القن والمجرَّة
ولولا زوجتي ومزاجُها الفوارُ لم تنهدَّ أعصابي
ولم ترتدَّ مثل الخيط رجلي دونما قوه،
ولم يرتجَّ ظهري فهو يسحبني إلى هُوه،
ولا فارقتُ أحبابي،
ولا خلَّفتُ أودْسيوس يضرب في دجى الغابِ
وتقذفه البحار إلى سواها دونما مرسى.
هناك تركته وطويتُ عنه كتابيَ المهجور،
سأكمل سفرتي معه، ستحملني إلى جيكور
سفينتُه، ولن أنسى
بأنَّ وراء رغو البحر قلبًا هدَّه القلقُ
وعينًا كلما زرع الغروبُ حدائقَ الدَّيجور
بأنجمها الصبايا شدَّ من حملاقها الشفقُ
على الأُفق البعيد لعل خفقًا من شراع أو سنًا مصباع
على اللُّجَج الضواري لاحْ.
فآهٍ لو كبنلوبَ الحزينة زوجتي تترقبُ الأنسامْ
لعلَّ جناح طيَّاره
كمحراثٍ من الفولاذ، شقَّق بينها الأثلامْ
ليزرع، ثَمَّ، أزهاره.
ألا تبًّا لحبٍّ هذه الآلامُ من عُقباهْ!
كأنَّ شفاهنا، حين التقتْ، رسمت من القُبَل
سريرًا نمتُ فيه أنثُّ منه الآهَ بعد الآهْ،
وعكَّازًا عليه مشيتُ ثم هويتُ في ثقلِ.
كأنَّ حجارة السور الذي ما بيننا قاما.
لها من هذه القبلات طينٌ شدَّها شدَّا.
أدهرًا كان أم سبعًا من النكبات أعواما؟
ولكنْ ما عليها من جناحٍ، كنتُ معتدَّا
بذهني أو شبابي:
سوف أصهرها، أغيِّرها كطينٍ في يد الفنَّانْ.
وقد غيَّرتُ. لكنَّ الذي غيَّرتُ ماذا كانْ؟
فؤادًا ضيِّقًا كاللحْد … كيف أوسِّعُ اللحدا؟
ونفسًا حدُّها بين السرير وبين قائمة الحساب كأنها قنٌّ من الأقنان
مداه يمد بين البيت والحقلِ
حبالًا قيدت قدميه وهو يردد الألحانْ
ولم يكُ يفهم الكلمات (ليس لقطرة الطلِّ
مكان إذ يجوع البطن يا لتلهف الظمآن!
أترويه المجرة وهي بحر — هكذا زعموا — على الشطآن
منه تناثرت كسَرُ الكواكب فهي كالرمل
هنالك، والمحار؟ أكل هذا يشبع الجوعانْ؟)
ولكني أحنُّ … فهل أعود غدًا إلى أهلي؟
نعم سأعود،
أرجع، لا إليها بل إلى غيلان؟
لندن، ٢ / ٣ / ١٩٦٣