إقبال والليل
وما وجدُ ثكلى مثلَ وجدي إذا الدجى
تهاوينَ كالأمطار بالهمِّ والسهدِ
أحن إلى دارٍ بعيدٍ مزارُها
وزُغبٍ جياعٍ يصرخون على بعدِ
وأُشفقُ من صبح سيأتي وأرتجي
مجيئًا له يجلو من اليأس والوجدِ
الليل طار وما نهاري حين يقبل بالقصيرِ
الليل طال: نُباح آلاف الكلاب من الغيومِ
ينهلُّ، ترفعه الرياح، يرنُّ في الليل الضريرِ
وهتافُ حرَّاسٍ سهارى يجلسون على الغيومِ
الليل والعشاق ينتظرون فيه على سنا النجم الأخيرِ
يا ليل ضمَّخكَ العراقْ
بعبير تربته وهدأةِ مائه بين النخيلِ
إني أُحسُّك في الكويت وأنت تُثقل بالأغاني والهديلِ
أغصانك الكسلى و«يا ليل» طويل
ناحت مطوَّقةٌ بباب الطاق في قلبي تذكِّر بالفراقْ
في أيِّ نجمٍ مطفأ الأنوار يخفق في المجره
ألقت بي الأقدار كالحجر الثقيل
فوق السرير كأنه التابوت لولا أنةٌ ودمٌ يُراقْ
في غرفةٍ كالقبر في أحشاء مستشفى حواملَ بالأسرَّه.
يا ليل أين هو العراقْ؟
أين الأحبَّةُ؟ أين أطفالي؟ وزوجي والرفاق؟
يا أمَّ غيلان الحبيبة صوِّبي في الليل نظره
نحو الخليج. تصوَّريني أقطع الظلماء وحدي
لولاكِ ما رمتُ الحياة ولا حننتُ إلى الديارْ
حبَّبتِ لي سُدَف الحياة، مسحتها بسنا النهار
لمَ توصدين الباب دوني؟ يا لجوَّاب القفارْ
وصل المدينة حين أطبقت الدجى ومضى النهار
والبابُ أُغلق فهو يسعى في الظلام بدون قصدِ.
وخوَّض في الظلماء سمعي تشدُّه
بجيكور آهاتٌ تحدَّرْنَ في المدِّ
بكاءٌ وفلاحون جوعى صغارهم
تصبِّرهم عذراءُ تحنو على مهدِ
يغنِّي أساها خافقُ النجم بالأسى
وتروي هواها نسمة الليل بالوردِ
أين الهوى ممَّا ألاقي والأسى مما ألاقي؟
يا ليتني طفلٌ يجوع، يئن في ليل العراقِ!
أنا ميتٌ ما زال يحتضر الحياه
ويخاف من غده المهدَّد بالمجاعة والفراقِ
إقبال مدِّي لي يديك من الدجى ومن الفلاه،
جسِّي جراحي وامسحيها بالمحبة والحنانْ
بكِ ما أفكر لا بنفسي: مات حبُّك في ضحاه
وطوى الزمان بساط عرسك والصبى في العنفوان.