحمل من قرارة قلبك الآلام والفزعا.
أشمُّ عبيركِ الليليِّ في نبراتك الكسلى
يناديني ويدعوني
إلى نهدين يرتعشان تحت يدي وقد حلَّا
عُرى الأزرار من ذاك القميص، ويملأ الليلا
مشاعلَ في زوارق، في عرائشَ، في بساتينِ.
شذى الليمون يصرع كل ظلٍّ في دواليها.
أراكِ على السرير وأنت بين الليل والفجرِ
يكاد النجم في الشباك والمصباحُ في الخِدْرِ
يمسهما النعاس، وأنت زنبقةٌ حواشيها
ينبِّهها هُتاف الدِّيكِ يعبر ضفَّةَ النهرِ.
ويهمس بي صدى: «سلوى
تغنِّي.» كلُّ سلوى في خيالي تكشف الأضواء عنها وهي تبتسمْ:
صديقةُ كلِّ فحلٍ من سدومٍ، في يدٍ قلمُ
يسطِّرُ في الجريدة أنها تهوى ولا تهوى،
هي امرأتانِ في امرأةٍ … ويسرب في دمي ضَرَمُ.
وجارتنا الصبيةُ في حرير النوم تنسربُ،
يشف الثوبُ عن نهدين طوديَّين كم رجفا
من الأحلام تحت يدٍ تُعصِّر بردُها لهبُ.
لها من فورة العذراء عطرٌ يرتخي، يثبُ،
يمازجُ نفحَ ما نفحَ الحشيشُ، يسيلُ مرتجفا.
وألمحُ في سماء الصيف عبر تماوج الشجرِ
سماوةَ لندنَ المنهلَّ فيها الثلج كالمطر،
ونافذةً تعلَّقَ في الظلام زجاجُها الألِقُ،
ومدفأةً وراء الليل تحترق،
وأسمع من يحدِّث عن هوى سلوى ويرقبُ طلعةَ السَّحرِ:
وأشعلتِ الظهيرةُ نارها في الشارع الممتدِّ بين حدائق النارنج والعِنَبِ
وأصدتْ في رحاب المنزل الخالي
خُطى سلوى، وأُرخيت الستائر يا لشلالِ
من الألوان والخدر البَرود.
ومسَّها لهبي
فارعش كلَّ عرق في صِباها، كلَّ ما عَصَبِ.
ويزرع ألفَ غابٍ للنخيل غناؤكِ المكسالْ
ترقرقتِ الجداولُ بينهنَّ وأزهرَ الليمونْ …
وأنسامُ الربيع تمرُّ تنثر زهره في مائها السلسال
كما حمل الوجوهَ إليَّ ماءُ غنائكِ المكسال
ويحملني النعاس إلى جزائرَ في مدى محزونْ!
البصرة، ٩ / ٩ / ١٩٦٣