الباب تقرعه الرياح
البابُ ما قرعتْه غيرُ الرِّيحِ في الليل العميق،
البابُ ما قرعته كفُّكِ.
أين كفُّك والطَّريقْ
ناءٍ؟ بحارٌ بيننا، مدنٌ، صحارى من ظلامْ
الريحُ تحمل لي صدى القُبلات منها كالحريق
من نخلةٍ يعدو إلى أخرى ويزهو في الغمامْ
البابُ ما قرعتْه غير الريح …
آهِ لعلَّ روحًا في الرِّياح
هامت تمرُّ على المرافئ أو محطاتِ القطار
لتُسائل الغرباء عني، عن غريبٍ أمسِ راح
يمشي على قدمين، وهو اليوم يزحفُ في انكسارِ.
هي روحُ أمي هزها الحب العميق،
حُب الأمومة فهي تبكي:
«آه يا ولدي البعيدَ عن الديار!
ويلاه! كيف تعودُ وحدكَ، لا دليلَ ولا رفيقْ؟»
أُمَّاه … ليتك لم تغيبي خلف سورٍ من حجارِ
لا بابَ فيه لكي أدُقَّ ولا نوافذَ في الجدارِ!
كيف انطلقتِ على طريقٍ لا يعود السائرونْ
من ظلمةٍ صفراء فيه كأنها غَسَقُ البحارِ؟
كيف انطلقت بلا وداع فالصغار يولولون،
يتراكضون على الطريق ويفزعون فيرجعون
ويُسائلونَ الليل عنكِ وهم لعَودكِ في انتظارِ؟
الباب تقرعه الرياح لعلَّ روحًا منكِ زارْ
هذا الغريب! هو ابنكِ السهران يحرقه الحنين.
أماه، ليتك ترجعينْ!
شبحًا، وكيف أخافُ منه وما امَّحتْ رغم السنينْ
قسماتُ وجهكِ من خيالي؟
أين أنتِ؟ أتسمعينْ؟
صَرخاتِ قلبي وهو يذبحه الحنينُ إلى العراقِ؟
الباب تقرعه الرياحُ تهبُّ من أبدِ الفراقِ.
لندن، ١٣ / ٣ / ١٩٦٣