في غابة الظلام
عينايَ تحرقان غابة الظلامْ
بجمرتيهما اللتين منهما سقرْ،
ويفتح السهرْ
مغالق الغيوب لي … فلا أنام.
وأسبر الأرض إلى قرارها السحيق
ألمُّ في قبورها العظامْ
فطالعتني — كالسراج في لظى الحريق —
تكشيرة رهيبةٌ رهيبه
تُليحها جمجمتي الكئيبه
سخرية الإله بالأنام.
عينايَ من سريري الوحيدْ
تحدِّقان في المدى البعيد،
الليل وحشٌ تطعنانه، مع النجومْ،
بخنجريهما وخنجر السحر،
الليل خنزير الردى، العنيد
يشقُّ خنجراهما إهابَه الغشوم
لألمح العراق مرَّغ القمرْ
على ترابه البليل ضوءه الحزينْ.
ومُقلتا غيلانَ تومضان بالحنينْ،
يرقب من فراشه ذوائب الشجرْ،
أمضَّه السهاد، عذَّبته زحمة الفِكَرْ
(أين من الطفولة السهاد والفكرْ؟)
عيناه في الظلام تسربان كالسفين.
بأي حقلٍ تحلمان؟ أيما نهرْ؟
بعودة الأب الكسيح من قرارة الضريحْ؟
(أميِّتٌ فيهتف المسيح
من بعد أن يزحزح الحجرْ:
«هلم يا عازر»؟)
عيناه لظًى وريحْ
تُحرق في أضالعي مضارب الغجرْ!
أليس يكفي أيها الآلهْ
أنَّ الغناء غاية الحياه
فتصبغَ الحياةَ بالقتامْ؟
تحيلني، بلا ردًى، حُطام:
سفينةً كسيرةً تطفو على المياه؟
هاتِ الردى، أريد أن أنام
بين قبور أهليَ المبعثره
وراء ليل المقبره
رصاصة الرحمة يا إله!
الكويت، ٩ / ٧ / ١٩٦٤